موقع متخصص بالشؤون الصينية

#الصّين و #إسرَائيل.. لِماذا وإلى أَين؟!

0

الأكادِيمي مروان سوداح* (العدد 61)

“الأمور بخواتيمها”. هذا ما يَقوله المَثل العربي، وهو مثلٌ جد بليغ بدلالاته. فالحُكم بالنتائج هو الفيصل.
الشهيد ياسر عرفات، هو إنسان ككل إنسان، وإن كان قائداً وزعيماً، وقد مَجَّدهُ التاريخ بتاريخهِ. إلا أن الشهيد أبو عمار أخطأ خطأً فادحاً بدعوة بيجين وموسكو ونيودلهي، وعواصم دول أُخرى، لإقامة علاقات دبلوماسية مع كيان المَخفر الأمامي لنظام الإمبريالية العالمية والفاشية (و/أو ممارسة الضغط على الكيان، ما استدعى إقامة هذه الدول العلاقات معه!)، وذلك إعتقاداً منه باستطاعة هذه العواصم وفي إطار علاقاتها مع تل أبيب، ممارسة ضغوط كفيلة بوقف الإحلالية الصهيونية في فلسطين والجلاء عنها، فتأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة والسيّدة!
لقد أدرك الصهاينة – لأن مؤسـّسي كيانهم الفاشي كانوا وما يزالون أساطين المال والأعمال وقادة ومشغّلين للبلدان الغربية وإمبرطورياتها – أن للصين مُستقبلاً عظيماً وقيادياً في العالم وللعالم، وأدركوا كذلك أن تايوان مجرّد جزيرة صغيرة ومتهالكة ومُحاصرة بكل التحدّيات الكبيرة والمحبِطة لها، وبأن تايبيه لا تستطيع الحلول مَحل بيجين دولياً وآسيوياً وصينياً، بينما تستطيع الصين ذلك وبكل المقاييس والأسباب دون نقصان واحدٍ منها.
واليوم، نرى كيف تحوّلت “نيودلهي” ـ مُمَثلّة برئيسها ـ لتصطف مع المعسكر الصهيوإسرائيلي، ولتقف موقف الضد من فلسطين وحقوق الأمة العربية والمسلمين قاطبة، وكيف يتنادى عددٌ غير قليل من الخبُراء والمُفكّرين والبحّاثة والشخصيات الكبرى في الصين وغيرها من الدول، للإشادة بالكيان الصهيوني الاستعماري، والتباري بتحقيق تعاون وزيارات “نافعة” إليه، والإعراب لقادته ومسؤوليه عن مساندتههم له؛ وكيف تنامت وتشعّبت العلاقات الاقتصادية والاستثمارية “كثيراً” مع الكيان في الدول التي طالبها أبو عمار بالإعتراف بالعدو الفاشي، ما يُشكّل خسارة فادحة لنا وللعالم الحر والديمقراطي.
والذي يَدعو للحِيرة هو علاقات تل أبيب المتنامية في المناحي العسكرية والأمنية العميقة مع تلك البلدان، فيُطاح والحالة هذه بالعقل السليم، بسببب قوّة تلك العلاقات وتشابكها وتناغمها، بينما تبقى العواصم العربية مُتفرّجة ومُرَاقَبة عن بُعدٍ هذا التطوّر، دون إبداء أي رد فعل أو حِراك دفاعي، ولو في المجالات السياسية والفكرية والإعلامية!
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن غالبية الدول العربية، بحكوماتها ومؤسساتها المدنية، فشلت فشلاً ذريعاً بتأسيس علاقات عميقة مع الصين تكون أفضل من العلاقات الرابطة ما بين الكيان الفاشي والصين، فتعميق العلاقات لا يجب أن يتوقف عند بيع النفط والغاز للصين، بل أن يتعداه إلى المناحي الاخرى، وعلى رأسها ضرورات التقدم والإبداع الوطني الصناعي والصناعي العسكري، وقوة الدولة وقرارها وموقفها السياسي، ووضوح سياستها وعدم تبعيتها ولعبها دوراً محورياً حقيقياً، وعلى العامل الاقتصادي أن يترابط مع السياسي والإنساني والإعلامي، إذ أن عدداً من حكومات العرب تهدّد صِحفييها وكتّابها وأصحاب القلم والفكر لديها، جرّاء تعميقهم علاقاتهم مع الصين، لسبب أن الحاكم في الصين هو حزب شيوعي، ولأنها دولة إشتراكية “تقف على طرف نقيض!” مع العلاقات الاستراتيجية والثقافية والإعلامية (المُهيمنة) لهذه الدول مع واشنطن وأُوتاوا ولندن وباريس وروما وبرلين وبروكسل ولشبونة و.. تل أبيب الخ!، وهو وضع نعاني منه نحن الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين أشد المعاناة، حيث نستشعره “على جلودنا”، ونعلم به ونستمع إليه، وقد أفضى الى خروج عدد من الأعضاء من كادر الاتحاد، وهروب أصدقاء لنا منه وصمت الكثيرين منهم، خشية من تعرّضهم للحرمان والمساءلة السياسية من السلطات الحاكمة، التي يُمكنها النيل ليس منهم وحدهم فحسب، بل ومن قُوتِ عائلاتهم وأعمالهم وإبنائهم، الى حد مَنعَهم مِن العَمل، فتدمير حياتهم ومستقبلهم(؟!)
