موقع متخصص بالشؤون الصينية

سلوك الأثرياء الجدد في الصين

0


صحيفة البيان الاماراتية:
مسعود ضاهر:
اعتمدت وسائل الإعلام الصينية أسلوب الشفافية في فضح ظاهرات مقلقة، نجمت عن التبدلات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة في عصر العولمة. وتناولت جريدة “الشعب” الصينية الرسمية الصينية الصادرة باللغة العربية، ظاهرة الأثرياء الصينيين الجدد في ثلاثة مقالات خلال العام 2012.

ففي 12 يناير/ كانون الثاني نشرت الصحيفة مقالة بعنوان: “28% من الأثرياء الصينيين لديهم ثقة كبيرة في الاقتصاد”. واستندت إلى استطلاع قام به معهد هورون، دل على أن الأثرياء الجدد لديهم ثقة كبيرة بالاقتصاد الصيني، وهناك أكثر من ثلاثين في المائة منهم تحدوهم رغبة في زيادة الاستثمارات. ودل الاستطلاع على أن قطاعي العقارات والأسهم، هما الأكثر جاذبية لاستثمارات الأثرياء الصينيين.

لكن نسبة المستثمرين في قطاع العقارات تراجعت من 37.9% في العام 2010، إلى 26.7% في العام 2011، وتراجعت نسبة المستثمرين في قطاع الأسهم من 24.7% إلى 20.4% في الفترة عينها.

في المقابل، ارتفعت أرباح المستثمرين في تلك الفترة من 7.7% إلى 18.2%. وسجلت نسبة المستثمرين في تجارة قطاع الذهب ومشتقاته، ارتفاعا من 0.1% في العام 2010 إلى 11.5% عام 2011.

ويرى الأثرياء الجدد أن دفع الضرائب يعد الطريقة الأمثل لتحمل المسؤولية الاجتماعية، حيث يختار قرابة الثلث منهم دفع ضرائبهم بانتظام. واختار 23% منهم دفع تبرعات لمكافحة الأمراض الخطيرة، كالإيدز وغيره. ورأى 12% من الأثرياء أن حماية حقوق العامل تشكل تجسيدا لتحمل المسؤولية الاجتماعية، ودعا البعض الآخر إلى زيادة التوظيف لحماية البيئة والصناعات الريادية. واللافت للانتباه أن 60% من الأثرياء الجدد لا يحتفظون بدفاتر دقيقية للحسابات، رغم أن لديهم آلاف المشتركين، وتفضل النساء الثريات إرسال معلومات قصيرة عبر الهاتف فقط.

وفي 28 مارس/ آذار 2012، نشرت الصحيفة مقالا بعنوان: “2.7 مليون ثري صيني تتجاوز ثروة كل منهم ستة ملايين يوان”. وذكر تقرير “الكتاب الأبيض عن حاجات الأثرياء الصينيين الاستهلاكية”، الصادر عن مؤسسة هورون والبنك الصناعي في 27 مارس 2012، أن الأثرياء الجدد الذين تجاوزت ثروة كل منهم ستة ملايين يوان، يبلغ متوسط أعمارهم 39 سنة. في الوقت عينه، بلغ عدد الأثرياء الصينيين الذين تجاوزت ثروة كل منهم المائة مليون يوان، قرابة 63.5 ألف صيني، متوسط أعمارهم 41 سنة. وفي 9 مايو/ أيار 2012 نشرت الصحيفة مقالة هامة بعنوان: “أثرياء الصين يزدادون ثراء”. وقد أطلق بنك صيني في 8 أيار 2012 خدمة جديدة خاصة بالصينيين الأكثر ثراء، والذين سترتفع ثرواتهم في العام 2015 إلى أكثر من ثلاثة أضعاف عما كانت عليه عام 2010.

وأشارت تقارير مالية أخرى مصدرها مدينة شانغهاي، إلى أن أصول اصحاب الثروات في الصين ستتراكم في السنوات المقبلة، لتزيد بمعدل 27% سنويا لتصل إلى 8.764 تريليونات دولار أميركي بحلول العام 2015، بعد أن كانت تقدر بحوالي 2.627 تريليون دولار أميركي في العام 2010.

