موقع متخصص بالشؤون الصينية

جِنانٌ مُلوّنة في “قويتشو” الصينية!

0


 

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
فيصل ناصيف عبد الرحمن صالح*:

في محافظة (قويتشو) التي زرناها، وبالذات منطقة الجبال و (Huangguoshu Waterfalls) في جنوب غربها، بترتيب دقيق وبدعوة مشكورة وكريمة وعالية المقام من جانب قيادة الحزب الشيوعي الصيني، مُقدّمة لاتحادنا الدولي للصحافيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء (وحُلفاء) الصين، لم أتمالك نفسي من شدة الانبهار وأنا أسير منهمكاً في تصوير الزملاء واحداً بعد الآخر، وهم الذين يؤلفون الوفد الدولي من بلدان عربية عديدة، فالأعاجيب ولوحات الطبيعة هنا تُمثّل الجِنان، وهي بلا شك مقتطعة من السماوات العُلى بكل ما في الكلمة من معنى، إذ أنها منشورة هناك بيد حرفي وبأسلوب بالغ الدقة، وبتشكيلية لم أرها في حياتي ولن أرى مثيلاً لها كما أعتقد ما حييت!

الحديقة الواسعة للأشجار المُقزّمة المُثمرة وغير المثمرة في مدينة آنشون لمحافظة قويتشو الصينية، هي جزء متميز بلا شك من امتداد واسع لطبيعة لا تنتهي مساحاتها، تجمع في ذاتها مُولّدات الانبهار بحد ذاته وبكلّيته، فسلاسل الجبال المتوسطة المَكسوة بالخُضرة تنتشر على مد البصر، ومياه “شلالات هوانغ قوه شو” الكبرى الدافقة من أعلى إلى أسفل نظيفة ورقراقة وتسقي السجاد الأخضر لتديم حياته وبهجته.. إنها شلالات تُشكّل الثانية أو الثالثة بترتيبها لمثيلاتها الأُخريات في العالم. ففي المنام حتى، لا يمكن للمرء أن يتصوّر مدى الجمال والروعة التي رسمتها الطبيعة لنا وفعّلتها هناك، لتكون نقاطاً جاذبة لشعوب الأرض إن علمت بها وروّجت إليها الصين بنشاط وبكل اللغات، فهذه تعطي فكرة عن مدى ما يمكن للطبيعة ان تمنحه للإنسان الواعي والسليم العقل والفكر من لوحات جمالية، تؤكد أن السلام هو أهم من أي شيء آخر، لأجل إبراز ملامح الطبيعة التي تصل بهذا الإنسان الى أعالي مراتب الخير والأخيار والتناغم ما بينه وبين الإنسانية عموماً من خلال الطبيعة الأُم، التي تهدي الجَمال والخير والأمان لكل ذي نفس حيّة، إن أحسنت هذه النفوس الظن بها وحماية حياتها والعمل المخلص لمواصلة إحيائها.

إن مشهد الشلالات الهادرة مُثير للغاية، لكن الأكثر إثارة هو أن تدلف بنفسك وبصحبك إلى داخل الكهف الملوّن الذي خلفها وهو يقع في أعلاها، فيحتاج هذا الأمر إلى شجاعة كبيرة لوقف “شلال الخزف” اللمّاع هذا والمُتدفق أمامك وفي ثنايا قلبك، إذ يختطف الشلال القلب والعقل لبرهة ليسكن فيهما بجماليته وبكل أُبّهته وعظمته. لكن ما أن يصل الزائر والسائح إلى منطقة الشلالات مشياً، بل وتسلقاً من جانب البعض الآخر المُحب للزحف على ثنايا الطبيعة، ويدلف إلى الكهف الذي خلفها، ويلمس بيده مياهها المتدفقة إلى تحت لإقامة رابط حيوي معها، فلن يتمكن من التمتع بروعتها الحقيقية ليحيا وإيّاها بعضاً من دقائق تشعره بمدى روعة الحياة ومحبتها للبشر وحنوّها على الحجر وقدرتها على تحويل ال “بَني آدميين” الى أخيار دائمين.

بجانب النوافذ الطبيعية للكهف الملوّن، يمكن للزائر مشاهدة منظر رائع آخر أيضاً، إذ يتسع المكان للجميع للتمتع بقوس قزح أخّاذ فوق “بركة شي نيو”، وكلما يخطو الزائر خطوة، يتغير مشهد قوس قزح، حيث تتدرج فيه الألوان القزحية السبعة أمامه.

