موقع متخصص بالشؤون الصينية

بَحرُنا الجّنوبي.. تارِيخ صِيني وزَوبعة إستعمارية في فنجانٍ

0

aboumoussa-wang-hongwa-china-southsea

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
أبو موسى وانج هونجوا*:

 

منذ أكثر من مائتين عام  قبل الميلاد، بدأ الصينيون الإبحار الى بحر الصين الجنوبي للصيد والمغامرات واكتشاف الحياة، وفي هذه الأجواء بالذات، وفي سياق ذلك، اكتشفوا هناك مجموعة جُزر (الأرخبيلات).

وجراء استيطان الصينيين لأرخبيلات بحر الصين الجنوبي، دُوّن الصينيون ما يخصّها في مخطوطات وطنية صينية قديمة أُطلق عليها إسم “تسانغ هاى”، بمعنى “البحر اللجّى”،  وهذه المدونات سالفة الذكر تحمل اسماء آتية:

ـ كتاب أواخر أسرة خان [book of later han].

ـ سجلات المسائل الأعجمية- ‏[record of foreign matters].

 

كما تم تأليف هذان الكتابان إبّان أسرة خان الملكية التي استغرق سلطانها طويلاً(سنة ٢٠٢قبل الميلاد – سنة ٢٢٠ميلادياً). وهناك كتاب آخر اسمه ((الموسوعة الملكية لأسرة سونغ))، تم تأليفه  أبّان أسرة سونغ التي استغرق سلطانها طويلاً بين عامي (عام ٩٦٠ ميلاديا —  عام ١٢٧٩ميلاديا) وكانت الصين عندها دولة كبيرة وقوية شكلها شكل امبرطورية، وكان امبراطور الصين يفتخر بتلقى جزية من الدويلات المجاورة له ، مثل فيتنام  وكوريا واليابان وبورما الخ، برغم ان الجزية كانت رمزية وبسيطة أحياناً كثيرة، لكن السفراء كانوا يأتون الى الامبرطور لتقديم الجزية له ليتمتعوا باستقبال كريم و رفيع المستوى بعد دخولهم لحدود الصين معفّين  من أية تكاليف ومصاريف، من حيث المواصلات والوجبات، كالطعام والشراب والإقامات، وحتى وصولهم الى حضرة الإمبرطور، ويرجعون الى بلادهم مُحمّلين أضعاف قيمة جزيتهم من إكراميات الإمبراطور، فحوّل الامبرطور الصيني بسلوكه الحسن هذه الدويلات الى عائلة له وأبناء لديه يتدثرون بحضن أب مدلل لهم ومدلّع لجميعهم!

 

وفى القرن الخامس عشر ازدهرت الصين ازدهاراً كبيراً، وأرسل الإمبراطور الرحالة المسلم المشهور ( حاجي محمود شمس الدين تشنغ خه) الذي قام برحلات عديدة زار فيها البلدان التي تقع على سواحل المحيط الهندي وجنوب آسيا وافريقيا، ووصل إلى منطقة الخليج  والبحر الاحمر ومكة مكرمة، وكان ذلك في سبع رحلات بحرية استغرقت 28 عاماً ، حاملا معه بضائع كثيرة من المنسوجات الحريرية والمجوهرات والعقاقير الطبية الصينية. فجذبت الصين العالم آنذاك من السلاطين والملوك والوزراء والولاة ورجال الدين والدنيا والكتّاب والشعراء والفقهاء والعلماء والأطباء والتجار والصناعيين، وجعلهم يأتون الى الصين مثلما قال القرآن الكريم: “وفى ذلك فليتنافس المتنافسون”  لذلك كان ملوك الفلبيبن يتفاخرون بالذهاب الى الصين، وحتى مَن لقى حتفهم في الصين يكون فخورا….

 

الخرائط الرسمية لأسرة مينغ (١٣٦٨— ١٦٤٤ميلادي) تُبيّن ان الحكومة الصينية بدأت بشكل مبكر جداً في ممارسة سلطتها الإدارية على الأرخبيلات فى منطقة بحر الصين الجنوبي، وقد أرسلت جنودها الحراسة البحرية الى هذه المنطقة تنفيذاً لدوريات تفتيش.

 

ارتخت الصين فترتين عن قضية بحر الصين الجنوبى،احداهما خلال الحرب العالمية الثانية التى شنّت الصين عندها حرب مقاومة وتحرير لأراضيها من الغزاة اليابانيين داخل التراب الصيني، وآخرها كان عند الثورة الثقافية الكبرى، التى تموجت فيها الحملة الثورية بسبب الصراع الطبقى بين البروليتاريا والبرجوازية، مما ادى الى اهمال بعض شؤون تلك الجزر لفترة محددة، وتغافلت الصين عنها وعن عدد من اوجهها، لكنها بقيت صينية خالصة وسيادة الصين عليها قانونياً وادراياً وثقافياً تامةً،  كما كان ومايزال أمر  أراضي بحر الصين الجنوبي صينياً، لكن بعض الدول المجاورة رأت فرصة سانحة، فارسلت هذه الايام قواتها الى بحر الصين الجنوبى لتحتل بغير وجه حق عدداً من الجزر والشِّعاب لمصلحتها الأُحادية والأنانية  .

