موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصين لن تنقذ أوروبا

0

خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس» ـ
جودي ديمبسي* ـ
نقلاً عن صحيفة الاتحاد الإماراتية:

عندما اتخذ الرئيس ترامب قراره بانسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، فإن هذا القرار على وجه التحديد، وربما أكثر من قراره الخاص برفض إقرار بند الدفاع المشترك في معاهدة «الناتو»، هو الذي هز معظم القادة الأوروبيين، لأنه كان يعني، بوضوح، أن أميركا تتراجع عن دورها كقائد عالمي.

وقرارا ترامب بشأن «الناتو» والتغير المناخي، يضعفان العلاقة بين جانبي الأطلسي، ويمثلان في الوقت ذاته أخباراً سارة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لأنهما يعنيان أن هدفه الخاص بإضعاف العلاقة المتميزة بين الولايات المتحدة وأوروبا، قد بدأ يتجسد على أرض الواقع.

فالقادة الأوروبيون يعرفون جيداً أن الاتحاد الأوروبي غير مستعد عسكرياً أو سياسياً لتأسيس بنيته الدفاعية الخاصة، ويدركون في الوقت نفسه أن «الناتو» سيبقى الضامن الأمني الوحيد لهم، وأن كل ما يتعين عليهم عمله بشأنه، هو أن يدفعوا له المزيد من المال، كما طلب الرئيس ترامب.

ورغم أن الولايات المتحدة تعرف جيداً بأن الصين والهند قد باتتا جاهزتين للعب أدوار اقتصادية وسياسية أكبر في السنوات المقبلة، فإنها أقدمت على الانسحاب من اتفاقيات باريس للمناخ، والشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP)، وهما خطوتان تعنيان بكل ببساطة أنها تتخلى عن أرض للصين، لأن هذا الانسحاب يترك الدول الآسيوية في حالة انكشاف أمام شهية الصين للنفوذ الدولي، والتي رأي القادة الأوروبيون بعض مظاهرها مؤخراً.

وخلال الأيام القليلة الماضية، جرى تكريم رئيس الوزراء الصيني «لي كيكيانج» في أوروبا، حيث فرشت له المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل (زارت الصين 11 مرة منذ توليها منصبها) السجادة الحمراء ترحيباً به وبوفده المرافق. لاحظوا أن المسؤول الصيني زار برلين أولاً ثم بروكسل بعدها بيومين.

بالطبع يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يتباهى بأن حجم التجارة المتبادلة بين دوله والصين يتجاوز 1.5 مليار دولار يومياً، لكن هناك قدر كبير من عدم التوازن في هذا التبادل: فالصادرات الأوروبية للصين تصل في المجمل إلى 100 مليار دولار سنوياً، أي نصف قيمة الصادرات الصينية لأوروبا تقريباً.

ومعلوم أن ميركل، وغيرها من الزعماء الأوروبيين، قد اشتكوا مراراً وتكراراً من قيام الصين بإغراق السوق الأوروبي بالسلع الرخيصة. والخبر السار في هذا الصدد هو أن دول الاتحاد الأوروبي قررت تجميع صفوفها لمواجهة الصين حول هذا الموضوع، من خلال التأكيد على أنها تخرق قواعد منظمة التجارة العالمية المتعلقة بمكافحة الإغراق.

هناك تغير يتعلق بفورة المشتريات الصينية عبر أوروبا. فرغم أن العديد من القادة الأوروبيين قد انتقدوا روسيا سابقاً لاستثمارها في أوروبا، فإن صيحات الاحتجاج ضد الاستثمارات الصينية، خصوصاً في القطاعات الاستراتيجية، ناهيك عن صيحات الاحتجاج على عدم شفافية هذه الاستثمارات، قد سُمعت بالكاد في أوروبا.

ويتساءل قادة قطاع الأعمال الأوروبي: كيف يتسنى للصين أن تستثمر في أي قطاع تريده في أوروبا، في حين أن ذلك أمر غير متاح للشركات الأوروبية التي تستثمر فيها؟

ووفقاً لبحث أجرته غرفة التجارة التابعة للاتحاد الأوروبي في الصين، قال 61% من أفراد العينة التي استُطلعت آراؤها، إنهم يؤمنون بأن اللوائح البيئية مطبقة بصرامة ضد الشركات الأجنبية، فيما قال 14% و17% فقط إنها مطبقة بصرامة ضد الشركات الصينية الخاصة والمشروعات المملوكة للدولة، على التوالي.

وتوقع 15% من أفراد العينة في ذلك المسح أن تتقلص الحواجز التنظيمية تدريجياً على مدى خمس سنوات المقبلة.

ويمكن القول باختصار، إن الشركات الأوروبية غير مقتنعة بأجندة الإصلاح ورطانة الحكومة الصينية، حول موضوع حرية التجارة. فـ«فرانسوا جوديمنت»، اختصاصي الشؤون الآسيوية في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، مثلاً، يقول: «إن حرية التجارة بالنسبة للصين تعني حريتها في التصدير، وهو مفهوم يناقض مفهوم الاتحاد الأوروبي».

حقوق الإنسان، والرقابة على الإنترنت، موضوعان آخران من موضوعات الخلاف مع الصين. يشتكي أعضاء الاتحاد الأوروبي أيضاً، من القوة الاقتصادية للصين ومصالحها الجيو استراتيجية. فالصين تستثمر في مشروعات البنية التحتية، خصوصاً في الدول الأفريقية والشرق الأوسطية، مقابل الحصول على سلع أولية، وكسب أسواق تصدير جديدة. لكن الصين مع ذلك لا تقارن بدول أوروبا في مجال تدعيم مساعدات التنمية، وتقديم الإغاثة للاجئين، أو تعزيز الأمن الإقليمي، وهو ما يثير حفيظة الأوروبيين الذين يهتمون اهتماماً خاصاً بموضوع القوة الناعمة.

ما يحدث في الواقع هو أن الصين هي مَن يستفيد بقوة أوروبا الناعمة. فدول أوروبا، ونتيجة لعدم امتلاكها قوة خشنة كافية، لا تمتلك استراتيجية محددة بشأن الأمن المستقبلي لبحر الصين الجنوبي، أو بشأن كوريا الشمالية، لأنها ترى أن هذه أمور تقع في نطاق مسؤولية أميركا.

المفارقة في هذا الصدد، هي أن ترامب، شأنه شأن القادة الأوروبيين، كثيراً ما انتقد السياسات التجارية الصينية، ومع ذلك فالولايات المتحدة وأوروبا مازالا ينظران من نفس المنظور إلى سياسات الصين الحمائية، وطموحاتها الجيو استراتيجية.

ولكن نظراً لأن العلاقة عبر الأطلسي باتت معكرة للغاية، فإن القادة الأوروبيين سيجدون أنفسهم مضطرين لتوحيد صفوفهم لمناهضة سياسات الصين الحمائية، ومواجهة انتهاكاتها في مجال حقوق الإنسان، وشماتتها في الغرب الذي تعرض للإضعاف.

جودي ديمبسي*

———————–

*زميلة لمعهد كارنيجي- أوروبا

————————-

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.