موقع متخصص بالشؤون الصينية

مقابلة شاملة مع السفير وانغ كيجيان: نمو الصين لا يشكل أي تهديد للبلدان الأخرى، بل يشكل فرصة لهذه الدول

0

 

جولة أفق واسعة أجراها موقع الصين بعيون عربية مع سعادة سفير جمهورية الصين الشعبية في لبنان وانغ كيجيان، تطرقت إلى قضايا مهمة تتعلق بالداخل الصيني من ناحية وبالحرب التجارية الصينية الأميركية من ناحية أخرى.

ولم يغب ملف العلاقات العربية الصينية عن هذا اللقاء، ولا سيما أنه يأتي في أجواء انعقاد المؤتمر الوزاري الثامن لمنتدى التعاون العربي الصيني في بيجين يوم العاشر من الشهر الحالي، وما يعنيه ذلك من تطور لعلاقات الأمتين العريقتين، العربية والصينية، ومن دفع للروابط بينهما في مختلف المجالات.

كان سعادة السفير في أعلى مستويات الوضوح والدقة في توصيف هذه العلاقات، وفي الحديث عن آفاقها المستقبلية، كما تحدث عن انعكاسات تطور الصين على العالم ككل، في ظل بعض الأسئلة التي يطرحها العالم حول مآلات الأمور، عندما تصبح الصين أقوى وأكثر قدرة.. وأعظم.

وفي هذا المجال يقول سعادة السفير: “إن نمو الصين لا يشكل أي تهديد للبلدان الأخرى، بل يشكل فرصة لهذه الدول، لأن نمو الصين وتقدمها وفّرا فرصاً جديدة للتعاون وللنمو المشترك ولتحقيق العدالة للمجتمع الدولي وفي القانون الدولي، لأن نمو الصين كأكبر دولة نامية يعزّز قوة الدول النامية ككلّ”.

في موضوع ما بات يُعرف بالحرب التجارية الصينية الأميركية كان السيد وانغ كيجيان دبلوماسياً إلى أقصى الحدود، ولكنه كان حاسماً بشكل أكبر.. تمنى أن لا تندلع حرب من هذا النوع، مؤكداً بالمقابل: “إننا عازمون على الدفاع عن مصالحنا مهما كانت التكاليف، ولن نركع أمام هذه الضغوط الباطلة”.

مقابلة شاملة وغنيّة، خصّ بها السفير وانغ كيجيان “موقع الصين بعيون عربية” ننشرها فيما يلي كاملةً:

 

أجرى الحوار: محمود ريا ـ علي ريا:

ـ موقع الصين بعيون عربية: سعادة السفير.. تحتفل الصين هذا العام بالذكرى الأربعين لانطلاق مسيرة الإصلاح والانفتاح، هل يمكن أن تشرح لنا معنى هذين المصطلحين وماذا حققا على أرض الواقع في الصين؟(لكي يعرف الجمهور العربي لماذا تهتمّ الصّين جدًّا بالاحتفال بهذه الذكرى؟).

ـ السفير وانغ كيجيان: عندما نتكلّم عن الإنفتاح والإصلاح في الصّين لا بدّ أن نرجع إلى ما قبل أربعين عام، كان هناك عام 1976 عندما انتهت الثّورة الثّقافيّة الّتي استمرت لعشر سنوات، كان وضع الصّين سيّئاً جدًّا في ذلك الوقت، والاقتصاد الصّيني كان على حافّة الانهيار، وكانت قوّة الإنتاج في الصّين ضعيفة جدًّا، لا تلبّي أبدًا متطلّبات الشّعب، وكان الإقتصاد الصّيني يسود فيه اقتصاد التّخطيط الجامد، لذلك لم يكن هناك أيّ حيويّة أو حركة في الإقتصاد.

