موقع متخصص بالشؤون الصينية

في الذكرى الخمسين للعلاقات الدبلوماسيّة اللبنانيّة الصينيّة: إهتمام صيني وتردّد لبناني

0

موقع الصين بعيون عربيّة-

بتول ريّا:

إنّ النهج السياسي- الإقتصادي المتّبع في لبنان، سواء على صعيد تدخّل العديد من القوى الإقليميّة والدوليّة في أموره الداخليّة عن طريق التمويل والرعاية، أم على صعيد الممارسات الفاسدة والمشاكل البنيوية، أدّى إلى سقوط لبنان ودخوله في أزمات متتالية، لعلّ أسوأها إنهيار عملته الوطنيّة. ولكن بالرغم من المشاكل الكبرى التي يعاني منها لبنان على مختلف المستويات، فإنّ هذا البلد يبقى منارة علمية وثقافية وتجارية ومالية إستثنائية على مستوى المنطقة والعالم، وذلك بإعتباره صلة وصل بين الشرق والغرب نظراً لموقعه الجغرافي.

الصين ومستقبل لبنان

أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين الصين ولبنان في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني العام 1971، ويصادف هذا العام الذكرى الخمسين لإقامتها، لكن تاريخ العلاقات الصينية اللبنانية التجارية يعود إلى العام 1955 حيث تم توقيع أول اتفاقية تجارية بين البلدين. أمّا تاريخ العلاقات بين الشعب الصيني والشعب اللبناني فيعود إلى قديم الزمان حيث كان طريق الحرير القديم يربط بين الشعبين منذ أكثر من 2000 عام.

والصين، بإعتبارها من أعظم الدول حاليّاً بما حقّقته من إصلاحات وإنجازات وتنمية جبّارة في زمن قليل جدّاً، تمتلك سياسةً خارجيّة وتفكيراً إستراتيجياً مميّزاً وذات تأثير كبير، فهي تتّبع بثبات نهج سلمي مستقل، وتهدف دائماً إلى خلق بيئة دوليّة معتمدة على الإصلاح والإنفتاح، كما تهدف إلى الحفاظ على السلام العالمي والتنمية المشتركة، وبالتالي تعرف قيادتها كيف تستفيد من الفرص، فتسعى بذلك للإستفادة من الإمكانات المتاحة وخلق تعاون وتبادلات مع الدول الأخرى، ولبنان إحدى هذه الدول فلا بدّ من أن تكون الإمكانات اللبنانية المتوفّرة في مختلف المجالات ولا سيّما ما سبق بيانه، محط إهتمام للصين.

ولبنان بدوره يتميّز بموقعه الجغرافي الّذي يجعل منه لؤلؤة متألّقة على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسّط، فهو يقع على مفترق طرق استراتيجي بين آسيا وأوروبا. وكذلك يتميّز بالتنوّع الثقافي والإنفتاح الإجتماعي، وله مزايا في مجالات عديدة كالسياحة والإعلام والتعليم والمصارف.

العلاقات الثنائيّة اللبنانيّة الصينيّة شهدت تقدّماً جيّداً وملحوظاً منذ إقامتها قبل 50 عاماً، وتجمع بالتالي البلدين علاقة تعاون متينة وصداقة متبادلة، ومن أهم ركائز هذا التعاون هي علاقات التعاون الإقتصادي، حيث تحتل الصين مركزاً هامّاً في قائمة الدول الّتي يستورد منها لبنان، فضلاً عن المساعدات الماليّة الّتي تقدّمها الصين إلى القطاعات اللبنانيّة المختلفة.

والشركات الصينيّة بدورها تحاول جاهدة عرض وإطلاق مشاريع كبيرة في لبنان، فقد قدّمت هذه الشركات عروضاً للسلطات اللبنانيّة المعنيّة، وأبدت إستعدادها بشكل خاص للإستثمار في البنى التحتيّة وفي قطاعات الكهرباء والماء والإتّصالات والخدمات والإنشاءات، وكان هناك ولا زال تريّث من قبل الجانب اللبناني.

