موقع متخصص بالشؤون الصينية

الاقتصاد الصيني.. الحقيقة والفبركات

0

marwan-soudah-china-economy2

إذاعة الصين الدوليةCRI العربية ـ
الأكاديمي مروان سوداح*:

ليست هي المرة الاولى التي يَنبري فيها بعض من يُسمّون أنفسهم بمُعلِّقين سياسيين واقتصاديين، و “خبراء” بالشأن الصيني، و “قادة” للرأي العام، بتوجيه الهجوم على الصين دولياً، في محاولة لتسويد صفحة الصين في العالم، وابتداع هوّة سياسية وأخلاقية ومعنوية أمام الصين على صعيد دولي، تحول دونها ودون تواصلها مع  العالم، ولفصل هذه الاطراف عن بعضها البعض.

في التشويهات التي اعتدنا عليها منذ ان صارت الصين متقدمة صناعياً وزراعياً وتقنياً، ومرهوبة الجانب اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، أن الصين “دولة الهيمنة والاستعمار الاقتصادي والسياسي!” ، وهنا بالذات بدأت حملات التخويف من بكين و “توسّعها الاقتصادي والسياسي والديمغرافي!”.

وفي موازاة كل ذلك، تستمر الحملات السياسية وهجمات تدّعي عداء الصين كدولة ونظام للاسلام والمسيحية، وتستهدف هذه الحملات الظالمة على الصين إعادة برمجة عقول وأفكار شعوب الغرب السياسي والعالمين الاسلامي والعربي، و يترأسها  هناك كما يتكشّف علانية، غُلاة المتطرفين القوميين والشوفينيين والفاشيين والعسكريين المتسربلين بكل الالوان والازياء.

لذا، يتضح أن المعركة الحالية التي تدار ضد الصين، لا تنحصر في البحرين الغربي والجنوبي الصينيين فحسب، بل تتركز أيضاً على الحدود الغربية للصين، وفي وسائل الإعلام ومعاهد وبنوك الأفكار والابحاث الغربية والثالثية المُمّوَّلة أمريكياً وغربياً، ومن جانب بعض العرب للأسف.

ويتزامن الهجوم الدولي الظالم على الصين مع المعركة الحالية التي يقودها شرفاء الامة العربية عالمياً في سبيل تحالف استراتيجي عربي – صيني، وصيني – دولي يدعو إليه بلا كلل أو ملل الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين، وقد باتت ملامحه مرئية وقاب قوسين أو أدنى من التطبيق والممارسة بدعم صيني رسمي وشعبي، ليَرث طريق الحرير القديم والمجيد البري والبحري.

وفي هذه المعركة يَشتد ضغط العملاء الذين فرّوا من الصين نحو الغرب مجرجرين أذيال الخيبة والهزيمة، على مِثال ربيعة قدير، والدالاي لاما. هؤلاء ينشطون بلقاءات مع قادة الغرب السياسي و شخصيات ولوبيات الضغط العالمي لمحاصرة الدولة الشعبية الصينية من كل حدب وصوب. وهنا يتكشف لنا العجب العجاب في وسائل الاعلام الغربية والعالمية خلال قراءة الأنباء والمقالات والمواد عن كل ذلك، وعن فضائح أزلام التطرف والحرب والرجعية الدولية المناهِضة للتقدم والحضرنة والأنسنة الصينية، التي تنسجم مع أماني أُمم الارض كافة.

أضف الى ذلك، تلقي هؤلاء العملاء أفكاراً ودعماً مالياً ودبلوماسياً وسياسياً في كل مجال، للتدخل في العمليات الصينية بمجملها، لعرقلة عجلة الصين عن التقدم في آسيا ووسطها وشمالها وجنوبها تعاوناً مع روسيا والهند وفي اتحاد “بريكس” والدول الكبيرة في القارة القديمة، ولعرقلة تقدم بيجين صوب غرب آسيا فأفريقيا واوروبا، حيث يمكن للحضرنة الصينية ان تعرض قسماتها وطبيعتها الحقيقة الزاهية، وتمكين أموالها الفلكية لإدارة  الاقتصادات الغربية فازدهارها وتحويلها عن عجلات الحرب، ما قد فضي الى شل الطبائع العسكرتارية للاقتصاد الغربي، وتحويله الى سلامي ومتصل مع أماني وحدة الحضارة العالمية وثقافات الشعوب.

