موقع متخصص بالشؤون الصينية

أميركا والصين بين (القواعد) والمصالح

0


صحيفة واشنطن بوست:
ديفيد ناكامورا:
أثناء جولته في منطقة آسيا والمحيط الهادي خلال الأيام التسعة الأخيرة، قدم الرئيس الأميركي أوباما نفسه كزعيم عاقد العزم على حماية مصالح أميركا ونشر قيمها، ومستعد لإظهار القوة وركوب المخاطر السياسية من أجل مستقبل أفضل.

لقد كانت رسالة أعادت قدراً من التفاؤل والأمل -وفكرة الاستثناء الأميركي- إلى الخطاب السياسي للرئيس، وهي عناصر كانت غائبة إلى حد كبير خلال الأشهر الأخيرة في وقت كان فيه تركيزه منصباً على المهمة المضنية المتمثلة في خلق الوظائف والحد من البطالة في البلاد.

أوباما استقل الطائرة الرئاسية عائداً إلى واشنطن في وقت مبكر من صباح يوم الأحد، مفعماً بشعور متفائل حول جولته في منطقة آسيا والمحيط الهادي، وإن كانت هذه المشاعر الإيجابية لن تدوم طويلاً ربما، ذلك أنه من المستبعد على ما يبدو أن تستوفي “لجنة خارقة” تابعة للكونجرس تضم في عضويتها أعضاء من الحزبين مهلةً تنتهي الأربعاء للتوصل إلى اتفاق بشأن مخطط لخفض الدين، وبالتالي فمن شبه المؤكد أن الرئيس سيجد نفسه مرة أخرى في مواجهة الفوضى السياسية المترتبة عن ذلك.

غير أنه من خلال جولته الخارجية، نأى أوباما بنفسه مؤقتاً عن المأزق السياسي الذي كاد يصيب واشنطن بالشلل. كما نجح إلى حد كبير في ترجمة إعلان إدارته عن الشروع في تحويل تركيزها إلى منطقة بدأ فيها نفوذ الولايات المتحدة يتراجع. وفي هذا الصدد، كشف أوباما النقاب عن مخططات لخلق ميثاق تجاري إقليمي جديد، وإقامة قاعدة عسكرية أميركية بعيدة في أستراليا، وإعادة فتح علاقات دبلوماسية مع حكومة أوتوقراطية طالما كانت منغلقة على نفسها في بورما. وبذلك، بعث أوباما برسالة قوية إلى الصين مؤداها أن الولايات المتحدة لن تسمح لها بخرق القوانين الدولية على حساب الشركات الأميركية والأمن العالمي، جاذباً بموازاة ذلك مديري الشركات الأميركية ومضعفاً انتقادات الخصوم الجمهوريين الذين يتهمونه بتبني سياسة لينة مع منافس يعرف نمواً سريعاً.
وفي هذا الإطار، قال أوباما في هونولولو، مجيباً عن أسئلة في منتدى ضم نحو ألف من مديري الشركات الأميركية الكبرى التي لديها أنشطة تجارية مع المنطقة: “في الولايات المتحدة، هناك أوقات نشكك فيها في نفوذنا عبر العالم… لكن الخبر الذي علي أن أنقله للشعب الأميركي هو أن الزعامة الأميركية مازالت محل ترحيب”. والسبب، يضيف أوباما، هو أن الولايات المتحدة تذهب إلى ما هو أبعد من مصالحها الضيقة لوضع “القواعد والمعايير” في الساحة الدولية، مشيراً إلى أن الدول التي تفشل في اتباعها ستواجه عقوبات أميركية.

وبشكل متكرر، كانت الصين البلد الذي تحمل عبء انتقادات أوباما لفشلها في “احترام القواعد”. وفي هذا السياق، قال كبار مساعدي أوباما للصحفيين إن الرئيس أوضح، خلال اجتماع ثنائي مع الرئيس الصيني هو جينتاو، أن مديري الشركات الأميركية أصبحوا محبطين جراء الوتيرة البطيئة للإصلاحات الاقتصادية في الصين، والتي يشعر المديرون أنها تبقي على قيمة عملتها منخفضة على نحو غير عادل وتغض الطرف عن انتهاكات حقوق الملكية الفكرية.

الرسالة كانت تهدف إلى دعم وتعزيز الثقة داخل قطاع الشركات بأن إدارة أوباما مستعدة لتبني مقاربة أكثر تشدداً وصرامة مع الصين. كما أعلنت الإدارة أيضاً عن تقدم حول “الشراكة عبر المحيط الهادي” مع ثماني دول أخرى، وهي اتفاقية تجارة حرة لا تشمل الصين.

غير أن هذه الخطوات بدا أنها تشجع وتقلق في الوقت نفسه زعماء الشركات الذين ينظرون إلى زيادة الصادرات إلى الصين كأهم وأصعب سوق بالنسبة لهم. ويذكر هنا أن بعض المرشحين الرئاسيين الجمهوريين، من بينهم حاكم ولاية ماساتشوسيتس السابق ميت رومني، هاجموا سياسات الصين أثناء محطات حملتهم الانتخابية، وأن قدرة أوباما على إقناع قطاع الشركات بأنه مصمم بالقدر نفسه على تحميل الصين المسؤولية، مثلت أمراً أساسياً بالنسبة لمهمته خلال الأيام التسعة الماضية.