وتشير استطلاعات حديثة أجرتها مؤسسات صينية، إلى أن عدد أصحاب الثروات الذين يملكون أصولا فردية تتجاوز المليون دولار أميركي، قد تزايد كثيرا خلال السنوات الخمس الماضية. ويتمركز معظمهم في العاصمة بكين، التي تضم الآن قرابة 460 ألفا من الأثرياء الجدد. وبدأت بنوك صينية تطلق خدمات مصرفية مميزة ومتنوعة، لاستقطاب الأثرياء الصينيين الجدد الذين ينفقون الأموال بسخاء غير عادي على السيارات، والأعراس، والولائم، وشراء التحف، والملابس والعطور غالية الثمن، وينفقون أموالا طائلة في رحلات السفر الباذخة.

وأشارت التقارير الثلاثة إلى ظاهرات اجتماعية جديدة، تحتاج إلى كثير من التبصر حول مستقبل الصين في عصر العولمة. ويعد تعليم الأطفال أحد أبرز مجالات الاستهلاك الرئيسية للأثرياء الصينيين، ويخطط 85% من الأغنياء لتعليم أولادهم في دول غربية، وتصل النسبة إلى 90% عند الذين تجاوزت ثروة كل منهم مائة مليون يوان. وكشف استطلاع للرأي صادر عن مركز بحوث الشباب الصيني في 10 إبريل/ نيسان 2012، أن 70% من الطلاب الصينيين في المدارس الثانوية يرغبون في السفر للدراسة خارج الصين، كما أن 80% من الآباء والأمهات في الصين يوافقون على إرسال أولادهم إلى الخارج للدراسة، حرصا منهم على توسيع معارفهم الشخصية ورفع مستوى اتقانهم للغة الأجنبية.

وتحتل الولايات المتحدة المركز الأول بين الدول التي يطمح الطلاب للتوجه إليها للدراسة، بنسبة تزيد على 40%، تليها اليابان وكوريا الجنوبية وبريطانيا. وتعتبر السياحة من أكثر المجالات التي تستقطب الأثرياء الصينيين الجدد، ويفضل أكثر من 60% استهلاك المال في السياحة، منهم قرابة النصف ينفقونه على خدمات صحية. ويستهلك 46% من الأثرياء الجدد، في مجالات التنمية الشاملة من خلال التعليم العصري، مع التركيز على الطاقات الشخصية، فيما يولي 23% أهمية خاصة للإبداع، و17% للتنمية عبر التعليم المفتوح.

وقد وجهت انتقادات كثيرة إلى ظاهرة الربح السريع والتراكم المالي الكثيف لدى الأثرياء الجدد في الصين، ودعت وسائل الإعلام الصينية الرقابة المالية إلى إنزال العقاب بآلاف المخالفين، منعا لانتشار ظاهرة الفساد التي باتت تقلق القيادة الصينية وتشكل خطرا داهما على مجتمع صيني يشهد تفاوتا حادا بين الطبقات الاجتماعية، وبين المدن والأرياف الصينية. في المقابل، ترى دراسات رصينة فائدة حقيقية تجنيها الصين من الانفتاح على علوم الغرب وثقافاته من مصادرها الأصلية، لكي تصبح قطبا أساسيا في النظام العالمي الجديد.

فالانفتاح على العلوم العصرية خارج الصين، يساهم في تعزيز موقعها في عصر العولمة وتحقيق التفاعل الثقافي المباشر على المستوى الكوني. وتذكر القيادة الصينية بعبارة الشاعر الهندي طاغور: “لن أغلق نافذتي أمام الهواء النقي خوفا من دخول البعوض”. وقد فرضت رقابة صارمة على الفاسدين من الأثرياء الجدد، الذين جمعوا ثروات طائلة خلال فترة زمنية قصيرة. وبقدر ما تنجح الصين في مراقبة تلك الظاهرات وتطهيرها، تصبح أكثر فاعلية في إحداث تحول جذري في بينة النظام العالمي ليصبح أكثر إنسانية، بعد أن قادت العولمة الهمجية دول الغرب إلى أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية متلاحقة.

ختاما، تواصل الصين تطوير أنظمة تساعدها في التغلب على المشكلات التي أفرزها التراكم المالي والنمو السريع، وهي تفصح بجرأة نادرة عن مشكلاتها الداخلية، لمعالجتها واستكشاف الديمقراطية بخصائص صينية تحقق نهضة شاملة ومتوازنة تطال جميع الصينيين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.