موقع متخصص بالشؤون الصينية

لماذا حصلت “مبادرة الحزام والطريق” التي اقترحتها الصين على استجابة جماعية من الدول العربية؟

0

موقع الصين بعيون عربية ـ
د. دينغ لونغ*:

في العاشر من تموز/ يوليو، عقد الاجتماع الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني العربي في بكين، وحضر الرئيس شي جينبينغ حفل الافتتاح وألقى خطاباً هاماً. أشار شي جينبينغ إلى أن بناء “مبادرة الحزام والطريق” قد عزز بشكل شامل تنمية العلاقات الصينية العربية، وأدخل التعاون الصيني العربي مرحلة جديدة.
قبل أربع سنوات، عندما اجتمع المسؤولون العرب في بكين، دخلت “مبادرة الحزام والطريق” للتو في قاموس الدول العربية، وبعد أربع سنوات، يبدو حجم التشارك العربي الجماعي في هذه المبادرة، وتظهر إشارات جيدة على مدى التعاون في هذا المجال.
أصبح البناء المشترك لـ “الحزام والطريق” موضوع التعاون الصيني العربي، الذي ينبع من الذاكرة الجماعية لطريق الحرير القديم. ويرتبط الجمل الصحراوي والسفينة التجارية التي تجوب عباب المحيط بشكل وثيق بالجماعتين العرقيتين العظيمتين، وأصبح طريق الحرير رمزاً ثقافياً ومورداً روحياً للصداقة الصينية العربية.
في الحقبة المعاصرة ، شكلت الصين والأمة العربية صداقة عميقة من الدم ومعمودية النار في الكفاح ضد الاستعمار والإمبريالية والهيمنة. الشعب الصيني لن ينسى أبداً الدعم الثمين من الجزائر ودول عربية أخرى لاستعادة المقعد الشرعي للصين في الأمم المتحدة، ولا ينسى المساعدات السخية من المملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى لمناطق الزلزال المنكوبة  في سيتشوان.
الشعب العربي أيضا لا ينسى دعم الصين الحماسي لحركات التحرر العربية، ولا المساعدات الصينية المختلفة والفرق الطبية الصينية الشجاعة التي جابت العديد من الدول العربية.
وجاء منتدى التعاون الصيني العربي إلى حيز الوجود، ليرفع مستوى آليات التعاون بين الجانبين إلى مستوى جديد. حتى الآن ، قام المنتدى ببناء 15 آلية و38 مشروع تعاون، وهذه الآليات أصبحت منصة كبيرة للتعاون الصيني العربي. لقد وضعت الصداقة التقليدية والثقة السياسية المتبادلة أساساً متيناً لبناء مشترك “الحزام والطريق”.
توصلت الصين والدول العربية إلى توافق في الآراء حول بناء “الحزام والطريق”، وتستندان أيضاً إلى النتائج المثمرة للتعاون الصيني العربي خلال السنوات الأربع الماضية. تبادل الجانبان الزيارات رفيعة المستوى وعززا الثقة السياسية المتبادلة. قام شي الرئيس الصيني جين بينغ بزيارة تاريخية للدول العربية وألقى خطاباً هاماً في مقر الجامعة العربية توجه به إلى العالم العربي.
تطور التعاون الاقتصادي والتجاري بسرعة، ويصل حجم التجارة بين الصين والدول العربية إلى ما يقرب من 200 مليار دولار أمريكي، أي خمسة أضعاف حجم التبادل التجاري عند إنشاء المنتدى عام 2004.
يشير الرئيس شي جين بينغ عند الحديث عن تنفيذ التعاون مع الدول العربية إلى نمط”1 + 2 + 3″، بحيث يكون التعاون الرئيسي بين الجانبين مركزاً على الطاقة، وبناء البنية التحتية وتسهيل التجارة والاستثمار كجناحين، والطاقة النووية، الأقمار الصناعية، والطاقة الجديدة، كثلاثة حقول في مجال التكنولوجيا الفائقة.
مخطط هيكل التعاون من أجل تحقيق هذا الاختراق يتضح بشكل تدريجي، وجذوره تكمن في المجالات التقليدية للتعاون، فشركات النفط الصينية تستثمر لأول مرة في شركة النفط الوطنية في أبو ظبي، كما بدأت هذه الشركات في الحصول على الحقوق البرية والبحرية في مجال النفط. وتعمل هذه الشركات لتعويض العجز في البنية التحتية في الدول العربية من خلال تنفيذ عدد من مشاريع البنية التحتية الكبيرة مثل بدء بناء قطار السكك الحديدية للضواحي في مصر؛ كما تعمل على تسريع التعاون في مجال توسيع الانتاج من خلال إنشاء العديد من مناطق التعاون والمدن الصناعية قيد البناء في مصر وسلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة. لقد حقق التعاون بين الجانبين في مجالات جديدة مثل الأقمار الصناعية والطاقة الجديدة والتكنولوجيا الزراعية مفاجآت سارة. قامت الصين بإطلاق أول قمر للاتصالات للجزائر،  ونجح علماء صينيون في زراعة الأرز باستخدام مياه البحر في صحراء دبي، ما أثار الاهتمام العالمي.
