الصين.. دولة كبيرة تسعى للخير وتحبه وتعمل به
خاص موقع الصين بعيون عربية –
دنغ تينغ
عندما نستعرض تاريخ الحضارة الصينية العريقة الذي يمتد لخمسة آلاف سنة، نجد أن الصين ظلت تتمسك باتخاذ “الخير” كسفينة تبحر بها عبر الأمواج العاتية وتقدم إسهامات لتحقيق السلام والتنمية في العالم بالمسؤولية وصدر رحب. حاليا، أصبح المجتمع الصينى العربى للمستقبل المشترك أكثر قيمةً في ظل التحولات العميقة في النظام العالمي وتصاعد حالة عدم اليقين، لن يكون مجرد حجر الأساس والمحفز القوي لدفع التعاون الصيني العربي في جميع المجالات نحو تحسين الجودة والارتقاء المستمر فحسب، بل سيظل أيضًا رايةً مرفوعةً وسط الفوضى العالمية، يُعتبر هذا التعاون نموذجًا ومثالًا يُحتذى به لتحقيق السلام والتنمية والتبادل الحضاري في العالم.
إن الصين دولة كبيرة تسعى للخير
“الخير” هو بصمة خالدة تُنقش في الشفرة الجينية للثقافة الصينية. من مبدأ معاملة الناس ” لا تعامل الناس بما لا ترضى أن تعامل به” المسجَّل في “كتاب الحوار”، إلى روح المحبة وحسن الجوار في “تسوه جوهان” التي تنص على أن القرابة بالإحسان وحُسن الجوار هما كنز الأمة، وصولًا إلى المثل الأعلى “عندما تُطبَّق المبادئ العظمى، يصبح العالم ملكًا للجميع”، قد دمجت الأمة الصينية منذ القِدَم مفهوم “الخير” في رؤيتها للعالم وممارساته. هذا الإرث الثقافي جعل الصين تلتزم دائمًا في إجراء اتصالات خارجية بالمبادئ الخمسة للتعايش السلمي والمنفعة المتبادلة والفوز المشترك، وتسعى لتحقيق التنمية المشتركة والازدهار بين دول العالم.
إن نستحضر التاريخ نكشف أن العلاقات الودية بين الصين والدول العربية تتحلى بعمق الينبوع وطول المجرى. فقد ربط طريق الحرير القديم الصين بالعالم العربي بشكل وثيق بمثابة رباط الصداقة، حيث تدفقت سلع صينية مثل الحرير والخزف والشاي إلى المنطقة العربية، بينما وصلت التوابل والمجوهرات والأدوية العربية إلى الصين. والأهم من ذلك، أن الجانبين قاما بالتبادل الواسع والعميق في مجالات الثقافة والفن وغيرها، حيث تعلما واقتبسا من بعضهما البعض، مما دفع بتقدم الحضارات البشرية. إن هذا التفاعل الودي الذي امتد لأكثر من ألف عام، هو تجسيد للسعي المشترك والممارسة العملية لقيمة “الخير” في قلوب الشعوب في الصين والدول العربية.
وسط التغيرات الحالية في العالم، بات دفع بناء المجتمع الصينى العربى للمستقبل المشترك أكثر أهميةً وإلحاحًا. لقد تسببت الحروب الجمركية اليوم في حدوث حالة من عدم اليقين وعدم الاستقرار على مستوى العالم وازدياد تقلبات الأسواق المالية حيث يتعرض النظام التجاري متعدد الأطراف لتحديات خطيرة. أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ أنه على مدى أكثر من السنوات السبعين المنصرمة، ظل يعتمد النمو الصيني على النفس والنضال الشاق، ولم نعتمد قط على نعمة الآخرين ولا نخشى الضغوط الخارجية غير العادلة. سوف ترسخ الصين الثقة وتحافظ على الصلابة مهما تغير الوضع الدولي.
