موقع متخصص بالشؤون الصينية

“الصين مصنع العالم” وابتكاراته واقتصاده..

0

موقع الصين بعيون عربية ـ
رانيا ضميري*:
أنا مواطنة أردنية، ولا أحتاج إلى جهد لابتياع أية سلع أحتاجها لمنزلي، فلا حاجة لي إلى قطع مسافات كبيرة، واستهلاك وقود كثير لسيارتي في البحث عن سلع بأثمان مناسبة.. فيكفيني أن أخرج من مسكني إلى أي محال قريبة لشراء كل ما أحتاجه لأُسرتي من سلعٍ تحمل “ليبل” “صُنع في الصين”، دون قلق أو وجَلٍ من ثمن أو نوعية ولون.. فكل مُنتج صيني متوافر لدينا في الاردن، وفي مُدننا وقُرانا ونواحينا كلها، وهو بأسعار مناسبة جداً، وألوان وأشكال لا حصر لها.
ولا عَجب والحالة هذه أن عدداً كبيراً من الاردنيين، يعملون في التجارة وعمليات التصدير والاستيراد في الصين، وهناك في مدن الصين العريقة يسكن هؤلاء، بل أنهم يُقيمون بصورة دائمة في مساكن ثابتة لهم يملكونها، وبعضهم متزوج من سيدات صينيات، وقد “تصيننوا”، لكونهم قد “صَهروا الاردنية والصينية” سوياً، وقدّموا لمجتمعين عائلات مختلطة، وأطفال أذكياء يتم تربيتهم ليشغلوا أمكنة ومواقع آبائهم في التجارة والاقتصاد والصِّلات الانسانية للشعبين والبلدين، بل وفي الابتكار التقني الذي يقدمه بعضهم للبشرية، وفي الدراسة الجامعية في الصين للمشاركة في عمليات التصنيع الابتكاري، وفي تقديم الجديد الأحسن واللافت للانتباه محلياً وعالمياً.
ذات يوم من أيام يونيو/ حزيران 2014م، وبالتحديد في الخامس من يونيو ذات العام، فاجأنا فخامة رئيس جمهورية الصين الشعبية، الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني الحاكم، الرفيق “شي جين بينغ”، بتصريحات في حفل افتتاح الاجتماع الوزاري السادس لمنتدى التعاون الصيني العربي، بحضور شخصيات بارزة من الجانبين الصيني والعربي، لفتت إنتباه العالم كله، تناولت مواطناً أردنياً أصبح شهيراً إسمه في الصين، وتتناقل إسمه الألسن الصينية والعربية، كما والعالمية أيضاً في بلاد الغرب والشرق، الشمال والجنوب.. إنه الاردني “مُهند”، الذي قدّمه الصديق/ الرفيق “شي” الى شعوب العالم كلها، وأشهره بين العرب و”الفرنجة”، فقد تحدث الأمين/الرئيس عن قصة هذا الاردني الذي إعتبره الرئيس مِثالاً للابتكار والجد والاجتهاد والإخلاص في العمل والأمانة والصدق والصداقة، مما حوّل الاستثمار الذي يُشرف عليه مُهند، الى أكثر إنتاجاً، وأكثر غزارة، فاندفع بوضعه المادي والمعنوي الى الأمام، فتقاطر على مطعمه عُليّة القوم وأصحاب القرار في الدولة الصينية، وتنادت للتعرّف إليه السفارات العربية والاجنبية.
أنذاك، قال الأمين العظيم “شي” عن هذا الاردني “مهند”: “إن العلاقات الصينية العربية بتطورها السريع جعلت حياة أبناء شعوبنا أكثر ترابطاً.. فهناك قصة حيّة حدثت في مقاطعة تشجيانغ حيث عملت سابقاً: أنشأ تاجر أردني إسمه “مهند” مطعماً عربياً أصيلاً في مدينة “ييوو” التي يَجتمع فيها عدد كبير من التجار العرب.. وهو أتى بالأطعمة العربية الأصيلة وما تمثّله من الثقافة العربية إلى هذه المدينة، كما استفاد من تطور وازدهار المدينة وحقّق نجاحات لتجارته، حتى تزوج من فتاة صينية، واستقر في الصين. إن هذا الشاب الذي هو مِثل أي شاب عربي أخر، يعمل على تحقيق الاندماج فيما بين حُلمه الشخصي والحُلم الصيني الذي يقف رمزاً لمساعي جميع أبناء الشعب الصيني إلى السعادة والرفاهية، ويبذل جهوداً دؤوبة بروح الإصرار، بما يَكسب من تجارب متنوعة ويجسد الانسجام المِثالي بين الحُلم الصيني و الحُلم العربي.”

