موقع متخصص بالشؤون الصينية

دبلوماسية شي: اجتماعات القادة تسهل التنمية المطردة والطويلة الأجل لعلاقات الصين مع فرنسا والاتحاد الأوروبي

0

أجرى الرئيس الصيني شي جين بينغ يوم الخميس محادثات مع الرئيس الفرنسي الزائر إيمانويل ماكرون في بكين، تبعها اجتماع ثلاثي عقده شي مع ماكرون ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين. كما عقد شي اجتماعا منفصلا مع فون دير لاين بعد الاجتماع الثلاثي.

وبعد يوم واحد فقط في قوانغتشو حاضرة مقاطعة قوانغدونغ في جنوب الصين، خرج شي وماكرون للتمشي وتجاذبا أطراف الحديث مع احتساء الشاي في اجتماع غير رسمي.

في عالم معقد ومضطرب، لم تسهم اجتماعات القادة الثلاثة التي عُقدت وجها لوجه في تقوية الثقة السياسية وتعزيز الحوار بين الصين وفرنسا والاتحاد الأوروبي فحسب، بل ساعدت أيضا في تعزيز جهودهم المشتركة لحماية السلام العالمي، والتغلب على الأزمات، وتحقيق الرخاء المشترك.

— الاستقرار ركيزة قيمة

كان الاستقرار أحد الكلمات الرئيسية التي وردت في محادثات شي مع ماكرون. فخلال اجتماعهما يوم الخميس، أشاد شي بزخم النمو الإيجابي والمطرد في العلاقات بين الصين وفرنسا، وشدد على ضرورة أن يعتز الجانبان بالاستقرار، وهو سمة مميزة لهذه العلاقات وركيزة قيمة لها.

في السنوات الأخيرة، تحت التوجيه الإستراتيجي لشي وماكرون، شهدت العلاقات الصينية الفرنسية تطورا سليما بفضل التواصل الإستراتيجي المثمر والتعاون العملي. وحافظ الجانبان أيضا على تواصل وتنسيق وثيقين فيما يتعلق بالشؤون الدولية والإقليمية.

في الذكرى الـ50 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وفرنسا في عام 2014، لخص شي التطلع الأصلي لإقامة العلاقات الدبلوماسية بأنه يتمثل في الاستقلالية والتفاهم المتبادل والتبصر والمنفعة المتبادلة والنتائج القائمة على الكسب المشترك.

وعلى مر السنين، ومن خلال التمسك بالتطلع الأصلي، قدمت العلاقات الصينية الفرنسية مثالا يحتذى به للعلاقات بين الصين والدول الغربية الأخرى.

يشهد العالم حاليا تحولا تاريخيا عميقا. فالانتعاش الاقتصادي العالمي لا يزال متعثرا، والفجوة التنموية آخذة في الاتساع، والأحداث الساخنة مستمرة في الظهور، وعملية التنمية العالمية تعاني من نكسات خطيرة.

إن الصين وفرنسا، وفقا لما ذكره شي، بصفتهما عضوين دائمين في مجلس الأمن الدولي، ودولتين رئيسيين تتمتعان بتقليد الاستقلالية، ومن المناصرين الراسخين لعالم متعدد الأقطاب وديمقراطية أكبر في العلاقات الدولية، لديهما القدرة والمسؤولية على تجاوز الخلافات والعقبات، والتمسك بالاتجاه العام لشراكة إستراتيجية شاملة تتسم بكونها مستقرة ومتبادلة المنفعة وشجاعة ودينامية، وممارسة تعددية أطراف حقيقية من أجل تحقيق السلام والاستقرار والرخاء على الصعيد العالمي.

 

 

أما بالنسبة للعلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي، فقد شدد شي على أن الصين وأوروبا قوتان رئيسيتان وسوقان كبيران وحضارتان عظيمتان في العالم، لافتا إلى أن العلاقات الصينية الأوروبية لها تأثير في تحقيق رفاه الجانبين واستقرار ورخاء العالم أجمع.

