موقع متخصص بالشؤون الصينية

لماذا الأويغور الآن ؟ (3) .. هل الأويغور هم أجداد الأتراك العثمانيين ؟ .. وهل شينجيانج هي تركستان الشرقية ؟

0

موقع الصين بعيون عربية ـ
بقلم – محمود سعد دياب*:

مقدمة
لم يكن مستغربًا تلك الحملة الشعواء التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي ضد الصين مؤخرًا واتهامها باضطهاد المسلمين الأويغور، ولكن الغريب هو توقيت الحملة وحجمها رغم أن الاتهامات لم تتضمن أي جديد خلاف سابقتها على مدار السنوات السبعة الماضية منذ إطلاق الصين مبادرة الحزام والطريق عام 2013، ولعل تلك المبادرة السبب الرئيسي وراء ذلك التصعيد نظرًا لأن طرق التجارة الصينية تبتلع منطقة أوروآسيا وإيران وحتى تركيا وتجعلها وحدة متماسكة في مواجهة النفوذ الغربي.
في هذا التحقيق الذي ننشره على حلقات متتابعة، نحاول الوقوف على أصل الحكاية بشكل حيادي ومن واقع الأمانة الصحفية، بعيدًا عن الدعايات السلفية المتشددة، ومحاولات الغرب استمالة تعاطف عموم المسلمين لتحقيق أهداف سياسية، ورصد الجانب المظلم لبعض المنتسبين إلى قومية الأويغور من خلال خبراء متخصصين، وأيضًا كيفية تعامل الحكومية الصينية مع أصحاب الديانات بما فيهم المسلمين، فضلا عن تجربة شخصية عاشها كاتب هذه السطور في منطقة شينجيانج ذاتية الحكم شهر سبتمبر 2018، وتاريخ تلك المنطقة منذ قديم الزمان الذي يدحض دعايات تركيا بأنها كانت ملك أبناء القومية التي قالت إن أجدادهم الأتراك السلاجقة انحدروا منها منذ قديم الزمان إلى منطقة الشرق الأوسط لكي يؤسسوا الإمبراطورية العثمانية في هضبة الأناضول، وحكاية معسكرات التدريب التي تقول الميديا الغربية عنها أنها مراكز اعتقال.

في الحلقتين السابقتين تعرفنا على أصل حكاية الجانب المظلم لبعض المنتسبين إلى قومية الأويغور المسلمين في منطقة شينجيانج الصينية ذاتية الحكم، وكيف أن الحركة الإرهابية الانفصالية (الحزب الإسلامي التركستاني)، التابعة لتنظيم القاعدة، تنشر الفوضى والخراب بدعم أمريكي كامل، فضلا عن جحافل القوى الناعمة الأويغورية الأخرى الغير مسلحة والمدعومة أمريكيًا أيضَا والتي أسست منظمات حقوقية ومنصات تهاجم الصين وتسعى لتصوير ذلك الإرهاب على أنه حق تقرير مصير للمسلمين المظلومين في الصين، بالإضافة إلى أسباب التصعيد الأخير ضد الصين منذ إطلاق مبادرة الحزام والطريق واستهداف شينجيانج باعتبارها أهم نقطة على طريق الحرير الجديد ومنها تتفرع طرق التجارة إلى ثلاثة أفرع رئيسية، وتوسيع بكين نفوذها تدريجيا في منطقة أوروآسيا التي كانت مسرحًا للهيمنة الأمريكية على مدار العقود الماضية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي.

في الحلقة الثالثة، نتناول التصعيد على المستوى الأممي والدولي ضد الصين، باستغلال ورقة اضطهاد المسلمين في شينجيانج، وتاريخ تلك المنطقة منذ عهد أسرة هان 206 ق.م حتى الآن، وهل الأويغور هم أجداد الأتراك العثمانيين؟، وهل ينتمون إلى القومية التركية؟، ورد الجانب الصيني على ذلك، بالإضافة إلى المغالطات التي تروجها تركيا بهذا الخصوص، وهل شينجيانج هي تركستان الشرقية؟.

معارك حقوق الإنسان
لا يكاد يمر شهر واحد، حتى تثار معركة داخل أروقة الأمم المتحدة ضد الصين بحجة انتهاك حقوق الإنسان، تارة من زاوية الأحداث في هونج كونج وأكثر المرات من زاوية اضطهاد المسملين، كانت أهم تلك المحطات شهر نوفمبر الماضي، حيث انقسمت الدول المشاركة إلى معسكرين بين مؤيد ومعارض.

