موقع متخصص بالشؤون الصينية

عيد الموتى في الصين

0


موقع قراءات الالكتروني:
الكاتب: حاتم جبار الربيعي:
في منتصف الأسبوع الأول من شهر نيسان/أبريل من كل عام يحل عيد الموتى في الصين  الذي سيصادف هذا العام الفترة 2-4/4/2012 ، هذا الوقت من كل عام يحتفل الصينيون بعيد الأموات ( تشينغ مينغ )  أو مايسمى عيد الصفاء والنقاء, وتبدأ طقوس العيد على إيقاد  النار في النقود الحقيقية أو المزيفة طمعا في وصول نوالها لأرواح موتاهم في السماء، لذلك، لاتستغرب من امتلاء الأسواق خلال هذه الفترة بالنقود والسلع المزيفة حيث يتبارى الجميع في شرائها، ويكتبون عليها أسماء أحبائهم ممن رحلواعن الدنيا قبل أن يحرقونها ثم ينثرونها في الهواء ليحملها إلى عنان السماء. و يذهبون إلى المقابر ، يكنسون الأضرحة، ويضعون عليها أكاليل الورد ويطيبونها بالبخور. وتراهم يقفون على شواهد القبور، يسردون على الموتى حكايا العام الفائت، يقولون لهم كل التفاصيل. ترى في المقابر أحدَهم يتبسم وهو يحكي موجز العام الماضي، وآخر يبكي، وجوارهما مَن يراوح بين تبسم وبكاء.

يرجع تاريخ عيد الموتى او مايسمى (تشينغ مينغ) إلى عهد الإمبراطور جين ون قونغ قبل 2600 عام الذي كان منفيا ويتعرض للأضطهاد قبل اعتلائه العرش،  وذات يوم أغمي عليه من شدة الجوع والعطش، فلم يجد أتباعه ما يقدمونه لإنقاذه، فقام أحد المخلصين له اسمه (جيه تسي توي) بقطع قطعة من لحم فخذه لينقذه من الجوع. وبعد مرور 19 عاما،عاد الأمبراطور جين ون قونغ من منفاه و نجح في إعتلاء العرش مرة ثانية. وكرم كل من صمد بجانبه بمناصب رفيعة، إلا جيه تسي توي الذي نسيه، لكن بمجرد أن تذكر الإمبراطور هذا الأخير، أرسل لطلبه وتكريمه. رفض جين تسي توي وهرب إلى الجبال ، فأمر الإمبراطور البحث عنه بإشعال النيران في الجبال حتى يضطروه إلى الخروج، لكنه لم يخرج وفضل الموت محترقا مع والدته. وحدادا على هذا البطل الذي اختار الموت على المنصب الرفيع صار الناس يحتفلون بذكرى وفاته ويمتنعون فيها عن إيقاد النيران فيأكلون أطعمتهم باردة.

وتدريجيا أصبح هذا اليوم مناسبة تقليدية لتقديم الولاء للأسلاف وزيارة افراد العائلة لرفات الموتى في مقابرهم، ونشاطات أحياء ذكرى الشهداء، ويستمر احتفاء الصينيين بموتاهم حتى يوم السابع والعشرين من شهر نيسان/أبريل وهو موعد الذكرى السنوية لإعلان حرق جثث الموتى الذي أصدره الزعيم ماو تسي تونغ عام 1956 بهدف الإقتصاد بمساحات الأراضي وإستغلالها بالزراعة.

فماهي نظرة الصينين للموت وماذا يفعلون عند حدوثه؟

لكل قومية من قوميات الصين ال 56 عادات وتقاليد بخصوص موضوع الموت، وذكر الكاتب عدنان جبار الربيعي في كتابه “رحلة الشتات والصين” عند وفاة شخص  توضع أطباق كبيرة  من الورد عند مدخل البيت للدلالة على وجود عزاء. تنزع ملابس المتوفي وتؤخذ مع فراشه إلى خارج البيت وتحرق أملا في أن ترافقه حاجاته في رحلته الأبدية.

