موقع متخصص بالشؤون الصينية

أربعة أسئلة محورية حول مستقبل العلاقات الصينية- الإفريقية

0

2016-636074116460046955-4

ما بين اتهامات الغرب للصين بمحاولة إقامة إمبراطورية جديدة فى إفريقيا عبر الاقتصاد والتجارة، وتسابق دول القارة السمراء على جذب الاستثمارات الصينية وتوطيد العلاقات مع بكين، تتراوح القراءات المختلفة لطبيعة الشراكة الصينية – الإفريقية، وتفرض الأسئلة حول مستقبل هذه العلاقات نفسها، خصوصا فى ظل تباطؤ الاقتصادات العالمية بما فيها الصينى..
حاول ملتقى وسائل الإعلام ومؤسسات الفكر الصينية والإفريقية، الذى استضافته مدينة مومباسا الكينية مؤخرا، تقديم إجابات وطرح رؤى وتوقعات لما يجب أن تكون عليه العلاقات بين بكين والقارة السمراء.

فعلى مدى يومين من الحوارات والنقاشات المستفيضة حاول أكثر من 150 مشاركا من المسئولين والإعلاميين والباحثين الأفارقة والصينيين الإجابة على أربعة أسئلة محورية حول حاضر ومستقبل العلاقات الصينية- الإفريقية، ومدى نجاحها فى تحقيق الهدف المعلن من الجانبين دائما بتحقيق الكسب المشترك والفائدة للجميع، وكان كل سؤال عنوانا كبيرا لجلسة حوار مطولة، والأسئلة الأربعة هى:

1- كيف يمكن تنفيذ قرارات مؤتمر قمة منتدى التعاون الصينى- الإفريقى «فوكاك» الذى استضافته جوهانسبرج فى ديسمبر الماضى بطريقة منظمة وفعالة؟

2- كيف يمكن تعزيز التعاون الصينى- الإفريقى لزيادة الطاقة الإنتاجية بطريقة آمنة وفعالة، وكذلك التصنيع والتحديث الزراعى؟

3- ما أوجه الاختلاف بين التعاون الصينى- الإفريقى للكسب المشترك، وتعاون الشركاء الدوليين الآخرين مع القارة الإفريقية؟

4- ما أهمية تعزيز التعاون بين مؤسسات الفكر والرأى ووسائل الإعلام الصينية والإفريقية، وتشجيعها على لعب أدوار إيجابية فى تنمية التعاون بين الصين وإفريقيا؟

أكثر من الاقتصاد

فى كلمته خلال الجلسة الافتتاحية للملتقى قال لى تشاو شينج، رئيس جمعية الدبلوماسية العامة الصينية، والذى كان وزيرا لخارجية الصين خلال الفترة من مارس 2003 إلى ابريل 2007، إن العلاقات بين الصين وإفريقيا ليست وليدة الأعوام الأخيرة، ولا تتوقف عن الاستثمارات والتبادل التجارى، رغم الأهمية التى يمثلها الاقتصاد، موضحا أن العلاقات السياسية بين الصين والدول الإفريقية تعود إلى السنوات الأولى بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية، وأن تلك العلاقات استندت دائما على الاحترام المتبادل والسعى نحو التحرر الوطنى، ومع مرور السنوات تطورت هذه العلاقات لتحقيق هدف الازدهار من خلال التبادل التجارى والعلاقات الأقوى على المستوى الاقتصادى.

وأضاف لى تشاو شينج أنه تربطه علاقات خاصة جدا بالقارة الإفريقية، حيث زار جميع دولها حينما كانت 52 دولة، سواء خلال عمله وزيرا لخارجية الصين أو قبل ذلك، حيث كانت أول بعثة دبلوماسية صينية يلتحق بالعمل فيها السفارة الصينية فى كينيا عام 1970، وكانت تلك زيارته الأولى للقارة، وتنقل بين عدة دول، وله ذكريات خاصة جدا مع تلك الدول.