نستطيع أن نكتب الكثير عن علاقات الكيان الفاشي بالصين، وهي معلومات وافرة على الإنترنت ولا داعي لتكرارها، وبخاصة تطور تبادل العلاقات الإقتصادية مع الفاشيين الصهاينة (فقد عمل قادتهم علانية مع محور هتلر موسوليني وهيروهيتو). لكن هالني ذات مرة، خلال حضور ندوة بحثية دولية في الصين، أن أحدهم، وهو مُتخصص في العلاقات الدولية ومُستعرب، قد أفرد جُلَّ بحثه للعلاقات (الإيجابية) ما بين الصين والكيان، والإشادة به سياسياً وفي مجالات أخرى “على حساب” شرعية القضية الفلسطينية، ودون أدنى خجل من الوجود العربي والفلسطيني في تلك الندوة، برغم تخصّص الحضور العربي سياسياً وبحثياً في القضية الفلسطينية!
لذلك، من الضروري والمُحتّم علينا أن ندق ناقوس الخطر، وأن نتنادى إلى تعزيز علاقات نوعية لنا مع الصين وروسيا والهند ودول أخرى قبل فوات الأوان، لتَسبق حصادنا نتائج كارثية أوصلتنا إليها الدعوة الفلسطينية لتجسير العلاقات الدولية مع تل أبيب.
كان بودي بعد استماعي لكلمة الباحث الصيني التدخّل بمداخلة، لكني آثرتُ الصمت لأسباب عديدة لا مجال لذكرها هنا. لكن لو أسقطنا هذا المِثال الصيني – الاسرائيلي على القضية التحررية الصينية، لحصدنا بالتأكيد نتائج معاكسة تماماً لِما يَشتهي الصهاينة من الصين. ذلك إن استعراض نضال الشعب الصيني والمقاومة الصينية بقيادة الحزب الشيوعي الصيني وزعامة ماوتسي تونغ، تُعَاكِس أماني الصُلح مع الإحلالية والاستيطانية والإقتلاعية اليابانية (المطابقة بالمناسبة للمنهج الصهيوني الاسرائيلي). فالمقاومة الصينية والحزب الشيوعي الصيني لم يوافقا على مهادنة قوات وقيادات (كومينتانغ) العميلة لليابان الاستعمارية والفاشية، ولا لفسح المجال أمامها للسيطرة على البَرِّ الصيني الشاسع، فكان اندلاع حرب قوية ما بين هذه القوى الثلاث، تكللّت بانتصار عسكري مؤزر للصين، مقاومةً وحزباً وشعباً وبلداً، طَردت كل شراذم العملاء والأعداء من كل لون لخارج الحدود الوطنية، ولم تبقَ سوى (تايوان) شاذةً عن الصين ومُتمرِّدة عليها، لأنها مجرد قاعدة عسكرية أمريكية متقدمة بأسلحتها الهجومية والنووية المصوّبة نحو البرّ الرئيسي الصيني، ولأنها جزءا لا يتجزأ من تعليم وثقافة وسياسة وسيكولوجية (الأنكل سام).
وفي جانب سيادي وعسكري وأمني صيني، نرى كيف أن الصين تبقى متأهّبة لخوض حرب إن دعت الضرورة، لتأكيد سيادتها على مجموعات جُزر البحرين الشرقي والجنوبي، التي تجهد اليابان وتايوان وأمريكا ودول أخرى لسلخها عن الصين وتجييشها بقوات عدوانية، تحضيراً للقفز منها إلى الصين، وهي صورة مشابهة لقوات بعض تلك الدول، وغيرها، التي تحتل فلسطين وتتدخل في بلداننا العربية بأشكال عديدة منها (الجَزرة والهراوة والإرهاب الدولي)، فكيف والحالة هذه لا نعيد فلسطين للوطن بالقوة، وبأن لا نحلم بعروبتها على مر كل الدهور.
