موقع متخصص بالشؤون الصينية

إحتفاءً بالذكرى الستين للعلاقات.. تطوّر مذهل بين مصر والصين

1

abdekader-abdelkader-china-egypt-relations

موقع الصين بعيون عربية ـ
عبدالقادر حسن عبدالقادر*

العلاقات بين مصر والصين كانت دوماً وستبقى مبدئية ومِثالية وعملية وفاعلة وعلى درجة هي الأعلى من التنسيق والأرفع في التبادل النافع في كل المجالات، وكان التفاهم ومايزال وسيستمر عميقاً بين العاصمتين ومؤسسات البلدين الرسمية والشعبية.

وبزيارة فخامة رئيس جمهورية الصين الشعبية السيد شي جين بينگ الى القاهرة هذا العام، في زيارة دولة تاريخية ومتميزة بكل المقاييس، ولقائه فخامة رئيس جمهورية مصر العربية السيد عبدالفتاح السيسي، تفتّحت العديد من كوى العلاقات الثنائية، وتم توقيع الكثير من الاتفاقيات بينهما، في حقول تكاد تكون شاملة، مايؤكّد تجذّر الصِّلات بين مصر والصين، وانطلاقتها الى فضاءات هي الأوسع والأنفع. وقد شهد الرئيسان أنذاك على توقيع إتفاقيات للاستثمار، في مجالات عدة أبرزها الكهرباء والطاقة الانتاجية والمواصلات والبنية التحتية الخ، يصل حجمها الى أكثر من 15مليار دولار، ومنها ما جرى التوقيع عليه بخاصة إتفاقية إطارية، وإتفاقية بين بنك التنمية الصينى والبنك الأهلى المصرى يتم بموجبها تقديم قرض بقيمة مائة مليون دولار لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وفي تشريحه للنجاحات بين مصر والصينن يقول الدكتور فخري الفقي، الخبير الاقتصادي المصري، ان زيارة الرئيس الصيني للقاهرة فرصة لتحقيق قفزة في التعاون الاقتصادي بين البلدين، خصوصًا بعد مرور 60 عامًا على علاقة وطيدة بين حضارتين عملاقتين. ويضيف الفقي، أن الرئيس الصيني سيضخ مشاريع متنوعة في مصر  يصل تمويلها من 8 إلى 10 مليارات دولار خلال الـ5 سنوات المقبلة.
كما أشار الخبير الاقتصادي إلى أن التبادل التجاري بين البلدين مهم جدًا، حيث يصل إلى 12 مليار دولار، لافتًا إلى أن الاستثمارات التي سيتم ضخها من الجانب الصيني ستكون ذات منشأ مصري وبالتالي ستتعامل معاملة الصادرات المصرية. وأوضح أن السياحة الصينية مهمة جدًا في الفترة الحالية، حيث يصل لمصر100 ألف سائح سنويًا، مطالبًا وزير السياحة بزيادة هذا العدد إلى 3 ملايين حتى يعوّض السياحة الروسية.

ومن المفيد في هذا السياق، الاستشهاد بموقف الصين من مصر وأسباب اهتمامها بعلاقات متميزة مع القاهرة. ففي 3 أغسطس 2014 استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي،  السيد”وانغ يى” –  وزير خارجية جمهورية الصين الشعبية الذي حمل أنذاك رسالة شفهية إلى الرئيس من الرئيس الصيني “شي جين بينغ”، تضمنت تجديد التهنئة على تولي منصب رئيس الجمهورية، والإشادة بدوره في هذه المرحلة الحيوية الفارقة في عمر الدولة المصرية، وبجهوده الحاسمة لتحقيق الاستقرار في مصر، وبما يتناسب مع كونها دولة عريقة ذات ثقل كبير في محيطها الإقليمي وعلى الصعيد الدولي، فضلاً عما تتمتع به من علاقات صداقة تاريخية وعميقة مع الصين، مؤكداً دعم بلاده للجهود المصرية المبذولة لتحقيق التهدئة والهدنة في قطاع غزة، وموجها الدعوة للرئيس لزيارة الصين.
وكان الوزير الصيني قد صرح ان الصين تقدّر وتثمّن علاقاتها مع مصر  وتطويرها، وبأنه يتعين أن يتركز التعاون على منظور إستراتيجي بعيد المدى، لاسيّما أن تحقيق الاستقرار في مصر يمثل ركيزة لاستقرار المنطقة، معرباً عن ثقة بكين في استئناف مصر لدورها التقليدي في محيطها الإقليمي وعلى الصعيد الدولي.

