موقع متخصص بالشؤون الصينية

حلول الصين للتحديات العالمية في عصر مضطرب

0

العمل معا لبناء مجتمع مصير مشترك للبشرية، وهو مفهوم تاريخي وفلسفي طرحه الرئيس الصيني شي جين بينغ، يتحول تدريجيا إلى توافق في الآراء، وسط التحديات المتزايدة في جميع أنحاء العالم.

قبل أربع سنوات، وفي مكتب الأمم المتحدة في جنيف، دعا شي إلى بناء مثل هذا المجتمع مع شرح رؤيته لمستقبل البشرية.

دعا الزعيم الصيني ودافع عن عالم يسوده السلام الدائم والأمن المشترك للجميع والازدهار المشترك، إضافة لعالم منفتح وشامل ونظيف. وحظيت رؤيته بالتصفيق الحار لأكثر من 30 مرة في خطابه الذي استمر 47 دقيقة.

بعد أربع سنوات، وفي ظل وباء كوفيد-19 المستشري، ومع التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية العالمية، أثبت مفهوم شي أنه “المستقبل الوحيد للبشرية على هذا الكوكب”، كما قال بيتر تومسون، رئيس الدورة الـ71 للجمعية العامة للأمم المتحدة.

الإجابة الشافية

لقد أصاب فيروس كورونا الجديد ما يقرب من 100 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، وأودى بحياة أكثر من مليوني شخص. هذا الوباء لم يفرض ضغطا شديدا على أنظمة الصحة العامة في جميع أنحاء العالم، فحسب، بل تسبب أيضا بتعطيل النظام السياسي والاقتصادي الطبيعي.

ووسط الأزمة العالمية، تلوح الهيمنة والنزعة الأحادية والحمائية في جميع أنحاء العالم، ما يهدد بشكل أكبر مستقبل البشرية بعد الوباء.

هل يتوحد العالم أم يتشرذم؟ هل ينفتح أم ينكمش، هل يتعاون أم يتواجه؟ مع هذه التساؤلات، أصبح العالم في مفترق طرق تاريخي.

في خطابه الذي ألقاه في قصر الأمم في 18 يناير 2017، حدد شي أولويات مثل الشراكة والأمن والنمو والتبادلات بين الحضارات، في بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية.

ومنذ عام 2013، عندما طرح الرئيس الصيني المفهوم لأول مرة خلال زيارة لروسيا، قام شي بإثراء المفهوم ليشمل بناء مستقبل مشترك مع الدول المجاورة، ومع الشركاء في آسيا والباسيفيك، ومع الدول الأفريقية، ومع دول أمريكا اللاتينية، وبناء مستقبل بحري مشترك، وكذلك مستقبل مشترك في الفضاء السيبراني.

ومع كون الوباء ما زال مستشريا، طرح شي اقتراحا للبناء المشترك لمجتمع للصحة المشتركة للبشرية، داعيا إلى المشاركة النشيطة في مكافحة الوباء بشكل مشترك وتعزيز حوكمة الصحة العامة العالمية.

لقد أطلقت الصين أكبر جهود إنسانية عالمية في تاريخها، حيث قدمت المساعدات لمكافحة الوباء لأكثر من 150 دولة، و10 منظمات دولية، وأرسلت 36 فريقا من الخبراء الطبيين إلى 34 دولة.

قال ستيفن بيري، رئيس نادي مجموعة الـ48 في بريطانيا، إن “فيروس كورونا أزمة عالمية لا يوجد بلد محصّن منها. وقد أثبت أن بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية هو الخيار الصحيح الوحيد لتحقيق النصر في المعركة”.

وقال بيير بيكوار، وهو خبير فرنسي مختص بشئون الصين، في جامعة باريس الثامنة، إن “التزام الصين ببناء مجتمع مصير مشترك للبشرية، هو أحد أجمل المفاهيم الفلسفية، ومبادرة صينية رائعة لسلام ورفاهية الشعوب في تاريخ البشرية”.

عمل ملموس

رغم أن وباء كوفيد-19 قد وجّه ضربة قوية للاقتصاد العالمي وزاد من عدم الاستقرار وعدم اليقين فيه، إلا أن الصين اتخذت مقاربات ابتكارية لإقامة “مسارات سريعة” و”ممرات خضراء” لضمان التدفق السلس للأفراد والسلع والحفاظ على سلاسل التصنيع والتوريد مستقرة ومفتوحة.

ومع الحفاظ على البروتوكولات الصحية لاحتواء الوباء موضع التنفيذ، استضافت الصين سلسلة من الأحداث التجارية العالمية كما مقرر لها، ومنها معرض الصين الدولي 2020 للتجارة في الخدمات في بكين، ومعرض الصين الدولي الثالث للاستيراد (CIIE) في شانغهاي، ومعرض الصين – الآسيان الـ17 في ناننينغ، وفعاليات أخرى.

قالت تشن فنغ ينغ، الباحثة في المعاهد الصينية للعلاقات الدولية المعاصرة، إن “ذلك يظهر رغبة الصين الصادقة في مشاركة فرصها في السوق مع العالم للتغلب على الصعوبات”.

لقد قدم معرض الصين الدولي للاستيراد (CIIE) فرص نمو إلى روي فان دن هيرك، مدير شركة ألبان نيوزيلندية.

