موقع متخصص بالشؤون الصينية

تعليق: سرير بروكروستيس في حملة التضليل التي تنتهجها واشنطن

0

 

وكالة أنباء الصين الجديدة ـ شينخوا:

في وقت يستمر فيه وباء كوفيد-19 الهائج، في إثارة أعصاب الشعب الأمريكي، وسط تصاعد الدعوات من أجل استجابة فيدرالية أكثر التزاما وفعالية، يعصر بعض السياسيين الأمريكيين أفكارهم من أجل اكتشاف طرق جديدة لنشر الشائعات وجعل الآخرين كبش فداء لهم.

    وتتميز حملتهم المضللة المستمرة بلا هوادة، والتي يتم توجيهها في الغالب إلى أهداف ملائمة لهم مثل الصين ومنظمة الصحة العالمية، تتميز بتشويه عشوائي تعسفي وقح يذكّرنا بفظائع بروكروستيس، ذلك اللص المقيت بالأسطورة اليونانية، الذي كان يجعل ضحاياه ملائمين للاستلقاء والتعذيب على سريره المعدني، إما عن طريق شدّ ومدّ أجسادهم أو تقطيع أرجلهم.

    هذا يذكرنا تماما بما جاء في مذكرة تم الكشف عنها مؤخرا، مكونة من 57 صفحة أرسلتها اللجنة الوطنية لأعضاء الحزب الجمهوري بمجلس الشيوخ الأمريكي، إلى مرشحي الحزب للانتخابات الرئاسية لهذا العام، ويؤكد أن هؤلاء المولعين ببث الشائعات يفعلون في الحقيقة نفس ما كان يفعله بروكروستيس في أجساد ضحاياه، بينما أسرّتهم الحالية هي رؤوسهم والروايات المُعدّة مسبقا في أذهانهم.

    في مذكرة استراتيجية بعنوان “خطة اللعب الكبيرة باستخدام فيروس كورونا”، كشف عنها الموقع الإخباري الأمريكي ((بوليتيكو – Politico))، وردت نصائح للمرشحين الجمهوريين بأن يستغلوا كل ما يتعلق بوباء كوفيد-19، لمهاجمة الصين بقوة، وهناك أيضا مبادئ توجيهية مفصلة حول كل شيء، بدءًا من كيفية ربط المرشحين الديمقراطيين بالحكومة الصينية، إلى كيفية التعامل مع الاتهامات بالعنصرية.

    ومثلما لم يهتم بروكروستيس بحياة أولئك المسافرين الذين يقعون ضحايا في يديه، فإن السائرين على شاكلته اليوم، والساعين لتعكير المياه لمساعدة أنفسهم على الهروب من المسؤولية، لا يهتمون لمصداقية ما يعتبرونه “حقائق” خارجة من أفواههم.

    ولكن هناك اختلافا كبيرا مؤلما في هذا المجال، وهو أن الهجوم على حقائق تتعلق بوباء مهلك بعالم حقيقي، ومدمر على نطاق أكبر بكثير من جرائم القتل التي كان بروكروستيس يرتكبها.

    في الحقيقة والواقع، إن هذه الممارسات الشبيهة بما كان يقوم به بروكروستيس، والتي يقوم بها السياسيون الأمريكيون ذوي الأفكار المسبقة أو الأجندات المعدة سلفا، هي ممارسات تسبق أزمة الصحة العامة العالمية الحالية المستمرة منذ فترة طويلة. وحرب العراق درسٌ مرير لا يمكن نسيانه. ولكن تفشي فيروس كوفيد-19 قد كشف مثل هذه الممارسات الوقحة بشكل أوضح للعالم، بالإضافة إلى الخطر الهائل الذي يمكن أن يسببه هذا التفشي.

    وكما قال جيريمي كونينديك، وهو زميل باحث سياسي رفيع المستوى في مركز التنمية العالمية، وهو مركز أبحاث غير ربحي مقره واشنطن، ولديه خبرة ثرية في متابعة المساعدات الخارجية الأمريكية في حالات الكوارث، واستجابات منظمة الصحة العالمية على تفشي الأمراض، في مقابلة مع ((انتلجنسير – Intelligencer))، وهي جزء من مجلة ((نيويورك))، فإنه عند الترويج للحرب على العراق، قامت الإدارة الأمريكية في ذلك الوقت بدفع “أجهزة المخابرات إلى اختيار أية معلومات يمكنهم تقديمها لإثبات تلك القضية (غزو العراق)، حتى لو كانت المعلومات على أوهن الأسس”. مشيرا إلى أنه مع الوباء الحالي” ترى نفس الشيء يحدث تماما هنا”.

     لقطة شاشة لتقرير نشرته ((بوليتيكو)) يوم 24 إبريل 2020 يكشف عن مذكرة تفصيلية مُرسلة من قبل اللجنة الوطنية لأعضاء الحزب الجمهوري بمجلس الشيوخ الأمريكي إلى حملات الحزب الجمهوري. وتنصح المذكرة المرشحين الجمهوريين بانتقاد الصين بعنف في كل ما يتعلق بمعالجة كوفيد-19.

