موقع متخصص بالشؤون الصينية

في “باب المَندب”.. انتشار إستراتيجي (العدد 77)

0

نشرة الصين بعيون عربية ـ م. يلينا نيدوغينا*

يأتي الانتشار العسكري الصيني على باب مضيق “باب المندب”، المُطل على المحيط الهندي والبحر الأحمر وطُرق التجارة الدولية ونقل الاسلحة والعتاد والعسكريين الى ساحات القتال، في زمن مُعقّد ويُنذر بتدهور أوسع في منطقة “الشرق الأوسط” وجنوب غرب آسيا.
لقد اختارت الصين انتشارها في قاعدة عسكرية في جيبوتي الاستراتيجية بموقعها الجيوسياسي النادر، للإطلال على تطوّرات المنطقة الكبرى من المحيط الهندي في الجنوب على خط الاستواء، إلى البحر الابيض المتوسط شمالاً.
توقيت الانتشار الصيني مهم للغاية. فالحرب في سوريا قد تكون نهايتها قد دَنت والأسباب كثيرة ولا مجال لتعدادها هنا، أما في العراق فقد حقّق العراقيون وحُلفاؤهم انتصارات كُبرى على قوى الظلام. وفي فلسطين يزبد نتنياهو ويَرعد ويتوعّد ضد انتشار أية قوات روسية على خطوط الهدنة بجانب الأراضي السورية المُحتلة في الجولان وجنوب لبنان، لئلا يتكشّف أمره الكبير لروسيا، حيث يَصطف في صف تشجيع الفلتان العسكري في المنطقة، داعماً ومؤازراً ومُعالِجاً قِوى الموت والتجزئة والاقتتال الارهابية الدولية.
لكن الأهم هنا هو أن منطقة البحر الأحمر وجنوبها وشمالها تشهد هذه الايام توترات واضحة، ذلك لكثافة انتشار القوات العسكرية من مختلف الدول في المياه الإقليمية فيها والدولية أيضاً. فالكل يُراقب ويُتابع ويتحفّز وهو مَكمن “الخطر الأخطر” وتدهور الأوضاع ونشوب صراع دولي عوضاً عن الصراع “التقليدي” ضد الارهابيين، ويَبدو أن مختلف قوات عواصم المتربول الاستعمارية المُنتشرة في هذه المنطقة الكبيرة، تُسجّل شهقات بعضها بعضاً!، وتسجّل أيضاً أنفاس القوى التحررية وفي طليعتها الصين وروسيا، وهذه تُسجّل لتلك.
الانتشار الصيني يُدوّن للصين دخولاً شجاعاً وغير مَسبوق الى مناطق الصراع الدهرية، وبخاصة تلك التي تتصادم فيها مختلف المصالح والدول والقوى، وحتى تلك البعيدة عنّا كأمريكا وبريطانيا. فهذه المنطقة تفصل بين قارتين قديمتين، شهدت حروباً دموية وما تزال تشهدها، وتصارعت وتتصارع فيها أقوى قوى العالم القديم والجديد، فمَن يُسيطر عليها يُسيطر على طُرق التجارة والتبادلات الاقتصادية والحضارية والانسانية، وتزدهر بلاده، ومَن يَفشل يَرتد يُسجل التاريخ فشله واندثار قوّته وذوبان جبروته.
دخول الصين إلى حلبة الصراع العالمي في المنطقة العربية الآسيوية – الأفريقية يَعني الكثير. فبعد دراسات مُعمّقة ومُطوّلة، دخلت الصين اقتصادياً وعلانيةً ومباشرةً الى السوق السورية، واكتسحت أسواق دول المنطقة، وها هي تُعلن منذ وقت غير بعيد انحيازها لقوى المستقبل والاستقلالية والسيادة الوطنية، وقد بدأت تتبلور في سياستها الخارجية ضرورات الإعلان عن موقف سياسي يُسجّل لها في التاريخ، ويَستند الى أيديولوجية تقدمية يتبنّاها الحزب الشيوعي الصيني البَاني، وإن كان هذا الأمر قد يًفضي إلى بعض الخسارات الاقتصادية عندها، لكنها ستربح على المدى الطويل وبعد تفاعل الأحداث والانتقال إلى خواتيمها.
بعد رُسوخ الحِلف الصيني – الروسي، وثبات علاقات “بوتين” و”شي”، اندفعت الصين الى جنوب ووسط وشمال الشرق الأوسط “الكبير”، إذ أن الرئيس “شي” كان أكد قبل أيام قليلة من اليوم لزميله الروسي “بوتين”، بأن أية تطورات سلبية في العالم لن تقوى على التأثير على علاقاتهما، والتي ستبقى تترسخ وتتطور، كذلك الأمر بالنسبة لشعبيهما الصيني والروسي، ومن الواضح أن هنالك تفاهمات صينية – روسية عميقة لا تشمل الغاز والنفط والبضائع والسلع والأراضي الزراعية والمناخ فحسب، وإنما كذلك مستقبل العالم والبشرية ومكانتهما كدولتين كبيرتين وجبارتين وحاسمتين في هذا العالم وعلى الساحة الدولية، وبخاصةٍ في “الشرق الأوسط” الذي يَغلي، وتتنازعه قوى استعمارية تقليدية تحاول العودة إلى مواقع نفوذها البائدة.
وجود الصين في “القرن الأفريقي” الذي كان وبقي يئن من حِراب وحروب استعمارية وتمزيقية، يؤشّر إلى بدايات أفول القوى السابقة التي استمرأت لسنين طويلة نهب المُستعمرات، فقد حان زمن وقفها عند حدّها صينياً وروسياً، وما القاعدة العسكرية الصينية في جيبوتي سوى بداية لهذا المِشوار الذي لن يطول.. وإنّ غَداً لنَاظِرِهِ قَرِيبُ.
*رئيسة تحرير سابقة، ونائب رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.