 

ومن جانبها، نشرت جريدة الشعب الصينية، وهي الجريدة المركزية، الاولى، للحزب الشيوعي الصيني ما يلي: جاء “مهند” من الأردن، وزوجته مسلمة صينية إسمها “ليو فانغ” من مقاطعة “انهوى” الصينية. وقد سافر مهند إلى الصين أول مرة في عام 2000، وكان يعمل في أحد المطاعم العربية بمدينة “قوانغتشو”، بعد ذلك تعرّف على “ليو فانغ”، فأحبها وتزوج بها. ومنذ ذلك الحين، بدأت قصة “مهند” مع الصين، وأصبح زوج إبنتنا الصينية الأصيل. وقد قام مهند بفتح مطعم تحت إسم “ورد” في مدينة “ييوو” في نهاية عام 2009، ويعني إسم المطعم، ورد، السعادة وورد السلام. وصمّم مهند علامة المطعم أي الوردة البيضاء بنفسه. وكما قام “مهند” بإدارة شركته التجارية طيلة 12 سنة في “ييوو”، وكما أن تجارته تشهد ازدهاراً كبيراً يوماً بعد يوم، وأنجب “ليو فاي شيانغ” (إسم صيني) وعمره 12 سنة و “ليو يي فاي” وعمره 9 سنوات، في “ييوو”، وهما يدرسان في إحدى المدارس الابتدائية في المدينة.. وقال “مهند” إن حياته في الصين سعيدة جداً، ولديه كثير من الأصدقاء العرب والصينيين، ويريد شراء العقار في “ييوو” مؤخراً ويَستقر فيها.
ونوّهت الجريدة إلى: أن “مهند” هو واحد من 4000 تاجر عربي يُقيمون بشكل دائم في مدينة “ييوو”. وتشهد “ييوو” والدول العربية تبادلاً مكثفاً في المجال التجاري، باعتبارها مدينة تجارية مشهورة في العالم، حيث يشتري أكثر من 100 ألف تاجر عربي السلع هنا كل عام.
في هذا السياق، لا بد من القول، أنه لو لم تكن “الصين مصنع العالم” والموقع الرئيسي لابتكاراته واقتصاده، بغض النظر عَمَن يَرضى بهذا الواقع ومَن يرفضه، لم يكن من الممكن قراءة قصة التاجر الاردني “مهند”، ولا كان مَن الممكن أن يُغادر “مهند” الاردن ليُبدع في الصين، ويُبدع الى جانبه ألوف الاردنيين والعرب من كل البلدان، فهناك في الصين تلقى هؤلاء جميعاً فضاءً واسعاً لاستثماراتهم وابداعاتهم، وسهّلت الصين لهم العمل، ونقلتهم الى طبقة الاغنياء بسرعة كما “عادة” الأعمال والقوانين الصينية، المُسهِّلة للابداع التجاري والتقني – الانساني، فهناك في الصين يُرحّبون بكل مُبدع مهما كان وضعه الاجتماعي، لأنهم يدركون تمام الادراك أنه بعقله وفكره وذكائه يَصنع هذا الشخص تاريخه وموقعه ومكانته التي قد يكون قد حُرم منها في مسقط رأسه القومي.
نقرأ في السياسة الصينية الجديدة تلخيصاً للأمين شي جين بينغ الذي أشار إلى: “أن العلوم الرائدة حقاً تحتاج إلى أن تُغرس.. لا أن تُفرض”. لذا، فقد ظهر شعار باهر هو “إختُرع في الصين” بدلاً عن شعار”صُنع في الصين”، ولا شك بأن “أُبدع أو إختُرع في الصين” يَكتسب معنى كبير وعميق لجهة تقدمية العلوم الصينية ومكانتها الحقيقية، التي وصلت إليها منذ عدة سنوات في عصر الرفيق شي جين بينغ للاشتراكية ذات الخصائص الصينية، إذ أن الدولة تحوّلت الى مصنع العالم فعلاً، بعد أن تغيّر النمط التقليدي ليحل محله تحقيق