موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصين و الاردن (1)

0

marwan-soudah-china-jordan

موقع الصين بعيون عربية ـ
مروان سوداح*:
كان تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين الصين والاردن والإعلان عنها يوم 7 إبريل نيسان عام 1977، بعد طرد تايوان من مجلس الأمن الدولي، علاقة فارقة في التاريخ، إذ تلاحَقَ الاعتراف العالمي بجمهورية الصين الشعبية كمُمثّل وحيد للبر الصيني والصينيين، برغم التاريخ الطويل الذي حَفلِ بحِراكات غربية وامريكية طويلة لإقصاء الصين الشعبية عن الحلبة الدبلوماسية العالمية، ومحاصرتها وتفتيتها، لكن كل ذلك أفضى الى العكس تماماً كما في قانون نيوتن للميكانيكا الكلاسيكية: “لكل قوة فعل قوة رد فعل، مساوي له في المقدار ومضاد له في الاتجاه”.
وبرغم ان العلاقات ما بين جمهورية الصين الشعبية وجامعة الدول العربية قد أقيمت في العام عام 1956، أي في زمن متقدّم جداً، بعد نيف وعشر سنين من انتهاء الحرب العالمية الثانية، التي شهدت انتصار الصين وروسيا على العسكرتاريا اليابانية والمانيا النازية وايطاليا الفاشية ومن لف لفهم سابقاً، إلا أن عدداً قليلاً من الدول العربية لم تعترف بالصين الاشتراكية قبل ذلك، بل انتظرت تلك الدول حتى سبعينات القرن العشرين لتعترف بالصين. وعلى مدى العقود الماضية، شهدت العلاقات الصينية مع جامعة الدول العربية والغالبية الساحقة من الدول العربية – إن لم يكن مع كل الدول العربية – تطوراً كبيراً ومتشعّباً للغاية، وتكثّف التواصل بين الجانبين، وقام الجانبان بالتنسيق والدعم المتبادل في الشؤون الدولية والآسيوية.
وفي النِزال الدبلوماسي الدولي، رأينا كيف أن 11 دولة عربية صوّتت لصالح استعادة الصين لمقعدها في الجمعية العامة للامم المتحدة، وهذه الدول هي الجزائر، مصر، العراق، الكويت، موريتانيا، المغرب، اليمن الديمقراطية، السودان، سوريا، تونس، واليمن العربية، بالإضافة الى ليبيا التي لم تُقم بعد علاقاتها الدبلوماسية مع الصين على قرار استئناف المقعد الشرعي للصين في الجمعية العامة للامم المتحدة يوم 25 اكتوبر1971، أما الدول العربية التي لم تقم علاقاتها الدبلوماسية مع الصين مثل البحرين، والاردن، ولبنان، وقطر فقد امتنعت عن التصويت، وصوتت المملكة العربية السعودية ضد الصين. وهناك 7 دول عربية اقترحت استئناف المقعد الشرعي للصين وتواصلُ تمثيله وعمله، وهي الجزائر، والعراق، وموريتانيا، واليمن الديمقراطية، والسودان، وسوريا، واليمن .
بعد الاعتراف الدبلوماسي المتبادل الصيني الاردني ببعضهماً بعضاً، بدأت العلاقات بالتطور وإن كان ذلك ببطء شديد، إذ صار الطرفان يتلمسان طريقهما والسُبل التي يمكن من خلالها تطوير العلاقات، سيّما وأن العلاقات الاردنية السوفييتية كانت قطعت شوطاً طويلاً في مجالات عديدة منذ إقامتها في العام 1963.
أنذاك في الاردن، كان يوجد حزبان شيوعيان مواليان للحزب الشيوعي السوفييتي، لذا ناصبا الصين عداءً أيديولوجياً وسياسياً، فقد كانا يعتقدان ان الصين كان يمكن ان تؤثر على الجماهير الاردنية في حالة ممارسة بيجين عملاً سياسياً نشطاً لجهة إضعاف تأثير الحزبين محلياً، في حالة قيام علاقات قوية أنذاك بين البلدين الاردن والصين الشعبية.