بعد عشر سنوات من الثّورة الثّقافيّة، أدرك الشّعب الصّيني والقيادة الصّينيّة بأنّ هناك ضرورة لتغيير الصّين كليًّا من خلال إصلاح جذري للاقتصاد الصّيني وللأنظمة الصّينيّة وإدارة البلد، وأيضًا الإنفتاح على العالم الخارجي. وكانت الصّين في كثير من المجالات مغلقة على ذاتها لأسباب كثيرة داخليّة وخارجيّة، وتمّ تبنّي سياسة الانفتاح والإصلاح عام 1978 من قبل اللّجنة المركزيّة للحزب الشّيوعي الصّيني. وكان محور هذه السّياسة الإصلاح والإنفتاح هو تحريك قوّة الإنتاج في الدّاخل الصّيني وإطلاق مبادرات المواطن الصّيني في الإنتاج، سواء كان في الزّراعة والصّناعة والخدمات، وأهمّ الأساليب لهذا الإصلاح والإنفتاح، الإصلاح وتعميم نظام ربط الإنتاج بالرّبح (المردود) للشّخص في مجال الزّراعة والصّناعة والخدمات، و تبنّي آليّات اقتصاد السّوق في الصّين. وفي ذلك الوقت أدرك الصّينيون والقيادة الصّينيّة أنّ الصّين أصبحت متخلّفة جدًّا في العالم في كلّ النّواحي، فهناك ضرورة ملحّة للتّعلّم من العالم خصوصًا في المجال الإقتصادي، التّجاري، الإستثماري، والصّناعي والزّراعي، فبدأ انتهاج سياسة الانفتاح على العالم، خصوصًا على الدّول المتقدّمة بما فيها اليابان والولايات المتّحدة وأوروبا، للاستفادة من الاستثمار الأجنبي في أوّل الأمر، وثانيًا الاستفادة من أساليب الإدارة المتقدّمة في هذه الدّول، والاستفادة والتّعلّم من العلوم والتّكنولوجيا المتقدّمة، وهذا من خلال جذب الاستثمارات الأجنبيّة للقيام بمشاريع إستثماريّة داخل الصّين وتوفير مكافآت وحوافز لهذه الاستثمارات، وأيضًا إيفاد مبعوثين إلى الدّول المتقدّمة لتعلّم هذه الخبرات والأساليب والتّكنولوجيات.

ونتيجةً في هذا الانفتاح والإصلاح حقّقت الصّين نموًاّ كبيرًا في قوّة الإنتاج وفي الصّناعة والتّجارة، وارتقت مستويات الانتاج والتّصنيع، وأصبحت الصّين ثاني أكبر اقتصاد في العالم الآن، ونجحت في تخليص أكثر من 700 مليون شخص من الفقر، وأصبحت الصّين أكبر دولة من ناحية التّجارة العالميّة، وأصبح مستوى معيشة الشّعب الصّيني يرتفع باستمرار، وأيضًا تطوّرت قوّة الجيش الصّيني بشكل ملحوظ.

كان نصف المسيرة الصينيّة في العام 1949 عندما أنشئت الصّين الجديدة لأنّ الصّين في ذلك الوقت وقفت على قدميها أي تحرّرت من الاستعمار ومن الإمبرياليّة بقيادة الحزب الشّيوعي الصّيني والرّئيس ماو تسي تونغ  في ذلك الوقت، ونجحت الصّين في تحقيق الثّراء والحياة الميسورة خلال السنوات الأربعين الماضية من الإصلاح والانفتاح، فنحن دخلنا الآن المسار نحو الصّين القويّة المزدهرة الديمقراطيّة المتناغمة والجميلة.

