موقع متخصص بالشؤون الصينية

دور “القسم العربي” وجامعة بكين بنشر “الضاد”

0

موقع الصين بعيون عربية ـ
إعداد: خالد سعيد ديان*

طريق الحرير البحري هو بمثابة شاهد موثوق على الروابط التاريخية العريقة القائمة بين الأمتين والحضارتين العربية والصينية, والضاربة جذوره في أعماق ثقافة هاتين الحضارتين المتآخيتين، وهو كذلك سبيل موثوق عمل على أدخال التجار العرب الى سواحل المدن الصينية، التي تشتهر بموانئها التجارية المتطورة، ومنها إنتشروا الى بقية المدن التجارية في المقاطعات الصينية الداخلية, حاملين معهم لغتهم العربية, إذ أنهم إستطاعوا بدماثة أخلاقهم وأمانتهم وصدقهم واستقامتهم وحسن معشرهم، الإندماج في أوساط المجتمع الصيني، وأصبحوا بالتالي جزءاً لا يتجزّء من روحه الوطنية وحُماةً له، لهم ما له، وعليهم ما عليه..

يُحكى أيضاً، أن ((سجل التاريخ الصيني)) يتحدث تحديداً في عام 651م، عن أن دولة “داشي” (وهي إشارة الصينين الى بلاد العرب بإسم “داشي”)، كانت أرسلت مبعوثها الى الصين، وذلك في عصر ((قاو تسونغ))، من أسرة تانغ الملكية. فمع عهد أسرة تانغ الملكية إزدهر تعليم لغة الضاد كثيراً في الصين، وبخاصة من خلال المساجد، التي تحوّلت الى مراكز ومعاهد لتعليم اللغة العربية.

كذلك، فقد سجل ((السجل التاريخي الصيني))، أنه في عهد ((جياجينغ)) لأسرة مينغ (1522-1566م)، تم البدء بتعليم “الضاد” على يد السيد ((خودنغ تشو)) ((1522-1597م)) – العالم والمعلم المسلم الجليل من قومية هوي في مقاطعة شانشي, فكان الطلبة يُقبلون عليه في بيته ويتلقون منه اللغة العربية وآدابها وغيرها من العلوم بالمجان, ثم بعد ذلك إنتقل التعليم الى المساجد، وبعد سنوات تغيّر التعليم في الصين بعد سقوط الأمبراطورية وأتخذ أشكالاً جديدة, حيث تم إنشاء مدراس حديثة لتعليم اللغتين العربية والصينية.

وعليه، فمن باب إحياء المشروع الحريري الصيني الجديد، الموسوم بالحزام والطريق، لجهة الحفاظ على لغة الضاد ونشرها في الصين، شهد القسم العربي بإذاعة الصين الدوليةCRI في بكين مؤخراً، إحتفاليةً كبرى بالذكرى الستين لتأسيسه وصادفت 3نوفمبر 2017م , إذ انتهج القسم العربي إستراتيجية جديدة في العمل على تنظيم ورعاية مسابقات لدورات الخطابة باللغة العربية لجميع طلاب وطالبات قسم اللغة العربية بالجامعات والمعاهد الصينية.

وتأتي إقامة مثل هذه الدورة للخطابة إمتداداً للدورات السابقة التي نظمها القسم العربي بإذاعة الصين الدولية في بكين، وكان أولى تلك الدورات في عام 2011 , ثم بعد ذلك تلته في أعوام 2016,2013, 2017م، وسجلت جميعها نجاحات باهرة، وذاع صيتها صينياً وعربياً ودولياً ..

إن تنظيم مثل هذه المسابقات للخطابة باللغة العربية للطلبة الصينين، هو يعتبر بمثابة دور تاريخي حمله القسم العربي بإذاعة الصين الدولية من بكين على عاتقه، من أجل حفظ على اللغة العربية في أوساط المجتمع الصيني، وتوسيع انتشارها، وهذا الدور التاريخي تشترك فيه جامعة بكين للغات الأجنبية/ قسم اللغة العربية، فهم جميعاً يسعون الى خلق أجيال صينية تنهل من معين أصول وعلوم وأداب اللغة العربية، ومن هذا المنطلق، فإن إتقان اللغة العربية للطلبة الصينين يفتح لهم أبواب التواصل فيما بينهم وما بين الحضارتين العربية والصينية.