وأنذاك أيضاً، كانت الصورة في الاردن مشابهة لِمَا هي عليه الآن بالضبط: لا يُوجد مركز ثقافي صيني “حكومي” عامل في الاردن لترويج الصين ونقل وقائع الدولة الصينية ويوميات الشعب الصيني للشعب الاردني؛ ولا علاقات حزبية صينية اردنية مع الحزب الشيوعي الصيني الذي كانت لديه أممية ماوية مُعَارِضة لأممية الكومنترن السوفييتي أو بقاياه؛ ولا إتحاد خاص للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب حلفاء الصين الذي يرتقي عمله الجَاد بالعلاقات مع الحزب الشيوعي الصيني القائد وجمهورية الصين الشعبية الى درجة التحالف المصيري والدهري.
كما اذكر تماماً، وهي ذكريات تعيش فِيَّ للآن، لم يكن أنذاك تدريس للغة الصينية للاردنيين، ولا مدارس أو جامعات محلية تعلّم الصينية، ولا حِراك ملحوظ للدبلوماسيين الصينيين في الاوساط الاردنية؛ ولا بيع وشراء وتجارة واقتصاد بين البلدين، ولا وفود متبادلة بالإتجاهين سوى نادراً، والكثير غير ذلك مما يتوافر اليوم في علاقات البلدين والشعبين يومياً.
أذكر في تلك الأيام كذلك التي بدأت فيها علاقاتي مع الصين، وبالذات في العام 1969 مع القسم العربي لإذاعة الصين الدولية -CRI – ان علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين خطت خطوات متزنة في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية، واستمرت على ذلك في السنوات الـ30 الماضية. ويقول أحد سفراء الصين بالاردن، ان قيادتي البلدين إهتمّتا لاحقاً بإرساء “أُسس متينة وعلاقات صداقة بين بلدينا”، وها هما اليوم “يدفعان بهذه العلاقات الى مستوى جديد، حيث تمر العلاقات الصينية الاردنية الآن بأفضل المراحل في التاريخ”.
في سنوات السبعينات من القرن الماضي، إذكر ليس فقط مراسلاتي مع الاذاعة الصينية والرسائل المتبادلة بيننا، – وكانت رسائل الاذاعة مطبوعة ورسمية ولافتة وإيديولوجية، وقد ارسلتُ قبل سنوات ما بقي منها في أرشيفي للسيدة مديرة الاذاعة الأسبق وانغ وي تسو ، وكنت حينها أترأس منتدى للاذاعة للتعريف بها وبالصين بين أقراني الاردنيين من الشباب ومن الحزبيين في الحزب الشيوعي الاردني الكادر اللينيني، وشباب بعض الاحزاب والتنظيمات السياسية الاردنية الاخرى.
وأنذاك لم يكن للصين في الاردن فعاليات أو فاعليات ملحوظة، وكأن الصين لم تكن ترغب في التنازع مع الاتحاد السوفييتي على الاردن، وكانت هذه سياسة حكيمة وصحيحة وواقعية. وبقيت الصين حينها على مواقفها الأكثر مبدئية وتميزاً في رفض الاعتراف بالكيان الصهيوني الاسرائيلي الدخيل، وناصرت بالمال والسلاح والسياسة والدبلوماسية حقوق شعب فلسطين الجريح، وقامت بتدريب عناصر المنظمات الفلسطينية على السلاح والحرب، وارسلت لهم سلاحاً صينياً نافعاً لمعارك العصابات.
وقد قُدّر لي أنذاك برغم صِغر سني، أن أُدرك عُمق التقاطعات الصينية العربية، فالحضارتان الصينية العربية من أقدم وأرقى وأعرق حضارات العالم، وقد قدّمتا مساهمات راقية وهامة للتنمية البشرية وشعوب العالم أجمع لا يمكن تجاهلها. وطِوال تاريخها، كانت الصين تعمل – وهي ما تزال تعمل – على احترام حضارات الدول الاخرى في العالم. فهي تعترف بتنوع الحضارات والثقافات وضرورة التعاون مع الآخر والتفاهم معه، ومع العرب على وجه خاص، سيّما وان عالمنا العربي كبير وموّحد لغوياً وحضارياً برغم الهوّة التي وقع ويقع فيها راهناً. وقد كانت الصين ترفض تفضيل حضارة على حضارة اخرى، أو التقليل مِن قيمة حضارة من حضارات العالم، أو تاريخ وثقافة وعادات وتقاليد قومية ما في العالم، بل هي تنادي بالتعلّم من كل حضارات الأرض والتبادلية معها.
• رئيس الإتحاد الدولي للصُحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب حُلفاء الصين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.