وشدد وزير خارجية الصين الأسبق على أن بلاده لا تنسى موقف عدد كبير من الدول الإفريقية التى ساندتها فى معركتها الدبلوماسية لاستعادى مقعدها بالأمم المتحدة، وكيف أن هذه الدول وقفت ضد الرغبة الأمريكية وصوتت لصالح عودة الصين للمنظمة الدولية، مشيرا إلى أن الجانبان الصينى والإفريقى نجحا فى تطوير العلاقات بينهما بإنشاء منتدى التعاون الصينى الإفريقى (فوكاك) عام 2000، والذى أصبح منصة مهمة للحوار المتعدد الأطراف وآلية فعالة للتعاون العملى بين الصين وإفريقيا، موضحا أن الإصرار على تنفيذ قرارات قمة جوهانسبرج ضرورى لتحقيق هدف للكسب المشترك للجانبين الصينى والإفريقى.

تشاو تشى تشنج، وزير الدولة السابق لمكتب المعلومات التابع لمجلس الوزراء الصينى، اعتبر أن التطور الكبير الذى تشهده العلاقات الصينية-الإفريقية خلال الأعوام القليلة الماضية على جميع المستويات يتطلب جهدا للحفاظ على المكتسبات التى تحققت لتتنامى فى المستقبل.

وطالب الوزير الصينى السابق، فى كلمته خلال الجلسة الافتتاحية، الجامعات مراكز الأبحاث الصينية والإفريقية بإجراء دراسات كل من جانبه للتعرف أكثر على الجانب الآخر، وتكوين آراء ووجهات نظر حقيقية وصحيحة، مشيرا إلى أن هذا الملتقى يمثل خطوة على هذا الطريق للاستماع إلى الخبراء والباحثين من الجانبين، للعمل يدا بيد على تحقيق الحلم الصينى- الإفريقى، المتمثل فى توفير حياة كريمة لشعوب الجانبين.

وذكر أن التعاون الصينى الإفريقى ليس وليد السنوات القليلة الماضية فقط، حيث قامت الصين قبل أكثر من 40 عاما ببناء خط السكك الحديدية “تازارا” الذى يربط بين عاصمة تنزانيا دار السلام ومدينة كابيرى مبوشى التنزانية بطول 1860 كيلومترا، والذى استغرق بناؤه 6 سنوات وتم افتتاحه عام 1976، وربط بين الدولتين الجارتين وسهل حركة الأفراد والبضائع بينهما.

مشروعات ضخمة

من جانبه أشار جيمس مشاريا، وزير النقل والبنية التحتية الكينى، فى كلمته إلى أن الصين أظهرت جدية شديدة فى الاستثمار بالقارة الإفريقية، خصوصا فى مجالات النقل من سكك حديدية أو طرق سريعة، وهى الإنشاءات الضرورية لنمو أى اقتصاد، موضحا أنه على عكس الدول الغربية التى استعمرت إفريقيا تاريخيا واستنزفت مواردها الطبيعية تعمل الصين على تحسين ظروف البنية التحتية الإفريقية لتحقيق النفعة للجميع.

ونوه الوزير الكينى بعدد من المشاريع الصينية الضخمة فى بلاده، والتى زارها المشاركون فى الملتقى قبل يوم واحد من انعقاده، وعلى رأسها إنشاء خط السكك الحديدية الذى سيربط بين العاصمة نيروبى ومدينة مومباسا على المحيط الهندى بطول 480 كيلومترا تقريبا، والذى سيختصر زمن الانتقال بين المدينتين من 12 ساعة فى الخط الحديدى القديم إلى 4 ساعات فقط فى القطار الجديد، كما سيسهم فى نقل ملايين الأطنان من البضائع من ميناء مومباسا إلى العاصمة نيروبى.

وأشار إلى أن هذا الخط، الذى سينتهى العمل به نهاية العام الجارى ويبدأ تشغيله التجريى العام المقبل، لا يخدم كينيا وحدها، حيث إن هناك خطة لربطه مع السكك الحديدية فى كل من أوغندا ورواندا وجنوب السودان، وهو ما يفتح الطريق أمام الربط مع دول إفريقية أخرى، لتسهيل حركة البضائع والأفراد بين هذه الدول.

وأضاف أن هناك مشروعات صينية أخرى ضخمة فى كينيا ترتبط بخط السكك الحديدية منها تطوير ميناء مومباسا البحرى لتسهيل حركة نقل البضائع التى سيتم إنتاجها فى المنطقة الاقتصادية الخاصة المجاورة لمحطة القطار الأولى وللميناء، مشيرا إلى أن الاستثمارات فى هذه المشروعات تجاوزت الـ3.5 مليار دولار، بتمويل من البنوك الصينية بنسبة 90% و10% من جانب الحكومة الكينية.