هدف التحويل الجوهري للصناعة والتقنية الصينية التي استحالت الى “قاعدة لابتكارات العالم”، وبهذا التغيير شهدنا تزايداً في الأبحاث والتقارير الدولية التي تتناول بعُمق أسرار تقدّم الصين إلى صدارة فضاء التكنولوجيا والاقتصاد، مروراً بالذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة، والبُنية التحتية، والقطاعات الطبية، ووصولاُ إلى التكنولوجيا الزراعية، وأحدثت وسائل النقل قفزات في علوم وسائط النقل التقليدية، ليتم اختراع أُخرى مدهشة، تنتمي لنمط القرن ال22 المُقبل..
..في “مصنع العالم” هذا – الصين، تُفاخِر الصين بما حققته من إنجازات، منها إنشاءات هندسية عملاقة مثل أعلى جسر في العالم (جسر بيبانغجيانغ) في مقاطعة قويتشو، وهو الجسر الذي يرتفع 565 متراً فوق وادي بيبانغجيانغ، وشكل بناؤه ملحمة هندسية رائعة وخصوصاً نقل الرافعات ومواد البناء إلى المنطقة الجبلية التي شيد فيها، ممتداً لمسافة بطول 1341 متراً. ويمثل الجسر شرياناً حيوياً لمقاطعة قويتشو التي سبق وزارها وفد ((الاتحاد الدولي للصحافيين والإعلاميين والكتّاب العرب حُلفاء الصين))، إضافة الى الانتهاء من الهياكل الرئيسية لأطول جسر يمر فوق البحار، والنفق الأعمق عبر البحار عالمياً، لربط هونغ كونغ و تشوهاي و ماكاو معاً، مما يسهل التنقل بين الجُزر الصينية الثلاث ويدعم التواصل فيما بينها، ورأى العالم في هذه ملحميات هندسية بكل ما تعنيه كلمة “تشييد شيىء كبير”.
زد على هذا كله، تقول مجلة “الصين اليوم” في عدد (حزيران2018م)، وتُشير الاذاعة الصينية – العربيةCRI، الى أن الصين صَعدت الى المركز الأول عالمياً في قائمة الدول التي تمتلك أسرع حاسوب خارق (أو عملاق)، لتضع الولايات المتحدة الأمريكية في المركز الثاني خلفها، في واحدة من أعقد التقنيات عالمياً، فالحاسوب الخارق يمكنه محاكاة انفجار السلاح النووي ودراسة النظم الكونية، وتصميم الطائرات وحتى التنبؤ بالطقس، وبجانب هذا التفوق العددي بعدد 202 حاسوب خارق مقابل 144 فقط تملكها الولايات المتحدة، تتفوق الحواسيب الصينية من حيث الخصائص والإمكانيات والأداء.
لن نجد اليوم من مكاناً أفضل من الصين للابداع، وتواِصلُ الصين عملها الابداعي والاختراعي حتى يأتي ذلك اليوم الذي لا تجد فيه شركات ومصانع العالم أية أمكنة أكثر ملاءمة من أرض الصين لتصنيع مُنتجاتها وتفعيل اختراعاتها وابتكاراتها، التي سترفع شعار “صُنِع بعقل الصينيين”، بعد أن أقرّت الدولة الصينية نهج الإبداع سياسةً رسميةً ومُعتمدة ومُفعّلة في الحياة اليومية، وحيث نجد أن الاقتصاد الصيني لا يتوقف عن النمو في كل حقل ليكون “بيت العالم” و “مصنع العالم” في كل شيىء.

ـ #رانية_ضميري: كاتبة ومثقفة أُردنية وعضو ناشط في #الاتحاد_الدولي للصحافيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء #الصين

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.