 

ـ موقع الصين بعيون عربية: لقد أطلق المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني الذي انعقد في خريف العام الماضي حركة سياسية غير مسبوقة في الصين، حيث وضع العديد من المحطات المميزة في حياة الشعب الصيني في المستقبل، وعلى رأسها الاحتفال بالمئويتين (مئويّة الحزب الشّيوعي ومئويّة الدّولة) وبناء الدولة التي وصفها الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني الزعيم شي جينبينغ بدولة “مزدهرة وقوية وديمقراطية ومتحضرة ومتناغمة وجميلة”. كيف يمكن أن تشرحوا للقارئ العربي معاني الصورة التي يريدها الزعيم شي لصين المستقبل؟

ـ السفير وانغ كيجيان: فعلًا كما تفضّلتم، فإنّ المؤتمر التّاسع عشر للحزب الشّيوعي الصّيني وضع أهدافًا لنموّ الصّين في المراحل القادمة لغاية منتصف القرن الحاليّ ألا وهي أن نبني الصّين كدولة إشتراكيّة قويّة متناغمة وديمقراطيّة وجميلة ومزدهرة، وفي الحقيقة كان هذا الهدف قد وضع قبل 40 سنة عند إنتهاج الصّين الانفتاح والإصلاح، وكان الهدف هو أن بنود تحقّق العصرنة الأربعة (عصرنة صناعيّة وزراعيّة وتكنولوجيّة وعسكريّة) وفي ذلك الوقت تمّ وضع هدف أبعد وهو أن تصبح الصّين دولة في مستوى متوسط النّمو بالنّسبة للّدول المتقدّمة في ذلك الوقت، عند عام 2050 ستصبح الصّين مثل إيطاليا. في عام 1978 كان هذا هو المشروع، ومنذ ذلك الوقت نحن نتمسّك بهذه المشاريع وهذه الخطط ونبذل قصارى جهدنا لتحقيق هذا الهدف. وبعد أربعين سنة حقّقنا الأهداف أي حسب الجدول (حسب البرنامج)، والآن أصبح هناك  تغيّر مع نموّ الصّين، أي أنجزنا بشكل مبدئيّ حياة ميسورة للشّعب ونجحنا في مجالات مختلفة، وحققنا العصرنة في الكثير من المجالات. طبعًا ما زال هناك فجوة كبيرة بين الصّين وبين الدّول المتقدّمة، لذلك يجب إعادة تّقييم الوضع الصّيني وإعادة تقييم الأهداف الّتي وضعناها سابقًا، وخلال المؤتمر التاسع عشر تمّ إعادة رسم هذه الأهداف بتفاصيل أكثر. وفي الحقيقة الأهداف هي الأهداف الأصليّة ولكن بتفاصيل أكثر.. بثقة أكثر، لذلك وضعنا توقيتاً معيّناً، وقد أطلقه الرّئيس الصّيني “شي جينغ بينغ” بمفهوم “الحلم الصّيني”، وهو النّهوض بالأمّة الصّينيّة وبالصّينيين كلّهم، فيتمثل هذا الحلم بأن تصبح الصّين بهذه الصّفات في المستقبل (القويّة والمتناغمة والدّيمقراطيّة والجميلة) فكيف الوصول إلى هذا الهدف؟ لقد تمّ وضع التّوقيتات المختلفة، ففي الذكرى المئويّة لتأسيس الحزب الشّيوعي الصّيني وهي عام 2021 نصل إلى أهداف أهمّها التّخلّص من الفقر المدقع، وبعد 20 سنة أي عام 2035 سوف نحقّق العصرنة بشكل أساسي، وعند الذّكرى المئويّة لتأسيس جمهوريّة الصّين الشّعبيّة عام 2049 سوف نحقّق هدف الصّين المستقرّة الدّيمقراطيّة المتناغمة، فقد تم وضع تفاصيل لهذه الإستراتيجيّة طويلة المدى ووضع برامج تفصيليّة لكيفيّة ترجمة هذه الاستراتيجيّة.

 

 

ـ موقع الصين بعيون عربية: كيف يمكن أن ينعكس نهوض الصين العظيمة على العالم؟ هل ينبغي لأبناء الشعوب الأخرى أن يقلقوا من صين بهذه العظمة؟ أم يجب أن يشعروا بالأمل بقيام نظام دولي جديد تدعمه صين قوية قادرة على تقديم النموذج والقدوة للدول الأخرى كي تسير على طريق النمو والتقدم؟(الّذي سارت عليه الصّين).

