الترحيب بعام التنين أم عام لونغ؟ آراء متبصرة من المنظور الصيني
مع مشاركة العديد من المجتمعات في جميع أنحاء العالم، داخل الصين وخارجها، في احتفالات متنوعة للترحيب بعام التنين، أصبح المخلوق الأسطوري موضوعا للنقاش. يسميه البعض تنينا، بينما يفضل البعض الآخر مصطلح “لونغ”، ما يؤكد على أهمية النقاش حول الترجمة الأكثر دقة لهذا الرمز للثقافة الصينية التقليدية.
— وجهات نظر متباينة
هل يعبر كل من التنين ولونغ عن نفس المعنى، أم أنهما يمثلان مخلوقات مختلفة ذات دلالات مميزة؟.
قال لوكا نورميو، الباحث في جامعة لوكسمبورغ، إنه “من الواضح أن هناك فرقا”، مبينا أن “التنين الغربي عادة ما يكون مثل وحش سحري كبير”.
في الثقافة الغربية، التي شكلتها الأساطير اليونانية، كثيرا ما يتم تصوير التنين على أنه حارس لكنز، ويجسد رمزا للجشع والدمار.
وقالت فرانسيس وود، وهي عالمة صينيات بريطانية معروفة، إنه “في الغرب، تنانيننا كلها تقريبا وحوش سيئة وشرسة للغاية وذات صورة سلبية ويجب قتلها”.
واللافت للنظر بأن المخطوطات الأوروبية في العصور الوسطى تحتوي على تصوير للوحة الأيقونية “القديس جورج وهو يذبح التنين”.
علاوة على ذلك، في سفر الرؤيا في الكتاب المقدس المسيحي، هناك تمثيل لتنين أحمر عظيم، يرمز إلى الشيطان ونهاية الزمان الوشيكة.
وتساهم هذه السرديات الثقافية المتنوعة في الرمزية متعددة الأوجه للتنانين في الخيال الغربي، حيث غالبا ما تجسد موضوعات الصراعات والمغريات والتحذيرات المروعة.
وأوضحت وود أن “كلمة تنين واحدة تشمل فكرتين مختلفتين تماما”، مضيفا أنه “في الصين، الفكرة عن التنين إيجابية للغاية، فهو حيوان يساعد البشرية وهذا أمر نبيل”.
في الثقافة الصينية، يعتبر التنين، أو لونغ الصيني، رمزا ميمونا، حيث غالبا ما أشار الأباطرة إلى أنفسهم على أنهم “التنين الحقيقي ابن السماء”.
وأشار لوكا إلى أن “التنين الصيني هو أشبه بالتنين الودود”.
في اللغة الصينية، يتضمن أكثر من 100 مصطلح كلمة “تنين”، والتي تعبر في الغالب عن دلالات إيجابية مثل التميز والقوة والهيبة والمكانة الملكية والحظ الطيب. وبالنظر إلى ميل الصينيين لتوضيح أدق الفروق اليومية عن طريق التعبيرات الاصطلاحية، فإن مصطلح “التنين” يظل عنصرا منتشرا ومتكاملا في محادثاتهم اليومية.
عندما يعبر الناس عن إعجابهم بأحد الأصهرة، فإنهم غالبا ما يشيرون إليه على أنه “صهر رشيق يمتطي التنين”، وهو ما يشير بمهارة إلى قدراته وقوته وهيبته.
خلال حفلات الزفاف، غالبا ما يُبارك للأزواج بالتمنيات بالحياة المتناغمة والمزدهرة، والتي يرمز إليها بالتنين والعنقاء، مع الإشارة إلى العريس بأنه التنين والعروس بأنها طائر العنقاء. ويحظى التنين بالتبجيل كرمز للقوة والسلطة، بينما يجسد طائر العنقاء الحكمة والجمال والبركة.
ويعد طموحا سائدا بين الآباء الصينيين أن يأملوا في أن يصبح أطفالهم “تنينا”، مما يدل على السعي وراء العظمة أو النجاح. ويؤكد هذا الموروث الثقافي على الأهمية العميقة والسمات الإيجابية المرتبطة بالتنين داخل الوعي الجمعي الصيني.
خارج الصين، في اللغة اليابانية، التي تشترك في تقارب ثقافي مع الصين، التنين الغربي واللونغ الصيني هما شخصيتان مختلفتان وكيانان منفصلان، حيث غالبا ما يستخدم اللونغ الصيني في أسماء الناس بينما يرد استخدام التنين الغربي في ما يتعلق بالديناصورات، وهو ما يميل إلى الاندماج مع المفهوم الغربي للتنين.
— فقدان المعنى في الترجمة
بالنظر إلى الاختلافات العميقة في المعنى بين التنين واللونغ الصيني، لماذا تمت ترجمة كلمة لونغ إلى الإنجليزية على أنها تنين؟.