وذكر شي أن الصين سوف تحافظ على استقرار سياستها تجاه أوروبا على المدى الطويل، وستواصل النظر إلى أوروبا كقوة مستقلة في عالم متعدد الأقطاب، وسوف تظل ملتزمة بعلاقات صينية أوروبية لا تستهدف أي طرف ثالث ولا تخضع له أو تقع تحت سيطرته في الوقت ذاته.

يصادف هذا العام الذكرى الـ20 لإقامة الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الصين والاتحاد الأوروبي. وإن الصين مستعدة للعمل مع الاتحاد الأوروبي لتحديد الاتجاه والنغمة الصحيحين للعلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي، واستئناف التبادلات بشكل كامل على جميع المستويات، وتنشيط التعاون متبادل المنفعة في مختلف المجالات، وبالتالي ضخ زخم جديد في العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي والسلام والاستقرار والرخاء على الصعيد العالمي.

لقد أحيت كلمات شي الثقة العالمية بشأن العلاقات بين الصين وأوروبا. ففي معرض إشارته إلى العلاقات الأوروبية الصينية باعتبارها “مكونا حاسما في المستقبل”، قال رومانو برودي الرئيس السابق للمفوضية الأوروبية إنه من المهم أن يستأنف الجانبان تبادلاتهما المباشرة في شتى المجالات التي أعاقتها جائحة كوفيد-19 على مدى السنوات الثلاث الماضية.

— علاقات متبادلة المنفعة

كان على قائمة وفد ماكرون مديرون تنفيذيون كبار من عدد من الشركات الفرنسية الشهيرة، بما فيها شركة الكهرباء العملاقة (إي دي إف)، وإيرباص، وألستوم. وجميعهم يحدوهم الأمل في الاستفادة بشكل أكبر من الإمكانات الضخمة لأكبر سوق استهلاكي في العالم.

فقد صرح فابريس ميجاربان، رئيس مكتب شركة لوريال لمنطقة شمال آسيا والرئيس التنفيذي لشركة ((لوريال تشاينا))، لوكالة أنباء ((شينخوا)) قائلا “لقد رأينا بالفعل فرصا محتملة في السوق، الأمر الذي يجعلنا أكثر تفاؤلا بشأن الآفاق والتوقعات الاقتصادية للصين”.

شهد شي وماكرون في الصين توقيع وثائق تعاون ثنائي تغطي الزراعة الغذائية، والعلوم والتكنولوجيا، والطيران، والطاقة النووية المدنية، والتنمية المستدامة، والثقافة؛ الأمر الذي أظهر الحيوية والفضاء الواسع بين الصين وفرنسا في تعميق التعاون المتبادل المنفعة.

على الرغم من أن الاقتصاد العالمي يتعافى ببطء، إلا أن التعاون التجاري والاستثماري بين الصين والاتحاد الأوروبي حافظ على زخم قوي. ففي عام 2022، بلغت حجم التبادل التجاري بين الجانبين 847.3 مليار دولار أمريكي، بزيادة 2.4 في المائة على أساس سنوي.

 

وكمثال على التعاون بين الصين والاتحاد الأوروبي، تم توسيع خدمة السكك الحديدية السريعة بين الصين وأوروبا لتشمل أكثر من 200 مدينة أوروبية، وهو ما يضمن استقرار سلسلة التوريد العالمية وتدفقها السلس. وفي عام 2022، قامت قطارات الشحن بين الصين وأوروبا بـ16 ألف رحلة، محملة بـ1.6 مليون وحدة مكافئة لعشرين قدما من البضائع.

لقد استؤنفت التبادلات بين الصين وأوروبا في مختلف المجالات بسرعة وعلى نحو شامل. فقد زار رئيس الوزراء الأسباني بيدرو سانشيز الصين في أواخر مارس. وحضر العشرات من قادة الأعمال من أوروبا مؤخرا منتدى تنمية الصين 2023 وأعربوا عن ثقتهم في الصين وتطلعهم إلى الاستثمار وتطوير أعمالهم فيها. وتجري مشاورات سياسية بين وزارة الخارجية الصينية ووزارات خارجية الدول الأوروبية كل أسبوع تقريبا استعدادا للتفاعلات المتكررة رفيعة المستوى بين الجانبين في المرحلة المقبلة.

