موقع متخصص بالشؤون الصينية

من ترامب إلى بايدن …. الصين المنافس الأول

0

موقع الصين بعيون عربية ـ
د. تمارا برّو*:
بعد انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، تنفس العالم الصعداء وعمّت الاحتفالات جميع أنحاء الولايات المتحدة الأميركية والعالم فرحاً بسقوط ترامب أكثر منه بانتصار بايدن، ترامب الذي سبب الدمار والخراب للعالم كما للولايات المتحدة الأميركية نفسها خلال السنوات الأربع الماضية من حكمه بسبب سياسته السلطوية وتصريحاته العبثية وشخصيته الأنانية.
بعد فوز جو بايدن بدأت التهاني تنهال عليه من زعماء وقادة العالم، بينما تريثت دول عدة في تهنئته بانتظار الإعلان الرسمي لنتيجة الانتخابات، ومن بين هذه الدول الصين التي تحملت العبء الأكبر من إدارة دونالد ترامب ووصلت علاقتها مع الولايات المتحدة الأميركية إلى أدنى مستوياتها منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في العام 1978 .
منذ تسلمه سُدّة الرئاسة تراجع الرئيس الأميركي جو بايدن عن عدد كبير من القرارات التي اتخذها سلفه ترامب خلال فترة حكمه، منها مثلاً إلغاء انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية، كما قرر العودة الى اتفاقية باريس للمناخ، ورفع قيود السفر وإلغاء الحظر الذي فرضته إدارة ترامب على دول ذات أغلبية مسلمة أو أفريقية، ويبدو أنه بصدد العودة الى الاتفاق النووي مع إيران، غير أن جو بايدن اتفق مع ترامب على أن الصين هي مصدر التهديد الأكبر للولايات المتحدة الأميركية وأهم منافس لها.
لم يتصل الرئيس بايدن بنظيره الصيني الرئيس شي جين بينغ إلا بعد 3 أسابيع من توليه الرئاسة، ويبدو أن المحادثات التي أجراها الرئيسان واستمرت لساعتين لم تسفر عن نتيجة، إذ قال جو بايدن بعد الاتصال إن الصين تحاول جاهدة أن تصبح “زعيمة العالم”، مضيفاً أنه يتعين عليها أن تكسب ثقة الدول الأخرى للحصول على هذا اللقب.
أثار تقدم الصين وتطورها على مختلف الصعد العسكرية والاقتصادية والتكنولوجيا مخاوف الولايات المتحدة الأميركية التي ترى فيها مصدر تهديد للقيادة الأميركية للنظام الدولي وتهديد للمصالح الأميركية في العالم، لذلك تسعى واشنطن بشتى الطرق إلى كبح جماح الصين وإضعاف وتيرة صعودها. وتحاول بين الحين والآخر الضغط على الصين عبر فتح ملفات حساسة بالنسبة للأخيرة كمسألة تايوان وحقوق الإنسان في إقليم شينجيانغ.
تؤكد الإدارة الأميركية على أهمية التزام الصين بحقوق الإنسان في شينجيانغ وهونغ كونغ والتيبت وتحملها المسؤولية عن زعزعة الاستقرار في منطقة جنوب شرق آسيا، بالمقابل تؤكد الصين أن هذه المواضيع هي شأن داخلي وتدعو إلى عدم التدخل في شؤونها الداخلية.
من الواضح أن جو بايدن يدرك تماماً التطور الذي وصلت الصين إليه، ويتملكه القلق من أن يتغلب التنين الصاعد على الولايات المتحدة الأميركية ويصبح القوة الاقتصادية الأولى في العالم، ولا أدل على ذلك مما قاله أمام مجموعة من أعضاء الكونغرس عن الصين: “إنهم يستثمرون الكثير من الأموال، ويستثمرون مليارات الدولارات ويتعاملون مع مجموعة كاملة من القضايا المتعلقة بالنقل والبيئة ومجموعة كاملة من الأشياء الأخرى”، وأوضح قائلاً: “لديهم مبادرة جديدة رئيسية كبيرة بشأن السكك الحديدية ولديهم بالفعل قطار يسير 225 ميلاً في الساعة بسهولة”. يفهم من ذلك أن ما يقلقه هو طريق الحرير الجديد الذي تعمل الصين عليه بالتعاون مع مختلف الدول، ونجاح المبادرة سيجعل الصين تتخطى الولايات المتحدة وتصبح القوة الاقتصادية الأولى في العالم. كما دعا بايدن الى تجديد البنى الأساسية الأميركية لمواجهة الصين التي وصفها بأنها أهم منافس للولايات المتحدة، وحذّر من أن الصين “ستأكل غذاءنا”.