وضمن كل ذلك، تجري عملية موازية لانهاك المِثال الصيني الاقتصادي والسياسي والاخلاقي، تارة بما يدّعون به من هبوط سعر صرف في اليوان الصيني، واخرى في تراجع امكانيات الفِعل الاقتصادي الصيني في الداخل الصيني نفسه وفي الخارج، وما يُسمّونه بتأثيرات العقوبات الاقتصادية الغربية على الصين، من خلال تراجع بعض الدول الغربية عن اتفاقاتها الاقتصادية والتجارية المُقرّة مع الصين.

وفي هذا الاتجاه رغبةً بفصل الصين عن العالم وحصرها إقليمياً بعدما تمكنت من قفزات نوعية في كل الحقول، لم يسبق لها مثيل في تاريخ كل شعوب العالم، وحصر النظام الصيني في الصين، تمهيداً للتدخل فيه هو أيضاً وبكل صلافة على صعيد محلي.. وبأموال نفطية!

ربما من السهل صرف الاكاذيب يُمنة ويُسرى على البسطاء، لكن الامر غير ذلك على الخبراء الحقيقيين والعارفين بأحوال الصين واقتصادها واوضاعها. فقبل ايام معدودات عدت من الصين بعد مشاركتي في مؤتمر أكاديمي دولي، وقد لمست استمرار الازدهار الصيني بنفس الوتائر التي قُدّر لي تلمّسها وتحسّسها قبل ذلك، فمنذ سنوات طويلة أزور هذه الدولة العملاقة، ولم أشعر بوجود أية عقبات أو تراجعات اقتصادية صينية، ولم المس أي تذمر شعبي أو انتقادات ما، بل على العكس من ذلك تماماً، رأيت تواصلاً في النمو، وتنفيذاً للخطط والمهام الموكولة للعاملين، وكان سعر صرف العملة الصينية ما يزال كما هو، مناسب وفي محله كما كان دوماً.

وفي الجديد نسبياً الذي يَطغى على الحركة الاقتصادية الصينية حالياً، كما لاحظت، هو ازدياد الطلب من المواطنين الصينيين على السلع، وهو ما يعتبر في الصين مشكلة، بسبب العدد الضخم للسكان، ففي الراهن من الايام يواجه الاقتصاد الصيني “مشكلة” تتمحور على  ضرورة تلبية المتطلبات المتزايدة للمواطنين، بسبب السياسة الحكيمة للقيادة الصينية بزعامة الرئيس شي جين بينغ، إذ أقرّت توجيه الاقتصاد أساساً لخدمة السوق الداخلي ومتطلباته، والاعتماد عليه لمواجهة التقلبات الاقتصادية العالمية، وتلافيها، وهو ما كان ويكون، وقد تم وضع خطة صينية لمواجهة الطلب السلعي المتزايد للصينيين ليتمتعوا بنتاجات التطور وبأقصى ثمار التطور الوطني صناعياً وزراعياً.

في الحقيقة، أضحك كثيراً عندما أقرأ ما يروّج حول تباطؤ الاقتصاد الصيني، تبعاً لما يُسمّونه بهبوط أسعار النفط؟!، أو ارتباط النفط بنمو الاقتصاد الصيني، فقد غاب عن صانعي الاخبار المُفبركة أن الصين تستند لروسيا في وارداتها النفطية والغازية، وتستكمل الدولتان استراتيجية التحالف الاقتصادي، وبأن الحدود بينهما نشطة كما لم يكن في تاريخ البشر، وهو ما أدى الى تنشيط الاقتصاد الصيني واستقراره لكونه يعتمد على جارٍ له، يستورد منه ما يشاء من الطاقة والبضائع دون معيقات لوجستية، أو تعقيدات سعرية، فسِعرِ الطاقة المُصدَّر لروسيا تم الاتفاق عليه رسمياً قبل سنوات، وهو ساري المفعول ولم يطرأ عليه أي تغيير ولن يطرأ لسنوات طويلة مُقبلة.

