موقع متخصص بالشؤون الصينية

إحتفاءً بالقسم العربي لإذاعة الصين الدولية والمؤتمر 19 للحزب

1

 

موقع الصين بعيون عربية ـ
مَارينا مَروان سُوداح*:

نُحب القسم العربي لإذاعة الصين الدوليةCRI الذي يَحتفل هذه الايام بالذكرى الستين المجيدة لتأسيسه.. نحترمه بِعمق ونُشيد به ونعظمه في حلِّنا وترحَالنا وعلاقاتنا وأعمالنا، وفي أحاديثنا اليومية، وبين معارفنا وأقاربنا وناسنا، وليس أخيراً فإن القسم هو الحاضر الدائم في عائلتنا الصغيرة وأسرتنا الكبيرة، فهو سفير الصين الأول حزباً وحكومة وشعباً في العالم ولدى العالم، وهو الصوت الذي يَدخل كل بيت عربي وناطق بالعربية، وهو ايضاً المُعلن عن الصين والمُدافع عن العلاقات معها بكل قوة وحُججٍ نافذة، وبدون توقف وبلا إجازات، ولا يعتريه التعب ولا ينال منه الارهاق منالاً، ولا يمرض ولا يتأخر عن البث، ولا يتعرقل تحليقه على أمواج الإثير بأي عابر عاثرٍ.

صوت القسم العربي للإذاعة الحبيبة يتوزّع على أصوات عديدة لمختلف المذيعين، ولمختلف مُعدِّي البرامج فيه، ويُشاطرهم صوتهم الموحَّد أصوات أصدقاء القسم المتواجدين في الصين والدول العربية من أقصاها الى أقصاها، وفي أسيا وأفريقيا الشمالية، بل أن المستمعين للقسم والمتحدثين عنه ينتشرون خارج البلدان العربية، وحتى في استراليا القصيّة ومَجاهل أفريقيا، والارض الصلبة في أوراسيا التاريخية..

لقد تطور القسم العربي للاذاعة الصينية بشكل كبير عما كان عليه في أوائل تأسيسه من الشهور والسنين، حتى وصل الى درجة عليّة ومرموقة  وأولى بين الاقسام العربية  للاذاعات العالمية، ويعود الفضل في ذلك الى السياسة الإعلامية للحزب الشيوعي الصيني، والتي تتلخص في أن التبادلات والاتصالات الإعلامية هي الأساس الهام للصداقة بين الدول، والداعم للتعاون والثقة المتبادلة والتعلّم المتبادل للحضارة. ويرى الحزب ومؤتمره ومقرراته، أن الإعلام يُغني الموضوع الرئيسي الصيني الذي هو “الانفتاح والشمولية والتعاون والفوز المشترك”، ويعمل في صورة “المُعزِّز الراسخ للتعاون والفوز المشترك لدول بريكس – على سبيل المثال كما سبق ونوّه الى ذلك في وقت سابق الرفيق “ليو تشى باو”، عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ورئيس دائرة الدعاية باللجنة (قبل المؤتمر ال19 للحزب). ويدعو الحزب في إطار ما تقدم، الى “تعزيز المساواة والعدالة في وسائل الإعلام الدولية”.

في الحقيقة يَعود للقسم العربي بالذات فضلٌ كبير وأساسي في الإعلان عن سياسة الحزب ونهجه الإعلامي وغيره من المناهج، والتعريف بوجه الصين وقسماتها وصورتها البهيّة، ، فهذا القسم العربي الذي تأسـس في 3 نوفمبر عام1957 ، وها نحن نحتفي اليوم جميعاً به بأشكال شتى، قد بدأ بث برامجه الإذاعية – بحسب المراجع الموثقة سيّما في صفحات موسوعة “ويكيبيديا” العالمية – “على فترتين يومياً”، و “كانت كل فترة تستغرق ثلاثين دقيقة. وفي عام 1959 بدأت الإذاعة العربية على فترتين يومياً، إذ كانت فترة البث تستغرق ساعة واحدة. وفي عام 1981 إزدادت ساعات البث إلى ثلاث ساعات يومياً.

