موقع متخصص بالشؤون الصينية

في تجربة بناء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية.. دور النظرية الثورية في تعزيز قدرة الحزب الشيوعي لبناء الاشتراكية

0

موقع الصين بعيون عربية ـ
د. كاوه محمود*:
تشير التجارب التي خاضتها الشعوب من أجل بناء الاشتراكية، الناجحة منها والمستمرة، وتلك التي أصابت بانهيار، الى دور الحزب الشيوعي في قيادة التحولات في مسيرة بناء الاشتراكية. ولكي يتمكن الحزب أن يلعب دوره الطليعي في قيادة هذه التحولات، لا بد أن يتبنى نظرية ثورية مبنية على البحث عن الحقيقة من الوقائع.
فالاساس الاول لوجود الحزب الثوري هو النظرية الثورية. وفي حالة غياب هذه النظرية يصبح الحزب مجرد تجمع لاعداد من الناس بشكل عفوي وفي اطار تجريبي وضمن مصالح الطبقات المستغِلة، وتهيمن عليه عقلية البرجوازية الصغيرة وطرائق عملها. وسيكون في نهاية المطاف متناقضا مع مسيرة النضال من أجل التغيير والتقدم الاجتماعي، وبناء الاشتراكية.
أشار لينين الى الارتباط العضوي بين الحركة الثورية وبين النظرية الثورية قائلآ: ” لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية”. فالنظرية بالنسبة للشيوعيين جزء عضوي من العمل النضالي، والنظرية لا تفرض بشكل قسري على العمل الثوري غير ان العمل الحزبي بمعزل عن النظرية الثورية غير مثمر. ان العمل والنضال من أجل الثورة والتغيير الاجتماعي و بناء الاشتراكية نشاط واع، وان الصراع الطبقي بمعزل عن الوعي الطبقي يكون ضياعا للجهد والنشاط، ولا يؤدي في نهاية الامر الى تنظيم الطبقات الكادحة.
والنظرية لا تعني الجعجعة الفارغة وغير المثمرة، ولا يقتصر الجهد النظري على العمل الاكاديمي و دروس الفلسفة، بل هو أوسع بكثير من ذلك. ان التجربة النضالية للشعوب المناضلة من أجل العدالة الاجتماعية ومن أجل بناء الاشتراكية، جزء أساسي من الجهود النظرية. ان الحديث عن النظرية من منظور ماركسي يعني دراسة الواقع والتطور الحاصل فيه ودراسة التناقضات والصراعات الدائرة فيه بعمق، لكي نطرح البديل الأكثر انسانية، ألا وهو الاشتراكية! وانطلاقا من هذه الوجهة لا بد من التأكيد على الاسهامات النظرية وتطورها في الحزب الشيوعي الصيني، والتي اعتمدت على التمسك بالماركسية كأداة معرفية ورفدها باسهامات نظرية تعتمد على واقع المجتمع الصيني وتطوراته.
لقد أجاب الحزب الشيوعي الصيني خلال مسيرته الطويلة التي استمرت منذ تأسيسه ولحد الآن بالنفي على سؤال تشكيكي يطرحه الكثيرون حول انتهاء الماركسية! فخلال السنوات الماضية ركزت الدعاية البورجوازية المعادية للاشتراكية على ان الماركسية قد عفا عليها الزمن، وانها تدخل في مجال السفسطة أو الوعظ الاجتماعي وكونها لا تتسم بالعقلانية والمنهجية. غير أن الحزب الشيوعي الصيني و خلال تاريخه النضالي وفي مختلف الظروف، أكد على خطأ تلك التوجهات وكونها جزء من الحملة التخريبية ضد نضال الشيوعيين و أدواتهم المعرفية النضالية. فقد اشار الرفيق ماوتسي تونغ الى علمية الماركسية قائلا “ان ما هو علمي لا يهاب النقد في أي وقت كان، اذ ان العلم هو الحقيقة فلا يهاب الدحض أبدا”.
وبيًن الرفيق دنغ شياو بينغ أهمية الماركسية كعلم عندما اشار الى ” ان عدد الناس الذين يوافقون على الماركسية في العالم سيزداد لأنها علم”. ان الجواب الذي جسًده الحزب الشيوعي حول حيوية الماركسية وعلميتها، من خلال ربط الممارسة بالتنظير، والأفعال بالأقوال، يمثٍل تحدياَ كبيرا في ظل الظروف الراهنة حيث يهيمن فكر الليبرالية الجديدة على نمط الحياة الحزبية في الكثير من البلدان وتشرع القوانين لتنظيم هذا المجال ضمن السعي لأن تتمحور التعددية الحزبية في اطار الفكر الراسمالي، والتناقضات الثانوية للطبقات البرجوازية، وفي اطار اعادة انتاج الفكر الرجعي باشكال جديدة، لطرح الخيار الرأسمالي المعتمد على الاستغلال وتوظيف العولمة لمصالح الامبريالية العالمية، وزيادة بؤر التوتر والمضي بالانفاق العسكري على حساب تنمية الشعوب و تقدمه.
