موقع متخصص بالشؤون الصينية

التراث الثقافي في الصين ينبض حيوية جديدة بفضل مجهودات متعددة لحمايته وتوارثه

0

وكالة أنباء شينخوا-

مقالة خاصة: 

قبل أكثر من ألف سنة، كان الحجّارون في العصور القديمة بالصين ينحتون الصخور والجبال، في أول انطلاقة لمنحوتات داتسو الصخرية، التي تُعرف بأنها “آخر نصب تذكاري في تاريخ فن الكهوف البشرية”، والتي تعكس المستوى الأفضل لفن الكهوف في العالم، خلال الفترة ما بين القرن التاسع إلى القرن الثالث عشر الميلاديين.

ولكن في الوقت ذاته، تعرضت هذه التماثيل المنحوتة لمخاطر عدة طرأت عليها على مر العصور، مثل عدم الاستقرار، وتسرب المياه، وتلاشي الألوان، وظهور الشقوق، فضلاً عن تعرضها لعوامل التآكل والتجوية بسبب ضعف الوعي، والمستوى الفني والتكنولوجي المحدود آنذاك.

وفي السنوات الأخيرة، عززت السلطات الصينية من جهود حماية منحوتات داتسو الصخرية وتوارثها، وحققت نتائج جيدة في هذا الصدد.

— نبذة عن منحوتات داتسو الصخرية وأهميتها

“داتسو” هو اسم أحد الأحياء الإدارية في بلدية تشونغتشينغ بجنوب غربي الصين، ويوجد في هذا الحي أكثر من 50 ألف تمثال حجري في 75 موقعاً، بينما يعتبر تمثال “بوديساتفا تشيانشو قوانين” ذو الـ1000 ذراع أحد أكثر التماثيل البوذية شهرة في هذا الموقع، بتاريخ يرجع لأكثر من 800 عام.

وأُدرجت هذه المنحوتات إلى قائمة مواقع التراث العالمي من قبل منظمة اليونسكو عام 1999، لتصبح ثاني تراث ثقافي عالمي للكهوف في الصين بعد كهوف موقاو في دونهوانغ، وموقع التراث الثقافي العالمي الوحيد في تشونغتشينغ.

ووفقاً لموقع اليونسكو الإلكتروني، تم إدراج منحوتات داتسو الصخرية إلى القائمة بفضل “جودتها الجمالية، وموضوعاتها الغنية والمتنوعة التي تتطرق إلى أمور دنيوية ودينية على حد سواء، فضلاً عما تعكسه من وضوح عالٍ لطبيعة الحياة الاجتماعية اليومية في الصين خلال تلك الفترة، ما يبرهن على عمق التناغم والاندماج بين البوذية والطاوية والكونفوشيوسية”.

— مجهودات الحفاظ على المنحوتات وترميمها

لطالما أولت السلطات الصينية اهتماماً بالغاً لحماية منحوتات داتسو والحفاظ عليها. ففي عام 2022 على سبيل المثال، استثمرت حكومة داتسو 33.84 مليون يوان في صناديق حماية الآثار الثقافية، ونفذت 15 مشروعاً لحماية هذه المنحوتات وترميمها، بما في ذلك تعزيز كتلة الصخور، والتحكم في تسرب المياه، وترميم أجسام التماثيل، الأمر الذي يعكس مدى اهتمام الحكومة المحلية بحماية هذه المنحوتات.

كما لعبت التقنيات المتقدمة دوراً بارز الأهمية في حماية هذه الآثار الثقافية، حيث شهدت السنوات الأخيرة إنشاء مركز للدفاع عن التقنيات الأمنية، ومركز للحماية، ومركز للرصد والإنذار المبكر للآثار الثقافية، بغية تعزيز حماية منحوتات داتسو الصخرية من خلال التكنولوجيا.

وفي هذا السياق، قال لي فانغ ين، الرئيس السابق لأكاديمية منحوتات داتسو الصخرية إن الأكاديمية بذلت جهوداً حثيثة للحفاظ على المنحوتات، مثل المراقبة الدورية، والتحقق من حالة التماثيل، وبناء مرافق الحماية، والإنذار المبكر من الكوارث الطبيعية، بالإضافة إلى الصيانة اليومية من أجل اتخاذ خطوة استباقية للحماية الوقائية للمنحوتات مستقبلاً، بدلاً من مجرد إنقاذها.

— التعاون مع شركاء محليين ودوليين لتعزيز جهود الحماية والتوارث

إن جهود الحماية والتوارث مرهونة بمشاركة الشركاء المحليين والدوليين أيضاً. فعلى الصعيد المحلي، تعاونت أكاديمية منحوتات داتسو الصخرية، وهي المؤسسة المهنية المسؤولة عن الحماية والإدارة والبحث والترويج لمنحوتات داتسو الصخرية، مع الجامعات والمؤسسات الثقافية والبحثية والكهوف المشهورة الأخرى وغيرها من الشركاء من مختلف الأوساط الصينية.

أما على الصعيد الدولي، فقالت تشن هوي لي، مديرة مركز مشاريع الحماية بأكاديمية منحوتات داتسو الصخرية، إن الأكاديمية تهتم بالحوار والتفاعل مع المجتمع الدولي لتبادل المزايا والخبرات لحماية هذه الآثار الثقافية المتميزة بصورة أفضل، حيث أجرت الأكاديمية تعاونات ثنائية بطرق مختلفة مع إيطاليا واليابان وغيرها من الدول حول العالم.

واستطردت تشن قائلة: “تجسد منحوتات داتسو الصخرية البرّ بالوالدين، والنزاهة، والإحسان وغير ذلك من التقاليد الحميدة للأمة الصينية”، مشيرة إلى ضرورة التعاون مع الأطراف المعنية للتعرف عليها وحمايتها لفهم وإدراك قيمتها ودلالاتها التاريخية، حتى يتسنى لنا حمايتها، ونُمكّن الأجيال الحالية والقادمة من توارث دلالالتها ومضامينها الثقافية الثمينة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.