وفي ذكريات والدي، أنه أسـس  في الاردن نادٍ للقسم العربي في أوائل سبعينات القرن الماضي، حيث كان يتراسل مع القسم العربي للاذاعة الصينية ومع غيره من الأقسام العربية لإذاعات البلدان الاشتراكية. وفي وقت لاحق، أرسل أبي بعض الرسائل القديمة التي تلقاها من هذا القسم للمديرة السابقة للقسم السيدة درية وانغ، وكانت الإرسالية عبارة عن صور للرسائل بنظام ملفاتPDF، كتأكيد على قِدم علاقاته مع الصين، وكان أعضاء النادي بالاردن من مشارب مختلفة منهم عدد من زملائه في المدرسة ومُثقفين أُردنيين شباب، فقد كان جمع المراسلين للقسم العربي قليلاً، وكان هؤلاء مثل والدي، يراسلون كذلك غيره من الاقسام الاذاعية الناطقة العربية للبلدان الاشتراكية، وكات ضمن هؤلاء مستمعين وطنيين ويساريين نشيطين جداً من سورية والجزائر على وجه التحديد، فقد كانوا مع والدي أنشط مَن يُشارك في مسابقات الاذاعات الدولية ولا يعلو عليهم أحد في معارفهم الثقافية والمعلوماتية وحِركيتهم مع الاذاعات والمعرفة الاذاعية. ويذكر والدي أن أحد أنشطتهم هو الاستاذ الذكي والموهوب (مواهب دعبول)، وهو من منطقة (السقيلبية) السورية المعروفة، ولا يزال الاستاذ مواهب وعائلته على علاقة طيبة مع والدي، وهو يتعالج منذ فترة في المانيا، حَماه الله وشفاه وأعاده الى نشاطه الاذاعي والثقافي السابق الضخم.

وفي سياق حديثي عن القسم العربي، فقد صدر قبل أيّام قليلة من هذا العام2017، كتاب مهم نشر في الصين عن دار نشر “تشاينا إنتركونتننتال برس” المعروفة التي شارك في الحفل نيابة عنها السيد (قاو لي) – نائب رئيس قسم التحرير بالدار، الذي ألقى كلمة بالحفل، وعنوان الكتاب هو “نحن وأنتم – قصص الصين والاردن”، وترأس تحريره السفير الصيني الأسبق لدى الاردن (ليو بو لاي). وفي الواقع، فقد عَملت جهات متعددة على دعم نشر الكتاب وصدوره والتعريف به والإحتفاء بمعناه وأبعاده التي استندت الى مناسبة الذكرى الأربعين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والاردن (في السابع من أبريل/ نيسان سنة 1977)، وفي طليعتها سفارة جمهورية الصين الشعبية لدى الاردن، وسفيرها الأخ الصديق الطيب والنابه (بان ويفانغ)، وجميع أركان السفارة دون استثناء، وقد بذلوا جهوداً مضنية ومتواصلة لدعم مشروع الكتاب ودعم إعداده.. وقد نظمت السفارة حَفلاً خاصاً للاحتفال بصدور الكتاب في فندق (غراند حياة عمّان) الفخم الواقع بمنطقة جبل عمّان الراقية، ونقلت الفضائية الصينيةCGTN ووكالة أنباء “شينخوا” الصينيتين مشكورتين، بالصوت والصورة والنص أجواء الاحتفال وتصريحات المشاركين فيه، وبخاصةٍ أولئك الذين شاركوا في نشر مقالاتهم في هذا الكتاب وعددهم 24 شخصاً، وواحدة منهم أنا كاتبة هذه المقالة، حيث شاركتُ بقلمي بمقالة مُطوّلة فيه، تحدثتُ فيها وأسهبتُ شرحاً عن القسم العربي للإذاعة، وارتباطه العضوي والسياسي والاعلامي والصداقة بأبي، ثم بعائلتي منذ نهاية ستينات القرن الماضي..، وبعد تكوين عائلتنا انتقلت محبة القسم لأفراد العائلة..

