موقع متخصص بالشؤون الصينية

#مسلمون في #الصين (العدد 73)

0

نشرة الصين بعيون عربية – محمود ريا
للتاريخ محطات كثيرة في الصين، لعل واحدا من الأبرز فيها هو محطة دخول الإسلام إلى الصين.
القصة طويلة، ولها مؤرخوها، وفيها الكثير من الآراء، وبعضهم يردّها إلى زمن رسول الله (ص)، إلا أن الأكثر اعتماداً، وأقربها من الواقع تلك التي تقول إن الخليفة الثالث عثمان بن عفان أرسل صحابيين إلى الصين، حيث التقيا الإمبراطور، وأقاما هناك، وأخذا ينشران الدين الحنيف، ويعرّفان الصين بالإسلام العظيم.
وفي عصر الفتوحات كانت القصة المشهورة، عندما أصرّ القائد العربي على ان تطأ قدماه تراب الصين، فأرسل له الإمبراطور الصيني بعضاً من التراب الصيني، ومعه وافر الهدايا، فارتد القائد المسلم بجيشه عن أراضي الصين، ولم يحصل من يومها أي احتكاك عسكري بين المسلمين والصينيين.
منذ ذلك الحين، انتشر الإسلام في الصين بشكل هادئ، وتركّز انتشاره عند بعض القوميات، ولا سيما تلك التي لها امتدادها خارج الصين، كقوميات القازاك والطاجيك والتركمان والأوزبيك، من دون أن يعني ذلك عدم وجود عدد كبير من المسلمين الذين ينتمون إلى قوميات الصين الأصلية، لا بل إن الإحصاءات الرسمية تقول إن عدد هؤلاء هو الأكبر بين المسلمين في الصين، وهم ينتمون إلى قومية الـ “خوي”، وهي مجموعة تنتمي إلى العرق نفسه الذي ينتمي إليه الصينيون “الهان”، أي المجموعة الأكبر من أهل الصين.
بعض هذه المعلومات يذكرها الشيخ “تشن قوانغ يوان” رئيس الجمعية الإسلامية في الصين، فيما هو يعبّر عن ارتياحه للأوضاع التي يعيشها المسلمون في الصين الآن، معبّراً عن رضاه عن الحرية الكبيرة التي يتمتعون بها في أداء مناسكهم الدينية دون اعتراض من أحد.
ويعطي الشيخ “تشن قوانغ يوان” مثالاً على ارتفاع منسوب الحرية الذي يتمتع به المسلمون الصينيون بالقول إنه كان أول من حجّ من المسلمين الصينيين عام ثلاثة وستين بعد انقطاع طويل عن الحجّ بسبب القيود التي كانت موضوعة من قبل الحكومة الصينيّة في السابق، وكان معه في رحلة الحج تلك ثلاثة عشر رجلاً.
أما في عام 2011 فإن عدد الحجاج الصينيين بلغ ثلاثة عشر ألف حاج، وهو رقم يتناسب مع العدد الرسمي للمسلمين الصينيين الذي تقدّمه الحكومة، وهو ثلاثة عشر مليون مسلم، باعتبار أن السلطات المولجة بتنظيم شؤون الحج في السّعوديّة تسمح لكل ألف مسلم بحاج واحد في العام.
إلا أن هذه الصّورة الزاهية لأوضاع المسلمين الصينيين لها ما يعكّرها بالطبع، وجزء من هذه المعكّرات يطرحه الشيخ في حديثه عن البعض الذي يسعى إلى فصل المسلمين عن واقعهم وعن مجتمعهم الذي اندمجوا فيه من خلال دعوات انفصاليّة مموّلة من الخارج، معتبرا أن هذه الدّعوات لا تلقى آذاناً صاغية من معظم المسلمين الصّينيين، وإنما تبقى منحصرة في بعض الأشخاص الذين يتلقون أوامرهم من جهات أجنبية.
والجزء الآخر من هذه المعكّرات يتناوله رئيس جمعية المسلمين الخوي الذي يقول، في لقاء معه في مدينة سي آن، إن المسلمين يعانون من اغتراب عن معاني دينهم الحقيقية، فهم يؤدون العبادات، بأغلبهم كما يجب، ولكن فهمهم لهذه العبادات ليس مكتملاً، بسبب اغترابهم اللغوي من جهة، وبسبب اغترابهم المكاني من جهة أخرى.
وما لا يذكره الشيخ الجليل يمكن استشرافه من الحديث مع عدد من المسلمين الصينيين الذين يقولون إن القيود التي فرضت على هؤلاء المسلمين ـ في سياق القيود التي فرضت على كل أصحاب الديانات الأخرى ـ في السنوات السابقة، أدّت إلى تعميق هذا الاغتراب لدى المسلمين الصينيين.
الخلاصة التي يمكن فهمها من حديث رئيس جمعية المسلمين الخوي في مدينة “سي آن” أن المسلمين الصينيين يعرفون من الإسلام العبادات الشكلية، فيما هم بحاجة إلى تعميق آثار هذه العبادات في حياتهم اليومية، وهذا ما يفتقدون إليه اليوم.
هذا الواقع الذي يشكو منه شيخ “سي آن” لا ينفي وجود الكثير من العادات والتقاليد التي تقترب من عادات وتقاليد المسلمين في مناطق العالم الأخرى، وهذا ما يمكن لمسه من خلال التجوّل في شارع المسلمين وفي سوقهم في مدينة “سي آن”، ومن خلال استعراض الصور التي نراها في مركز الجمعية الإسلامية الصينية في بكين.

هذا النص هو حلقة من سلسلة من 13 حلقة نشرها الكاتب في موقع الانتقاد الإخباري عام 2011 إثر زيارة قام بها إلى الصين واطّلع فيها على أحوال الصين والمسلمين فيها.
ستعيد ”نشرة الصين بعيون عربية“ نشر السلسلة كاملة ابتداء من العدد المقبل إن شاء الله.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.