موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصين والدول العربية: ماذا تحتاج من بعضها البعض؟

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
عادل علي*:

مثّل انعقاد الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني – العربي على المستوى الوزاري في السادس من تموز/ يوليو الجاري، برئاسة مشتركة لجمهورية الصين الشعبية والمملكة الأردنية الهاشمية، مناسبة مهمة لطرح أحد أكثر التساؤلات إلحاحا في الوقت الراهن لدى الجانبين الصيني والعربي، ألا وهو ماذا تحتاج الصين من الدول العربية؟ وماذا تحتاج الدول العربية من الصين؟.

أهمية التساؤل المطروح بعاليه، تنبع من الفترة العصيبة التي مر بها الجانبان الصيني والعربي مع بدايات العقد الثالث من الألفية الثالثة، بتفشي مرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد -19) وتداعياته العديدة ليس فحسب على العلاقات الدولية، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.. إلخ، وإنما أيضا على التفاعلات الصينية ـ العربية بمختلف أبعادها ومجالاتها، ولاسيما في بعديها الصحي (الطبي) والاقتصادي (الاستثماري والتجاري)، في الوقت الذي حافظ فيه البعد السياسي للعلاقات بين الجانبين على زخمه المعتاد، وإن تغيرت وسائله وآلياته، والتي سيطرت عليها “الدبلوماسية الرقمية” أو “الدبلوماسية السحابية” فيما يتعلق بأسلوب عقد المؤتمرات والفعاليات السياسية الكبرى بين الجانبين، بعقدها عبر تقنية روابط الفيديو، بجانب الآليات التقليدية كالاتصالات الهاتفية أو البرقيات والرسائل المتبادلة بين القادة العرب ونظيرهم الصيني شي جين بينغ.

إذا ما بدأنا بالمجال الصحي والطبي، يمكن القول إن التضامن والمساعدة المتبادلة بين الصين والدول العربية فيما يتعلق بمكافحة (كوفيد -19)، مثلت نموذجا وملمحا بارزا على ما وصلت إليه العلاقات الصينية ـ العربية من متانة ورسوخ ـ رسميا وشعبيا ـ في الوقت الحاضر، عكسها تعدد صور وأشكال الدعم المتبادل بين الجانبين، والتي أفاضت وسائل إعلام الجانبين في تناولها بتفاصيلها كافة، ومثّل هذا الشكل من أشكال التعاون دليلا على “واقعية” مبادرة الصين الخاصة ببناء مجتمع المصير المشترك للصين والدول العربية.

وبالانتقال إلى الجانب الاقتصادي والتجاري، إذا كان لتفشي (كوفيد -19) تداعياته وتأثيراته السلبية على مجمل الاقتصاد العالمي، والصين أحد أعمدته الرئيسية، وكذلك الدول العربية، فبالتبعية تأثرت العلاقات الاقتصادية والتجارية الصينية ـ العربية بهذه الجائحة، سواء كان هذا التأثير على مستوى المشاركة في الفعاليات الاقتصادية التي يستضيفها الجانبان، وذلك عبر الانترنت، أو لجهة التأثير ـ المؤقت نسبيا ـ على المشروعات التي تقيمها الصين في الدول العربية في إطار مبادرة “الحزام والطريق”، بجانب التأثير ـ المتوقع ـ على حجم التبادل التجاري بين الجانبين، فإذا كان حجم التجارة بين الصين والدول العربية وصل إلى 266.4 مليار دولار أمريكي في عام 2019، إلا أنه من المتوقع حدوث إنعكاسات سلبية على حجم التبادل التجاري بين الجانبين، وهذا لن يتضح تأثيره إلا في الفترة القادمة من خلال مقارنة حجم التبادل التجاري في عام 2020-2021 بالسنوات السابقة.

ما سبق، يشير إلى واقع العلاقات الصينية ـ العربية في ظل أزمة جائحة كورونا، السؤال الآن هو ماذا تحتاج الصين من الدول العربية وماذا تحتاج الدول العربية من الصين في المدى المنظور؟.