بيل ويلدون، المدير التنفيذي لشركة جونسون آند جونسون، حضر منتدى هونولولو وخرج مبهوراً بأداء أوباما. ويقول ويلدون، الذي يعد واحداً من ثلاثة مديري شركات كبرى طالبوا بدعم عام لأجندة الرئيس بعد المنتدى: “إن الرسالة بشأن التجارة كانت واضحة جداً. والرسالة بشأن الدعم للشركات الأميركية كانت واضحة، حيث قال إن الولايات المتحدة تكون في أفضل حالاتها عندما نحترم القواعد ويحترم الجميع القواعد”.

وفي الولايات المتحدة، كان مديرون آخرون يتساءلون حول ما إن كان أوباما سيفي بوعوده المتعلقة بالتجارة وما إن كان الخطاب والأعمال الأكثر جرأة قد تُغضب الصين، مما قد يعيق مزيداً من الانفتاح والوصول إلى الأسواق الصينية. وفي هذا الإطار، وصف كلايد بريستوفيتز، رئيس معهد الاستراتيجية الاقتصادية، تعليقات أوباما حول الصين بأنها “قاسية بعض الشيء “، معتبراً أن الرئيس قدم الصين عموماً على أنها “بلد يتلاعب بالعملة”، وهي لغة كان مسؤولو الخزينة الفدرالية حذرين من استعمالها. وعن التصريح الذي قال فيه أوباما إن الصين لا تحترم القواعد الدولية، قال بريستوفيتز، المفاوض بوزارة التجارة في عهد إدارة ريغان، “هناك دائماً سؤال: هل يقصد أوباما ذلك فعلاً؟ إنه إلى الآن لم يُظهر أنه يقصد ذلك بالفعل”.

وإلى ذلك، لم يُسكت أوباما كلياً عن الانتقادات من اليمين، لكنه تمكن بالمقابل من تضييق هوة الخطاب بينه وبين خصومه. وإذا كان رومني لم يتطرق لجولة أوباما الخارجية، فإنه أكد خلال إحدى محطات حملته الانتخابية في مانشستر، ولاية نيوهامبشر، أنه يعتزم تبني موقف أكثر تشدداً مع الصين مقارنة مع الرئيس أوباما في حال فوزه. وقال رومني في منتدى حضره نحو 100 من مديري الشركات: “إن مبعث قلقي بشأن الصين هو عدم احترامهم للقواعد… إننا لا نستطيع بكل بساطة الاستمرار في التظاهر بأن الصين لا تقوم بإفراغ مصانعنا، وعلينا أن نعترف بأنه من خلال خرقهم الاتفاقيات وعدم احترامهم مبادئ التجارة الحرة حقاً، فإننا سنخسر الوظائف”.

والملفت أن أوباما اختار المشي على خط رفيع في تعاطيه العام والخاص مع الصين. فكرئيس، كان مضطراً ليوازن بين التحذير من أن على القوة الآخذة في التوسع بسرعة أن تلتزم بالقواعد، والتعامل في الوقت نفسه بحذر معها والحرص على عدم التسبب في قطيعة قد تكون ضارة اقتصادية.

غير أن أوباما أظهر أنه مستعد للضغط بقوة وركوب المخاطر في وقت يسعى فيه إلى وضع الولايات المتحدة على المقدمة بشأن المساهمة في تشكيل ملامح منطقة آسيا والمحيط الهادي في القرن الحادي والعشرين.

وباستعمال خطاب مستمد من التحالفات التاريخية زمن الحرب، أعلن أوباما عن اعتزامه إقامة وجود عسكري أميركي دائم في أبعد مكان عن البلاد قدر الإمكان، في قاعدة في أقصى شمال أستراليا، وهي سرية من 250 جنديا من لمارينز تخطو أولى الخطوات نحو شراكة جديدة مع حليف مهم بالقرب من منطقة جنوب شرق آسيا التي تعرف نمواً سريعاً.

كما اتخذ الرئيس قراراً مفاجئاً يقضي بإرسال وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون إلى بورما، التي تعرف أيضاً بميانمار، في زيارة تدوم يومين في كانون الاول المقبل، ما يؤشر إلى دفء دبلوماسي ممكن مع بلد لطالما كان مدرجاً ضمن القائمة السوداء الأميركية بسبب انتهاكاته لحقوق الإنسان. وحول هذا الموضوع، قال أوباما إن بورما، التي كانت تعتبر ذات يوم أنها دخلت مجال النفوذ الصيني بشكل لا رجعة فيه، أظهرت “مؤشرات على التقدم” شجعته رغم أنه مازال ثمة الكثير مما يتعين عليها القيام به.

وربما كانت هذه الخطوة الأخيرة هي التي أظهرت إلى أي مدى يبدو أوباما مستعداً للذهاب من أجل تقديم نفسه كزعيم دولة لم تفقد سحرها، حتى وإن كان من الصعب في كثير من الأحيان الجزم بذلك في المعركة التي يخوضها مع الجمهوريين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.