لقد أشار الحزب الشيوعي الصيني في دستور الحزب ومنذ بداية تأسيسه الى اتخاذ الماركسية اللينينية مرشدا للعمل، مؤكدا على ارتباطه بالموقف العملي الجدي الكفاحي. ولذا نجد الرفيق ماو تسي تونغ يشير الى أن ” السلاح الأمضى والأكثر فعالية بالنسبة الى البروليتاريا ليس سوى الموقف العلمي الجدي الكفاحي. ان الحزب الشيوعي يعيش لا على اخافة الناس بل على حقيقة الماركسية اللينينية، وعلى البحث عن الحقيقة من الوقائع”. وشدّد دستور الحزب الصادر عن المؤتمر التاسع للحزب عام 2017 على التمسك بالماركسية اللينينية والاسهامات النظرية الاخرى التي أغنت مصادر الحزب الفكرية وتستند كلها على المنهج الماركسي في قراءة الواقع، مرشدا للعمل. وجاء في هذا الدستور” يتخذ الحزب الشيوعي الصيني الماركسية اللينينية، وأفكار ماوتسي تونغ، ونظرية دنغ شياو بينغ، وأفكار”التمثيلات الثلاث”، ومفهوم التنمية العلمية، وأفكار شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد مرشداَ للعمل”. تبين لنا تجارب بناء الاشتراكية والنضال من أجلها بان النظرية الثورية التي يمكن الاسترشاد بها للتغيير هي الماركسية، مما يستوجب الاعتماد عليها وتبنيها كأداة معرفية لدراسة الواقع وتحديد المرحلة التاريخية التي يمر المجتمع بها، مع الاخذ بنظر الاعتبار بان تاريخ البشرية في طور التغيير والتطور المستمرين، وان الرأسمالية في زمن ماركس ليست هي الراسمالية المعاصرة، وان التركيبة الطبقية في مجتمعنا في تغيير مستمر. وضمن هذه الوجهة يؤكد التقرير السياسي الصادر عن المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني على ان” الممارسة العملية لا حدود لها، والابتكار النظري لا نهاية له أيضاَ، والعالم يتغيير كل لحظة”.
ان استمرارية الحزب السياسي الماركسي تتعلق بمدى التزامه بالماركسية. فالتخلي عن الايمان بالماركسية، والاعتقاد بالاشتراكية والشيوعية يفضي الى انهيار الحزب. تمثل الماركسية بالنسبة للمناضلين من أجل بناء الاشتراكية ثلاث مجالات رئيسية. الأول: الوعي النظري، والثاني: الايمان السياسي، والثالث: الاسلوب العلمي للتفكير، وبما يمثل الروح السياسية للشيوعيين والدعامة الروحية لهم. وللتأكيد على هذا التوجه اشار الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني شي جينغ بينغ الى” أن الماركسية هي الفكر المرشد لحزبنا والشيوعية عي المثل الأعلى السامي لحزبنا… ومن دون الايمان بالماركسية والمثل الشيوعية العليا السامية لما كان الحزب الشيوعي الصيني والاشتراكية ذات الخصائص الصينية… وان الحزب السياسي الماركسي ينهار بمجرد أن يتخلى عن الايمان بالماركسية والاعتقاد بالاشتراكية والشيوعية… وان الماركسية وعي نظري خالص، وايمان سياسي، وأسلوب علمي في التفكير”.
وترتب على اعتبار الماركسية اللينينة مرشداً للعمل في حياة الحزب الشيوعي الصيني، توجيه العمل الايديولوجي داخل الحزب والمجتمع والعمل على ترسيخ ذلك وفق هذا التوجه، والتعامل الانتقادي مع النظريات الرأسمالية والتوجهات التي تنفخ في بوق الايديولوجية الرأسمالية دون وعي، وتلك التي تحاول أن تقول بأن ما يجري في الصين ليست الماركسية. لقد تغيير العالم خلال السنوات الماضية وتقدمت الثورة العلمية التكنولوجية بخطى سريعة، وحققت العولمة قفزات كبيرة في النمو. الا أن العالم لا يزال يعاني من مشاكل الفقر والتنمية وزيادة بؤر التوتر والصراعات والتدخلات الامبريالية التي تحرص على الحفاظ على مصالح الرأسمال العالمي. ولا تزال البشرية والحياة تطرح اسئلة معقدة جديدة ولم تطرح الحياة بديلا عن الراسمالية ومجتمع التناحرات الطبقية الشديدة سوى الاشتراكية، ولا يزال الفكر البشري مديناَ الى ماركس، فلا يزال المفكرون يطلبون المشورة من ماركس عندما يبحثون مستقبل التنمية الاجتماعية البشرية. ولا يزال ماركس مفكر البشرية الأول للألفية الثالثة. فلقد شخًص ماركس الأزمة الحالية للرأسمالية عندما أشار منذ وقت بعيد إلى أن حلم البرجوازية الأمثل هو تحقيق المال من المال، دون الحاجة إلى الدخول عبر مسلسل الإنتاج المضني. ونتج عن ذلك رأس المال الوهمي الذي يشكل البؤرة الاساسية في انتاج الدول الرأسمالية الكبيرة، في حين استطاع الصين تحقيق تطور حقيقي لقوى الإنتاج بعد تحويلها الى أيدي المجتمع، فأصبح بالامكان إقامة مخطط اشتراكي عقلاني للإنتاج، لاتخاذ القرارات لصالح المجتمع، وليس لصالح حفنة من الطفيليين الأثرياء والمضاربين، وذلك اعتمادا على النظرية الثورية أي الماركسية وتطويرها المستمر وفق الواقع، واغناء المصادر الفكرية للحزب الشيوعي الصيني.

* *الدكتور #كاوه_محمود: إعلامي وكاتب وباحث، وسكرتير الحزب الشيوعي الكوردستاني ووزير الثقافة السابق في العراق، وصديق مقرب من الاتحاد الدولي للصحافيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.