ـ السفير وانغ كيجيان: تعتبر الصّين أكبر دولة في العالم من ناحية السّكّان. عدد السّكّان في الصّين الآن يبلغ مليار و340 مليون نسمة، وهي ثالث أكبر دولة من حيث المساحة وهي أكبر دولة ناشئة اقتصاديًّا، وثاني أكبر اقتصاد في العالم في الوقت الحالي، وهي ما زالت في طور التّطوّر المستمرّ. النّجاح في النّموّ الاقتصادي في الصّين ورفع مستوى معيشة الشّعب وتحقيق الإزدهار في الصّين للمواطن الصيني هو مساهمة كبيرة للبشريّة كلّها.

هذا أوّلًا، وثانيًا النّجاح الّذي حقّقته الصّين أثبت أنّ هناك طرقاً مختلفة لتحقيق النّجاح، في عصر الاستعمارات كان نهوض الدّول الكبرى يعتمد على الغزوات، على الحروب، على القهر والاستغلال، لكن في ظلّ العولمة الإقتصاديّة، في حال عالمنا الجديد، نجحت الصّين في النّهوض السّلمي ونجحت في تطوّر اقتصادي واجتماعي من خلال الجهود الذّاتيّة والتّعاون القائم على المنفعة المتبادلة مع العالم الخارجي، وهذا الأمر أعطى نموذجًا للعالم، أي أعطى خيارًا للعالم وأثبت أنّ هناك خياراً آخر غير قانون الغابة الّذي كان يسود في العلاقات الدّوليّة، وأثبت أيضًا أن التّعاون القائم على المنفعة المتبادلة هو السّبيل الأمثل لتحقيق التّقدّم للبشريّة ككلّ، ليس فقط بين الدّول الصّغيرة بل للبشريّة. نحن نعيش في كرة أرضيّة صغيرة في عصر العولمة والتّرابط الشّديد بين الدّول والشّعوب، فلا بدّ من التّعاون وتحقيق الكسب للجميع حتّى نحقّق التقدّم والرفاهيّة للجميع بدلًا من القتال، ومن الدّمار للكرة الأرضيّة، وهذا بحد ذاته نؤمن أنه مساهمة قدّمناها للبشرية ككل. طبعاً كانت التجارب الصينية تجارب فريدة نشأت من البيئة الصينية، وفي عصر تاريخي مميز، وهذه خبرات مناسبة للصين فقط. إنما بالنسبة للدول الأخرى، فيجب أن تكتشف تجربتها الخاصة، وتبتكر طريقاً يناسب ظروفها الخاصة، ولا نعتقد أن أي وصفة سوف تناسب جميع الدول في العالم. فهذ أيضاً هي الخبرة التي نستخرجها من تجاربنا الشخصية للدول الأخرى.

من هنا فإن نمو الصين لا يشكل أي تهديد للبلدان الأخرى، بل يشكل فرصة لهذه الدول، لأن نمو الصين وتقدمها وفّرا فرصاً جديدة للتعاون وللنمو المشترك ولتحقيق العدالة للمجتمع الدولي وفي القانون الدولي، لأن نمو الصين كأكبر دولة نامية يعزّز قوة الدول النامية ككلّ، وبالتالي يساهم في تحقيق عدالة أكبر في العالم الحالي وفي القانون الدولي.