والمُلاحَظ للمُتابع والمتخصص، أن الصين و(إسرائيل) لا يمكن لهما تكونا صديقين حميمين، برغم التحوّل في أفكار عدد من الدبلوماسيين والساسة والمتخصصين الصينيين بالشؤون الدولية، وبرغم التمويل الذي تبديه تل أبيب لمراكز الأبحاث والمسؤولين عنها وعن غيرها من الأنشطة التي يهتم بها الكيان في الصين وروسيا، ذلك أن جوهر وطبيعة الصهيونية كفكر وممارسة ومنطلقات لا ولن تتغيّر، فالصهيونية تَضع نفسها في كفّةٍ، وعالم (الغوييم الأغيار) “الآخرين” في كفة أخرى مضادة، ما مَعناه في مفهوم الصهيونية الفلسفي “رُقي وفرّادة وتمّيز” (العِرق اليَهوَوِي المُختار) وتفوّقه على (كل) الأجناس الأخرى “غير المُختارة إلَهياً” كما يدّعوُن ويروّجون إعلامياً وسياسياً وعِرقياً وتوراتياً..
والمُلاحَظة الجوهرية الأخرى، هي أن الصّين في بدايات حركة الإصلاح والانفتاح بقيت وفيّةً لموقفها الذي صاغه المُفكِّرُ المُحرِّرُ والمُعزِّزُ ماوتسي تونغ، فآثرَت عدم إقامة علاقات دبلوماسية مع دويلة الصهيونية الإسرائيلية الفاشية، لكن الدعوة الفلسطينية أحبطت الموقفين العقائدي الصيني بخاصة، والدولي بعامةٍ.
وفي المقابل، لم يتنازل زعماء الكيان الإحلالي الاستيطاني عن طموحاتهم التوسّعية والمعادية للعالم، فكانت مناوراتهم السياسية الخبيثة برفض (خِطّة النقاط الأربع) الصينية ثم تصفيتها، برغم أنها كانت خطة رعاها ودفع بها للأمام إلى القيادتين الفلسطينية والإسرائيلية حليفنا العَظيم الرفيق (شي جين بينغ)، بغية حل القضية الفلسطينية بمبادرة صينية و”وفقاً لقرارات الاُمم المتحدة”، إلا أن إجهاض المبادرة أعقب مباشرةً إعلان نتنياهو قبوله لها! ما يَكشف عن تكتيك صهيوني اشتهر الكيان بإتّباعه،
وهو سياسة إجهاض وتحنيط كل المبادرات المُشابهة التي كان منها كذلك (مؤتمر موسكو للسلام في الشرق الاوسط)، الذي وافق الكيان ومُشغِّلوه من الأمريكان والغربيين على انعقادة في العاصمة الروسية!
في طبيعة الكيان الصهيوني، أنه جزء حيوي وبُنيوي من العالم الغربي، بفكره وقواعده الدولتية والمُجتمعية، علمائه وصناعاته وزراعاته و.. عسكرياته وحربياته وعدوانياته وتطلعاته الاستعمارية والتوسّعية، ذلك أن (إسرائيل) وُلدت على فراش الزنى الغربي وفي ليلة شديدة الظُلمة، وفي خضم الاستعمار العالمي الغربي على (الشرق الأوسط) والعالم القديم وأمريكا اللاتينية برمتها، وهو هو الاستعمار العالمي الجديد الذي يتم اليوم إجهاضه وتصفيته بتحالف دولي، تتزعمه روسيا والصين وإيران وحزب الله، وإلى جانب هذه القوى وفي خندقها دول بريكس.
شخصياً أنا أُدرك موقف الصين، كل الصين، تمام الإدراك، بخاصةً وعلى وجه التحديد موقف ومكانة الحزب الشيوعي الصيني وقيادته الواعية في فضاءات الفكر والسياسة والعقيدة والمَبدأ. فالحزب لا يحيد عن سكته، لذلك يجب أن نعظّمه، ولكونه صديقاً وفياً للقضايا العادلة لشعوب العالم وفي مقدمتها قضية شعب فلسطين الجريحة والقضية السورية، ونثق بأن الصين ستعود تهبُّ لنجدة الشعب الفلسطيني وتضميد جراحه آجلاً أم عاجلاً..
