موقع متخصص بالشؤون الصينية

مئة عام من التقدم والازدهار والعظمة

0

موقع الصين بعيون عربية ـ
د. محمد زريق*:

قدَّم الحزب الشيوعي الصيني منذُ تأسيسه العديد من الإسهامات الوطنية وباتَ الشريك الاساسي للنهضة الصينية الحديثة منذ الثورة التي قادها الزعيم ماو تسي تونغ مرورا بسياسة الإصلاح والانفتاح التي طبقها دينغ شياو بينغ وصولا إلى عهد الإنجازات والعظمة الذي وضع أسسه الرئيس الحالي شي جين بينغ. تزامنا مع مئوية الحزب الشيوعي الصيني المرتقبة في الاول من تموز تطلق الصين مركبة Shenzhou-12 الفضائية المأهولة وعلى متنها ثلاثة رواد إلى المحطة الفضائية الصينية التي من المتوقع أن يتم الانتهاء من بنائها مع نهاية عام 2022، وبهذا تصبح ثالث دولة في العالم ترسل الإنسان إلى الفضاء بإمكانياتها الذاتية. يُجمع العديد من علماء السياسة من مختلف الخلفيات أن الصين الحديثة والمتطورة هي هِبَة الحزب الشيوعي الصيني، من خلال السياسة العامة للحكم والإدارة والأفكار العصرية التي قدمها فلاسفة الحزب الشيوعي الصيني في التنظيمات الاقتصادية والهيكلية السياسية ووضع الأسس الحكيمة للتنافس مع الدول والتكتلات التي لا تتمنى التقدم للصين.

خلال مئة عام على تأسيس الحزب الشيوعي الصيني، بات لدى الصين: ثاني أكبر اقتصاد ومن المرجح أن يحتل المرتبة الاولى عالميا وفق تقارير البنك الدولي، جيش قوي يمتلك أسلحة متطورة قادرة على إلحاق الضرر بالعدو وتحقيق انتصارات حتمية، مجتمع في ازدهار مستمر من خلال سياسة القيادة الحكيمة في القضاء على الفقر واستراتيجية الرعاية الاجتماعية، قيادة سياسية نزيهة وبعيدة عن الفساد. عناصر القوة هذه، وغيرها، كانت كفيلة بتحويل الصين إلى الدولة التي شغلت بال الغرب وقضّت مضاجع أعتى الدول، على رأسها الولايات المتحدة. البعض يعتبر وعن جهل أن الشيوعية مرادف للتخلف والقمع، إلا أن الواقع غير ذلك، ففي الصين الشيوعية الكرامة الانسانية مُصانة وللانسان قيمة بِغَض النظر ما إذا كان فقيرا أو غنيا والجميع يتشارك نفس الحقوق والواجبات، إضافة إلى حرية الاعتقاد وممارسة الطقوس الدينية والاجتماعية، أما في بعض الدول تظهر حالات التمييز العنصري على أساس لون البشرة وكان آخرها حادثة جورج فلويد التي حرّكت ضمير الشعوب، وحالات القتل العشوائي الدائمة وعدم احترام الآداب العامة مما يشير إلى ثغرة في الإمساك بالامن القومي والادعاء بحماية الامن العالمي ونشر أفكار الديموقراطية.

يبلغ عدد أعضاء الحزب الشيوعي الصيني حوالي 91 مليون منتسب من كافة أرجاء الصين حسب تقرير لوكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا). هذا الرقم يؤشر إلى الرضى عن أداء الحزب والاقبال الجماهيري الكبير للاسهام بتعزيز أفكاره ومبادئه. لكن وفق تجربتي الصينية المتواضعة ليس بالضروري أن تكون عضوا في الحزب الشيوعي الصيني للإيمان بمبادئه والدفاع عنه، هذا الحزب مرتبط بالهوية الوطنية والتاريخ النضالي والتقدم الحديث، لذا يكفي أن تكون صينيا ليُمثلك هذا الحزب، إنه حزب الشعب الصيني. تأسس الحزب الشيوعي الصيني عام 1921 كحركة سياسية وثورية من قبل بعض الثوار الذين وضعوا أسسه ومبادئه العامة منهم لي داتشو 李大钊 وتشن دوكسيو  陳獨秀، انبثق هاذان الرجلان الثوريان عن حركة الرابع من مايو لعام 1919 وانضموا إلى الماركسية بعد انتصار البلاشفة عام 1917. خلال الاضطرابات التي نشبت في أرجاء الصين في القرن العشرين بدأ بعض كوادر الحزب الشيوعي الصيني، منهم ماو تسي تونغ 毛泽东 وليو شاوقي 刘少奇 ولي ليسان 李立三، بتنظيم النقابات العمالية والتأسيس للثورة الصينية.

يُشرف الحزب الشيوعي الصيني على أجهزة الحكم في كافة أرجاء الصين وفق خطوط قواعد تنظيمية موحّدة وبناء حكم مركزي. عندما نشأ هذا الحزب عام 1921، كانت الصين تسودها حالات من التبعية السياسية والفقر المدقع المتفشي، تأسست جمهورية الصين عام 1912 بيد أنها كانت دولة ضعيفة ومسحوقة القرار ولا تاثير لها على المجتمع الدولي، وقد سعت العديد من المجموعات في ذلك الوقت للانفصال والاستقلال. في 4 أيار 1919 كانت أول وقفة علنية ضد الحكومة، شارك بها أكثر من ثلاثة آلاف طالب من 13 كلية في بكين، تنديدا بقرار مؤتمر فرساي للسلام الذي نقل الامتيازات في مقاطعة شاندونغ من ألمانيا إلى اليابان. إن الشعب الصيني تحت لواء الحزب الشيوعي قام بالكفاح والنضال الطويل لتحقيق السيادة الوطنية أولا ومن ثم تعزيز مكانة الصين الدولية على كافة الصعد، إن الكرامة الوطنية لا توهب بل تكتسب، بالفعل قدّم الحزب الشيوعي الصيني تضحيات جمة في سبيل تحقيق الكرامة الوطنية والارتقاء بالصين إلى أسمى المراتب.

حاليا، تتزين كافة شوارع الصين باللافتات الحمراء المكتوب عليها “100” أي مئة عام على التأسيس، مع شعار المنجل والمطرقة تعبيرا عن الحزب الشيوعي. تنتشر كذلك صور لي فانغ 雷锋، الذي تحول إلى رمز وبطل قومي صيني لا يقل أهمية عن أعمدة الحزب الشيوعي والكوادر المؤسِّسَة. تظهر كذلك صور عملاقة لجنود جيش التحرير الشعبي الصيني يصيحون للتوجه نحو القتال. جميع هذه الصور والاعلانات ترفع من الروح القومية والوطنية لدى الشعب الصيني وتزيد من تعلقهم بالحزب الشيوعي الذي بات جزءا غير منفصل عن التاريخ والحاضر والمستقبل.

لدى الصين ثاني أكبر ميزانية مخصصة للعسكر بعد الولايات المتحدة، مما يؤشر إلى إدراك القيادة الصينية للمخاطر الكبيرة التي يمكن أن تتعرض لها الصين بالتوازي مع التقدم الاقتصادي والتكنولوجي، فالجيش القوي هو جزء أساسي من حفظ السيادة الوطنية.

* دكتور في العلاقات الدولية، وباحث مختص في سياسة الصين الخارجية تجاه المنطقة العربية مع تركيز خاص على مبادرة الحزام والطريق، لديه العديد من الكتابات والمنشورات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.