بالمقابل دعت الصين منذ إعلان فوز بايدن إلى إعادة العلاقات الصينية الأميركية إلى مسارها الصحيح، وفتح نافذة جديدة من الأمل. وحذّر الرئيس الصيني في اتصاله مع بايدن من أن الصدام بين البلدين سيؤدي إلى كارثة للعالم بأسره. وشدّد على أن التعاون هو الخيار الوحيد لتطوير العلاقات بين البلدين ودعا إلى حل الخلافات على أساس الاحترام المتبادل، وتحديد سياسات كل طرف تجاه الآخر بشكل صحيح تجنباً للأحكام الخاطئة.
على ما يبدو فإن الرئيس بايدن لم يتعلم من سلفه ترامب الذي حاول خلال فترة حكمه كبح جماح الصين ووقف تقدمها وتطورها، غير أن محاولته لم تأتِ بأي نتيجة سوى أنها أضرت بمصالح البلدين وجلبت مخاطر جسيمة للعالم. والملاحظ أن اقتصادَي البلدين يعتمدان على بعضهما البعض، فالصين هي ثالث أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة الأميركية. وبحسب تقرير مصلحة الجمارك الصينية ارتفع حجم التبادل التجاري بين الطرفين في العام 2020 بنسبة 8.3 % (الى 586.72 مليار دولار) بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام 2019. وأيضاً ارتفع حجم الصادرات من الصين إلى الولايات المتحدة الأميركية في العام 2020 بنسبة 7.9 بالمئة (الى 451.8 مليار دولار) في حين صدّرت الولايات المتحدة إلى الصين بقيمة 134.9 مليار دولار، وبلغ العجز التجاري الأميركي مع الصين 310.8 مليارات دولار.
ووفق تقرير صدر عن غرفة التجارة الأميركية ومجموعة Rhodium، قد يخسر الاقتصاد الأميركي ما قيمته أكثر من تريليون دولار من الانتاج والقدرة التنافسية العالمية طويلة الأجل اذا سعى البيت الأبيض إلى الانفصال عن الصين.
لقد وضع بايدن الصين نصب عينيه ويحمل معه ملفاتها في اجتماعاته الداخلية والخارجية ويسعى إلى إقامة التحالفات الدولية لوقف صعود الصين ولكن إلى أي مدى سيتمكن من النجاح في إنشاء هذه التحالفات؟ فالاتحاد الأوروبي يعتمد بشكل أساسي على الصين التي أصبحت الشريك التجاري الأول له كما أن دول آسيا والمحيط الهادئ ومن بينها الصين واليابان وأستراليا وقعّت على أكبر اتفاق للتجارة الحرة في العالم أو ما يعرف باتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة. وبريطانيا التي تسعى إلى الانضمام للتكتلات الاقتصادية لتعويض الخسائر التي ستتكبدها نتيجة خروجها من الاتحاد الأوروبي تقدمت رسمياً بطلب الانضمام إلى اتفاق التجارة الحرة في منطقة المحيط الهادئ. وليس من المستبعد أن تطلب الانضمام الى اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة.
عندما تسلم دونالد ترامب الرئاسة حمل شعار “أميركا أولًا” ووصل إلى نهاية عهده جالباً الخراب والدمار لها وجعل “أميركا أخيراً”، وبايدن اليوم وصف بداية ولايته بأنها يوم جديد لأميركا، فهل سيتمكن من اكمال مسيرته الرئاسية بعيداً عن التشاور والتفاهم مع الصين؟
الدكتورة تمارا برّو باحثة في الشأن الصيني من لبنان.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.