موقع متخصص بالشؤون الصينية

الدور الصيني المأمول.. والخروج من القوقعة

0

موقع الصين بعيون عربية ـ
رفعت البدوي:

تصاعدت حدة التنافس التجاري بين الولايات المتحدة الامريكية التي حازت على حصة تقارب نسبة 14:6 من الاقتصاد العالمي  وبين الصين الصاعدة التي استطاعت القفز حتى بنسبة 11:4 من الاقتصاد العالمي أيضاً.
الفوارق بين الولايات المتحدة وبين الصين عديدة،  لكن لو أخذنا تلك الفوارق بين البلدين وقمنا بعملية نقدية واقعية لوجدنا أن الاقتصاد والسياسة شكلا العامود الأساسي للفرق بين البلدين
من الثابت أن سعي الولايات المتحدة الامريكية ارتكز في العقود الأربعة الماضية على تحقيق الهيمنة السياسية على قرار الدول، من خلال اعتماد مبدأ إثارة الفوضى في البلدان التي لا تتماهى ومصالح أمريكا، ومن ثم تغيير الأنظمة فيها لتصبح أنظمة طيّعة مرتهنة باقتصادها وسياساتها لمصالح الدولة الأمريكية، وبشكل أحادي لا شريك له.

ولأجل تحقيق تلك الأهداف الأمريكية، قامت ما يسمى بالدولة العميقة في أمريكا بوضع خطة للاستيلاء على مصادر الطاقة في العالم، نظراً لتأثيرها على عصب المستقبل الاقتصادي، الذي يشكّل المكوّن الرئيسي في حياة الدول ومدى توسع سطوتها على القرار الدولي.
ولو أننا استعرضنا ملف أمريكا السلبي في العالم، لوجدنا أن هذا الملف مليء بالحروب الأمريكية الفاشلة، وقد خيضت جميعها تحت عناوين كاذبة فضفاضة لا تمت للحقيقة بصلة، وكانت نتائجها زرع الفوضى والارتباك في شتى أرجاء المعمورة، إضافة إلى الاعتماد على مبدأ فرض العقوبات الأمريكية التي سبق واستهدفت دولاً غنية بقيت خارج الهيمنة الأمريكية، تماماً مثل ما جرى في العراق وسورية وليبيا واليمن وفنزويلا (وملف سبتمبر 11 جستا السعودي).
إذاً، توكلت الولايات المتحدة الأمريكية مهمة السطو على مدخرات وثروات البلدان النفطية الغنية مثل السعودية والكويت والبحرين وقطر والإمارات، وفرضت عليها الجزية المالية لقاء حماية أمريكية دائمة لتلك الأنظمة الخليجية الغنية التي أسهمت في ازدهار الصناعات العسكرية الأمريكية، وباتت تحتل المركز الأول في واردات الأموال من خلال صفقات المليارات الضخمة من بيع الأسلحة الأمريكية، على حساب إهمال باقي الخدمات في الداخل الأمريكي على مستويات عدة، نذكر منها تراجع جودة الطبابة والاستشفاء والمدارس، إضافة إلى تراجع صناعات عدة وذلك لمصلحة صناعة بيع الأسلحة والتكنولوجيا وشركات التأمين الخاصة، كما أنها لجأت إلى  صرف الآلاف من عمال المصانع الأمريكية، في خطوة ناقصة، بدعوى تخفيف عبء تكلفة اليد الصناعية، ما يدلّ على تراجع قدرة صناعة السلع الأمريكية على الاستمرار في المنافسة وفي ذلك دليل على تراجع ثقة  الأمريكي بمستقبل نمو الاقتصاد في أمريكا، حتى أن البعض شبّه الاقتصاد الأمريكي بمكتسبات الكاوبوي، أي اقتصاد إما عن طريق القوة وإما عن طريق السطو.
أما لو أخذنا الجانب الصيني فإننا نلحظ التالي:
إن الصين دولة كبرى من حيث المساحة ومن حيث التعداد السكاني البالغ نحو مليار وثلاثمئة مليون نسمة، وقد بذلت الصين جهوداً ضخمة في تنظيم الاكتفاء الذاتي الصناعي والزراعي والاتكال على اليد العاملة الصينية والمحافظة على النمو الاقتصادي الآخذ في الصعود، ما أسهم في اجتذاب رؤوس الأموال العالمية والتأسيس المتين لقوة اقتصادية صاعدة واعدة، الأمر الذي أكسب الصين ثقة الاقتصاديين  في العالم.