ظهرت التنانين في كتاب رحلات ماركو بولو في القرن الـ13، والذي وصف الزخارف في البلاط الملكي. ربما اعتقد بولو أن التصوير المعماري الصيني للتنانين يحمل بعض أوجه التشابه مع المفهوم الغربي للتنانين.
في أوائل القرن الـ19، قام المبشر البريطاني روبرت موريسون بتجميع أول قاموس صيني-إنجليزي وإنجليزي-صيني في التاريخ، حيث ترجم كلمة لونغ الصينية إلى تنين.
وذكرت بنغ بينغ، وهي أستاذة ونائبة عميد كلية اللغة الإنجليزية والدراسات الدولية بجامعة الدراسات الأجنبية ببكين، أن “تأثير هذا القاموس كان عميقا، مما أدى إلى اعتماد واسع النطاق لمصطلح التنين في الغرب”.
وأوضحت أن “اللغة تؤثر بشكل كبير على عقول البشر، ونتيجة لذلك، يرى الغربيون أنه من المحير أن الصينيين يربطون أنفسهم بمفهوم التنانين. ففي ثقافتهم، التنانين هي رموز للحقد، الأمر الذي يساهم في حدوث تحريف ثقافي وتأويل خاطئ”.
ومع ازدياد اندماج الصين في المجتمع العالمي، فإن الشعبية المتزايدة للثقافة الصينية تقدم للعالم لمحة حقيقية عن الرمزية والأهمية الغنية للتنين أو اللونغ الصيني.
ويلاحظ مراسلو وكالة أنباء ((شينخوا)) الذين يجرون مقابلات في جميع أنحاء العالم اهتماما متزايدا بين الغربيين باستكشاف الثقافة التقليدية الصينية.
وقالت وود، التي أشارت إلى أن أجواء العام القمري الجديد قد زادت زخما في العقدين الماضيين، “إذا فكرت في حياتي، عندما كنت صغيرة، لم يكن أحد يعرف عن العام الصيني الجديد أو أي شيء من هذا القبيل. ولكن الآن انتشر ليصل ميدان ترافلغار”.
يتوسع التأثير العالمي للثقافة الصينية، مما يثير الفضول والتقدير إزاء رمزية التنين الأيقوني وتراثه الغني.
وقال لوكا “أعتقد أن الكثير من الناس يتعلمون عن التقاليد فقط عندما يكون لديهم اتصال أكبر بها، مثل مهرجان قوارب التنين. وأنا شاهدت مهرجان قوارب التنين. لذا، أعلم أن التقاليد الصينية تربط أيضا التنين وصلاته الثقافية بالماء”.
— هل حان وقت التغيير؟
مع تزايد معرفة العالم برمز البرج الصيني، هل حان الوقت لترجمة التنين الصيني إلى لونغ؟.
وقالت بنغ إنه “في وقت نشهد فيه حدوث تغييرات إيجابية تشير إلى أن الثقافة الصينية تنتشر على نطاق أوسع في الغرب، أشعر أن (مصطلح التنين) قد لا يزال قاصرا في التعبير عن الجوهر الحقيقي لصورة التنين الصيني، حيث يظل مصطلحه الأساسي تنينا بعد كل شيء”، مقترحة استخدام مصطلح لونغ بدلا من ذلك.
وأفادت وود أنه “ربما يمكننا تسميته التنين الصيني وتسمية هذا العام باسم عام التنين الصيني”.
وذكر لوكا “أعتقد أنه سيكون من الجيد أن نسميه لونغ. فالتنانين الغربية لا تعكس حقا الثقافة الصينية بهذه الطريقة”.
في بعض أنحاء العالم، تم بالفعل اعتماد مصطلح لونغ.
مع حلول العام القمري الصيني الجديد، أصدرت فيجي طوابع عام التنين للاحتفال بالعام الصيني الجديد.
وقال رئيس فيجي، ويليام كاتونيفير، خلال تقدمه بالتهاني بالعام الجديد للصين من خلال فيديو عبر وكالة أنباء ((شينخوا))، “بولا! (وتعني مرحبا في فيجي) لمن دواعي سروري أن أغتنم هذه الفرصة لأتمنى لكم كل السرور بالعيد بمناسبة حلول عام لونغ”.
قد تبدو مسألة الترجمة أمرا بسيطا. ما يهم أكثر هو نقل الجوهر الحقيقي لبرج التنين. ويولي الشعب الصيني أهمية كبيرة للترحيب بشعوب العالم لغمس نفسها في الروح الاحتفالية لعام التنين والمشاركة في فرحة عيد الربيع ودفئه وروعته.
عام صيني جديد سعيد. تمنياتنا أن تعيشوا حياة طويلة (لونغ) ومزدهرة!