 

ـ موقع الصين بعيون عربية: يشهد العالم اليوم نزاعاً واقعياً بين بقاء هيمنة قوة عظمى وحيدة هي الولايات المتحدة الأميركية وقيام عالم متعدد الأقطاب تشكل الصين إحدى أركانه. إلى أين يمكن أن يصل هذا النزاع، ولماذا نقرأ في وسائل الإعلام الصينية عن محاولات أميركية لـ “احتواء” الصين، وهل الولايات المتحدة تحاول فعلاً منع صعود الصين كي لا يقوم نظام عالمي جديد؟

ـ السفير وانغ كيجيان: أود أن أؤكد أن التوجه نحو تعددية الأقطاب هو توجه عام، لا أحد يستطيع أن يغيّره، فلقد انتهينا من الحرب الباردة، وجعل النمو المحقق للدول الناشئة والتغيّر الكبير في المعادلات الدولية في الوقت الحاضر الأحادية القطبية مستحيلة. فالتوجه العام الآن هو نحو تعددية الأقطاب، وهذا لا شك فيه.

طبعاً نجد الآن أفعالاً وسياسات تعمل عكس ذلك، وهي تدعو إلى الانعزالية وإلى التركيز على المصالح الخاصة ببلد محدد فقط، دون مراعاة مصالح الأطراف الأخرى. وهذا البلد يقوم بأعمال ضد كل الأطراف الأخرى، بما فيها حلفاء هذا البلد، لأن هذه السياسات وهذه التصرفات معاكسة للاتجاه الصحيح.

أما بالنسبة للنزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، فنجد أن أعمال فرض الحروب التجارية أو التعرفة الجمركية الظالمة على الصين هي إجراءات غير عادلة، لأن كل المزاعم بأن الصين لم تلتزم بقواعد منظمة التجارة العالمية هي مزاعم باطلة، فآليات منظمة التجارة العالمية أكدت في تقييماتها السنوية، بعد انضمام الصين للمنظمة، بأن الصين التزمت بتعهداتها التي قدمتها عند الدخول إلى منظمة التجارة العالمية، ولم تخرق أيّاً من هذه التعهدات.

ولا بد من الإشارة إلى أن المشاكل التجارية القائمة بين الصين والولايات المتحدة ناتجة عن اختلاف الهيكل الاقتصادي لكلا البلدين، وعن تدني مستوى الإدّخار في الولايات المتحدة، وعن هيمنة الدولار الأميركي على النظام المالي العالمي.

الأسلوب الصحيح لحل أي نزاع تجاري هو اللجوء إلى آلية فض المنازعات في منظمة التجارة العالمية لأننا كلنا أعضاء في هذه المنظمة، ويتم تسوية هذا النزاع عن طريق الحوار والمفاوضات، هذا هو الطريق الصحيح. أما فرض التعرفة الجمركية الإضافية من طرف واحد، أو الاستناد إلى عذر “الأمن القومي” الباطل، فهذا ليس الطريق الصحيح، بل يخرّب قواعد منظمة التجارة العالمية، ويؤدي إلى الفوضى ويخرّب الدنيا، وليس مع الصين فقط، وإنما مع الدول الأخرى.

نحن عازمون على الدفاع عن مصالحنا المشروعة ونطالب بإجراء مفاوضات من داخل آلية منظمة التجارة العالمية، ونحن مستعدون للمزيد من المفاوضات الثنائية مع الولايات المتحدة لحل المنازعات وتسوية المشاكل، ولكننا لا نقبل بفرض إرادة أخرى علينا بالقوة وعلى رغم أنفنا، ولا نقبل بالتصرفات المتقلّبة والأساليب التي لا تتوافق مع وضع دولة كبرى مسؤولة وعدم الالتزام بالتعهدات والوعود، فهذه ليست الأساليب المتوقعة من أكبر دولة في العالم.

أؤكد أننا عازمون على الدفاع عن مصالحنا مهما كانت التكاليف، ولن نركع أمام هذه الضغوط الباطلة.