تُبين هذه التفاعلات الوثيقة بين الصين وأوروبا تماما أنه على الرغم من وجود بعض الخلافات، إلا أن الجانبين لديهما رغبة قوية في التواصل وتقاسم مصالح مشتركة واسعة وعميقة.

خلال الاجتماع الثلاثي مع ماكرون وفون دير لاين، دعا شي الصين والاتحاد الأوروبي إلى البحث عن أرضية مشتركة مع تنحية الخلافات جانبا، وتعلم استيعاب تنمية بعضهما البعض وتقديرها والاستفادة منها وتسهيلها.

 

 

وقالت فون دير لاين إن الاتحاد الأوروبي والصين شريكان تجاريان مهمان لبعضهما البعض وإن الاقتصادين مرتبطين ببعضهما البعض للغاية، مضيقة أن فك الارتباط عن الصين ليس في مصلحة الاتحاد الأوروبي ولا هو الخيار الإستراتيجي للاتحاد الأوروبي.

وأشار ماكرون إلى أنه في عالم مليء بعدم اليقين، يتعين على الاتحاد الأوروبي والصين العمل مع بعضهما البعض للابتعاد عن فخ فك الارتباط الاقتصادي وقطع سلاسل التوريد، والقيام بتعاون متبادل المنفعة يقوم على قدم المساواة، ومواجهة التحديات العالمية الملحة مثل تغير المناخ، ومواصلة تعميق الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الاتحاد الأوروبي والصين.

وقد ذكر برونو جيجه، الخبير الفرنسي في الشؤون الدولية، أن “العلاقات بين أوروبا والصين حاسمة لمستقبل العالم”، مضيفا أن “المستقبل المشترك للصين وأوروبا يكمن في تطوير تعاون متبادل المنفعة”.

— الحل الصحيح الوحيد للأزمة الأوكرانية

خلال الاجتماعات، أكد شي مجددا على موقف الصين بشأن الأزمة الأوكرانية، داعيا الأطراف إلى العمل بشكل مشترك على تهيئة الظروف لإجراء محادثات سلام.

فقد أشار شي، خلال اجتماعه مع ماكرون يوم الجمعة، إلى أن أسباب الأزمة معقدة وأن امتداد فترة الأزمة لا يخدم مصالح أحد. وقال إن تحقيق وقف لإطلاق النار في أسرع وقت ممكن سيخدم مصالح جميع الأطراف المعنية، وإن التسوية السياسية هي الحل الصحيح الوحيد.

وذكر شي أن الصين لن تتعامل أبدا مع القضية الأوكرانية من منطلق المصالح الأنانية، لكنها تدافع دائما عن الإنصاف والعدالة. ويتعين على جميع الأطراف المعنية تحمل مسؤولياتها وبذل جهود مشتركة لتهيئة الظروف لتسوية سياسية.

وتحظى الجهود التي تبذلها الصين لتعزيز إيجاد تسوية سياسية للأزمة الأوكرانية بمزيد من القبول من جانب القادة الأوروبيين.

فخلال الاجتماعات، اتفقت فون دير لاين وماكرون على أن الصين لم تخلق الأزمة الأوكرانية، وقالا إنهما يقدران الجهود التي تبذلها الصين لتعزيز إيجاد تسوية سياسية ويتطلعان إلى أن تلعب الصين دورا أكثر أهمية. وأشارا أيضا إلى أنهما على استعداد للعمل مع الصين لإيجاد طريقة لتسهيل المحادثات من أجل إحلال السلام.

ومن جانبه قال هيرفيه جوفين، عضو البرلمان الأوروبي، إن “الصين تدعو إلى السلام والمحادثات. وتلعب دورا إيجابيا في إنهاء الأزمة”، مضيفا أن “الصين تلعب الآن دور صانع سلام”.

وثمة مثل أوروبي يقول إن أولئك الذين يعملون معا أفضل من أولئك الذين يعملون بمفردهم. وبهذه الروح، تقف الصين على استعداد للعمل مع الجانب الأوروبي لدفع التبادلات والتعاون، وبناء الثقة وتضييق الخلافات، وضخ اليقين والطاقة الإيجابية في عالم مضطرب مع استقرار العلاقات الصينية الأوروبية ونموها.

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.