يسهل على المراقب العادي  اكتشاف أن الصين لم تلجأ يوماً إلى التدخل في شؤون الدول الأخرى أو فرض روزنامتها الخاصة عليها كما فعلت الولايات المتحدة الامريكية، بل إن الصين جهدت في عمل جبار ترجم في تنمية الإنسان في الصين ليسهم في ازدياد نسبة النمو الصيني بشكل متزايد، حتى وصلت ودائع المستثمرين في الصين إلى نسب عالية في مقابل هبوط الاقتصاد الأمريكي.
بالنظر إلى التجربة الصينية، نرى أنها تجربة جديرة بالاهتمام بكل المقاييس وضرورة الاقتداء بها والحذو حذوها، نظراً لما لهذه التجربة من فوائد جمة، أهمها تحرير الاقتصاد الصيني من الهيمنة الأجنبية، وبالتالي إسهامها في استقلالية القرار الصيني.

إن الصين تعتبر الدولة الثانية في ترتيب الدول المستوردة للنفط والغاز في العالم، وبما أن الصين دولة مستورده للنفط والغاز، فإن أمريكا تجهد في السيطرة على منابع الطاقة في العالم، وذلك من أجل تضييق الخناق على الصين والضغط عليها وإزاحتها عن ترتيب التنافس الاقتصادي.

الخطوة  الصينية الجريئة باستبدال عملة الدولار باليوان الصيني في بعض المبادلات التجارية اعتبرت الرد المناسب على رفع الرسوم الجمركية الأمريكية على واردات الصين،
كونها الخطوة الأولى في رحلة تحرير النظام الاقتصادي العالمي من الهيمنة الأمريكية ودولارها.
من أجل حماية إنجازات الصين، أرى أن المطلوب هو خروج الصين من القوقعة الصينية الداخلية، والمباشرة في عملية تشبيك المصالح الصينية مع الدول المتماهية مع الاقتصاد والسياسة الصينية، وذلك بهدف تشكيل المظلة الخارجية أو خط الدفاع الأول عن الصين واقتصادها وسياستها.
إن تجربة دول البريكس لم تحظَ بالحيّز الكافي من النجاح، أقلّه حتى الآن، وذلك نتيجة العراقيل الأمريكية، الأمر الذي يتطلب توسيع مروحة العلاقات الاقتصادية الصينية مع دول أخرى في العالم.
إن تجربة تشبيك المصالح بين دول شرق وغرب آسيا، بدءاً من الصين وروسيا، مروراً بإيران، وصولاً إلى دول منطقتنا، مثل تركيا والعراق وسورية، ستكون تجربة جديرة بالاهتمام والتنفيذ، لأنها ستترك آثارها الإيجابية في مواجهة الهيمنة الأمريكية، خصوصاً على مسارب الغاز والنفط في تلك الدول، كما أنها تجربة تحظى بالحيّز الواسع من النجاح، لأنها  مكمّلة لمنتج دول البريكس، ما يسهّل نزع العوائق الأمريكية عن طريق رفع الهيمنة الامريكية على دورة الاقتصاد العالمي.
إن دولة الصين نجحت في تثبيت الداخل الصيني اقتصادياً، وبعد التعديلات الدستورية الأخيرة، فإن من المنتظر أن تشهد الصين المزيد من الاستقرار السياسي الداخلي، خصوصاً أن الحزب الشيوعي في الصين بحالة تطور دائم تتماشى ومواجهة التحديات.
يبقى القول إن الصين بحاجة للانخراط بشكل أوسع مع الدول الخارجية الحليفة اقتصاديا وسياسياً، والمباشرة  في طرح مبادرات لحل الأزمات التي قد تؤمن الفرصة والمساحة في بروز تطور دور الصين العظيم على مدى العقود القادمة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.