أما بالنسبة لمساعي الولايات المتحدة لـ “احتواء” الصين، فقد كان هناك تحليلات كثيرة حول نوايا الولايات المتحدة من فرض رسوم جمركية إضافية على المنتجات الصينية، فإذا اطّلعنا على قائمة السلع الصينية التي فرضت عليها التعرفة الجمركية الإضافية تجد أنها كلها من قطاعات التكنولوجيا المتقدمة مثل صناعة الطيران والفضاء والذكاء الاصطناعي وصناعة الأدوية البيولوجية، وكل هذه القطاعات موجودة في برنامج التصنيع الصيني 2025، وهذا برنامج وضعته الصين لتحقيق طفرة في مجال التكنولوجيا العالية لغاية 2025، وهذه الطفرة ضرورية للصين. والمسؤولون والمتخصصون الأميركيون يتحدثون بشكل علني عن أن هذا البرنامج الصيني يهدد الأمن القومي الأميركي ولذلك يجب فرض التعرفة الجمركية الإضافية.

فجوهر المشكلة ليس الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة الأميركية، بل شيء آخر!

والدليل على ذلك أن الولايات المتحدة تفرض حظراً شديداً جداً لمنتجات التكنولوجيا العالية سواء أكانت أميركية الصنع أو أميركية المنشأ، وهذا الحظر مفروض في الولايات المتحدة وعلى حلفاء الولايات المتحدة أيضاً.

 

 

ـ موقع الصين بعيون عربية: في عالمنا العربي هناك نوع من الرهبة والرغبة في التعامل مع الصين، حيث لم تنشأ حتى الآن صورة واضحة لعلاقات سليمة مستقرة ومستدامة بين الأمتين العربية والصينية. هل هذا التوصيف صحيح؟ وإذا كان كذلك فما هو حجم مسؤولية كلا الطرفين عن هذه الصورة، وما الذي ينبغي أن يفعله كل منهما للانطلاق في علاقات عربية صينية أكثر انفتاحاً وأعلى مردودية وأقوى ثباتاً؟

ـ السفير وانغ كيجيان: أنا لا أتفق مع الوصف الذي تفضلتَ به. أنا أعتقد أن العلاقات الصينية العربية علاقات قديمة وطيّبة ومتقدمة.

العلاقات بين العالم العربي والصين علاقات تاريخية ووديّة، وفي العصر الحديث والمعاصر ازدادت هذه العلاقة قوة، من ناحية تبادل التأييد على الصعيد السياسي، أبرزها تأييد الصين للحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، ودعم الصين للنضالات الوطنية العربية، وأيضاً دعم الصين للتقدم والتطور في العالم العربي. وبالمقابل هناك الدعم العربي لسيادة ووحدة الأراضي الصينية، وخصوصاً فيما يتعلق بقضية تايوان. وما زالت الصين والعالم العربي في خندق واحد بصفتها دولاً نامية تعمل سوياً للدفاع عن مصالح الدول النامية على الساحتين الدولية والإقليمية، هذا على المستوى السياسي. وأيضاً تم ترقية هذه العلاقات إلى علاقات تعاون استراتيجي في عام 2010، فتم إعادة التأكيد لهذا التعاون الاستراتيجي لعدة مرات في مؤتمرات وزراء الخارجية لمنتدى التعاون الصيني العربي، فسوف يُعقد المؤتمر الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني العربي في الأسبوع المقبل في بيجين.

بالإضافة إلى التعاون الجماعي بين الصين والدول العربية، هناك علاقات ثنائية متطورة جداً بين الصين والدول العربية بشكل عام، وهناك علاقات ثنائية استراتيجية مع عدد من الدول العربية، وهناك ثقة متبادلة بين الصين والدول العربية.

ومن الناحية الاقتصادية، هناك علاقات اقتصادية أوثق وأوثق، بما أن الشرق الأوسط هو من أهم مصادر الطاقة للصين، ومن أهم الأسواق للمنتجات الصينية، ومن أهم الأسواق للمقاولات للشركات الصينية، وهناك تعاون مالي متقدم جداً مع عدد من الدول العربية، وهناك تعاون متقدم في مجال الطاقة النووية السلمية، وهناك تعاون أيضاً في مجال الفضاء.