وفي عودة لصفحات تاريخ علاقات مصر بالصين، نقرأ بأنه تم تدشينها دبلوماسياً في30 من مايو/أيار عام 1956، عقب اعتراف مصر بجمهورية الصين الشعبية. ويمثل هذا التاريخ منعطفاً في منتهى الأهمية بالنسبة للعلاقات الدبلوماسية وذلك لمكانة مصر عربياً وإفريقياً وإسلامياً، وإعتبر هذا الحدث بمثابة فتح الأبواب على مصاريعها أمام الصين لإقامة علاقات رسمية مع الدول العربية والإفريقية بشكل عام.
لكن التاريخ يتحدث عن علاقات قديمة جداً بين مصر والصين. فكتب التاريخ الصينية تذكر أن الإسكندرية هي أول مدينة في أفريقيا ورد ذكرها في السجلات التاريخية الصينية، كما ورد إسم مصر في بعض المؤلفات الصينية، ومنها كتاب “تتمة المتفرقات في يويانگ”، وفي كتاب “دليل ما وراء الجبال الجنوبية”، وكتاب بعنوان “سجلات البلدان”.
وقد ربط طريق الحرير البري وطريق البخور البحري بين مصر والصين، ليس تجاريًا واقتصاديًا فحسب وإنما ربط بينهما ثقافيًا وفكريًا وعلميًا أيضًاً، ولعب ميناء القلزم (السويس حاليًا) دورًا هامًا في التبادل التجارى بين مصر والصين قديمًا، ولعله ليس من قبيل المصادفة أن يتم اختيار السويس أيضًا في العصر الحديث لإقامة المنطقة الإقتصادية الخاصة غرب خليجها للتعاون المصري- الصيني على نحو مذهل.

واليوم، في القرن21، نشهد كيف ان جمهورية مصر العربية وسفارة الصين بالقاهرة بدأتا بإقامة فعاليات ضخمة في نهاية مايو وبداية يونيو الحالي، إحتفالاً واحتفاءً بمرور 60 عاماً على بدء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وترتدي هذه الاحتفالات فعاليات مشهودة ومهيبة ومتعددة وذات معنى متسع في الشعبين، وهي تجتذب عشرات ومئات أُلوف المصريين إليها بشكل مباشر، والشعب المصري بعامة بملايينه من خلال قنوات الفضائيات المصرية، الصحافة المحلية والإعلام المكتوب والمسموع والمرئي عموماً.

وتعد مصر أول دولة عربية وإفريقية تعترف بجمهورية الصين الشعبية وتقيم علاقات دبلوماسية معها منذ عام 1956، وعقب قرار الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، في 26 من يوليو عام 1956، بتأميم شركة قناة السويس وتحويلها الى شركة مساهمة مصرية، بادرت الصين الى تأيد هذا القرار في 4 أغسطس عام 1956، حيث أوضح رئيس مجلس الدولة الصيني في الخامس عشر من أغسطس بيانا حول قضية قناة السويس، أكد فيه دعم الصين حكومة وشعبا للخطوة التي اتخذتها الحكومة المصرية، من أجل حماية سيادة الدولة واستقلالها، وذلك بعد مرور عام واحد على الاجتماع التاريخي الذي جمع وقتها الرئيس جمال عبدالناصر برئيس وزراء الصين شوآن لاى في باندونج .

ولقد مرّت العلاقات المصرية الصينية بثلاث مراحل، كانت الأولى عقب قيام ثورة يوليو عام 1952. فمصر كانت من أوائل الدول التي أيّدت بحماس حق الصين في استعادة مقعدها الشرعي في الأمم المتحدة . وعبرت قيادة الثورة المصرية عن دهشتها لموقف الولايات المتحدة الأمريكية المتجاهل لجمهورية الصين الشعبية وتتشابه سياسات الدولتين في أمور كثيرة في مقدمتها السعي من اجل السلام في جميع أرجاء العالم والدعوة إلى ديمقراطية العلاقات الدولية وإقامة نظام دولي سياسي واقتصادي منصف وعادل.
وبرغم الظروف الداخلية في الصين عام 1966، إلا أن بكين أعلنت تأيدها التام لكل المواقف التي اتخذتها جمهورية مصر العربية في صد العدوان الثلاثي عن مصر وبالتزامن مع تظاهرات ضخمة في بكين لمدة ثلاثة أيام دعماً لنضال مصر والشعوب العربية، وتوالت الزيارات المتبادلة بين قادة ومسؤلى البلدين بشكل عام.

