موقع متخصص بالشؤون الصينية

رؤية صينية: القلق المهيمن على أمريكا

0

وكالة أنباء الصين الجديدة ـ شينخوا:
في المشهد السياسي العالمي تلوح في الأفق قوة عظمى ذات قوة عسكرية واقتصادية يسود الاعتقاد أنه قد تظل منقطعة النظير على الأقل لعقود مقبلة.
ولكن، يبدو أن المهيمن — الولايات المتحدة، أو على وجه التحديد جهاز الأمن القومي الخاص بها- يزداد قلقا أكثر فأكثر في السنوات الأخيرة. وينظر لنهوض جماعي لا رجعة فيه للعالم النامي باعتباره يشكل تهديدا، ويرفض قبول ما هو طبيعي ولا مفر منه. وهذا ينذر بالمشاكل للجميع.
وتنبثق البراعة منقطعة النظير والتي تدعم الدور الريادي للولايات المتحدة على الساحة العالمية عن مزيج من العوامل السياسية والاقتصادية والجغرافية وغيرها، بما في ذلك رؤية كبرى سمحت لها بالعمل مع آخرين لتأسيس النظام الدولي الحالي.
غير أن هذه الرصانة الإستراتيجية مهدت بشكل ملحوظ الطريق لوجود شعور بالتفوق. وأنتجت العقود الثلاثة من الهيمنة أحادية القطب اعتقادا تاريخيا قائما على أساس غير سليم ولكنه راسخ بعمق لدى واشنطن بأن الولايات المتحدة بلد استثنائي ويرقى فوق الجميع، وبأن الشؤون الدولية ينبغي أن تدار إما بالطريقة الأمريكية وإلا فلا. ونجاحها في الماضي في وأد كل منافس حقيقي لهيمنتها في المهد لم يؤد سوى إلى تعميق شعورها بالرضا عن النفس.
ولكن الآن مع نمو وصعود لا يمكن إيقافهما للبلدان النامية، يبدو أنه من المقدر أن يتقاسم الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة الساحة مع “البقية”. ورغم أن التحول الناشئ هو مجرد نتيجة منطقية للتاريخ ولا يكلف واشنطن أي من مصالحها المشروعة، إلا أن القلق النابع من الذات يسيطر على ما يسمى بدولة الأمن القومي الأمريكية.
إن صانعي القرار وقادة الرأي من الصقور يخمدون أصوات العقل والأخلاق في الولايات المتحدة ويؤججون الخوف من أن تفقد أمريكا ما يحق لها. ففي غضون ما يزيد قليلا على عامين، أظهرت الإدارة الأمريكية الحالية، مع رفعها لشعار “أمريكا أولا”، إلى أي مدى هي مستعدة للذهاب لكي “تجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”، رغم أن الولايات المتحدة مازالت القوة العظمى الوحيدة في عالم اليوم.
وما زالت التجارة العالمية تعد حتى الآن جبهة قتال رئيسية. ويرى صناع السياسات الحاليين بالولايات المتحدة أن قوانين الاقتصاد والتجارة ليست سوى خدعة، وأن أية دولة لديها فائض تجاري مع الولايات المتحدة، تقوم بالنصب والاحتيال عليها.
لقد شنوا موجات من هجمات التعريفات الجمركية ليست ضد الصين فقط، وإنما أيضا ضد حلفاء للولايات المتحدة مثل الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية وكندا، ليفرضوا رسوما باهظة على منتجات مستوردة بدءا من الصلب وقطع غيار السيارات وصولا إلى لعب الأطفال والدراجات، غير عابئين بالأعباء المالية المتزايدة على كاهل المستهلكين والشركات داخليا، وغير عابئين بقواعد منظمة التجارة العالمية.
إن اعتداء واشنطن على نظام التجارة العالمي متعدد الأطراف والقائم على القواعد، يشكل تهديدا خطيرا للنمو الاقتصادي العالمي المستقبلي. وقد حذرت جيتا جوبيناث، كبيرة الخبراء الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي في مايو من أن “التصعيد الأخير (للتعريفات الجمركية) يمكن أن يضعف بشكل كبير من ثقة الأعمال التجارية والأسواق المالية، ويعطل سلاسل التوريد العالمية، ويعرض الانتعاش المتوقع للنمو العالمي في عام 2019 للخطر”.
كما شهد عالم التكنولوجيا الفائقة اندفاع الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها. غير أنها تحاول القيام بذلك ليس من خلال شحذ قدراتها في المنافسة العادلة ولكن من خلال استخدام سلطة الدولة لطرد المنافسين.
إن حملتها غير المبررة على شركة توريد معدات الاتصالات هواوي وغيرها من شركات التكنولوجيا الفائقة الصينية تحت ذريعة الأمن القومي تذكرنا بمؤامرتها السابقة ضد صناعة أشباه الموصلات التي كانت مزدهرة يوما ما في اليابان، وتُفسر على نطاق واسع بأنها محاولة لتخريب قدرات وضع المعايير لدى الصين في مجالات رئيسية مثل الجيل القادم من الاتصالات المحمولة وضمان وضع أدنى دائما للصين، على الأقل في التكنولوجيا المتقدمة.
وفي عالم الجغرافيا السياسية، أصبح اضطراب القلق المهيمن على واشنطن أكثر وضوحا، خاصة في سياساتها المتعلقة بالشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية. ففي الأشهر الأخيرة، دأبت الولايات المتحدة على الحديث عن شن حرب ضد إيران وتدبير انقلاب في فنزويلا.
ومن ناحية أخرى، تسعى الإدارة الأمريكية الحالية إلى جنى ثمار كونها كما وصفها مارتن وولف كبير المعلقين الاقتصاديين في الـ((الفاينانشيال تايمز) بـ”قوى عظمى مارقة”، في الوقت الذي ترفض فيه تحمل مسؤوليتها العالمية المستحقة. فقد أدى انسحابها من اتفاق باريس للمناخ والاتفاق النووي الإيراني إلى خرق الجهود العالمية الرامية إلى مواجهة العديد من التحديات الأكثر إلحاحا في العالم.
في حقبة ما بعد الحرب الباردة، اعتقد الغرب ذات مرة أن العالم دخل فترة “السلام الأمريكي”، فترة تعمل فيها الولايات المتحدة كباني لنظام دولي قائم على القواعد وحارس للسلام. ولكن بعد ثلاثة عقود، شعرت الدول الغربية بخيبة أمل عندما اكتشفت أن الولايات المتحدة أصبحت بلطجي كبيرا يدفع العالم نحو “الفوضى الأمريكية”.
ونظرا للمخاطر الكبيرة، يحتاج المجتمع الدولي، بما في ذلك العقول الرصينة في أمريكا، إلى العمل معا لمساعدة واشنطن على صنع السلام في ظل الاتجاه التاريخي الحالي. وفي النهاية، تعد كل أمة جزء من هذا الكوكب، وكل شخص له الحق في السعي لتحقيق السعادة، وكل دولة لها الحق في تطوير اقتصادها وتكنولوجياتها.
أما بالنسبة لواشنطن، فعليها كما اقترح عالم السياسة الأمريكي جوزيف ناي أن تتعلم أهمية استخدام قوتها مع الآخرين، ليس فقط ضد الآخرين، في عالم اليوم الذي يزداد ترابطا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.