موقع متخصص بالشؤون الصينية

الدخول من بوابة الصين!

0


ميدل ايست أونلاين:
بقلم: مصطفى عبدالله:
الاتجاه شرقا – في رأيي – هو الملاذ الآمن لمصر خلال الفترة المقبلة، ليس فحسب لأن العملاق الصيني، والمارد الهندي، والنمور الآسيوية هم الذين يملكون مفاتيح المستقبل في ظل الشيخوخة الحتمية التي تصيب أميركا، والتراجع الناموسي الذي يضرب في عروق الغرب الأوربي؛ وإنما أيضا لأن هذه الدول تمتلك حضارات كحضارتنا، وعادات وتقاليد يشترك أغلبها مع عاداتنا وتقاليدنا، وهذا يمنحنا سببًا وجيهًا للاتجاه شرقًا، بدلاً من الارتماء في أحضان الغرب الذي كدنا نعبده، رغم امتصاصه لدمائنا، واستنزافه لمواردنا، واستغلاله لضعفنا طوال قرون.

وكانت – ولا تزال – الدعوة إلى الاتجاه شرقًا هي دعوتي التي أصر عليها، ولم أكتف بمجرد الدعوة من داخل الوطن، ولكنني ذهبت إلى كوريا الجنوبية، منذ أكثر من خمس سنوات، وأسهمت في تأسيس أول مركز كوري للثقافة العربية والإسلامية على أرضها، واليوم.. أتوقف أمام الصين، هذا العملاق المتنامي في شرق آسيا، الذي يمد يد الصداقة بود ورغبة في تبادل حقيقي، والغريب أننا نحن الذين لا نمد يدنا إليه، رغم ترحيبنا بوجوده بيننا!

وتاريخ العلاقات المصرية الصينية عريق عراقة حضارتيهما، فلكل من البلدان حضارة لا تزال آثارها شاخصة للعيان، فحضارة مصر القديمة ترجع إلى سبعة آلاف عام بمعلمها المعجز “الإهرامات”، التى لا تزال تسلب الألباب، ويحج إليها المولعون بها وبحضارة الفراعنة من شتى أرجاء المعمورة، وحضارة الصين القديمة لم تنقطع منذ خمسة آلاف عام، وأبرز معالمها سور الصين العظيم، الذي يظل أحد عجائب الدنيا السبع، وقد تواصلت الحضارتان عبر طرق التجارة، قبل أكثر من ألفي سنة، أما في العصر الحديث، فقد صنعت الصين معجزتها الصناعية – وما تزال – دون أن تتخلى عن تقاليدها العريقة، وتمكنت من غزو معظم بلاد الدنيا، في حين سارت مصر إلى الخلف، متأخرة عن ركب التقدم، بعد أن كانت من أوائل الدول العربية التي حرصت على وجود تمثيل دبلوماسي لها مع الصين بداية من عام 1928، كما كانت أول دولة عربية اعترفت بجمهورية الصين الشعبية عام 1956، وهو ما أسهم في إقامة البلدين لعلاقات تعاون ثنائية شملت العلاقات التجارية والثقافية، ثم تكللت بالعلاقات الدبلوماسية الرسمية في الثلاثين من مايو/آيار عام 1956، وشكلت هذه الخطوة انعطافاً مهماً في خريطة العلاقات الدولية، بالنظر إلى مكانة مصر عربياً وإفريقياً وإسلامياً، وفتح الباب أمام الصين لإقامة علاقات رسمية مع الدول العربية والإفريقية، وقد شهدت علاقات الصداقة والتعاون بين الصين ومصر تطوراً متواصلاً على مستوى القيادات السياسية، إضافة إلي تعزيز التعاون بين الدولتين اقتصادياً وعلمياً وتكنولوجياً وثقافيا، وكان من المفترض أن تحل الصين ضيف شرف على معرض القاهرة الدولي للكتاب في مطلع هذا العام، قبل إلغائه بسبب تداعيات ثورة 25 يناير.

وتحتفل الصين هذه الأيام بمناسبتين مهمتين، الأولى مرور 62 عامًا على تأسيس الجمهورية الشعبية الحديثة، والثانية مرور 55 عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية مع مصر.

ولعل هذا ما جعلنى أبادر بزيارة المركز الثقافي الصيني بالقاهرة الذى يقع على بعد أمتار من “متحف رامتان” وبيت عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، حيث التقيت مديرته الدكتورة “تشين دونغ يون”، المستشارة الثقافية، التي نعرفها في مصر باسم “ديما”، و”ليون ين فانغ” الملحق الثقافي، المعروفة باسم “ليلى”، وهي عادة صينية لا تثير دهشة من تعامل مع الصينيين أو الكوريين، حيث يختار كل صيني – أو صينية – اسمًا عربيًا يُنادى به بيننا، ولا أظن أن هذا التقليد له علاقة بالعادة الفرعونية القديمة التي كانت تفرض إطلاق اسمين على المولود أحدهما سري والآخر معلن خوفًا من السحر، وأتصور أن التقليد الصيني “الذكي” هدفه تقريب المسافات وتجسير الحواجز بينهم وبيننا.

ورغم شكله العصري – معماريًا – إلا أن المركز الثقافي الصيني الذي أنشئ عام 2002 مكان مكتب ثقافي تابع للسفارة، يضم بداخله “غرفة صينية” – هذا هو اسمها – تضم مقتنيات تساعد في التعرف على الثقافة الصينية وتمثل مرآة للحضارة الصينية العريقة، كما يضم المركز – الذي زرته برفقة: الدكتور محسن فرجاني أستاذ اللغة الصينية بكلية الألسن، والدكتور عبدالبديع عبدالله، الأستاذ غير المتفرغ بكلية الآداب بجامعة بورسعبد – مكتبة كبيرة، لا تقتصر مقتنياتها على الكتب الصينية فحسب، وإنما تضم كتبًا بالعربية والإنجليزية أيضاً، ومنها على سبيل المثال كتاب الدكتور ثروت عكاشة الذى أصدرته دار الشروق عن “الفن الصيني”، فضلاً عن القواميس في اللغات الثلاث، وكتب تعليم اللغة العربية للصينيين، وتعليم اللغة الصينية للأجانب، بالإضافة إلى الكتب المترجمة عن العربية إلى الصينية والعكس، ولعل أحدثها كتاب “فن الحرب عند سونبين” الذي صدر مؤخرً فى القاهرةا عن هيئة قصور الثقافة، من ترجمة صديقى الدكتور محسن فرجاني، أحد أهم المترجمين عن الصينية فى عالمنا العربي.

وينظم المركز دورات تدريبية لتعلم اللغة الصينية، وصل عددها حتى الآن إلى 24 دورة، وتقوم الصين بإيفاد أساتذة للتدريس في جامعاتنا، وقد أخبرني “هوا وين جيه” الملحق التعليمي الصيني، بوصول عشرة من هؤلاء المتخصصين للتدريس في مصر خلال العام الجامعي الجديد.

والمثير للدهشة، وربما للأسى، أن كل هذا النشاط الصيني في مصر، لا يقابله نشاط مصري في الصين؛ فليس لدينا مركز ثقافي هناك حتى اليوم!، وكأننا لا نعي أهمية أن نبادل الصين – العملاق المرشح لهز العرش الأميركي اقتصادياً – يدًا بيد، ومركزًا ثقافيًا بمركز ثقافي!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.