موقع متخصص بالشؤون الصينية

تعديلات الدستور الصيني: تطور نحو الأفضل

0

موقع الصين بعيون عربية ـ
محمود ريا:

 

تثير الصين الإعجاب في كل شيء: حيوية اقتصادية لا نظير لها، تحولات اجتماعية لافتة ولكن تحت السيطرة، وفوق ذلك يأتي الحراك السياسي المميز، والذي تشهده البلاد بشكل دائم.

نظر الكثير من المراقبين إلى المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني الذي انعقد في الخريف الماضي على أنه نقطة تحول حقيقية في الحياة السياسية الصينية، وجاءت المعلومات المتداولة في هذه الأيام حول التعديلات التي تم إقرارها في المؤتمر لتؤكد هذه النظرة، ولتظهر حجم الخطوات الجوهرية التي قررت الصين السير بها نحو الأمام، من أجل تطوير النظام السياسي بناء على التجارب السابقة، وترسيخ القيم الأساسية التي ينطلق منها هذا النظام، وعلى رأسها الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، والتي أثبتت قدرتها على قيادة البلاد في ظل عالم مضطرب يشهد تقلّبات حادة على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية، فضلاً عن الصعد الثقافية والاجتماعية.

إن الاقتراحات المقدمة إلى الدورتين الأوليين لكل من المجلس الوطني الـثالث عشر لنواب الشعب الصيني والمجلس الوطني الـثالث عشر للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني في آذار/ مارس المقبل لإقرارها والسير بها تشكّل نقلة نوعية ينبغي دراستها بدقة، لأنها ستؤثر بشكل عميق على طريقة إدارة الدولة في الصين، وبالتالي ستؤثر على الصين كلها، ومن ورائها على العالم ككل.

لم يعد خافياً على أحد أن العالم بات مترابطاً بشكل كبير، وأن أي حدث يحصل في مكان ما سيترك تأثيراته على أنحاء العالم، فكيف إذا كان هذا الحدث يحصل في قيادة دولة مثل الصين، بما لها من تأثير مختلف الأوجه على الوضع في العالم ككل؟

لقد دخل الزعيم الصيني شي جين بينغ التاريخ من خلال إدارته الدفة الثلاثية في الصين: رئاسة الدولة وإدارة الحزب الشيوعي وقيادة الجيش بجدارة وقوة وبُعد نظر. وكونه بات “قلب” اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، فإن أفكاره وآراءه باتت تشكل جزءاً أساسياً من الدستور الصيني الذي تُحكم به هذه البلاد المترامية الأطراف والمتنوّعة الأعراق والقوميات، ولكن الموحّدة حول هدف واحد هو عَظَمة الأمة الصينية وتناغمها وسيرها باتجاه الرفاه المعتدل والرقي بالصين والعالم إلى حيث ينبغي أن يكونا.

ومن خلال الخبرة المديدة التي اكتسبتها القيادة الصينية من التجربة الميدانية والسياسية، يصبح من الطبيعي العمل على إزالة القيد الذي كان يكبّل الاستفادة من تجربة هذه القيادة عبر اشتراط بقائها في سدّة الحكم لدورتين فقط، كل دورة منها مدتها خمس سنوات.

اليوم، وفي الاقتراحات التي قدّمت إلى دورتي “المجلس التشريعي” و”المجلس الاستشاري”، يأتي التعديل الأكثر لفتاً للأنظار، والمتمثل بإلغاء الفقرة المتعلقة بتحديد فترة القيادة في البلاد بدورتين فقط، وذلك لإتاحة المجال أمام الصين للاستفادة من طاقات القيادة الخبيرة والمجرّبة وإفساح المجال أمام بروز قيادة مخضرمة قادرة على الاستفادة من تجارب الماضي وواقع الحياة الحاضرة وتطلعات المستقبل، للسير بالصين في طريق النمو الحقيقي والمستدام، بعيداً عن الخضّات التي تعاني منها العديد من الدول الأخرى في العالم.

واللافت أن الإعلام الصيني يشدّد على أن التعديل الدستوري لا يعني أبداً أن الرئيس الحالي سيبقى في سدّة الحكم مدى الحياة، وإنما الفكرة من التعديل هي أن لا تكون القيادة مكبّلة بقيود لا تتناسب مع طبيعة العملية التنموية المستمرة في الصين، كما لا تتلاءم مع التحديات الكبرى التي تواجهها الصين في عالم متأرجح لا يعرف الاستقرار ولا الهدوء.

إن حسم هذه المسألة المهمة والمؤثرة، إضافة إلى التعديلات الأخرى التي تكرس الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في نص الدستور، وإعطاء العديد من المدن صلاحيات تشريعية خاصة بما لا يتعارض مع القوانين الوطنية، وغيرها من التعديلات المهمة، كل هذا يؤشر إلى أن الأمة الصينية أمة حيّة، لا تتجمّد عند نص، وإنما تعرف سلوك نهج التطور والسير المستمر إلى الأفضل، بقيادة الحزب الشيوعي وفي قلبه الزعيم شي جين بينغ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.