وبعد إطلاق مبادرة الحزام والطريق، استجابت الدول العربية بإيجابية كبيرة جداً لهذه المبادرة، وتم الاتفاق بين الصين والدول العربية، جماعةً وفُرادى، أن يكون التعاون الثنائي في إطار مبادرة الحزام والطريق عنوانا رئيسياً للتعاون الثنائي والتعاون الجماعي بين الجانبين. وهناك ثماني دول عربية على ما أعتقد وقعت مذكرات تفاهم للتعاون مع الصين في هذا الإطار، بما فيها لبنان. وهناك مشاريع كثيرة نُفذت أو سيتم تنفيذها في هذا الإطار، وهناك إمكانيات وآفاق واسعة جداً للتعاون فيما بين هذه الأطراف تحت مبادرة الحزام والطريق، بما أن العالم العربي هو منطقة يمر بها طريق الحرير القديم، وأيضاً منطقة حيوية جداً لبناء الحزام الاقتصادي لطريق الحرير الحديث.

وهناك إمكانية كبيرة لإنشاء مشاريع بنية تحتية، وربط مشاريع البنية التحتية فيما بينها، وتطوير المنشآت الصناعية، وترقية الصناعات في مختلف البلدان العربية، وإقامة مشاريع مشتركة، سواء كانت في الصين أو في البلدان العربية، وتطوير التجارة البينية، وتعزيز التعاون المالي..

إذاً، هناك آفاق واسعة جداً جداً في تعاون الصين مع العالم العربي، وأيضاً هناك إمكانية كبيرة جداً للصين للعب دور مهم في حل الملفات الشائكة والساخنة في العالم العربي، سواء كانت القضية الفلسطينية أو ملف سوريا أو ملفات أخرى. الصين تلعب دائماً دوراً كبيراً ومهماً، وستواصل لعب هذا الدور في المستقبل. وتسوية هذه الملفات والمشاكل الإقليمية ستساهم في تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة، وتهيئة ظروف أفضل للنمو الاقتصادي والارتقاء بمستوى معيشة الشعب، وتحقيق التكامل الاقتصادي في ما بينها وفي ما بين الصين وهذه المنطقة، وبين هذه المنطقة والعالم ككل.

وأعتقد أن الدول العربية، وخصوصاً النخبة من العلماء والمتخصصين في العالم العربي، يدركون أهمية هذا التعاون مع الصين، ويدركون أهمية العلاقات الصينية العربية. ومن الجانب الصيني نحن مدركون تماماً لأهمية هذه العلاقات الاستراتيجية ونحن حريصون على دفع هذه العلاقات إلى المزيد من التقدم في المستقبل.

ـ موقع الصين بعيون عربية: وماذا عن موقف العرب برأيكم، هل يمكن أن تؤثر الضغوط الخارجية على مدى تجاوب الدول العربية مع هذه الرغبة في تطوير العلاقات العربية الصينية؟

ـ السفير وانغ كيجيان: التعاون الصيني العربي ليس هدفه أن يحل محل التعاون العربي مع أطراف أخرى. أي أن التعاون الصيني العربي، لا يستبعد أحداً،  كذلك الحال بالنسبة لمشروع طريق الحرير الجديد، فهو مشروع منفتح، وأي طرف يرغب في المشاركة فأهلاً وسهلاً به، طالما أن هذه المشاركة تخدم المصالح المشتركة، ويقوم التعاون على أساس المنفعة المتبادلة. والصين لن تسدّ أي فراغ، ولن تحلّ محل الأطراف الأخرى، بل نسعى إلى تعاون ثنائي أو جماعي يعود بالنفع على مختلف الأطراف. هذا ما نسعى إليه، وقد أثبت التجاوب الإيجابي من الدول العربية أن هذه الدول ترحب بهذا الشكل من التعاون.

 

 

 

على هامش المقابلة قدّم فريق الموقع درعاً تكريمية لسعادة السفير وانغ كيجيان تقديراً لجهود سعادته وجهود طاقم السفارة في تعزيز التعاون مع موقع الصين بعيون عربية خلال السنوات الماضية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.