ربما نجد الإجابة على السؤال المذكور من خلال القراءة فيما تمخض عنه منتدى التعاون الصيني – العربي على المستوى الوزاري في دورته التاسعة من نتائج، كشفت عنها الوثائق الثلاث الصادرة في ختام المنتدى، وهي “إعلان عمان”، البرنامج التنفيذي لمنتدى التعاون الصيني – العربي بين عامي 2020-2022، علاوة على البيان المشترك لتضامن الصين والدول العربية في مكافحة وباء الالتهاب الرئوي الناجم عن فيروس كورونا المستجد.

إن استنطاق ما تضمنه البرنامج التنفيذي لمنتدى التعاون الصيني ـ العربي بين عامي 2020-2022، يشي بأن هناك إدراكا عميقا لدى الجانبين الصيني والعربي بأنه على الرغم من المحصلة الإيجابية الكبيرة للتعاون بين الصين والدول العربية في مختلف المجالات، إلا أن هناك آفاقاً رحبة وإمكانات أكبر للوصول بهذا التعاون إلى درجة أعلى وأكثر فائدة للجانبين ولشعوبهما.

فعلى الجانب السياسي، يحتاج الجانبان الصيني والعربي إلى الارتقاء بآليات منتدى التعاون الصيني ـ العربي بما يخدم مصلحتهما المشتركة، بجانب ضرورة تعميق علاقات الشراكة الاستراتيجية القائمة على التعاون الشامل والتنمية المشتركة بين الجانبين في إطار المنتدى، وتبادل التفاهم والدعم في القضايا التي تهم الجانبين وتتعلق بمصالحهما الجوهرية والرئيسية، بما يصون مصالح الجانبين ويساهم في تعزيز السلام والاستقرار والتنمية في العالم.

وعلى الجانب الاقتصادي والتجاري، يحتاج الجانبان الصيني والعربي إلى مواصلة دعم إقامة المعرض العربي الصيني وفعاليات أخرى لترويج التجارة والاستثمار والمشاركة الحثيثة في المعارض والملتقيات الاستثمارية والتجارية وغيرها من الفعاليات المقامة في دول الجانبين، وتشجيع الاستثمار المتبادل والزيارات المتبادلة والتواصل بين رجال الأعمال للجانبين.

كما يحتاج الجانبان أيضا إلى مواصلة استكمال الإطار القانوني لمجالات التعاون الاقتصادي والتجاري، وخاصة بشأن حماية وتشجيع الاستثمارات واتفاقيات التعاون في مجال البنية التحتية والعمالة ومناطق التعاون، بما يوفر الدعم القانوني للتعاون بين مؤسسات الجانبين. هذا بالإضافة إلى مواصلة تعزيز آليات التعاون الاقتصادي والتجاري وتعميق علاقات التعاون الاستراتيجي في المجالات التجارية والاستثمارية والمالية وغيرها. وتشجيع الصين على تعزيز استثماراتها في كافة المجالات الاقتصادية في الدول العربية، لاسيما الدول التي تعاني من أزمات اقتصادية.

ويحتاج الجانبان أيضا إلى دعم تحرير وتسهيل التجارة بينهما، الأمر الذي سيسهل التبادل التجاري بين الدول العربية والصين ويوفر مزيدا من الفرص التجارية لشركات الجانبين. وثمة حاجة أيضا إلى مواصلة توسيع التعاون في المجال السياحي، وإقامة معارض الترويج السياحي والندوات السياحية وتقديم المعلومات والتسهيلات اللازمة في هذا الصدد، وتشجيع شركات الجانبين على تنفيذ المشاريع السياحية والاستثمارية.

وفي المجال الصحي والطبي، يعد هذا المجال من المجالات المهمة التي يحتاج فيها الجانبان الصيني والعربي إلى تعزيز تعاونهما المشترك، لاسيما في ضوء تحدي مرض فيروس كورونا الجديد، عبر تعزيز التعاون في مكافحة الوباء، والاستفادة من آلية التعاون الصحي في إطار منتدى التعاون الصيني – العربي.