والصين أكّدت وما زالت تؤكّد على دعمها لسيادة لبنان ووحدته وسلامة أراضيه، فهي بذلك لا تشبه بأي شكل من الأشكال القوى الإقليميّة أو الدوليّة المتدخّلة دائماً بالشأن اللبناني الداخلي والجاعلة من لبنان ملعباً سياسيّاً لها، ولكن رغم ذلك هناك وجهتان في لبنان تجاه مبادرات أو طروحات الصين، فمنها من رحّب بشكل كبير بالمشاريع الصينيّة وعبّر عن ذلك عبر وسائل الإعلام اللبنانيّة، وهو بدوره يرى الخلاص في التعاون مع الصين إقتصاديّاً وسياسيّاً، ومنها من لم يظهر أي إهتمام بهذه المشاريع، معتبراً أنّ الصين تساعد لبنان من أجل مصلحتها، وكذلك إنّ إمكانيّة تطبيق المشاريع الصينيّة غير متوافرة في الواقع في ظل تراجع لبنان ودوره كنقطة جذب.

إنّ هدف الصين واضح سواء لجهة المشاركة في تعاون عالمي مفتوح من أجل تحسين نظام الإدارة الإقتصاديّة الدوليّة، أم لجهة تعزيز التنمية والإزدهار العالمي وبناء مجتمع مصير مشترك، فحتّى لو كانت المشاريع الصينيّة المقترحة ستعود بالنفع على الصين، فهذا لا يتعارض مع ما سبق الإشارة إليه من ناحية التعاون والتنمية والإزدهار، وسياسة الصين واضحة أيضاً بحيث تقوم على مبدأ المنفعة المتبادلة والكسب المشترك، فلا الصين ولا غيرها من الدول، يبادر إلى القيام بمشاريع ضخمة من أجل لا شيء ودون أي مقابل، ولكن الفرق يكمن بهذا المقابل وبالسياسة المنتهجة لتحقيقه.

وبالتالي ما يجب التركيز عليه، هو ما يمكن للسلطات اللبنانيّة القيام به، فلا بدّ من النظر إلى مبادرات الصين بجديّة أكبر، ودراسة وإستكشاف ما يمكن أن تقدّمه الصين فعليّاً من خدمات، وما يمكن أن تنفّذه من مشاريع قد تساعد في ظل الواقع اللبناني الحالي والأزمات الخانقة والعلاقات المعقّدة مع بعض الدول الإقليميّة، على النهوض بإقتصاده في كل القطاعات وفي شتّى المجالات، ممّا يؤدّي بدوره إلى تعزيز وتطوير العلاقات الإقتصاديّة والإستثماريّة بين لبنان والصين، وكذلك تعميق التعاون الإستراتيجي، والحفاظ على علاقات طيّبة بين الطرفين.

أخيراً، هناك تشكيك في إمكانيّة تقبّل قسم كبير من اللبنانييّن لفكرة الإنفتاح الإقتصادي على الصين، وإبرام تفاهمات إقتصاديّة معها، فهم يعتبرون أنّ الإنفتاح على الصين قد يكون إلى حد ما بلا جدوى فعليّة وفي حال كان له منافع فبالتأكيد ستكون مضارّه أو إنعكاساته السلبيّة أكبر من هذه المنافع، ولا سيّما أنّ هذا القسم أو هذا الفريق معروف بتوجّهاته أو بتبعيّته للغرب أو للولايات المتّحدة الّتي تشكّل السبب الأكبر لهذه المخاوف. ولكن لا بدّ من لفت نظر هؤلاء إلى أنّ وضع لبنان الإقتصادي هو في أسوأ حالاته بغض النظر عن وجود الصين أو عدم وجودها، لذلك لا بدّ لنا جميعاً من تفضيل المصلحة الوطنية على أي غايات أخرى أو مصالح أخرى وإذا كان ولا بد من التوجّه غرباً فهذا لا يشكّل أي مانع من التوجّه إلى الشرق أيضاً ولا سيّما الصين وذلك بهدف إنقاذ لبنان قبل أي شيء آخر وإخراج إقتصاده الوطني المنهار من تعسّره الخطير.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.