حصلت “مبادرة الحزام والطريق” على استجابة حماسية ودعم جماعي من الدول العربية، لأن هذه المبادرة تواجه معضلة التنمية، وتدخل “تجربة الصين” إلى المبادرة ما يخلق عدة فرص للدول العربية، ويوجهها للشعوب العربية لتحقيق رفاهية حقيقية. وأشار الرئيس شي إلى أن الصين ينبغي أن تكون بانية للسلام في الشرق الأوسط، ودافعاً للتنمية وللتصنيع، وداعماً للاستقرار وشريكاً للشعوب.
“مبادرة الحزام والطريق” هي حل شامل للبلدان العربية، حيث أنها مكرسة لحل مشاكل التنمية في الدول العربية. وأشار شي جين بينغ إلى أن “الشرق الأوسط منطقة مضطربة، والسبب الرئيسي يكمن في التنمية، وتطوير وسيلة للخروج يعتمد في النهاية على التنمية. العقبة الأولى في وجه التنمية البلدان العربية، أولا وقبل كل شيء، العجز عن تحقيق الأمن. لقد قامت الدول الكبرى بالتدخل بشكل دائم في الشؤون العربية، وجنّدت الوكلاء ودفعتهم للقيام بأدوار محددة. إلى جانب ذلك ينبغي الإشارة إلى التناقضات الداخلية المعقدة في العالم العربي، إذ كان الوضع في العديد من البلدان العربية مضطربًا لفترة طويلة، ولم يكن هناك وقت للالتفات إلى قضايا التنمية.
لا تعمل الصين لإيجاد وكلاء في الشرق الأوسط، ولا لتأمين نفوذ خاص بها، كما أنها لا تسعى لملء”الفراغ”، هذا الشعار الرسمي يشير إلى أن الصين تسعى لتعزيز بناء مبادرة الحزام والطريق في العالم العربي، وليس في هذا الأمر مؤامرة جيوسياسية، وإنما يتم عبر التشارك والمنفعة المتبادلة ووضع مربح للجميع والتنمية المتبادلة مع الدول العربية.
لقد أدى الاستعمار طويل الأجل للدول العربية إلى مستوى منخفض من التصنيع بشكل عام، ما جعل الاقتصاد يعتمد بشكل رئيسي على المردود الناتج عن الموارد الطبيعية كالنفط. “المرض الهولندي” و”لعنة الموارد” أصبحت تشكل عقبة أمام التنمية الاقتصادية في الدول العربية.
يمكن أن ينجح الترابط بين “مبادرة الحزام والطريق” واستراتيجيات التنمية العربية، مثل “رؤية 2030” السعودية، في تعزيز الاقتصاد غير النفطي وحل مشاكل البطالة وتنمية الشباب في الكثير من البلدان العربية التي تواجه مشاكل اجتماعية. ترتكز مبادرة “مبادرة الحزام والطريق” على الطوعية والاحترام الكامل للسيادة الاقتصادية للدول العربية، ولا تهدف إلى تحقيق السيطرة الاقتصادية والدعم السياسي. من ناحية أخرى، تزود الدول الغربية الدول العربية بمجموعة إصلاحات نيوليبرالية” تتداخل مع الشؤون الداخلية للدول المعنية من خلال القروض ذات الظروف الاقتصادية والسياسية. وبغض النظر عن الظروف الوطنية، فقد أدى عدم الاكتراث بخصخصة سُبل عيش الناس والتخفيض الشديد للعجز إلى عواقب اجتماعية وسياسية خطيرة. إن العديد من الدول العربية عالقة في لعنة الإصلاحات النيوليبرالية ، فعندما تُقرض المؤسسات المالية الدولية، فإنها بداية الاضطرابات.
الأهم من ذلك، فإن الصين تدعم السلام والتعاون والانفتاح والتسامح والتعلم المتبادل والمنفعة المتبادلة والفوز المشترك، وتدعو إلى احترام تنوع الحضارات. هذه الدعوات تتناقض بشكل صارخ مع تكبّر وتحامل الحضارة الغربية على الحضارة العربية. لقد نجحت كل من الصين والحضارة العربية في تحقيق التواصل بين الناس من خلال تبادل الحوار الثقافي، ووضعت الأساس لبناء رأي عام مؤيد لإنجاح مبادرة الحزام والطريق.
لقد رسمت مبادرة “الحزام الواحد ، الطريق الواحد” مخططاً جديداً للتعاون الصيني العربي مع خلفيته الحضارية الغنية، ومضمون التعاون البراغماتي والروح الإنسانية السامية. أتاح البناء المشترك لـ “الحزام والطريق” للصين والدول العربية أن تتكاتف في رحلة جديدة عند نقطة انطلاق تاريخية جديدة.

*وكيل كلية الدراسات الأجنبية بجامعة الاقتصاد والتجارة الدولية في بكين
*المقال منشور بإذن خاص من الكاتب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.