فقد شهد اجتماع لجنة القضاء على التمييز العنصري بالأمم المتحدة، قيام واشنطن ولندن ودول أخرى، بإصدار بيان ينتقد أوضاع حقوق الإنسان في الصين، فيما أصدرت قرابة 60 دولة أخرى بيانًا مؤيدًا للصين، على رأسها باكستان وروسيا ومصر وبوليفيا وجمهورية الكونجو الديمقراطية وصربيا، وقال: “نرحب بالإنجازات الواضحة للصين في مجال الحقوق الإنسانية بحكمتها التنموية التي تتمحور حول الكائن البشري وترويجها لحقوق الإنسان عبر التنمية”.

وأضاف النص الذي وزع على وسائل الإعلام في الأمم المتحدة: “ننظر بتقدير أيضا إلى مساهمات الصين في القضية الدولية للحقوق الإنسانية”، منتقدًا أيضا تسيّيس والكيل بمكيالين في مسألة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة ويدين الضغوط التي تمارس على دول أخرى، فيما طالب البيان الموقع من أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا واليابان ودول أوروبية، بضرورة فتح الحكومة الصينية الباب أمام المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشيليه، بزيارة شينجيانج والتحقق من المعلومات بنفسها.

من جانبه؛ قال جينج شوانج المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الصينية، إن ما تضمنه البيان الموقع من 60 دولة يؤكد تقدير تلك الدول للتقدم الصينى الواضح فى مجال حقوق الإنسان، وسياساتها فى حكم المنطقة ومعارضتها لاستخدام تلك القضية للتدخل فى الشئون الداخلية، مضيفًا أن سجلات بريطانيا وأمريكا ودول أخرى في حقوق الإنسان “لا تؤهلها لتوجيه النقد للآخرين”، داعيا هذه الدول إلى أن تفكر فى أوضاعها بجدية.

وأضاف شوانج، -في مؤتمر صحفي حضره كاتب هذه السطور- أنه “ينبغى على هذه الدول إزاحة القناع الزائف حول حماية حقوق الإنسان فى أقرب وقت ممكن، والتوقف عن التسييس، وعدم اتخاذ معايير مزدوجة فى تلك القضية، والتوقف عن استخدامها كذريعة للتدخل فى الشئون الداخلية للدول الأخرى”، مشيرًا إلى تقديم بلاده احتجاج رسمي على تصريحات وزير خارجية أستراليا بخصوص القضية نفسها.

وأوضح أن الإجراءات التي اتخذتها حكومة شينجيانج لمكافحة الإرهاب، أثمرت عن عودة الاستقرار إلى المكان وتوقف الأحداث الإرهابية منذ 3 سنوات، وأن مجلس وزراء منظمة التعاون الإسلامي اعتمد في مارس 2019 قرارًا أشاد فيه بجهود الصين في توفير الرعاية لمواطنيها المسلمين، فضلا عن توقيع سفراء أكثر من 50 دولة بمكتب الأمم المتحدة في جنيف خطاب إلى رئيس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والمفوض السامي لحقوق الإنسان، يثنون فيه على احترام الصين لحقوق الإنسان وحمايتها ومكافحة الإرهاب.

شينجيانج ليست تركستان الشرقية
مكتب الإعلام التابع لمجلس الدولة الصيني، أصدر كتابًا أبيضًا أوضح أن منطقة شينجيانج ظلت دومًا جزءًا لا يتجزأ من الأراضي الصينية، وأن الأويغور ليسوا أحفاد الأتراك، وأن شينجيانج لم تكن أبدًا “تركستان الشرقية”، وتؤكد الحقيقة أن تركستان هي مقاطعة أقصى شرق كازاخستان تقع على الحدود مع منطقة شينجيانج ولم يكن هناك علاقة وفقًا للكتاب بين المقاطعة الكازاخية والمنطقة الصينية على مدار التاريخ.

وبحسب الكتاب، فإنه منذ أسرة هان (206 ق.م-220م) وحتى أواسط وأواخر أسرة تشينج (1644-1911)، كان يطلق رسميًا على المناطق الشاسعة في كل من شمال وجنوب جبال تيانشان في شينجيانج اسم المناطق الغربية، وتم رسميًا اعتبار شينجيانج ضمن الأراضي الصينية إبان أسرة هان، موضحصا أنه لطالما ظلت شينجيانج جزءًا لا يتجزأ من الأراضي الصينية، وأنه لم يطلق عليها أبدًا ما يسمى بـ ” تركستان الشرقية “، وأنه لا وجودَ أبداً لدولة عُرِفَت باسم ” تركستان الشرقية “.