وعلى العكس مِن كل ما يروّج له من صعوبات اقتصادية صينية و “هبوط” في العملة الصينية وغيرها من الترهات والتمنيات غير الواقعية، فإن الاقتصاد الصيني صار أكثر ثقة بالمستقبل من خلال علاقاته الواثقة مع روسيا، إذ استقرت صناعات صينية عديدة في منطقة سيبيريا الفسيحة، و تم فتح أراضيها أمام المزارعين والاستثمارات الصناعية الصينية، ما بات يُحقق للبلدين ثماراً وارباحاً ضخمة، ما يؤكد سِعة النجاح الجديد حالياً، وضخامته المأمولة في السنوات المقبلة، لينعكس بمجمله على اوضاع مواطني البلدين ويوميات كل عائلة في مدن وارياف الصين وروسيا، من حيث مزيد من الرخاء والتقدم، ليس في الاقتصاد وحده فحسب، بل وفي المجالات الاجتماعية الاخرى، وهي كثيرة.

ومن المفيد هنا ان نذكر، ان التعاون الصيني الروسي، الاستراتيجي العميق، يتم بالعملتين المحليتين، الوطنيتين، وهما الـ “يوان” والـ “روبل”، إذ أنه تم استبعاد الدولار وكل العملات الغربية والاجنبية الاخرى من هذه التبادلات الثنائية بين العاصمتين، حتى في المجال السياحي والتبادل البضائعي والسلعي.

لقد لاحظت ان “تحليلات” الخبراء الاقتصاديين والسياسيين الغربيين وبعض العرب عن “تراجع” الاقتصاد الصيني، إنما ترتبط حصراً بتذبذب اسعار النفط والغاز، تارة لجهة الفائض في المخزون العالمي، وتارة لجهة تحكّم دولة ما في أسعاره ورؤيتهم بالتالي لمستقبل الاستيراد وانعاكاساته على عملية الانتاج البضائعي والعرض والطلب السلعي، عِلماً أن الصين قد قلّصت الى حد كبير وارداتها من الطاقة من السعودية، ، ومن دول اخرى كذلك، وفقاً للانباء المتلاحقة، لصالح واردات الطاقة الروسية، التي هي الاسرع في التسييل عبر الحدود الوطنية المشتركة لكلا البلدين، ولكونها موثوقة وتستند في سيلانها الى قرار سياسي للقيادتين السياسيتين الصينية والروسية، يتسم بالاستناد لثبات العلاقات الاستراتيجية بين الدولتين، ولجهة رفض تأثّرها بأية هزات اقتصادية وسياسية خارج نطاقهما.

في الحقيقة والواقع، تنطلق التشويهات للاقتصاد الصيني من جانب الاحتكارات العالمية للطاقة، ومن طرف اولئك الرأسماليين المهيمنين على موارد العالم، وهو بما يروجون إليه يحاولون زعزعة الثقة بالاقتصاد الصيني، أملاً في زحزحته عن مواقعه الجديدة، وهز ثباته على ركائزه التاريخية، وهنا لنا ان نعلم ان الاقتصاد والازدهار الامريكي الذي يقوم على الحرب والسلع الحربية، يرتبط عضوياً بالمجمع الصناعي العسكري الذي يسيطر على 80 – 85 بالمئة من الصناعات الامريكية.

وهنا يَتبدّى لنا كذلك مصالح هذا المَجمع، ولماذا يتم الترويج بأمواله ووسائله لأكاذيب ضد الاقتصاد الصيني، الذي تعزّزت مواقعه، برغم محاولات إشغاله في قضايا محكمة لاهاي الدولية تارة، وفي اخرى بالحشد العسكري الامريكي في بحري الصين الشرقي والجنوبي، وفي ترويجات العداء السياسي لبعض الدول الجارة للصين.

الصين قفزت عن الاقتصاد الياباني وجعلته خلفها، وغدت الاقتصاد الاول في العالم وغدا الامريكي بعد الصيني، وهو ما أغضب الولايات المتحدة، التي بدأت حملة عِقابات وعُقوبات في الغرب ضد الصين وأرضحت بعض الدول الغربية العريقة لرغباتها، بفرض تراجعها عن اتفاقاتها الاقتصادية مع الصين. لذا لنا ان ندرك أن الحِراكات الامريكية ليست سوى عملية انتقام إعلامية وأخلاقية من الصين.

لكن واشنطن وعواصم حليفاتها لا تستطيع ان تنال من الاقتصاد الصيني، الذي يتربع على مساحة البسيطة باستثماراته وتوسّعه وثقة العالم به وتحالفاته الوطيدة على إتّساع عالمنا.

*المقالة خاصة بإذاعة الصين الدوليةCRI العربية ومقتبسة منها.
*الاكاديمي مروان سوداح: رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والاعلاميين والكتاب العرب حلفاء الصين.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.