لطالما تقدمت الصين إلى الأمام عبر التغلب على الصعوبات والتحديات. تظل الصين متمسكة بروح السعي للخير حتى يواجه الاقتصاد العالمي تحديات هائلة في الوقت الحالي، ولا تسعى الصين للمشاركة في أي حرب جمركية أو حرب تجارية مع أي دولة. استنادا إلى تفوق السوق الواسعة النطاق والقوة الاقتصادية والتضامن بين الحكومة والشعب في بلادنا، قد أصبحت الصين الشريك الأكثر ثقة للدول العربية والمساهم الرئيسي وركيزة الاستقرار في نمو الاقتصاد العالمي. وتأمل الصين خلق بيئة تجارية عادلة وحرة والتعاون مع الدول العربية في بناء مستقبل أفضل متمسكةً بمفهوم “المنفعة المتبادلة والفوز المشترك”.
إن الصين دولة كبيرة تعمل بالخير
منذ القمة الصينية العربية الأولى التي عقدت في السعودية عام 2022، يعمل الجانبان الصيني والعربي باستمرار على تعزيز بناء المجتمع الصينى العربى للمستقبل المشترك الموجه للعصر الجديد. طرح الرئيس شي جين بينغ في الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي، الذي انعقد بسلاسة في يوليو 2024، “المعادلات الخمس للتعاون” التي تعمل الصين على بنائها مع الدول العربية؛ حيث أن المعادلة الرابعة تهدف لبناء نظام أكثر توازنا للتعاون الاقتصادي والتجاري المتبادل المنفعة، الأمر الذي يتعلق بتسريع وتيرة التعاون مع الجانب العربي حول اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية والإقليمية وحرص الجانب الصيني على زيادة استيراد المنتجات غير الطاقوية وخاصة المنتجات الزراعية والغذائية من الجانب العربي.
وتتحلى هذه الخطوة بأهميات متعددة بعيدة المدى. من الناحية الاقتصادية، تتمتع الدول العربية بمزايا فريدة في المنتجات الزراعية والغذائية، حيث تنتج بعض المناطق فيها منتجات زراعية عالية الجودة، مثل البرتقال الطازج المصري، وزيت الزيتون التونسي، والتمور السعودية، ومنتجات الورد السوري وغيرها. إن توسيع استيراد “المنتجات الممتازة” المتنوعة من العالم العربي، مثل المانجو والرمان، لا يزيد فقط تنوع المنتجات في السوق المحلية الصينية ويُلبي الطلب المتزايد على التنوع من المستهلكين، بل سيوفر أيضًا سوقًا واسعًا للصناعات ذات الصلة في الدول العربية، مما يعزز تنمية الزراعة والصناعات التحويلية المحلية، ويخلق فرص عمل، ويدفع لتحولها إلى التنويع الاقتصادي. أما من زاوية التوازن التجاري، فقد شهدت التجارة بين الصين والدول العربية تعاونا وثيقا في مجال الطاقة على المدى الطويل، حيث يستورد الجانب الصيني كميات كبيرة من منتجات الطاقة من الجانب العربي. فزيادة واردات المنتجات غير النفطية سيساعد على تحسين الهيكل التجاري في التجارة الثنائية، ودفع التجارة في اتجاه أكثر توازنًا واستدامة.
إن بناء معادلة أكثر توازنا للتعاون الاقتصادي والتجاري المتبادل المنفعة بين الصين والعالم العربي لا يتعلق فقط بتنمية الطرفين الذاتية، بل يُضفي أيضًا الثقة والحيوية في التجارة الحرة العالمية. اليوم، تتكرر عديد من التصرفات القصيرة النظر مثل مناهضة التجارة الحرة مما يؤثر سلبا على معادلة التجارة الحرة العالمية، لذا يتعين على الجانبين الصيني والعربي في ظل هذه الأجواء القاتمة أن يثبتا أقدامهما ويتقدما يدًا بيد، وأن يتمسكا بمبادئ التجارة الحرة عبر إجراءات عملية، ويعمقا مجالات التعاون ويوسعا مستوياته، ليكونا دعامة صلبة ومحركًا نشطًا للتعاون التجاري العالمي، ويقدما نموذجًا يحتذى لدول العالم.
إن الصين دولة كبيرة تسر بالخير
الصين تلتزم باستمرار في الدبلوماسية بالمبادئ الأساسية المتمثلة في الثقة بالنفس والاعتماد الذاتي والانفتاح والتسامح والعدالة والإنصاف والتعاون والفوز المشترك، وتسعى لإبداء استعدادها لتحمل المسؤولية باعتبارها دولة كبيرة على الساحة الدولية. وقد سلط الرئيس شي جين بينغ مراراً وتكراراً الضوء على ضرورة التمسك بالسلام والتنمية، ومعارضة التنافس بين القوى الكبرى ولعبة المحصلة الصفرية لتعزيز التضامن والتعاون في المجتمع الدولي.
