موقع متخصص بالشؤون الصينية

الدبلوماسية الصحية القوة الناعمة الجديدة للصين في إفريقيا

0

موقع الصين بعيون عربية ـ
فاطمة لمحرحر*:

تسعى بكين بعد تراجع حالات كوفيد 19 في الصين إلى أخذ زمام المبادرة، بتبني دبلوماسية صحية من خلال حملات الدعم الصينية الموجهة نحو أوروبا بسبب تضرر صورة الصين في الخارج، وانتشار موجة من الكراهية والعنصرية المعادية للصين.
ونتيجة لذلك، بدأت الصين تظهر تضامنا مع الدول المتضررة بتقديم مساعدة طبية وصحية إلى مجموعة من الدول الأوروبية بما في ذلك جميع الدول الإفريقية، وهو ما سيساهم في ظهور تطور إيجابي في الدبلوماسية الشعبية خاصة في العلاقات اليابانية- الصينية التي تعاني من توترات بسبب قضايا تاريخية وإقليمية.
وفي هذا الإطار، يأتي انعقاد قمة إفريقية – صينية استثنائية تضطلع فيها الصين بدور قيادي عالمي في سياق مبادرتها لاحتواء الأوبئة العالمية، على الرغم من الانتقادات التي وجهتها بعض البلدان للصين، إلا أنه يمكن لإفريقيا أن تتعلم من تنمية الصين وإدارتها للوباء في ظل الارتفاع المتزايد لحالات الإصابة في جل أنحاء القارة السمراء.
وهنا لابد أن نشير إلى أنه في بداية الألفية أصبحت الصين الشريك الاقتصادي الأول للعديد من البلدان الإفريقية، مما جعل القارة موضوع مزاحمة بين كل القوى الاقتصادية الكبرى وهو ما ساهم إلى حد ما في تحسن واضح للإداء الاقتصادي للعديد من الدول الإفريقية خاصة تلك المنتجة، ولابأس من أن نذكِّر بأن العلاقات الصينية- الإفريقية تستند إلى اعتبارات سياسية وإيديولوجية.
ووفقا لذلك، تسعى الصين إلى التغلغل خلال السنوات الأخيرة في القارة الإفريقية ورفع شعار التعاون رابح- رابح من أجل تنمية مشتركة، عن طريق تمويل مشاريع في هذه الدول ونقل بعض التكنولوجيات الحيوية وتوقيع عقود اقتصادية واستثمارية.
غير أن هناك دراسات أبانت عن أن العلاقات الإفريقية- الصينية تعرف اختلالا في الميزان التجاري الذي يميل أكثر للصين على حساب الدول الإفريقية، إذ أن 90% من صادرات الدول الإفريقية تجاه الصين تتكون من المواد الأولية والطاقية كالنفط والغاز والمعادن، مما يبقي دائما اقتصاديات الدول الإفريقية غير مستقرة.
وعلى الرغم من ذلك، فلا شك أن علاقات الدول الإفريقية مع الصين خلقت بدائل للبلدان الإفريقية بالنسبة إلى ارتباطاتها التقليدية مع القوى الغربية مما سيمكن إفريقيا من تنويع علاقاتها وتحسين أدائها الاقتصادي، حيث أن الصين تقدم نفسها كنموذج بديل للمساعدات الغربية والمؤسسات التمويلية الدولية في إطار مقاربة رابح- رابح لدعم وتعزيز التعاون جنوب- جنوب.
وبالعودة إلى القمة الإفريقية- الصينية الأخيرة، أكدت الصين على دعمها لإفريقيا في جهودها نحو تطوير منطقة التجارة الحرة وتعزيز الارتباطية ودعم سلاسل الصناعة، كما تم خلال هذه القمة عن إعفاء دول إفريقية من قروض مستحقة بنهاية سنة 2020، ونشر في هذا السياق إلى أن الدول الإفريقية كانت قد طالبت في وقت سابق بلدام مجموعة العشرين بإلغاء ديونها أو تأجيلها بسبب تضرر اقتصاداتها من وباء كورونا؛ أما بالنسبة للدول الإفريقية الأكثر تضررا من الفيروس وتعاني ضغوطا مالية كبيرة ستعمل الصين مع المجتمع الدولي على تقديم المزيد من الدعم لها؛ كما تعهدت الصين بأن تكون الدول الإفريقية من أوائل المستفيدين من لقاح صيني لفيروس كورونا فور الانتهاء من تطوير استخدامه.
إلى جانب ذلك، فالصين تواصل تعزيز وترسيخ نفوذها في القارة الإفريقية في إطار ما يسمى طريق الحرير الطبي، إذ أرسلت معدات وقائية وطبية للدول الإفريقية المتضررة بالفيروس في وقت يعتبر الحصول على امدادات طبية أمرا بالغ الأهمية للدول الافريقية التي تعاني من انتشار كوفيد 19، بالنظر للحاجة الملحة لهذه المساعدة حتى يمكن للعاملين في المجال الصحي التمتع بالحماية المطلوبة أثناء مزاولتهم لمهامهم، كما ستبدأ الصين في بناء مقر المركز الإفريقي لمكافحة الأمراض في إفريقيا وتنفيذ مبادرة الرعاية الصحية التي اعتمدت في منتدى التعاون الصيني الافريقي، والعمل على بناء مستشفيات الصداقة الصينية- الافريقية.
لكن لا بد أن ننبه في آخر الأمر إلى أن المساعدات الصينية في شتى المجال، ترتبط ولو ضمنيا بمشروطية ما دامت تدخل في إطار شمولي، انطلاقا من منطق المصالح الاقتصادية، فالصين تسعى إلى تعزيز موقعها في إفريقيا، لكن هذا لا يمنع الدول الإفريقية من أن تستفيد من تهافت القوى الكبرى عليها، والبحث عن الشريك الأفضل في سبيل ضمان سير قاطرة التنمية في القارة السمراء.
لائحة المراجع:
فتح الله ولعلو، نحن والصين الجواب على التجاوز الثاني، المركز الثقافي العربي، الطبعة الاولى، 2014.
فاطمة لمحرحر، ” العلاقات المغربية- الصينية نموذج جديد للتعاون جنوب- جنوب، موقع الصين بعيون عربية
عبد القادر محمد علي،”دبلوماسية المساعدات الطبية: الصين تسعى إلى مكاسب استراتيجية من جائحة كورونا”، موقع TRT عربي، مارس 2020.

*باحثة في الدراسات السياسية والعلاقات الدولية ـ كلية الحقوق فاس المغرب

(الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر إدارة الموقع)
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.