موقع متخصص بالشؤون الصينية

لمَاذا نُريد عَلاقات عربية وأُردنية صِينية عَميقة؟

0

 

الحوار المتمدن ـ
مروان سوداح *
يَجب الاعتراف بحقيقة وإن كانت غير مُحبّبة لنا، ألا وهي أن الغرب بمجمله سبق الصين الى الاردن والبلدان العربية في العصر الحديث، وإن كانت الصين قد سَبقت كل الغرب الى كل بلدان الضاد، وبضمنها بلاد الشام برمتها، وذلك منذ أُلفيات عديدة من السنين، حين كانت الصين هي الأشهر على كل لسان عربي من الماء الى الماء خلال عهد طويل لطريق الحرير الصيني – العربي القديم، الذي عَمّر العلاقات بين العالمين العربي والصيني، وبضمنها المُصاهرة العربية الصينية، بدخول العرب الى الصين بدايةً من غربها، ومن ثم تطور المد العربي في تلك البلاد إلى شرقها حيث المخارج المائية الصينية الى العالم..

العرب القدماء يُسموّنهم في الصين بـِ”سكان الجبال”، لكونهم سكنو أعاليها. هؤلاء رغبوا في غابر العهود معرفة الصين، كل الصين، مِن عليٍّ. أنذاك، كان العرب كثيرون حين وفدوا الى غرب الصين، وكذلك تقدّموا الى منطقة نينغشيا ذاتية الحكم وذات الطابع الاسلامي، فاختلطت الثقافتين العربية والصينية في زواجات شاملة بين جميع العرب وجميع المواطنين الصينيين. لذلك، نرى كيف أن “سكان الجبال” قد اكتسبوا خلال أُلوف السنين ملامح صينية، واستساغ جميعهم العادات والتقاليد الصينية، التي امتزجت مع العربية – الإسلامية، لتُشكّل قومية ثنائية (عرب – “هان”)، وعرب – قوميات أخرى، وهي حالة فريدة في التاريخين الصيني والعربي، يجب سَبرها ودراستها بعمق، وإعادة إحياء سُبُلِها، لَعَلَّ العالمين العربي والصيني يعودان إليها ويستنشقان أريجها، ويعملان من أجل تعزيز هذه التشكيلة الفريدة في العصر الراهن، إذ ستعمل هذه الحالة القديمة – الجديدة على تعزيز اللحُمة العربية الصينية بصور أوسع وأعمق، وستظهر فيها إبداعات جديدة لكيفية إعلاء وترسيخ مفهوم التحالف الإنساني بكل مفاهيمه، وليس الصداقة فحسب.

في هذا المجال، أرى بأن “التحالف الإنساني”، الذي يدعو إليه “إتحادنا الدولي” بين العرب والصينيين، هو مهمة هذا العصر وأحد ملامحه الرئيسية، التي ستفضي خطوة بعد أخرى حال الشروع بها واعتمادها في الدبلوماسية الشعبية والدبلوماسيات الاقتصادية والثقافية، الى فتح عالم جديد، يوصل الى عملية إنتاجية واسعة في مختلف الفضاءات، مما سيُتيح لسوادِ العرب التقاط العُنصر الأهم في صِلاتنا مع عالم الصينيين، وهو ما سوف يُفضي بالتدريج وبصورة طبيعية وتلقائية، الى فسح المجال لِنهل العلوم الصينية التقدمية، وفتح مجالات الإبداع والتشغيل الأوسع للعرب، وتطوير وقائع الأحوال العربية التي تتطلع اليوم في كل بلد عربي، إلى مَن يمد إليها يد المساعدة وطوق النجاة من الرأسمالية الدولية الاحتكارية، التي تُناهِض المرتكزات الصينية ذات الأهمية الإنسانية، والتي تتلخص في معادلة (رابح – رابح) لجميع الأُمم والشعوب والقوميات كبيرها وصغيرها.

في الزمن المُنقضي، كان كثيرون منّا يتطلعون الى الجاليات العربية في عددٍ من البلدان الغربية، لتكون فاعلة في التعريف بقضايانا الرئيسية والمصيرية ولتشكل رافعة ضاغطة على صُنّاع القرارات الغربية، وللنهوض بوضعنا العربي.. لكننا اليوم نلمس أن هذه الجاليات، أو لنقُل المجتمعات العربية، لا حول لها ولا قوّة أمام جبروت الاحتكارات الغربية والصهيونية الدولية التي تتحكم بسياسة عواصم كثيرة، تعمل طحناً وهدماً بعالمنا العربي وأهله عن طريق الحروب المباشرة تارة، وتارة أخرى بِحِرابِ الثورات والحروب الإرهابية (غير المباشرة)، التي تجرّنا وللأسف الشديد الى قعر الحضارة الإنسانية لسبب يكمن في رغبة الغرب بالهيمنة الدهرية على الشرق.

لكن الصين، جمهورية الصين الشعبية، بعيدة كل البُعد تاريخياً عن الحضارة الغربية وأساليبها وطبيعتها الفرداوية. فالحضارة الصينية قد تمكّنت من بناء كيانية عقلية وفكرية ونمطية أخرى، آسيوية، إنما آسيوية – صينية، ذات ملامح مُمَيّزة، لا صِلة لها بعالم الاحتكارات والحروب والتآمر السياسي، فمدّت بيجين يد العون الى غالبية الأُمم والقوميات، منذ حقبة الزعيم “ماو”، والى اليوم، وما نزال نذكر بألمٍ، كيف أن أجهزة المخابرات والاستخبارات “الإسرائيلية”، درجت على “اصطياد” الخبراء الاقتصاديين والمتعلمين الصينيين الذين إرسلتهم القيادة الصينية إلى أفريقيا، لمساعدتها في شتى المسارب والقضايا.. فمذ تأسيس الصين الشعبية، ومروراً بحقبة “ماو”، وإلى حقبة الرفيق “شي جين بينغ”، يَتبّدى لنا تلكم الفارق الإنساني والثقافي والفكري والعقلي الهائل ما بين الصين والغرب (الذي حاول استعباد الصين والصينيين وفشل)، في كل الحقول دون استثناء..

واليوم ونحن إذ نلمس يومياً جهود الرفيق “شي” مع بلدان وحكومات وشعوب الدول العربية وأذرعها المجتمعية، ومنها الاردن، لتطوير علاقات الصداقة والتحالف والترابط الإنساني العميق، نتطلع الى مزيدٍ من الفِعل الرئاسي الصيني لمساندتنا في محو آثار الماضي الذي زرعته يد الاستعمار الغربي، ولتثبيت الصين في بلداننا، لنتعرّف عن كثب على سياسة “شي” في الإفادة للجميع دون استثناء، واكتساب الجديد من التقنيات وآليات الأعمال الصينية، ولنا في القيادة الصينية وبخاصة في تطلعات ورؤى الرفيق الحكيم “شي”، وإلى جانبه “سكان الجبال”، و قوميات الصين وأُولها الـ”هان”، سنداً لاستجلاب الجديد الأنفع والمُفيد الى أقطارنا العربية، ورغبةً بوقف انحدارنا الى الدرك الأسفل إنسانياً وثقافياً وفكرياً ومجتمعياً.

_ الأكاديمي مروان سوداح، حائز على أعلى شهادة علمية في روسيا وجوائز الدولة من روسيا والصين، وزميل أكاديمية العلوم الروحية الروسية، وخبير بالشؤون الصينية والروسية منذ نصف قرن، ومؤسس و”رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.