فمع المشاركة مع أكثر من 3600 شركة من أكثر من 150 دولة ومنطقة، كانت هذه المشاركة تمثل العام الثالث على التوالي لشركة ((ثيلاند)) التي يديرها هيرك، للانضمام إلى المعرض، بعد أن نجمت عن المشاركتين السابقتين زيادة في مبيعات المنتجات.

قال هيرك “شعرت بالأمان التام أثناء تواجدي في معرض (CIIE)، وفي الحقيقة، أشعر بالأمان التام في شانغهاي أيضا. نحن أيضا واثقون جدا من السوق الصينية لسنوات عديدة قادمة”، وقد وقعت الشركة بالفعل مذكرة مشاركة طويلة الأمد لمدة ثلاثة أعوام مع منظمي المعرض، لتأمين موقع عرض في المعرض القادم.

في خطابه في جنيف، رحب شي بالدول الأخرى “على متن القطار السريع للتنمية الصينية”. وكانت مبادرة الحزام والطريق (BRI)، وهي منصة هامة اقترحها شي في عام 2013، جزءا من هذه المساعي.

وعلى الرغم من وباء كوفيد-19، لا يزال التعاون ضمن مبادرة الحزام والطريق، يؤتي ثماره. خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2020، وصلت تجارة الصين مع شركاء الحزام والطريق إلى 5.86 تريليون يوان (حوالي 896 مليار دولار أمريكي)، وزادت الشركات الصينية استثماراتها المباشرة غير المالية في البلدان الشريكة، بأكثر من 30 في المائة على أساس سنوي.

وشهدت شبكة خدمات قطارات الشحن بين الصين وأوروبا، وهي شريان نقل سككي بري حديث مماثل لقوافل الجمال التي كانت تسير عبر أوراسيا، شهدت 10180 رحلة حتى 5 نوفمبر 2020. وهناك ما يقرب من 8 ملايين طرد من الإمدادات الطبية، تم إيصالها عبر هذه الشبكة، في العام الماضي.

بالنسبة للرئيس الباكستاني عارف علوي، فقد أوضحت مبادرة الحزام والطريق، بشكل معمق، المعنى الحقيقي للتعاون والسلام والتنمية، وعكست التطلعات الشاملة للبشر في جميع أنحاء العالم.

إمكانية جديدة

لا يمكن لأي بلد في العالم أن يتمتع بالأمن التام، بينما الآخرون في حالة اضطراب، هذا ما قاله شي في قصر الأمم.

في عام 2020، ألقى شي خطابات في سلسلة من الاجتماعات رفيعة المستوى للأمم المتحدة، بمناسبة الذكرى الـ75 لتأسيس الهيئة التي تضم 193 دولة.

ودعا الرئيس الصيني جميع الدول إلى نبذ عقلية المحصلة الصفرية، وتعزيز الأمن الشامل، تماشيا مع خطابه في جنيف.

أما التنمية الخضراء والمنخفضة الكربون، والتعايش بين البشر والطبيعة، فقد ظلت جزءا من رؤية شي العالمية.

الصين أعلنت أنها ستسعى بكل جهد للوصول إلى ذروة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2030، وتحقيق حياد الكربون بحلول عام 2060. وتعهدت الصين بخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لكل وحدة من إجمالي الناتج المحلي، بأكثر من 65 في المائة عن مستوى عام 2005، وزيادة حصة الوقود غير الأحفوري في الاستهلاك الأولي للطاقة إلى حوالي 25 في المائة، ورفع إجمالي قدرتها المركبة من طاقة الرياح والطاقة الشمسية إلى أكثر من 1.2 مليار كيلوواط.

إن الصين لم تحقق إنجازات في تنميتها الخضراء فحسب، بل شاطرت أيضا تجربتها مع الدول الأخرى، هذا ما قاله ناصر بوشيبة، رئيس جمعية تعاون التنمية بين أفريقيا والصين، في المغرب.

هناك مثل صيني يقول إن “القضية العادلة ينبغي السعي إليها من أجل الصالح العام”، وهو ما استشهد به شي في العديد من خطاباته. الثقافة الصينية التقليدية تدعو إلى “التناغم في التنوع” وتدعم “الجمالية في كل حضارة”، وهي مفاهيم أصبحت جينا متجذرا بقوة في رؤية بناء مستقبل مشترك للبشرية.

رغم ذلك، هناك تغيرات رئيسية لم يرَ العالم مثلها منذ قرن من الزمان، أدت إلى إحداث تغيرات عميقة في النظام الدولي. وبعض الدول بدأت بالدعوة إلى مفاهيم خاطئة، مثل “صراع الحضارات” و”التفوق العنصري” و”وضع بلد ما في المرتبة الأولى”، في محاولة لتقوية نزعات التعصب والغربة والكراهية.

خلال السنوات الأربع الماضية، أشار شي في العديد من المناسبات الدولية إلى أن تنوع الحضارات البشرية لا يحدد عالمنا فحسب، بل يدفع أيضا تقدم البشرية. والحضارات تتعزز من خلال التبادلات والتعلم المتبادل. وقال إنه “فقط من خلال الاحترام المتبادل والتعلم المتبادل والتعايش المنسجم، يمكن أن يحافظ العالم على تنوعه ويزدهر”.

قال مارتن جاك، وهو زميل بارز في الدراسات السياسية والدولية في جامعة كامبريدج، إن الصين قامت بعمل غير مسبوق في داخلها، وفي الخارج، وقدمت “إمكانية جديدة” للعالم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.