سألت بعض الصينيين عن اجراءات التعامل مع الموتى بشكل عام ؟

فذكروا يوضع المتوفى على سرير خشبي أو كرسي  وقد ألبس بدلة جديدة وربما حتى ربطة عنق! ويترك في الدار لمدة ثلاثة أيام في الشتاء أو يوم واحد في الصيف ليأتي الناس ليلقوا عليه التحية وليضعوا عند قدميه الهدايا والفواكه ثم يجلسون بحزن عميق  من حوله  صامتين.

يعمل البعض وخاصة في منطقة التبت ومنغوليا، حيث تتكرس لديهم عادات البوذية، على فتح الجسد ووضعه في أماكن نائية كالجبال أو السهول لتسهيل مهمة إلتهام اللحم وبسرعة من قبل الحيوانات كما يعملون  لاحقا على تكسير العظام بحيث لايبقى من البدن أي شيء لغرض تخليصه من العذاب على الأرض وانتقال روحه الى السماء حسب رأيهم. بينما تمارس طقوس أخرى في قوميات أخرى ومنها القومية الرئيسية هان التي تشكل حوالي 92% من المجتمع الصيني، حيث ينقل الى المحرقة ويوضع في فرن  رفعت درجة الحرارة لأكثر من 1000 درجة مئوية فيتحول خلال فترة وجيزة إلى كومة رماد!

يوضع ذلك الرماد في علبة صغيرة لفت بقماش أحمر، لأنهم يعتقدون ببقاء روح الميت بداخلها و تعطى لذوي المتوفى ! حيث يدفن البعض منهم تلك العلبة في الأرض ليبنى عليها بناء في المقابر الخاصة  والتي تكلف عادة مبالغ عالية، او توضع في مخازن محددة اعدت لوضع علب الموتى فيها لتشكل مجمع لمقبرة صغيرة.

تبدأ العائلة بعدها بإعداد الاحتفال أسبوعيا بمايسمى ( منضدة الروح) لغاية تسعة وأربعين  يوما، حيث يعتقدون بأن الروح ستعود الى البيت كل سبعة أيام من موتها وأن كل زيارة ستكون اقصر من سابقتها حتى اليوم التاسع والأربعين . أما زيارة القبر الذي يحتوي على صندوق الرماد فتتم في اليوم السابع الأول.

وعند مرور عام على تأريخ الوفاة يزور أهالي الميت المقبرة الصغيرة حيث توجد فيها علب رماد موتاهم.

وخلال عيشنا مع الصينيين لاحظت بأن كلمة الموت تعني للكثير منهم شيء مرعب حتى إنهم يتشاءموا من نطق رقم 4 باللغة الصينية التي تلفظ (سو Su ) التي تقارب لفظ كلمة الموت )سوو)،  وعلى سبيل المثال هنالك عمارات في الصين تترك تسمية الطابق الرابع خوفا من تشابه اللفظ مع كلمة الموت.

أما المسلمون في الصين الذي يقدر عددهم، وحسب الاحصائيات الصينية الرسمية، أكثر من 23 مليون شخص، فلديهم معتقدات وعادات مشابهه لما يجرى عند حدوث الموت في الدول الإسلامية.

يعد الموت بالنسبة للمسلمين وأصحاب الكتاب بأنه ضرورة حتمية وسنة آلهية ولايشذ عنها موجود وتشمل حتى الملائكة عليهم السلام.

وأوضح آية الله السيد محمد رضا الشيرازي في محاضراته عن عالم الآخرة بأن للموت ثلاثة أطر:

1) الموت ضرورة حتمية لجميع البشر

بسم الله الرحمن الرحيم

( وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ ۖ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (الأنبياء 34) و (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (الزمر30).