وبغض النظر عن ان الصين سحبت خلال الثورة الثقافية كل سفرائها من المنطقة العربية، إلا أنها أبقت على سفيرها في مصر عاملاً ونشطاً، وهذا يؤكد المكانة الرفيعة التي تحتلها مصر في السياسة الخارجية الصينية، وقد تجسّدت هذه المكانة من خلال موقف الصين تجاه حرب أكتوبر عام 1973 حين أعلنت تأيدها التام للجهود المصرية لاستعادة أرضها المحتلة والمحددات الخارجية التي تعنى العوامل الإقليمية والدولية التي تلعب دور في تطوير العلاقات بين الدول .

ومنذ عام 2003 واحتلال الولايات المتحدة الامريكية العراق وفرض هيمنتها على منطقة الخليج، وإقامة عقوبات على إيران، واستخدامها ملف حقوق الإنسان للتدخل في الشأن الصيني، إلا أن بكين دعت الصين لإقامة نظام دولي جديد يقوم على أساس قواعد مبادئ التعيش السلمي، فكانت أول زيارة ل”هو جين تاو” بعد توليه الحكم عام 2004 هي زيارته الى مصر، مايعكس توجّه البلدين. وخلال الفترة من 2003 إلى 2011 كانت العلاقات بين البلدين تتأثر بطبيعة العلاقات المصرية – الأمريكية.
لكن في العام2011، حدث تطور مهم في علاقات البلدين، إذ تم افتتاح المكتب الثقافي المصري في الصين، في نوفمبر 2011، وهو أول مكتب ثقافي يتم افتتاحه في الخارج عقب ثورة يناير 2011 مما يؤكد أهمية العامل الثقافي كجسر للتواصل بين البلدين وتبادل الخبرات وتوفير فرص جديدة للتعاون بما يحقق منافع مشتركة وكسب مشترك لكلا الشعبين.

وبسبب معاناة الاقتصاد المصري من مشاكل إقتصادية عديدة، توجّهت مصر لتدعيم علاقتها من أطراف دولية كانت الصين في طليعتها، كما اهتمت بكين اهتماماً كبيراً بتدعيم علاقاتها مع مصر ومع الرئيس عبدالفتاح السيسي شخصياً خلال زيارتين قام بهما للصين.

وفي عهد فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، أرسلت مصر وفود دبلوماسية وشعبية إلى الصين في مطلع ديسمبر 2013، يترأسها أحمد الفضالي ووزير الخارجية الأسبق محمد العرابي ومفيد فوزي. تبعته زيارة لوزير الخارجية نبيل فهمي في 15 ديسمبر 2013. وقد قررت الصين منح مصر معونة قدرها 150 يوان صيني (الدولار الأمريكي يساوي 6.1 يوان)، مما بدا كتعبير عن عدم رغبة الصين في التواصل مع مصر.