 

واليوم يتبّدى ان زبدة كل النزاعات والصراعات الاجنبية فى هذه المنطقة هو بسبب اكتشاف  العلماء الفرنسيين واليابانيين لاحتياطات  ضخمة من الثروات في باطنها منها النفط والغاز الطبيعى، والثلوج الجافة، والثروات المعدنية، فاحمرّت عيون هذه الدول للحصول على تلك المطمعات، ولأجل وقف الصعود السلمى للصين منذ ان اخذت في تنفيذ سياسة الاصلاح والانفتاح على الخارج، فى اواخر السبعينيات، وكذلك تداعيات الحرب الباردة، وتنافس قوتين عظميين قديمتين على مناطق عديدة فى العالم، وبعد انهاء القطبية الثنائية صارت القوة المنتصرة تهيمن على العالم برمته، وتصرف حسب ارادتها وعقيدتها ومصلحتها ارادتها على الاخرين دون مبالية بشيئ او بأحد. لكن هذا ادى ويؤدي الى ويلات كثيرة: فكم دولة انهارت بسببه، وكم اسرة تشرّدت وتشّت افرادها، وكم طفل حُرم من الذهاب الى المدرسة، وكم مبتور ومجروح يوجد، وكم باخرة مليئة باللاجئين تعوم على بحر بمسير ما بين الموت والحياة..

 

ان سيادة الصين على الارخبيلات في بحر الصين الجنوبى غير قابلة لأي نقاش وجدل، إذ ان الصين هي التي اكتشفت هذه الارخبيلات أولاً، وسمّتها أولا باسماء صينية، وسكنها الصينيون واقاموا بيوتاتهم عليها، وقامت الصين بإدارتها وتطويرها أولاً. كما ان هناك اكثر من مائتي خارطة جغرافية وموسوعات علمية معتمدة فى العالم بأسره تشمل بالشرح والتبيان هذه الارخبيلات وتابعيتها الى الاراضى الصينية، وهو ما يُطابق تماما شروط القانون الدولى لتبعية الاراضى الاقليمية.

 

الدفاع عن اراضى الوطن المقدسة  هو أمر ضرورى وفريضة عين على كل مواطن، وان الوطن للانسان بيته وحياته، وحبه طينةٌ مركوزةٌ فيه، و حتى الطيور تئن إذا غادرت عشّها، كذلك بنى آدم الذى كرمه ربه يحنَ بحكم الفطرة الى بلده ووطنه الذي ولد فيه وترعرع على أرضه.

 

والصين امة عملاقة ذات ست وخمسين قومية متحدة ومتضامنة ومتناغمة تحت قيادة الرئيس الحكيم شى جين بينغ وحكومته الأمينة والقوية والبارزة اقتصاديا وعسكرياً وتكنولوجياً، ولم تعد الصين بذلك ذات أية تسميات أوروبية، ولم تعد “رجل آسيا المريض”، فكيف يمكن مسامحة أمريكا التي جاءت مع عملائها من بعيد الى بحر الصين الجنوبي، بحرنا، النقى الجلي، لتعكر مياهه وتخريب المناظر الطبيعية الجذابة فيه!

 

فى الوقت الحاضر والوضع الراهن صرنا نشاهد ونتفرج على العجائب والغرائب لمسرحيات أجنبية يعرضونها علينا، لذلك علينا ان نسلّح أنفسنا بتعميم وتربية  فكرية ووطنية  وبتوجيه الشعب اتجاهات  ايديولوجية،  فى استمرار النظرة الى الامام فقط، وليس النظرة الى المادة فقط، وعلينا ان نسرّع خطوة البناء ببناء سور الصين الجديد، ونحن مضطرين لبنائه حتى نحمى بلادنا وشعبنا ونضمن سلامة اراضينا.

 

اعمل ما ينبغى يا وطنى فمعك الشعوب الساعية الى العادلة فى العالم، وهي تقف معنا فى قضيتنا العادلة بغضَ النظر عن تدويل القضية وشيطنة يجرونها بلا سند ولا أدلة.

 

نحن الصينيون نتأصّل ونتورّث من اجدادنا و “الجار هو أفضل من أقاربه البعيدين”، وقد قال الرفيق ماوتسي تونغ:{نحن نرغب فى السلم، ولكن أذا أصرت الامبريالية على شن حرب علينا فلا يسعنا إلا ان نعقد العزم الاكيد على خوض غمارها أولاً، ثم نستأنف البناء، وإن كانت المخاوف من وقوع الحرب تساور المرء كل يوم  فماذا يُجديه الخوف إذا نشبت الحرب فعلاً؟ لقد قلت أولا ان الريح الشرقية تتغلب على الريح الغربية، وأن الحرب سوف لا تنشب، وأضيف الآن هذه التوضحات حول الوضع فى حالة نشوب الحرب، وبذلك نكون قد أخذنا كلا الاحتمالين بعين الاعتبار}.

*مدير شركة صينية يعمل في الدوحة، ويكتب بالعربية وعضو ناشط ورئيس ديوان الشؤون والمتابعات الاسلامية في الصين في دواوين ومديريات الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب حُلفاء الصين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.