موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصين ومبادئ الحزب العظيم

0

 

موقع الصين بعيون عربية ـ

رفعت ابراهيم البدوي*:

تتعرض الصين الى هجمة امريكية غربية مغرضة وشرسة على الصعد الاعلامية والعسكرية والاقتصادية، وكل ذلك بهدف كبح جماح الصين العلمي والتقني والتكنولوجي وأيضاً لفرملة تقدمها في مسار بناء الانسان الصيني بعدما اثبتت الصين انها دولة تمسكت بمبادئ العدالة الاجتماعية الصينية ونجحت في القضاء على آفة الفقر بين شعبها الذي يكاد بتعدى مايار ونصف المليار

 

نجاح الصين باتباع سياسة النأي عن ازمات العالم وتفرغها الى بناء الذات في الداخل الصيني وتحسين قدرات الصين الذاتية وسعيها الدائم الى رفعة حياة المواطن الصيني اكسبها احترام العالم اضافة الى ثقة الشعب الصيني الذي يحترم ويؤيد قرارات الدولة الصائبة

 

على الرغم من كلّ الهزات الإقليمية والدولية بقيت الصين ماضية قدماً في المسار الذي رسمته لنفسها وطورت أساليب أدائها وديمقراطية العمل داخل الحزب والدولة والمجتمع، من خلال النقاش الديمقراطي المستمر بين أعضاء الحزب للوصول إلى الصيغة الأفضل والقرارات الكفوءة لقيادة الدولة والمجتمع.

ها هي جمهورية الصين تحتفل اليوم بالذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني والذي حقق إنجازات أبهرت العالم خلال مئة عام فقط من تأسيسه وخاصة خلال الخمسين عاماً الماضية.

في العام 2017 ألقى الرئيس الصيني شي جين بينغ خطبة لافتة عبّر فيها عن رؤية ثاقبة لتوجه الصين حتى عام 2050 وقال ان ما وصلنا اليه هو نتيجة حوارات دامت لسنتين بين مليوني عضو في الحزب الشيوعي الصيني، تلك الحوارات التي افضت الى  انجاز مبادئ رسمت طريق الصين الناجحة:

 

– التمسك بمبادئ وقيم الحزب الشيوعي.

– تحرير الأفكار وطلب الحقيقة من الواقع.

– العمل بكل جهد لخدمة الشعب الصيني بأمانة وإخلاص.

– الحفاظ على نظام المركزية الديمقراطية.

– بلورة وترجمة فكرة المصير المشترك للبشرية جمعاء.

إن المبادئ الخمسة تؤكد أن الديمقراطية التي تبناها الحزب الشيوعي في الصين ليست مستنسخة من الديمقراطية الليبرالية الغربية القائمة على حكم النخبة الراسمالية الأغنى في المجتمع وعلى استعباد الشعوب واستعمارها ونهب ثرواتها، بل هي ديمقراطية نشأت في الصين وعلى أيدي صينيين حريصين على سلامة بلدهم وازدهار شعبهم، ومن أجل تقدم الصين ورقيّ الصينيين، وهذا بالذات ما لا ترضاه الليبرالية الغربية المبنية على الفكرة الاستعمارية الاستعلائية لأنها تعتبر ذلك خروجاً من بيت الطاعة الاستعماري الغربي ولأنه من غير المسموح عند النموذج الاستعماري الامريكي القبول بنشوء نموذج آخر لا يتوافق بمبادئه وغاياته الاستعمارية

 

من هنا يمكننا التعرف على أساس القلق والخوف الأميركي خصوصاً والغربي عموماً من ارتقاء الصين لمستوى احترام الشعوب كافة في تقرير مصيرها ومن منافستها القوية للولايات المتحدة ومن بروز النموذج الصيني عالمياً والترحيب به من قبل الدول المستضعفة لا سيما بلادنا العربية والتي استنزفت قدراتها وعطلت نموها سياسات  امريكية غربية تركت اثارهاالسلبية  المدمرّة على  اوطان وشعوب المنطقة العربية.

إن فكرة المصير المشترك للبشرية جمعاء والتي تشكل أساساً لتفكير الحزب الشيوعي الصيني ومبدأً أساسياً لعمل القيادات الصينية هي فكرة تناقض الأسس التي بني عليها النظام الاستعماري الغربي القائم على الهيمنة على مقدرات الشعوب ونهب ثرواتها وتنظيم الانقلابات والاختراقات المخابراتية للأنظمة الوطنية خاصة بعد الحرب العالمية الثانية وهي أسس قامت ايضاً على هيمنة الغرب على قرارات مجلس الأمن والقرارات الدولية والتحكم بمصائر الشعوب ونهب ثرواتها لتمويل الصناعة العسكرية والجيوش الغربية التي تعود لتحتل وتقهر بلدان العالم.