وفي 22 فبراير 2014 قام وفد من رجال الأعمال الصينيين بزيارة لمصر وهي أول زيارة رسمية لوفد من المستثمرين الصينيين عقب ثورة 30 يونيو حيث أبدى المستثمرون رغبتهم في ضخ استثمارات جديدة في مصر في قطاعات المقاولات والبنية التحتية والديكور والإتصالات واصفين السوق المصرى بأنه أكبر أسواق منطقة الشرق الأوسط.
وفي 5 يونيو 2014 هنأ الرئيس الصيني شي جين بينگ الرئيس عبد الفتاح السيسي بمناسبه إنتخابه رئيسًا للجمهورية معبرًا عن رغبته في تطوير العلاقات بين الدولتين في مختلف المجالات.
وفي 9 يونيو 2015 التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي بالقاهرة مع المبعوث الخاص للرئيس الصيني شي جين بينگ وزير الصناعة والمعلوماتية الصيني مياو وي والذي مثل الرئيس الصيني في مراسم تنصيب الرئيس السيسي وفي 28 أغسطس 2014 عقدت أول جولة للحوار الإستراتيجي بين الصين ومصر خلال زيارة وزير الخارجية الصيني وانگ يي لمصر ولقائه مع الرئيس السيسي ووزير الخارجية.
في 17 سبتمبر 2014 قرر رئيس الوزراء السابق ابراهيم محلب تشكيل لجنة وزارية برئاسته تسمي وحدة الصين لتعزيز ومتابعة العلاقات وتضم وزراء الصناعة والتجارة والبترول والكهرباء والخارجية والتعاون الدولي والزراعة والنقل والإستثمار وفي 22 نوفمبر 2014 اتفق البلدان خلال زيارة المبعوث الخاص للرئيس الصيني منگ جيان تشو على تعزيز التعاون الإستراتيجي بينهما والإرتقاء بالعلاقات بينهما إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية الشاملة بما يتناسب مع إمتدادها على مدى 60 سنة.
وفي 22 ديسمبر 2014، قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بزيارة رسمية للصين. في إطار الزيارة تم التوقيع على وثيقة الشراكة الاستراتيجية الشاملة، وكذلك العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين البلدين في الكثير من المجالات التي تشمل التعاون الاقتصادي والنقل وتوريد المعدات الطبية والطيران المدني والتعليم والبيئة.
كما رحب الرئيس السيسي بمبادرة الرئيس الصيني بإعادة طريق الحرير البري والبحري والذي يمر بـ 65 دولة، كما زار الرئيس السيسي إقليم مقاطعة سيتشوان الذي يعد أكبر المقاطعات الصينية سكانًا كما عقد لقاءًا مع مجلس الأعمال المصري الصيني المشترك كما التقى برؤساء 28 جامعة صينية وفي ختام الزيارة قام الرئيس السيسي بزيارة مدينة تشنغدو التي تعتبر مركزًا لأهم الشركات العالمية والصينية الكبرى ومركزًا للاقتصاد والإستثمار خاصة في مجالات الخدمات اللوجيستية والإلكترونية وصناعة السيارات.
في 1 سبتمبر 2015 قام الرئيس السيسي بزيارة لبكين للمشاركة في إحتفال الصين بعيد النصر الوطني وبالذكرى السبعين لإنتهاء الحرب العالمية الثانية والتقى بالرئيس الصيني شي جين بينگ للتهنئة بهذه المناسبة في قاعة الشعب الكبرى. وقد رحب الرئيس الصيني بحضور الرئيس السيسي للإحتفال، مشيرًا بمشاركة القوات المسلحة المصرية فى العرض العسكري الذى أقيم بهذه المناسبة، وذلك فى ضوء علاقات الشراكة الإستراتيجية المتميزة التى أطلقها البلدان خلال زيارة الرئيس السيسي الأولى لبكين فى ديسمبر 2014.
كما أثنى الرئيس الصينى على الخطوات العملية التى يتم اتخاذها على صعيد تعزيز التعاون الثنائى، ولا سيما فيما يتعلق بمشروعات الطاقة الإنتاجية، فضلا عن التنسيق الجاري بين البلدين فى الشئون الدولية، بما يعكس حرصهما على تعميق وتعزيز العلاقات الإستراتيجية بينهما. ورحب الرئيس السيسي خلال اللقاء بالإستثمارات الصينية فى مصر، واستعرض عددًا من المشروعات التي يمكن أن يساهم فيها المستثمرون الصينيون، ولا سيما فى المنطقة الاقتصادية الخاصة لقناة السويس والتى ستتيح مشروعات واعدة فى مختلف المجالات أمام المستثمرين الصينيين للإنطلاق نحو الأسواق المجاورة لمصر سواء فى المنطقة العربية أو القارة الأفريقية.
ومن الاهم هنا، تناول الرئيس الصيني للذكرى الستين لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بمزيد من الاهتمام، وإعلانه عامًا ثقافيًا سيشهد نشاطًا ثقافيًا وإعلامياً وتبادلاً لزيارات الوفود الثقافية والفنية بين البلدين.

*كاتب وناشط إذاعي مصري وعضو في هيئة الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتاب العرب حُلفاء الصين في مصر.

تعليق 1
  1. مروان سوداح يقول

    مقالة مهمة جداً وتُنشر في مناسبتها اليوم الاثنين.. وهي تتطرّق للتاريخ والاقتصاد ولمختلف نواحي العلاقات الرسمية والشعبية بين مصر والصين

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.