موقع متخصص بالشؤون الصينية

فشل القوة الناعمة للصين

0

صحيفة الوطن العمانية ـ
جوزيف س. نايي:

استقبل الرئيس الصيني هو جين تاو العام الجديد بمقال تحذيري أن بلاده تتعرض لهجوم عنيف من الثقافة الغربية. وكتب يقول: علينا أن نرى بوضوح أن القوى الدولية المعادية تكثف المؤامرة الاستراتيجية لتغريب الصين وتقسيمها ، وتمثل الميادين الفكرية والثقافية المناطق الرئيسية لهذا التسلل على المدى الطويل. وعلق قائلا إن” الثقافة العالمية للغرب قوية بينما نحن ضعفاء”. وفي الأساس فإن هو جين تاو يقول ان الصين تتعرض لهجوم من قبل القوة الناعمة الغربية ( أي القدرة على تحقيق نتائج من خلال الاقناع والجاذبية وليس بالقهر أو العقاب ) وأن هناك حاجة للرد.

وعلى مدى العقد الماضي حققت القوة الاقتصادية والعسكرية للصين نموا لافتا وهو ما تسبب في تسلل مشاعر الخوف الى جيرانها ودفعهم للبحث عن حلفاء لتحقيق التوازن أمام صعود القوة الصينية. غير أنه إذا سعت إحدى الدول الى زيادة قوتها الناعمة، فإن جيرانها يشعرون بقدر أقل من الحاجة إلى البحث عن تحالفات للتوازن. وعلى سبيل المثال فإن كندا والمكسيك لا تسعى أي منهما الى تحالفات مع الصين لتحقيق التوازن بين القوة الأميركية بالطريقة التي تحاولها البلدان الآسيوية لتحقيق التوازن مع الصين بتواجد أميركي.
وكان هو جين تاو قد تحدث أمام المؤتمر الـ 17 للحزب الشيوعى الصينى عام 2007 قائلا أن الصين تحتاج الى مزيد من الاستثمار في مواردها من القوة الناعمة. ومن ثم فإن الصين تنفق بالفعل مليارات الدولارات في ذلك. وهذا النمط الصيني يؤكد على إشارات بارزة مثل إعادة بناء البرلمان الكمبودي أو وزارة الشؤون الخارجية في موزمبيق. وجاء التنظيم الجيد لأولمبياد بكين 2008 ليعزز سمعة الصين ، ثم شانغهاى اكسبو في عام 2010 الذي اجتذب أكثر من 70 مليون زائر. ونظمت الصين منتدى بواو في جزيرة هاينان بحضور ما يقرب من ألفين من السياسيين وكبار رجال الأعمال في آسيا فيما يوصف بانه “دافوس الآسيوية”. وعلى سبيل المثال فإن برامج المساعدات الصينية لأفريقيا وأمريكا اللاتينية لا ترتبط بقضايا حقوق الإنسان أو القضايا المؤسسية التي تعوق المساعدات الغربية.
وتتمتع الصين بثقافة تقليدية جذابة دائما، وأنشأت مئات من معاهد كونفوشيوس في جميع أنحاء العالم لتدريس لغتها وثقافتها. وزادت نسبة التحاق الطلاب الاجانب في الصين من 36 ألفا قبل عقد من الزمان الى ما لا يقل عن 240 ألفا في عام 2010 وبينما قطع راديو صوت أميركا بث برامجه باللغة الصينية فقد زاد راديو الصين الدولى بث برامجه باللغة الإنجليزية إلى 24 ساعة في اليوم.
وفي عام 2009 أعلنت بكين أنها تخطط لانفاق مليارات الدولارات لتطوير وسائل إعلام عالمية عملاقة لتنافس بلومبرج وتايم وورنر وفياكوم. واستثمرت الصين 8.9 مليار دولار في أعمال الدعاية الخارجية بما في ذلك قناة شينخوا للأخبار على مدار 24 ساعة على غرار الجزيرة.
كما زادت بكين من دفاعاتها. فهي لا تسمح الآن سوى بـ 20 فيلما أجنبيا فقط في السنة بينما تدعم الشركات الصينية التي تبدع منتجات ثقافية ، وقيدت البرامج التليفزيونية الصينية التي تسير على نهج تقليد البرامج الترفيهية الغربية.
بيد أنه ورغما عن كافة تلك الجهود لم تجن الصين سوى عوائد محدودة على استثماراتها تلك. فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته محطة بي بي سي مؤخرا أن نفوذ الصين ايجابي في معظم أفريقيا وأميركا اللاتينية، ولكنه سلبي في الغالب في الولايات المتحدة وأوروبا وكذلك في الهند واليابان وكوريا الجنوبية. كما كشف استطلاع أجري في آسيا بعد دورة الألعاب الاولمبية في بكين أن تأثير الصين لم يكن فعالا.
والشئ الذي يبدو أن الصين لا تقدره هو أن استخدام الثقافة والسرد لايجاد القوة الناعمة ليس بالأمر السهل عندما يتعارض مع الحقائق على أرض الواقع. فدورة الالعاب الاولمبية عام 2008 حققت نجاحا، ولكن بعد ذلك بوقت قصير جاء القمع الصيني في التبت وزينجيانج ضد الناشطين في مجال حقوق الإنسان ليقوض مكاسب قوتها الناعمة. كما أن معرض اكسبو شانغهاى أيضا حقق نجاحا كبيرا، ولكن أعقبه سجن ليو شياو بو الحائز على جائزة نوبل للسلام والفنان يوي واي. ورغم كل الجهود لتحويل شينخوا ومحطة التليفزيون المركزية الصينية الى منافسة سي ان ان والبي بي سي فليس هناك سوى القليل من الجمهور للدعاية الهشة.
والآن في أعقاب الثورات في الشرق الأوسط، لاتزال الصين تضيق الخناق على الإنترنت وتزج بمحامين في حقوق الإنسان في السجن لتنسف مرة أخرى حملة “القوة الناعمة”.
وكما عبر الروائي والمدون الشعبي هان هان عنه في ديسمبر: إن فرض قيود على النشاطات الثقافية يجعل من المستحيل بالنسبة للصين التأثير على الأدب والسينما على المستوى العالمي ومن المستحيل كذلك للنخبة المثقفة أن ترفع رأسها بالفخر.
والمؤكد أن تطوير القوة الناعمة لعبة يجب ألا تكون محصلتها صفرا. ومن الممكن لجميع البلدان الاستفادة من مصادر الجذب في الثقافات الأخرى ، ولكن بالنسبة للصين كي تنجح ، فإنه سيكون عليها أن تطلق العنان للمواهب في مجتمعها المدني. ومن الأسف فإن ذلك لا يبدو قريب الحدوث.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

* أستاذ بجامعة هارفارد ومؤلف كتاب ” مستقبل القوة”

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.