2) الموت ضرورة حتمية لكل ذي نفس

( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (الأنبياء35 ). ولعل كلمة النفس في هذه الآية تشمل الكائنات الأخرى التي لها نفوس ايضا مثل عالم الحيوان.

3) الموت ضرورة حتمية لكل شئ

(وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ ۘ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ۚ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (القصص88).

كلمة الشئ أعم الأشياء ولايشذ عنها موجود والهلاك بمعنى الموت.

وعند تفسير مباحث الموت  لوجدت الأمور التالية:

1) ماهو الموت، هنالك نظرتان لتفسيره

أ‌) النظرة المادية التي يؤمن بها الماديون تنص أن الموت هو  العدم أو أمر عدمي.

ب‌) نظرة الآلهيين بأعتباره نقله من حياة إلى حياة أخرى، وكما قال الرسول محمد صلى الله عليه وآله (إنما تنقلون من دار إلى دار)،

إذ هنالك موت وتعطيل بلحاظ البدن ولكن لايوجد تعطيل بلحاظ الروح بل انتقال من نشأة إلى نشأة أخرى.

2)لماذا الموت؟

أننا لم نخلق لهذه الحياة لوحدها، والغرض من وجودنا بهذه الحياة عندما يتحقق  ولايوجد معنى لبقائنا، وقد أوضح الله تعالى:

( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (الملك2)، اي أن الحياة مثل قاعة الأمتحان لابد أن نخرج منها

( ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (يونس14)

3)لماذا يخشى الناس الموت؟ وهل يخشى جميع الناس من الموت؟

هنالك ثلاث طوائف:

أ‌) الملحدون، هؤلاء يخشون من الموت لأنه يمثل لهم العدم المطلق وهو ضد غريزة حب البقاء ويعد الموت لديهم عدما مطلقا.

ب‌) الجناة والمذنبون، يخافونه لأنهم يقدمون على جزاء أعمالهم، وسئل الصحابي أبو ذر الغفاري رضي الله عنه: لماذا نخاف من الموت؟ فأجابهم: (لأنكم عمرتم دنياكم وخربتم آخرتكم فتنقلبون من دار عمران إلى دار خراب)، وقيل له فكيف قدومنا على الله؟

فقال: أما قدوم المحسنين فقدوم الرجل على أهله، أما قدوم المسيئين كقدوم العبد الآبق على مولاه.

ج) أولياء الله، فهؤلاء لايخافون الموت لأن الموت بمثابة  النافذة التي يعبرون منها إلى حياة أرقى وأعلى. فأذا خفنا الموت فنحن في المرحلة السابقة (ب)،

(قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (الجمعة 6)،

(يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً) (الفجر27-28)

لأن ولي الله يتمنى الموت ولايخشى الوفود على الله.

وقد قال جبرائيل للنبي ابراهيم عليهما السلام عندما سأله عن الموت:

( وهل رأيت حبيبا يكره لقاء حبيبه) وقال الإمام على عليه السلام:

(والله لأبن ابي طالب أنس  بالموت من الطفل لثدي أمه).

ومن خلال استعراضنا لمعتقدات الصينيين الذين ليس لمعظمهم  دين ويعد أغلبهم من الماديين , ودراسة ممارساتهم للتعامل مع الموت، نجد لديهم غريزة فطرية وهبها الله تعالى لجميع البشر تعتقد بأن هنالك روح تخرج من الميت تنتقل وتتواجد في السماء أو في الأرض وتزور أهلها وخاصة في الفترة الأولى بعد وفاته.

ومن الغريب أن تجد اهتمام الصينيين بالموت وتحديد موعد سنوي للإحتفال بعيد الموتى، بينما لانجد ذلك في الدول الإسلامية التي تؤمن بالحياة مابعد الموت او حياة البرزخ، وهذا ماسنتناوله في المقالة القادمة إن شاء الله تعالى.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.