موقع متخصص بالشؤون الصينية

فكرة شي جين بينغ و”الشرق الاوسط”

2

 

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
فيصل ناصيف عبد الرحمن صالح*:

تتميّز فكرة الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني شي جين بينغ، “الاشتراكية بألوان صينية” في العصر الجديد، بكونها واقعية في طروحاتها وموضوعية في تقييمها للدروب التي تسلكها الصين، بحيت تأتي النتائج مُنسجمة مع المُنجز على أرض الواقع الصيني والمكاسب التي يتلقاها الشعب في شرق الصين وغربها سواء بسواء.

“الاشتراكية بألوان صينية” لا تعني انطلاقة الاقتصاد فقط، بل تنسحب هذه الفكرة بالضرورة على غيرها من مجالات الحياة اليومية، وبضمنها الأبعاد الاستراتيجية للنمط الصيني للاشتراكية وتطوّر المجتمع في إطارها. وفي خضم هذا المفهوم تندرج مؤسسات الدولة الصينية، ومنها على سبيل المِثال الانفتاح على العالم مع (صين واحدة) وحزب «متماسك» وجيش من “الطراز الأول” ضمانة لأمان هذه الاشتراكية ونجاحها.

إن قراءة هذه العناوين وغيرها من العناوين الكبيرة، يُدلل على أن الاشتراكية الصينية نافعة للعرب أيضاً في تجلياتها المجتمعية عموماً، ومهمة للعَالم نظرياً وتطبيقاً. أنا لا أدعو هنا إلى ترجمة هذا الاشتراكية بحرفيتها وإطلاقيتها، بل إلى الاستفادة من مكوناتها ومراميها وتطبيقاتها ومن دروسها لمصلحة مجتمعاتنا في الشرق الأوسط، فهي فكرة إنسانية ظهرت بنتيجة تطور المجتمع الصيني، ونمت في ثنايا نقلاته السياسية والاقتصادية والنفسية أيضاً.

كما أنني لا أطالب بالاستفادة من الألوان الصينية للاشتراكية، جزافاً، إنما أتحدث هنا عن تجربة صينية رائدة حقاً ولم يَسبق للعالم أن طرق طريقها، ويعود الفضل في ظهورها إلى ضرورات التنمية الصينية، ووصول الصين بها إلى مراتب النهضة والازدهار الحالي الذي يواصل السير إلى نقلة رفاهية الشعب وإلى مرحلة رغادة حياته ضمن خطط زمنية محكمة.

الاشتراكية الصينية لها محطاتها ومبادئها وخطواتها الخاصة بها وقواها الدافعة، التي تقودها نحو تطبيقاتها المُبدعة، كما ولديها قيادتها الأولى التي تتحلى برؤية ثاقبة وتستشرف المستقبل بشأنها، متفاعلةً مع ضرورات الحياة اليومية والتعامل مع حتميات الآتي، إلى غيرها الكثير من الإيجابيات والتطبيقات النافعة.

ومن السخف التصدي لهذه الاشتراكية في “أدبيات” عربية لمجرد أنها اشتراكية صينية و”شيوعية”.. لكن “وراء الأكمة ما وراءها”.

فإن تشويه التطبيقات الصينية يندرج ضمن الخشية من أن يُدرك الشعب أمكانية تطبيق مؤسسة فكرية جديدة تتحلى بواقعية، مُنتجة “ومحترمة”، وتكون بديلاً عن تلك المؤسسة الاقطاعية – الرأسمالية الهرمة والقديمة التي لم تعد تصلح للإدارة المجتمعية والاقتصادية في العديد من بلدان المنطقة.

لهذا، وفي سياقات هذا كله، نرى أن الإشتراكية بألوان صينية ما تزال بعيدة عن عقول عوالم الشرق الأوسط الذي يتعرّض اليوم إلى هجمة استعمارية جديدة، وأصبح يفصله قرار عميق عن أفكار التطور الاجتماعي والاقتصادي، ذلك بسبب سيادة “اقتصاد الترقيع” والتشويه، وطغيان أنصاف خبراء يدّعون الإبداع في إيجاد حلول لمجتمعاتهم غير المتطورة والتي توقف المستقبل في ثناياها وجَمِدَ تماماً!