حلم إنشاء نظام مالى إفريقى، وكيف يمكن أن تسهم الصين فى إيجاده، كان محور كلمة الدكتور ليما سينبت، المدير التنفيذى للجمعية الإفريقية للأبحاث الاقتصادية، فقال إن خطط التعاون العشرة بين الصين والدول الإفريقية التى أعلنها الرئيس الصينى شى جين بينج فى قمة (فوكاك) بجوهانسبرج، فى مجالات التصنيع والإنتاج الزراعى والطاقة والأمن وغيرها من المجالات تستطيع تحقيق هذا الهدف إذا تم الالتزام بتطبيقها.

وأشار إلى ضرورة العمل على تقليل الفجوة القائمة فى التبادل التجارى بين الصين وإفريقيا، من خلال تصنيع المواد الأولية وعدم تصديرها على صورتها الأولية، بالتعاون مع الصين فى تحديث الصناعة بإفريقيا وتدريب العمالة المطلوبة لهذا العمل، لتقليل التفاوت الكبير فى الدخول القائم حاليا فى معظم دول القارة الإفريقية.

من جانبها قالت الدكتورة تشانج قوى تشن، نائبة عميد كلية الاقتصاد الدولى بجامعة الشئون الخارجية الصينية، إن الاستثمارات الصينية فى الخارج تنمو بشكل كبير، وإن نسبة كبيرة من هذه الاستثمارات يتم توجيهها إلى القارة الإفريقية، واعتبرت أن ذلك يعود إلى ترحيب دول القارة بالاستثمارات الصينية، وأن تواصل هذه الزيادة يتطلب مواجهة التحديات الموجودة بالقارة من حيث الأمن وغيره، حيث إن ضخ استثمارات جديدة يعتمد على الخبرات المتراكمة للمستثمرين، وثقتهم فى الحفاظ على مصالحهم.

طريق الحرير

الدكتور وانج يى وى، مدير معهد الشئون الدولية التابع لكلية الإعلام بجامعة رينمين الصينية، قال إن المعرفة أهم عناصر التعاون بين أى طرفين، مشيرا إلى أن كينيا ثانى دولة إفريقية يزورها بعد مصر، وقبل هاتين الزيارتين لم يكن يعرف الكثير عن القارة.

وأشار إلى أهمية إنشاء الطرق والسكك الحديدية، حيث إن الصينيون يقولون: “إذا أردت أن تصبح غنيا فعليك أن تشق طريقا.. وإذا أردت أن تصبح غنيا بشكل أسرع فعليك امتلاك قارب واتباع الطريق البحرى”، معتبرا أن مبادرة طريق الحرير البحرى الصينية ستفتح المجال للحفاظ على نمو العلاقات الصينية- الإفريقية.

أما الدكتور دينج لونج، الأستاذ بكلية الدراسات الخارجية بجامعة الاقتصاد الدولية ببكين، فطالب بأن تكون هناك خطة مدروسة من الصين والدول الإفريقية للارتقاء بالصناعة فى القارة، إذا كانت الصين تريد الحفاظ على تنمية تعاونها مع القارة، ومواجهة التحديات الموجودة بإفريقيا حسب ترتيب أولويات هذه التحديات الكثيرة، وضرورة إدراك التباين بين الدول الإفريقية من حيث الثروات الطبيعية، وأن يكون هناك إدراك لطبيعة المنافسة فى القارة، حيث إن بعض الدول الإفريقية تتعاون مع دول أوروبية.

وخلال الجلسات تحدث عدد من الصحفيين الأفارقة، الذين أمضوا عاما فى الصين للتعرف على المجتمع والتخصص فى الشأن الصينى، مشيرين إلى أهمية التعاون الإعلامى بين الجانبين فى توصيل الصورة الحقيقية لكل طرف عن الآخر، حيث إن بعض وسائل الإعلام الغربية تنقل صورة غير واقعية عن إفريقيا، وعن الصين أيضا، مستغلة أنها المصدر الوحيد للمعلومات، فالمناضلون الأفارقة ضد الاستعمار كان يتم تصويرهم على أنهم إرهابيون.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.