في يوم 10 مارس عام 2023، توصلت المملكة العربية السعودية وإيران إلى “اتفاقية لإعادة العلاقات الدبلوماسية” من خلال وَسَاطَة ورِعَايَة صينية. بعد ذلك، حققت الدولتان المصالحة التاريخية مما أطلق “موجة مصالحات” في منطقة الشرق الأوسط، وهذا يعد انتصارا عظيما للحوار والسلم، كما أنه تجسيد حي لروح “حب الخير” الصينية في الشؤون الدولية. منذ فترة طويلة، ظل الوضع في منطقة الشرق الأوسط معقدًا وحساسًا، حيث تسببت الصراعات والمواجهات في معاناة كبيرة للسكان المحليين. لم تختر الصين الوقوف مكتوفة الأيدي، بل تبادر إلى العمل وتبني جسور الحوار بنشاط، وتتحمل مسؤولياتها كدولة كبيرة، مما يعكس اهتمامها الخاص بالسلام والتنمية في المنطقة.
في معركة المقاومة لمحاربة الجائحة في العالم، تظهر الصين أيضا روح “حب الخير”. بينما كانت تبذل قصارى جهدها للوقاية من الجائحة المحلية، مدت يد العون إلى العديد من الدول، حيث قدمت الصين تبرعات كبيرة من اللقاحات والمعدات الطبية ومواد الحماية للعديد من الدول العربية والدول النامية الأخرى، وأرسلت فرقًا من الخبراء الطبيين لتبادل خبراتهم في مكافحة الجائحة، كما عقدت مؤتمرات عبر الفيديو مع أكثر من 20 دولة عربية لمساعدة هذه الدول على تعزيز قدراتها في مكافحة الجائحة. على سبيل المثال، تبرعت الصين باللقاحات لدول عربية مثل مصر والعراق، مما ساعدت السكان المحليين على بناء حاجز مناعي؛ كما أجرت تبادلات طبية عن بُعد مع دول مثل المغرب، وقدمت دعمًا مهنيًا للجهود المحلية في مكافحة الجائحة. تجسد هذه الإجراءات روح “الكرم والإحسان” التي تتحلى بها الصين، وهي أيضًا تجسيد حي للتشارك في بناء مجتمع صحة مشترك صيني-عربي والمجتمع الصينى العربى للمستقبل المشترك.
إن طرح بناء المجتمع الصينى العربى للمستقبل المشترك على أساس سعي الطرفين بشكل مشترك للسلام والتنمية والعدالة والإنصاف، هو تجسيد حي لروح الصين المتمثلة في السعي للخير والفعل بالخير وحب الخير في العصر الجديد.
أكد الرئيس شي جين بينغ في كلمة ألقاها في الجلسة الافتتاحية للدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي، أن الجانب الصيني يحرص مع الجانب العربي على التضامن والتآزر والتسامح والتنافع و تكثيف التنسيق والتعاون انطلاقا من المساواة والمنفعة المتبادلة لبناء العلاقات الصينية العربية كنموذج يحتذى به لصيانة السلام والاستقرار في العالم والتعاون في بناء “الحزام والطريق” بجودة عالية والتعايش المتناغم بين مختلف الحضارات واستكشاف الطريق الصحيح للحوكمة العالمية.
مهما تغيرت وتقلبت الأوضاع الدولية، تظل الصين متمسكة بموقعها كدولة كبيرة تسعى إلى الخير وتفعل بالخير وتحب الخير. ستواصل الصين لعب دورها كمُعزّز للأمن والاستقرار وشريكًا للتنمية والازدهار وداعمًا للتضامن وتقوية الذات في الشرق الأوسط، وسَتُقدم مزيد من الإسهامات لتحقيق المصالحة والسلام والتناغم في المنطقة.
دنغ تينغ، باحثة في مركز الدراسات الشرق الأوسطية، جامعة صن يات-سين