وقال الكتاب الأبيض إن قومية الأويغور ظهرت خلال عملية طويلة من الهجرة والاندماج، مضيفًا أنها جزء من الأمة الصينية، وتابع: “منذ القرن الثامن عشر وحتى النصف الأول من القرن التاسع عشر، ومع قيام الغرب بالتمييز بين مختلف اللغات التركية، صاغ بعض العلماء والكُتّاب الأجانب مصطلح “تركستان” للإشارة إلى المنطقة الواقعة جنوبي جبال تيانشان وشمالي أفغانستان، التي تغطي المنطقة الممتدة من جنوبي شينجيانغ إلى وسط آسيا، وأطلقوا على المنطقتين على جانبي البامير بـ “تركستان الغربية” و” تركستان الشرقية “.

وأضاف الكتاب الأبيض أنه وفي مطلع القرن العشرين، ومع ظهور “القومية التركية” و”القومية الإسلامية” في شينجيانج ، قام انفصاليون من داخل وخارج الصين بتَسييس المبدأ الجغرافي مُتلاعبين بمعانيه، وعملوا على تحريض المجموعات العرقية التي تتحدث اللغات التركية وتَدِينُ بالإسلام للانضمام إليهم في خلق الدولة الثيوقراطية لـ ” تركستان الشرقية “.

وأكد الكتاب الأبيض: “أن الدعوة لإقامة هذه الدولة المزعومة أصبحت أداة سياسية وبرنامجًاً للانفصاليين والقوى التي تحاول تقسيم الصين”، وذكر الكتاب أنه في شينجيانج ، تتعايش الثقافات والأديان، وتوطدت الثقافات العرقية وتطورت في حضن الحضارة الصينية، وأن الإسلام ليس نظام اعتقاد أصلي لقومية الأويغور، كما أنه ليس المعتقد الوحيد لهم، مشيرًا إلى أنه تجذر في الثقافة الصينية وتطور بشكل سليم.

أكد الكتاب الأبيض أن تاريخ منطقة شينجيانج الويغورية، يُظهر تعايشاً طويلاً لأديان متعددة فيها، مع غلبة واحد أو اثنين منها، وأن الهيكل الديني للمنطقة لطالما تميّز بالتمازج والتعايش، مضيفًا أن الأديان المتعددة في شينجيانغ تشمل الإسلام والبوذية والطاوية والبروتستانتية والكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية الشرقية، كما أن لدى شينجيانج 24800 مكان للنشاطات الدينية بما فيها المساجد والكنائس والمعابد البوذية والطاوية، يقوم عليها 29300 موظف ديني.
وأشار الكتاب إلى أن الأويغور ليسوا أحفاد الأتراك، ومنذ العصور الحديثة، وبدوافع خفية، وصف بعض أنصار القومية التركية جميع الناطقين باللغة التركية بأنهم “أتراك”، لكن الكتاب الأبيض يشير إلى أن الأسرة اللغوية والمجموعة العرقية مفهومان مختلفان بشكل أساسي، وذكر الكتاب أنه “في الصين، تضم المجموعات العرقية الناطقة باللغات التركية، الأويغور والقازاق والقرغيز والأوزبيك والتتار والسالار، وكل منهم له تاريخه الخاص وثقافته الفريدة”، مضيفًا “لا يمكن الإشارة إلى هؤلاء الناس بأنهم أتراك”.

وأضاف أن الثقافة الإسلامية الناشئة عن الحضارة العربية لم تبدأ في إحداث تأثير على ثقافات المجموعات العرقية في شينجيانغ إلا مع بداية القرنين التاسع والعاشر الميلاديين، حين بدأ الإسلام الانتشار بالمنطقة، وقال الكتاب الأبيض: إنه ومنذ أكثر من ألفي سنة مضت، كانت شينجيانج بوابة للحضارة الصينية للانفتاح على الغرب، وقاعدة مهمة للتبادل والاتصال الثقافيين بين الشرق والغرب.
………….
*صحافي مصري متخصص في العلاقات الدولية وشؤون آسيا في مؤسسة الأهرام

رابط الحلقة الأولى: https://www.chinainarabic.org/?p=49825
رابط الحلقة الثانية: https://www.chinainarabic.org/?p=49837

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.