موقع متخصص بالشؤون الصينية

المُسلمون الصِّينيون.. جَبليّون عَرب!

0

موقع الصين بعيون عربية ـ
مروان سوداح* ويلينا نيدوغينا*:
زيارة الصين لحضور مؤتمرات واجتماعات غالباً ما تكون زيارة عمل “جامدة”، بخاصة لمَن يعرف الصين، ولمن زارها عشرات المرات. لكن زيارة الصين والتعرّف على شعبها عن قُرب، بعيداً عن الرسميات و “البروتوكوليات”، هي الزيارة التي يُمكن ان تكوّن تصوّرات واضحة عن حياة الشعب الصيني اليومية.
قبل ان تتحوّل زياراتنا الى الصين الى الطابع الرسمي، كان لدينا زيارات متواصلة تعرّفنا خلالها على الصين والصينيين بصور مباشرة. كان ذلك منذ عهد بعيد، حيث زرنا مواقع العمل، والمزارع، المصانع والشركات، الصَّحارى والغابات، منازل وبيوتات المواطنين الصينيين البسطاء في القُرى والأرياف، وبيوت العَجزة والمشافي والمستشفيات، رياض الأطفال، المدارس والمعاهد الدينية والعلمية والجامعات، مسارح الحفلات الموسيقية والغنائية و”الأُوبرا”، المتاحف ومواقع المَجد التاريخية، بل كانت زياراتنا أولاً الى المساجد والكنائس والجمعيات الدينية ورجال الدين وعلمائه.
كانت زيارات غنيّة المضمون، تمكّنا خلالها من تكوين فكرة واضحة وموضوعية عن الصّين، ومعرفتها من حَكايا مواطنيها غير السياسيين والرسميين، ونعتقد بأن “الصين البسيطة” هي الصين الأهم التي يهتم بها الاجنبي منذ طريق الحرير ليستطلع نبضها ويَستشعر تطلعاتها ورغباتها، وليتمكّن من التفاعل معها والتواصل لسنين كثيرة مُقبلة، وليس لمجرّد علاقات سياسية قد تنتهي في زمن ما، بتغيّر مواقع الشخصيات الصينية ومسؤولياتها الإدارية والمهنية، وحتى يستطيع الزائر التأكيد أنه يَعرف الصينيين وبأن لديه أصدقاء في الصين.
ربما لم تتح الفُرص سوى للقليلين من الساكنين خارج الصين، لمعرفة هذه الدولة ومجتمعها كما نعرفها نحن ونعرف فيها كل ذي لسان، وكل قومية وقوم، بل والكثير من مساجدها وكنائسها ولقاء رجال الدين فيها.
في الصين عرفنا عن قُرب المساجد والمعاهد الإسلامية والطلاب المسلمين وطالبي الشريعة والإيمان. وهناك في الصين كان لنا لقاءات مع المسلمين من ذوي الأصول العربية وهم الغالبية، بينما البعض الآخر من أصول فارسية وغيرها، وكانوا أتوا الى الصين في عصر طريق الحرير التاريخي الأول، قبل ألوف السنين، حين تبادل العرب وأولهم أهل عُمان الأفذاذ الذين قهروا المحيطات وركبوا أمواج البِحار، وأصبحوا مع مرور الوقت مندمجين مع السكان الأصليين، لتتحوّل سِحنهم الى ما يُشابه سحن الصينيين، لكن ملامح الكثيرين منهم بقيت عربية قحطانية “إلى حد واضح”، وهؤلاء يُسمّونهم الى اليوم بـ(سكان الجبال)، لكونهم سكنوا قِممها العالية، ليتمكنوا مشاهدة الصين وتدقيق النظر فيها، وليُحيطوا بكل صغيرة وكبيرة بأرجائها. فالعربي كان يُراقب الصين طويلاً ليفهمها، وليدرك عادات شعبها وتقاليده، ولم يُلاحظها فقط، بل درسها وعرفها وطالب أبناءه احترامها، للتمثّل باحترام الصينيين بخاصة من قومية “هان” للمسلمين، الذين تسنّموا مراكز مسؤولية عليا في النظام الملكي الصيني لأجيال عديدة.
في الصين يتبوأ المسلمون مكانة مرموقة ومتقدمة عموماً، ويشغلون المقام الأول في رحابة انتشارهم بين القوميات هناك، أما الإسلام فهو الديانة الأولى التي رُفعت حكومياً الى مستوى «التميّز» والرعاية بشهادتهم هم. فمنذ تأسيس الدولة الصينية الحديثة، لم تتمتع بهذه الميزات والحدب أي من القوميات الأخرى، ومن بينها قومية «هان» الأكثر عدداً وانتشاراً، وذلك إنطلاقاً من سياسة الدولة الصينية برعاية موصولة للقوميات والطوائف الصُغرى والحفاظ على مشاعرها الدينية مَصوُنة، بهدف وقف إنحدارها في سياق عملية التطور الإجتماعي – التاريخي الطبيعية. لذا، لا تطبّق على مسلمي الصين سياسة تحديد النسل الرسمية التي تطال القوميات الأخرى كافةً، بل تقدّم الدولة للمسلمين أشكالاً متعددة من المعونات، الخدمات وعمليات التأهيل لتيسير شؤونهم الحياتية وتسهيلها، ومكافحة الفقر والبطالة في صفوفهم، وتنمية مناطقهم زراعياً وصناعياً، فرفع قدراتهم العلمية والثقافية والفردية، ليتمكنوا من مواجهة أعباء الحياة.
ونذكر بأننا كتبنا في الصحافة خلال تواجدنا في الصين، ذات مرة، أنه ولئن كان الإنفتاح الصيني قد وُلد في الأحواز المحلية الأكثر تطوراً وتقبّلاً للإنفتاح الاقتصادي والحضاري الأسرع، ومحاذاةً للموانئ البحرية وتوافر طرق المواصلات، إلا أنه يتجه اليوم بخطى سريعة جداً الى المناطق الغربية ذات الكثافة السكانية المسلمة، حيث الحياة اليومية مشابهة للعربية، وقد باتت هذه التطورات الحياتية والاستثمارية ترتبط بالتدريج مع الأجزاء الأخرى من البلاد، بشبكة مواصلات ناشطة، تشهد على ميلاد بُنى أقتصادية كبرى، وإرساء مشاريع مُبشّرة للمسلمين فيها ولعلاقاتهم مع العالم العربي، سيّما بعد نجاح تطبيقات مبادرة الرئيس شي جين بينغ الموسومة بالحزام والطريق في تلك الأقاليم، التي لم تعد اليوم قصيّة، بل قريبة من العاصمة بيجين بسبب إختصار الوقت ما بين طرفي الصين، من خلال شبكة المواصلات المتطورة ذات السرعات الفلكية.
*مروان سوداح: رئيس الإتـّحاد الـْدّوُليُّ لِلْـصَّحَفِيّينِ والإعْـلاَمِيِّينِ وَالْكُتَّابِ الْـعَرَب أصْدِقَـاءُ (وحُلفاء) #الـصِّينِ.
*يلينا نيدوغينا: كاتبة ورئيسة الفرع الاردني والفرع النسائي #للاتحاد_الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء (وحُلفاء) الصين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.