وهذا الدور الريادي الذي يقوم به القسم العربي بإذاعة الصين، بتنظيمه لمثل هذه الدورات، إنما يُعزّز من مكانته التاريخية في أوساط المجتمعات العربية بمختلف أطيافها، وخصوصاً في الأوساط الأكاديمية والهيئات والمنظمات والجامعات ذات الإهتمام بلغة الضاد، وهو ما سيفتح أبواب التواصل والتبادل الخبراتي على مستوى عالي من التنظيم.

ولا أخفيكم سراً بأنني من المعجبين جداً بمسابقة الخطابة هذه, حيثُ أبهرتني شتى الأدوار التي شارك فيها الطلبة والطالبات الصينيون، المتمثلة إما في حوار مشترك بين طالبين يقومان بالتحدث حول موضوع معين يُبرز كلُ واحد منهما مهارته في مدى إتقانة في اللغة العربية، من نطقٍ ونحوِ وتعبيرِ وإختيار المفردات المناسبة في الحوار، وكذلك في الأدوار المشاركة الخطابة الفردية، وفيها يتحدث الطالب حول موضوع معين ليعبر وبطلاقة وبدون إستخدام أية ورقة, وهذا بحد ذاته يعكس مدى المهارة الكبيرة التي يتمتع بها الطالب الصيني في محاولة مستميته لإتقانه اللغة العربية الفصحى وبلوغ ناصيتها العالية.

 

دور مشهود لقسم اللغة العربية بجامعة بكين في نشر لغة الضاد

جدّد الصرح التعليمي الكبير المتمثل في قسم اللغة العربية بجامعة بكين قسم اللغات الأجنبية، الرسالة الحضارية والتاريخية في تعليم اللغة العربية ونشرها في أوساط المجتمع الصيني، الذي تربطه بالعالم العربي علاقات تاريخية متينة تمتد لعدة الآف من السنيين، ويرجع الفضل في تأسيس قسم اللغة العربية في عام 1946م، إلى الأستاذ الراحل (محمد مكين) – أبرز أهم العُلماء المسلمين بالصين، وأحد أشهر دارسي اللغة العربية في تاريخ الصين الحديث، وقد حقق قسم اللغة العربية بجامعة بكين العديد من الإنجازات في نشر الثقافة والأدب والتراث العربي في الصين, وتعزيز الصداقة والتفاهم بين الصين والدول العربية, ناهيك عن إعداده لكوكبة كبيرة من الاكفاء النشطين في المجالات الدبلوماسية والاقتصادية والتجارية والثقافية، وقد أنجزت الجهود الحثيثة التى بذلها قسم اللغة العربية فى جامعة بكين ومؤسسه الاستاذ مكين، اسهامات واضحة في بناء العلاقات العربية – الصينية التى توّجت بإقامة منتدى التعاون العربى الصينى عام 2004م.

وقد قال تشو شان لو سكرتير لجنة الحزب الشيوعي الصيني بجامعة بكين في كلمة ألقاها بجامعة بكين بمناسبة الذكرى السبعين لتأسيس قسم اللغة العربية في 2016م :  أن قسم اللغة العربية بالجامعة يعد الأول من نوعه في الصين، وقد حقق منجزات كبيرة من حيث تعليم اللغة والأدب والثقافة ونشر الثقافة العربية في الصين والتواصل مع العالم وخاصة الدول العربية، وأعد عدداً كبيراً من الأكفاء النشطاء في المجالات الدبلوماسية والثقافية والاقتصادية خلال السنوات السبعين الماضية. وتعهد تشو بأن جامعة بكين ستقدم المزيد من الدعم لقسم اللغة العربية من أجل مساعدته على تحقيق انجازات أكبر في المستقبل.

كذلك، قال الأستاذ لين فنغ مين رئيس قسم اللغة العربية بجامعة بكين خلال الحفل، إن القسم الذي أقامه العالم الاسلامي الصيني المشهور محمد مكين في عام 1946، بذل أقصى جهوده لنشر اللغة والثقافة العربية في الصين، ولعلنا نقف قليلاً لنعطي نبذه عن الأستاذ (محمد مكين)، الذي هو من مواليد مقاطعة يوننان جنوبي الصين عام   1906،  لأسرة من قومية هوي، وهي إحدى القوميات المسلمة في الصين، وبدأ دراسة العربية والدين الإسلامي منذ طفولته، وبعد تخرجه من معهد شانغهاي الإسلامي لإعداد المعلمين عام 1931، اُبتعث مع عدد من زملائه المسلمين المتفوقين إلى مصر لاستكمال دراساته، ضمن أول بعثة طلابية صينية إلى جامعة الأزهر، وبذخيرته العلمية قام الأستاذ (محمد مكين) بالعديد من الأعمال والأنشطة سواءً من ناحية اللغة العربية او من الناحية الثقافية التي عزّزت أواصر الصداقة بين الحضارتين العربية والصينية، ومن تلك الأعمال، ترجمة الكتب الدينية من أجل نشر الصورة الحقيقية “للأسلام الصحيح”، ومن تلك الترجمات, الترجمة الكاملة لمعاني القرآن الكريم، فقد قضى حياته في الدراسة والبحث في القرآن الكريم، بهدف واحد هو، نشر العقيدة الإسلامية، وكان مبلغ غايته ايضاً هو مساعدة المسلمين الصينيين على تجاوز الحواجز اللغوية حتى يدركوا المعاني الحقيقية للقرآن الكريم، ومن الناحية الثقافية فقد انجز الأستاذ محمد مكين العديد من ترجمة الكتب الصينية الى اللغة العربية ومن هذه الترجمات ((كتاب الحوار)) لكونفوشيوس الحكيم الصيني و ((الأمثال والحكم الصينية))  و (الأساطير الصينية)   وغيرها من التراث الصيني .