الاشتراكية ذات الألوان أو الخصائص الصينية، تحتاج إلى مزيدٍ من أنماط الإبداع الفكري بوسائل الإعلام الصينية والحديث عنها وتقديمها بإنجازاتها، بشرط توافر مهنية عالية لدى هذا الوسائل التي بإمكانها تسويق هذه الفكرة على واقعيتها لشعوب المنطقة. فالإعلام يَلعب دوراً حاسماً في الترويج والجذب، أو في شيطنة الآخر و”تطفيشه” واستبعاده واستعدائه.. ونرى ذلك حين يجترّ البعض خنادق الماضي السحيق في عمليات توظيف مراميهم لإحباط الفكرة الاشتراكية الوطنية في بلدان الشرق الاوسط، وفي تلك البلدان المحيطة بها، خشية لدى بعض الدوائر من فقدان مكاسبها.

الاشتراكية بألوان أو لنقل بخصائص صينية تعمل بتناغم في مختلف مؤسسات الدولة بروح جماعية تميّز هذه الاشتراكية عن غيرها من المدارس الاشتراكية، التي لم تعمل في أفريقيا وغرب آسيا وعوالم أخرى، والتي هي إبداع صيني خالص وغير مُستنسخة من نظام دولة أخرى.

وبالنظر إلى التاريخ الطويل للصين، نرى كيف أنها تتمسك بطريقها الخاص لتحقيق التنمية (وهذه تسمّى ألوان صينية للاشتراكية)، وتطلب من الآخرين أن يكون لديهم طريقهم التنموي والنهضوي الخاص وألوانه، وقد قاد نجاح المجتمع الاشتراكي وتأصيل الاشتراكية الصينية إلى نيل الصين ثقة العالم وتطلعه إلى مستقبل مشرق للصين، برغم “التحديات “القوية” التي نثق بأنها لن تقف حجر عثرة أمام تقدم الصين ونجاحها المتواصل.

وينبغي ملاحظة ما تتطلع اليه الدول والأوساط الواعية في “الشرق الاوسط” بما يتعلق بتطور الصين، وهي تطلعات ما زالت في “مرحلة الفرص الاستراتيجية”، وفي مرحلة تعمير شبكات “الحزام والطريق” وتخليق طرق التجارة العابرة للقارات، وتفعيل الاستثمارات الصينية في تلك التعرجات، وإقامة شبكة شاملة للبُنية التحتية تمثّل الجسر لربط الصين بدول العالم.
الاشتراكية فكرة عربية قديمة أيضاً، ونحن الآن في حاجة ماسة للعودة إلى أزمان سحيقة في تاريخنا لاستنباط الأفضل والأنقى لتطورنا على هدي مدارسنا الفكرية ومِيزاتنا، مع الأخذ بعين الاعتبار التطبيقات والأفكار الصينية التي تعتبر مُكمّلة للفكرة الاشتراكية العربية وللطريق الاقتصاد والسياسي والاجتماعي والفكري والتنظيمي المستقل والذي لا يأمر أحداً على إتّباعه، والتي يمكنها أن تتصادق أو تتآخى مع الاشتراكية الصينية وتشكيل جسر فولاذي يُقرّب أُمتينا من بعضهما بعضاً، ويُعبّد طريق المستقبل إلى النور اليقين، لإسعاد البشر أيّاً كانت أوطانهم الجغرافية وألسنتهم وألوان جلودهم وتلاوين أفكارهم التي يُشترط أن تكون سلمية وواقعية وإنسانية.

*#فيصل_ناصيف_عبدالرحمن صالح: خبير #تصوير محترف ومصوّر إعلامي مُعتمد وخاص بالإتحاد #الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب #العَرب أصدقاء  (وحُلفاء) #الصين، وكاتب، ومتخصص بفنون #نباتات الـ”#بونساي” والبيئة والانسان.

2 تعليقات
  1. مروان سوداح يقول

    مبروك استاذ فيصل مقالتك نالت اعجابا كبيرا في اوساط القراء..

  2. مروان سوداح يقول

    ونالت اعجابي ايضا ايها الكاتب العرمرم الذي استمتع انا بقراءة مقالاتك لانها تعبير عن شخصيتك وتوجهاتك..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.