ان معيار صحة توجّه أي حزب في أي بلد هو مدى خدمة هذا الحزب لواقع الوطن وشعبه؛ فإن كان بنّاء ومطوّراً ومحققاً للرفاه والحياة الحرة الكريمة فهذا يعني أنه جدير بمكانته وخاصة إذا كان أيضاً يعمل على توافق عالمي للبناء والتطوير بنظرة المساواة في الكرامة بين بني البشر دون تمييز على أساس لون أو عرق أو طائفة أو جنس أو طبقة أو دين. ولا شك أن الاستراتيجية التي وضعها الحزب الشيوعي الصيني والمعتمدة على الحقيقة النابعة من الواقع وأنه “لا يهم لون القطة” كما قال الزعيم دبنغ شياو بينغ ولكن المهم “أنها تستطيع صيد الفئران”؛ او باتباع المثل الصيني الشائع “لا تعطي سمكه بل علّم فن اصطياد السمكة”

بمعنى ان العمل والفعل والإنتاج يبقى الاهم وليس بالكلام والتنظير وبهذه الروح خطت الصين خطوات جبارة في نصف القرن الأخير واستفادت من كل التجارب العالمية ومن تجربة انهيار الاتحاد السوفياتي فدرست التجربة وقررت الانفتاح على العالم برمته والبناء الداخلي ومحاربة الفقر، والتطور العلمي ومدّ يد العون للشعوب المستضعفة ونشر ثقافة “عالم واحد” ومبدأ “رابح رابح” وليس بالجنوح صوب مبدأ “فرّق تسد” الذي تتبعه قوى الاستعمار الامريكي الغربي

إن تجربة الصين السياسية والاقتصادية والاجتماعية جديرة بالدراسة والاستفادة منها إلى أقصى الدرجات، خاصة وأن نهوض الصين الفعلي تحقق خلال خمسين عاماً الماضية وبالتزامن مع تحرر معظم شعوبنا العربية من الاستعمار الغربي ولكن التجارب اثبتت ان التحرر لا يتحقق فقط برحيل القوات العسكرية الغربية بل يتحقق حين تتحرر العقول من التبعية الاستعمارية ويترسخ الإيمان بالحضارة والقدرة الذاتية على البناء والعطاء وتُتخذ كل الإجراءات التي تكفل مساحة الإبداع والعطاء المتميّز لمحاربة كل التصدعات التي يتسبب بها الانتهازيون.

في الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني نحيّي ما قام به هذا الحزب العظيم من معجزات في نهضة الصين متمسكاً باستقلاليته وشخصيته الصينية ومطلّاً على العالمية من مخزون عريق يساهم في نهضة البشرية جمعاء ويتعلم منها أيضاً في تطوير قدراته ومنهجه.

الدرس المستفاد هنا هو الثقة بالنفس والابتعاد عن الادعاءات والدعايات الغربية المغرضة  لأن الامريكي خصوصاً والغرب عموماً ليس لديهم أي عاطفة تجاه منطقتنا العربية بعدما تخصصوا بنهب ثرواتنا ومنع تقدم ونمو بلادنا و شعوبنا وجعلوا منها منطقة عبور لصناعة مستقبلهم فهم لا يقيمون لشعوبنا وزناً ولا يحترمون حقوقنا ولذلك علينا اتباع النهج الصيني الناجح الفعال وان نعزّز من قوة أحزابنا ومؤسساتنا ومنظماتنا ونقاباتنا كما هو الحال في الصين  وأن نتخذ الاداء ومن التجربة الصينية انموذجاً  لتطوير وتقدم بلادنا

 

اننا نحيي الصين وشعبها والحزب الشيوعي الصيني ونتطلع الى بناء أفضل العلاقات معهم ونستفيد من تجاربهم ونتعاون على خلق المصير الأفضل المشترك للبشرية جمعاء بعيداً عن سياسات العدوان والاحتلال والطغيان.

لم ازر الصين في حياتي ولم احظى بدعوة رسمية للتعرف عليها وعلى شعبها الودود عن قرب لكني شخصيا من المتابعين لاخبار الصين والمعجبين بنموها وتطورها وتقدمها وبتجربتها الرائدة  وانحني احتراماً امام عظمة الحزب الشيوعي الذي استمسك بمبادئ العدالة الاحتماعية و استطاع القضاء على آفة الفقر بين شعب الصين العظيم.

*سياسي وإعلامي ـ مستشار رئيس الوزراء الأسبق الدكتور سليم الحص ـ لبنان

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.