كذلك عمل على نقل وترجمة العديد من المؤلفات والمقالات الهامة إلى الصينية، التي تتعلق بالعلوم العربية من التاريخ والعادات التقليدية والدين واللغة وغيرها، مثل: ((جزيرة العرب))، ((نظرة جامعة إلى تاريخ الإسلام في الصين وأحوال المسلمين فيها))، ((مكانة اللغة العربية على الصعيد الدولي سياسيا))…

يُذكر أنه في عام 1959، وأثناء لقاء الرئيس الصيني الاول آنذاك، ماو تسي تونغ، بوفد شباب دولي، كان الأستاذ محمد مكين مترجماً له، وعلّق “ماو”، إن السيد مكين يعتنق الدين الإسلامي، وليس شيوعياً، وأنا شيوعي واعتنق الماركسية. ولكن ذلك لم يكن عائقاً لعملنا وتعاوننا… إننا نتواصل بشكل سلس، وذلك يُبرهن على أننا نعمل كنسيج واحد.

وعلى صعيد إهتمام بعض الدول العربية في إقدامها على نشر لغة الضاد، حيث حظيت اللغة العربية بمساعدات كبيرة، أشار البرفسور شوي تشينغ قوه الى أنه ومنذ تأسيس الصين الجديدة، عملت بعض الدول العربية على إرسال خبراء ومدرسين وأساتذة  إلى الصين، لإلقاء دروس باللغة العربية، أو مشاركة الزملاء الصينيين في تأليف الكتب المنهجية و القواميس، أو إجراء التنقيح اللغوي على أعمال المترجمين الصينيين. وكان من بين هؤلاء الموفدين، أسماء أدبية لامعة كالروائي السوري الشهير “حنا مينه”، والشاعرين السوريين “عبد المعين الملوحي”، و “سلامة عبيد”، والمفكر الفلسفي العراقي “هادي العلوي”، والمترجم الفلسطيني “محمد نمر عبد الكريم”.

هذا، وبيّن بعض المهتمين والباحثين في شأن لغة الضاد، أن “المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم”، ساعدت على تنظيم دورتين تدريبيتين لأساتذة اللغة العربية، لغير الناطقين بها، من جامعات آسيا في بكين. كما وقّع العديد من الجامعات العربية اتفاقيات حول التبادل الأكاديمي مع نظيراتها الصينية. وفي السنوات الأخيرة، لقي تعليم اللغة العربية في الصين اهتماماً متزايداً من طرف البلدان، والحكومات والهيئات العربية. فقد تبرع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الرئيس السابق لدولة الإمارات العربية المتحدة رحمه الله، بمنحةٍ لبناء “مركز الإمارات لتدريس اللغة العربية والدراسات العربية – الإسلامية” في جامعة الدراسات الأجنبية في بكين، وهو عبارة عن بناءٍ مؤلف من خمسة طوابق، بكامل تجهيزاته اللازمة، ومكتبة عربية. وبدورها، أهدت المملكة العربية السعودية مَعملاً لغوياً إلى جامعة بكين. كما ساعدت في إنشاء “صندوق محمد مكين للدراسات الإسلامية” فيها. وتبرعت غرفة التجارة والصناعة في دبي، لإنشاء “صندوق دبي- شانغهاي لتعليم اللغة العربية” في جامعة الدراسات الدولية في شانغهاي.

* خالد سعيد ديان: كاتب وعضو ناشط في الهيئة اليمنية للإتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء (وحُلفاء) الصين – القطن، محافظة حضرموت – اليمن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.