    وتبدو المزاعم المُخدرة للعقول من قبل بعض المسؤولين الأمريكيين على أعلى المستويات، ولا سيما أمثال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، والمستشار التجاري للبيت الأبيض بيتر نافارو، لتشويه سمعة الصين على أساس فيروس كورونا، تبدو أوضح مثال في هذا الصدد. وكما وضعها كونينديك، “فلديك إدارة، أو على الأقل شخصيات في الإدارة، تريد فعلا أن تعطيهم المعلومات الاستخبارية نتيجة معينة يرغبونها، ويتجاهلون أي دليل آخر يتعارض مع هذه النتيجة”.

    وفي خضم كشف مرعب عمّا وصفته وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية بأنه “إنكار وخلل وظيفي” في الاستجابة الفيدرالية ضد الوباء، فإن هؤلاء السياسيين الأمريكيين، الذين ينظرون بالفعل إلى الصين من خلال عدسات تصادمية على نحو متزايد، سيذهبون بعيدا ويبذلون جهودا استثنائية لدفع الصين إلى موقع الروايات المزعومة التي أعدّوها مسبقا، لمساعدتهم على تحويل الضغط المحلي المتزايد نحوهم والتنصل من المسؤوليات.

    على سبيل المثال، في نسختهم من الرواية أو الخبر، يدعون إلى عدم النظر إلى الصين بكونها شفافة؛ وإلا، فلن يكون لديهم أسباب للتنصل من مسئولية إخفاقهم، وإلقاء اللوم على ما يزعموه من “تستر” من قبل الدولة الآسيوية (الصين). لذا، قاموا بقصّ جزء من رواية الخبر، يقول إن الصين بدأت في 3 يناير الماضي، إبلاغ منظمة الصحة العالمية والبلدان والمناطق ذات الصلة، بما فيها الولايات المتحدة، حول تفشي مرض تنفسي عُرف لاحقًا باسم كوفيد-19.

    وفي واقعهم البديل، يجب ألا يتم تصوير قيام الصين بمساعدة البلدان الأخرى على مكافحة التهديد المشترك، بالأمر الإيجابي؛ وإلا، فإن الولايات المتحدة ستفقد المزيد من مصداقيتها المتضائلة بالفعل، كزعيمة عالمية. لذا، فقد قاموا بتضخيم وتوسيع نطاق بعض المشاكل الفردية المتعلقة بالجودة، في الإمدادات الطبية التي اشترتها بعض البلدان من الصين، عبر قنوات غير رسمية، لمواصلة تشويه المساعدات الصينية بأكملها.

    وبالمقارنة مع اللص الدموي بروكروستيس بالأسطورة اليونانية، فإن مجسدي شخصيته بعالمنا الواقعي اليوم، أكثر ابتكارا منه. فمن أجل جعل الصين أكثر ملائمة للوضع في قوالبهم، قاموا باختراع ما لا يمكنهم العثور عليه، ثم وضعه على الصين. على سبيل المثال، فإن روايتهم للأحداث لا تسمح بتصوير الصين كدولة رئيسية مسؤولة مكرسة للصالح العام بالعالم. لذا، فإنهم يواصلون ادعاءاتهم بأن يد المساعدة التي تمدها الصين في المعركة العالمية ضد كوفيد-19، مخصصة لتحقيق مكاسب جيوسياسية.

    وبالمقارنة مع سرير بروكروستيس، فإن الأسرّة الموجودة في أذهان هؤلاء السياسيين، ورغم عدم استخدامها لتقطيع وتشويه الأجساد، فإنها تتسبب بإزهاق المزيد من الأرواح، لأنها تُنتج حقائق مشوهة وأكاذيب وقحة، وتضيف وقودا إلى عاصفة نارية من “التشويه الإعلامي الوبائي” الذي، كما وصفه مسؤولو الصحة العامة والعلماء في جميع أنحاء العالم، بأنه أشد فتكًا من فيروس كورونا نفسه.

    وفي مواجهة فيروس ماكر وقاتل يهدد جميع البشر بغض النظر عن البلدان والمناطق والأجناس والأنظمة السياسية، لا يمكن للبشرية أن تهزم هذا العدو المشترك، وتنقذ المزيد من الأرواح، إلا من خلال التعاون العالمي. لقد حان الوقت تماما لتحطيم ذلك السرير البروكروستيسي، المُستوطِن في أذهان هؤلاء السياسيين الأمريكيين المولعين بتشويه سمعة الآخرين، لأنه لا يولد إلا التضليل وعدم الثقة والانقسام.

    إن أزمة مستمرة مثل أزمة الوباء الحالية، ورغم كونها مدمرة فعلا، ولكنها توفر فرصا أيضا. على الأقل، إنها لحظة للتفكير فيما يمكن فعله لحماية الأرواح بشكل أفضل وجعل العالم أكثر استعدادا. ومن بين المهام الواجب تنفيذها تعزيز التضامن الدولي، وتحسين التنسيق العالمي، وتوفير أفضل الممارسات المتاحة للاستخدام من خلال التعلم المتبادل.

    إن كل واحد من أكثر من 200 ألف شخص ماتوا فعلا بسبب كوفيد-19، يمثل سببا واقعيا ويضيف دعوة إلى الضرورة المُلحة للعالم ليكون أكثر وضوحا بشأن من يحارب الفيروس، ومَن يغذّيه. وأولئك المتلاعبون بالحقائق في واشنطن بحاجة إلى الانتباه للتحذير من أن بروكروستيس الوارد ذكره في تلك القصة الأسطورية، قد قُتل على السرير نفسه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.