بعد تحديد الحاجات المتبادلة بين الجانبين الصيني والعربي، فإن السؤال المطروح هو كيف يمكن تحقيق هذه الحاجات؟ ونعني به الآليات والسبل الكفيلة بنقل تلك الآمال والحاجات المتبادلة من مجرد كونها أفكاراً مطروحة على المستوى النظري، لكي تجد طريقها إلى التنفيذ على أرض الواقع؟

الإجابة على هذا التساؤل أيضا يمكن رصدها من بين ثنايا ما ورد في الوثائق الثلاث المهمة الصادرة في ختام الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني ـ العربي على المستوى الوزاري، والتي حددت بشكل دقيق آليات وسبل تحقيق نقلة نوعية إلى آفاق أرحب في التعاون الصيني ـ العربي.

فعلى المستوى السياسي، من الأهمية بمكان عقد القمة الصينية ـ العربية، التي توافق الجانبان على عقدها بالسعودية، بهدف الدفع بالشراكة الاستراتيجية الصينية ـ العربية إلى آفاق أرحب، وبما يخدم المصلحة المشتركة للجانبين، في أقرب وقت ممكن. ويمثل هذا الأمر استجابة لرغبة الجانب العربي ـ كما عبر عنها السيد أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية في كلمته أمام المنتدى ـ بالارتقاء بالتعاون العربي ـ الصيني لمستوى القمة، عبر عقد قمة عربية ـ صينية. كما يتعين على الجانبين تعزيز التوافق الخاص بالتضامن والتعاون والتمسك بالتعددية ودعم بعضهما البعض في القضايا المتعلقة بالمصالح والشواغل الرئيسية، والتعاون الخاص ببناء مجتمع صيني ـ عربي ذي مستقبل مشترك في العصر الجديد.

ويجب على الجانبين الدفاع عن تعددية الأطراف والقواعد الأساسية للعلاقات الدولية، وبذل جهود مشتركة لإيجاد حل سياسي للقضايا الساخنة في المنطقة واستعادة السلام والأمن إلى الشرق الأوسط. ومواصلة العمل جنبا إلى جنب لتجاوز الصعوبات الناتجة عن (كوفيد -19)، وتقديم مساهمة مشتركة في قضية الصحة العامة العالمية.

وعلى المستوى الاقتصادي، يتعين على الدول العربية والصين المحافظة على شراكتهما المربحة وتحقيق التنمية المشتركة بالتعاون والكسب المشترك في إطار بناء “الحزام والطريق”، والاستراتيجيات المتعددة الخاصة بالدول العربية. بجانب العمل على استعادة الزخم في التبادل التجاري بين الجانبين، علاوة على زيادة الاستثمارات الصينية في الدول العربية.

أما على المستوى الصحي، فمن خلال عقد اجتماع منتدى التعاون الصيني ـ العربي في مجال الصحة في وقت مناسب، وتنفيذ مبادرة “بكين للتعاون الصيني ـ العربي في مجال الصحة عام 2019″، وتطوير “رابطة التعاون الصيني ـ العربي في مجال الطب والصحة”، ودفع التعاون في مجالات الصحة العامة والطب والأدوية التقليدية والدراسة في السياسات الصحية وصناعة الصحة وغيرها. بالإضافة إلى زيادة الوعي بـ “مجتمع المستقبل المشترك للبشرية” وإقامة “المجتمع الصيني ـ العربي للمستقبل المشترك” و”المجتمع الصيني – العربي للصحة المشتركة” من خلال التعاون في مكافحة الوباء.

وفي الختام، يمكن القول إن الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني ـ العربي على المستوى الوزاري مثّلت فرصة مهمة للتعرف باستفاضة على ما يحتاجه كلا الجانبين الصيني والعربي من بعضهما البعض في مجالات التعاون كافة بينهما، ووضعت في الآن ذاته الآليات والوسائل الكفيلة بتحقيق تلك الأهداف والمتطلبات على أرض الواقع، بما يصب في تعميق الشراكة الاستراتيجية الصينية ـ العربية ودفع التعاون نحو مجتمع المصير والمستقبل المشترك للصين والدول العربية.

 

*إعلامي مصري باحث  في الشؤون الصينية

التعليقات مغلقة.