 

تتمتع مدينة آنشون على هضبة قويتشو “جنوب غربي الصين” كما أسلفت أعلاه، بكل العناية الحزبية والحكومية في الصين، ولا بد من الالتفات إلى أن كلمة “آنشون” تحمل معنى عميقاً ومباركاً صينياً: “سلامة واستقرار ورخاء الدولة وتناغم أبناء الشعب”، وبذلك اشتهرت شلالات المدينة بأنها واحدة من أشهر المساحات والمشاهد الطبيعية في الصين. فقبل نحو 380 سنة، كان الرحّالة الصيني المشهور “شوي شيا كه” قد زار هذه المنطقة وأعجبته كثيراً روائع الشلالات، فنظم شعراً شبّه فيه الشلالات تحت أشعة الشمس بأقمشة حريرية ملونة مهداة من السماء بالذات للناس. ولقد تساءلت في نفسي مرات ومرات وأنا أقوم بالتصوير وأوثّق المشاهد الطبيعية لزملائي وللصين أيضاً، هل أن مدينة آنشون هي موطن شلالات حقيقي أم أن هذه الشلالات مُصنّعة صينياً، فالصين تستطيع صنع أي شيء وفي أي مكان وزمان!

لكن هذه الروائع الهابطة من فوق إلى تحت وكل هذه الطبيعة الغنّاء حقيقية وواقعية، ولم يجرِ تصنيعها في مختبرات صينية بين جُدر إسمنتية، بل صنّعتها الطبيعة ونحتتها يدها الحانية للناس عبر القرون وخلال ألوف السنين. هناك ترى بأم عينك في كل مكان شلالات متناثرة يصل عددها الى أكثر من 110 شلالات، ومن أبرزها “شلالات دو بو تان الواسعة”، و “شلالات ينغ ليان زوي تان الرشيق”، وكل هذه الشلالات رائعة وخلابة، وتأخذ بألباب الزوار وتجعلهم ينغمسون في المتعة، وينسون العودة إلى بيوتاتهم وأعمالهم.

تعتبر “شلالات هوانغ قوه شو” التي شاهدناها نحن الوفد الدولي ومتّعنا أنظارنا بها، الأكبر والأشهر بين كل الشلالات، إذ يبلغ عرضها 81 متراً وارتفاعها 74 متراً، أي ما يُعادل ارتفاع مبنى ذي 20 طابقاً، وتنحدر مياه الشلالات المُنهمِرة الى الأسفل دون أن تلمس جدران الجرف الواسع (!)، وهي تصب في بركة “شي نيو”، فتتصادم السيول مع الصخور، محدثةً صدى كبيراً ورذاذاً يبدو كالضباب، وإذا وقف الزائر والسائح على بعد عشرات الأمتار عن الشلالات، فستُبلل ملابسه تماماً ويضطر بالتالي الى تجفيفها في عين المكان!

الطبيعة المُبهرة تحتم علي في هذه المقالة أن أشيد بقيادة الحزب الحاكم والباني للصين ولحكومة جمهورية الصين الشعبية التي أهدت إلينا هذه القطعة الجميلة، لنتذوّق جواهر الطبيعة ونعي الإنسانية الحق في الصين التي تعمل حزباً ودولة لتبادلية ما بين البشر بغض النظر عن اختلافاتهم، وهو أُس العمل الناجح لخلق عالم متساوٍ ومتقدم ومتشارك في خلق الخيرات والتخفيف من النزاعات، ولأجل حماية لوحة ولا أجمل للشجر الباسق، والنبات الملوّن القزم المُبهر، والحجر التشكيلي المتفرد بجمالياته، والبحر الواسع المتدفق حياةً – كما هو بالضبط الرفيق شي جين بينغ الذي يتدفق حياة وحيوية ومحبة لشعبه ولأجل نقل وطنه بسرعة البرق إلى أعلى ذرى الرفعة والازدهار والتمكين.

*#فيصل_ناصيف_صالح: خبير #تصوير محترف ومصوّر إعلامي مُعتمد وخاص بالإتحاد #الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب #العَرب أصدقاء  (وحُلفاء) #الصين، وكاتب، ومتخصص بفنون #نباتات الـ”#بونساي” والبيئة والانسان.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.