ولعرض الصورة موضوعياً أمام القارىء وبدون رتوش، أود التطرّق لموقع (الصين النظرية) التابع لقيادة الحزب الصيني الأيديولوجية. ففي هذا الموقع ألمس روحاً عقائدية عَميقة ومتتابعة للآن. فالقيادة الحزبية تثقّف الصين وكوادرها بالعقيدة الاشتراكية الصرف وتطبيقاتها، وفي هذا السبيل تُعقد المؤتمرات والندوات واللقاءات الفكرية داخل الحزب، وهي صورة مطابقة لِما كان الوضع عليه في الحزب وهيئاته التثقيفية والعقائدية قبل عشرات السنين، ومنذ ما قبل تأسيس الدولة الشعبية، ومروراً بحقبة “ماو” وحركة “الاصلاح والانفتاح”، والآن في حقبة الرفيق الحكيم (شي جين بينغ)، الذي أعاد الألق والروح الوثّابة للحزب والدولة والشعب، ووجّهَهَا وُجهةَ مؤلفات وإرث الفكر الماوي، وطريقه، والى العظيم كونفوشيوس الذي استعاد مكانته الشعبية في الصين بفضل “شي”، الخ.
لذا، يجب أن نكون واقعيين بالنظر إلى سياسة الصين ولا نقفز إلى هوّة قاتلة يريدها لنا عدونا الصهيوني تجاه هذه الدولة وروسيا وغيرها من الدول الحليفة، لقهر تحالفنا الاستراتيجي الدولي.
ولفهم موقف الصين كما هو، أقول إن الدولة، أية دولة، ليست حزباً، والحزب ليس دولةً، لذلك يُقال عن الدولة بأنها عادة ما “تبتلع الثورة”، ثورتها، عندما يَشتد عُودها، أي عندما تنتصر الثورة وتـُبنى الدولة، أو حين تُدير الدولة ظهرها للثورة. فهناك وفي كل الانظمة يوجد (لا تجانس) في بعض السياسات ما بين الحزب الحاكم ودولة الحزب التي يقودها الحزب ويُهيمن عليها، ذلك أن للدولة التزاماتها وتعاملاتها وفقاً للقانون الدولي والاتفاقات الجماعية والثنائية والدبلوماسية ذات القوة القانونية الدولية. لكن الحزب، وهو ليس دولةً، يَبقى حزباً جماهيرياً ويُعبّر عن مصالح أعرض الجماهير و/أو شعوب العالم وقضاياها إن كان أممياً كالحزب الشيوعي الصيني، الذي هو أكبر حزب سياسي على الإطلاق في الكون(85 مليون عضو)، والأكبر أيضاً في واقع البشرية على مر العصور والألفيات. هناك على سبيل المِثال الآخر، موقفٌ مَشهود له صينياً.
فلدى زيارتي قبل أكثر من سنة إلى الصين بدعوة من قيادة الحزب، وتنقّلي ببرنامج زيارة ضمن وفود عربية تشكّل معظم دول العالم العربي، واجتماعنا مع مسؤول كبير في وزارة الخارجية، عدّد المسؤول دعم الصين للبلدان العربية منذ ما قبل استقلالها وبعده وبخاصة دعم الصين لفلسطين، وطرح سؤالاً على أعضاء الوفد الشباب والكُهول أمثالي إذ ارتبطت بالصين وروسيا منذ رَيَعان شبابي، سأل المسؤول: مَن يَستذكر صُور ملموسة ومضيئة من دعم الصين لفلسطين؟ فأجبته فوراً.. “أنا”!. وحدّثته وأعضاء الوفد عن الدعم التسليحي الصيني لفلسطين وثوارها، وبأن هذا الدعم كان الأول من دولة إشتراكية بالسلاح، وبأنني شخصياً تدرّبت على هذا السلاح الصيني، وما أزال أذكر أسماء الرشاشات الصينية أنذاك التي سبقت كل سلاح أخر تلقته حركة مقاومة الاحتلال الصهيوني الإستيطاني الإقتلاعي منذ تأسيس (م.ت.ف.) الخ.
المسؤول الصيني أثنى على صحّة ما ذهبت أنا إليه، واسترسل متحدثاً بما يَمتُ للقضية الفلسطينية والقضايا العربية من محطات صينية داعمة ومؤيدة ومضيئة، ومطالبةً بجلاء الاحتلال عن بلدان العرب وفلسطين وهلمجرا..
و “للحديث بقية”، لندرك الى أن نسير ضمن سياساتنا وعلاقاتنا الدولية.
*رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين – الاردن.
** المقال خاص بنشرة ”الصين بعيون عربية“

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.