إن كل هذا يعني أن أبي تواصل مع القسم العربي منذ خمسين سنة، منذ صغره، حين كان هذا السفير الصيني الأثيري حاضراً يومياً في بيتناً، عندما كان أبي صغير السن ثم تدرج ليصبح يافعاً وشاباً وحزبياً، حين بقي يَستمع الى أثيره ويُراسل القسم ويتلقى رسائله، ويَبني عليها أفكاره وتوجّهاته السياسية نحو الصين، وقد نمت متطلبات هذه الصداقة إلى تحالف عميق لا مَثيل له عالمياً بين أبي والاذاعة، ثم بين أبي والصين وقيادتها السياسية الحليفة والجَبّارة فكرياً وسياسياً وإعلامياً، وفي غيره من المناحي الكثيرة.

بالطبع لا مجال هنا في هذه المقالة الصغيرة أن استعرض كل ما كتبتهُ في الكتاب عن القسم العربي للاذاعة، الذي قام بتحرير نصه عدة أساتذة من أصحاب الاختصاص في الضاد العربية، ذاع صيتهم واسعاً وفي مجالات الصحافة والاعلام والادب والشعر واللغتين العربية والانجليزية، وهم الاساتذة: الخبير الكبير بشؤون الصين والسياسة والإعلام، اللبناني محمود ريا/ والشاعر والاديب الاردني طارق قديس/ والاعلامي المعروف والخبير الاذاعي اللامع في القسم العربي لإذاعة الصين الدولية أسامة مختار/ والكاتب الاردني علاء ساغه/ وغيرهم، فأمر الكتاب كبير، وهو يحتاج الى شرح على صفحات كثيرة، لذا أرفق هنا مقالتي المطولة كاملة، التي نشرتها في الكتاب مدعّمة بصورٍ قديمة وحديثة ذات قيمة صينية وسياسية، ومنها ما هو حول نشاطنا بمنتدى مستمعي القسم العربي للاذاعة ومجلتها “مرافىء الصداقة”.. واعتقد ان ما قصصته للقراء بقلمي بالكتاب كان كافياً للترويج للقسم العربي عربياً واردنياً ودولياً، وإعطاء القسم العربي حقّه الإعلامي والمعنوي والسياسي والمهني، والاعتراف بدوره الأرفع في العلاقات الصينية العربية والاردنية، للتعريف بالصين والعلاقات الصينية مع العالم العربي، والترويج لضروراتها ضمن مبادىء الحزب الشيوعي الصيني في المساواة والندّية في العلاقات وطبيعة الصداقة القديمة التي تربط الصين بالعرب، إذ أكد القسم العربي وسياسة القيادة الحزبية والحكومية الصينية أنما تستند كذلك الى التاريخ الالفي بين الامتين الصينية والعربية، وترتقي بها الى مستوى واحد لا يَعلو جزء منه على آخر، وهو ما أكد عليه الصديق شي جين بينغ – الامين العام للحزب الشيوعي الصيني، في المؤتمر الوطني ال19، حيث تحدث عن أهمية تعميق دور الفكر والإعلام الصيني في سياق تحلّيه بالموضوعية والاقتراحات المفيدة ومزيد من الانفتاح على العالم والوصل بين الثقافات، و “تعزيز بناء الأخلاق والبناء الثقافي” وفي عدّة مجالات أخرى، ضمن سياسة “المصير البشري المشترك”، و “المكانة التاريخية لأفكار شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد”، ولزوم استمراريته على النهج المرسوم وأبعاده العالمية.

بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس القسم العربي بإذاعة الصين الدولية في بكين، بودي التأكيد على أنه يشكل طريقاً حريرياً ضخماً وعملاقاً وضرورياً في كل حين سابقاً ولاحقاً وحالياً. فمن اللازم الإشارة، الى ان القسم العربي مثّـّل في ذاته كل الوسائل التقنية والجغرافية والانسانية للتواصل مع الامة العربية، واستعاض عن طريق الحرير القديم الذي كان شبكة من الطرق التجارية لربط الصين بآسيا وأوروبا، والشرق بالغرب، والشمال بالجنوب، والعالم ببعضه بعضاً، بأثيره اليومي الذي ربط الناس – المستمعين بسهولة ويسر بالغين، وهو أثير لم يهدأ ساعة واحدة ولا دقيقة واحدة عن الدوران حول الكرة الارضية.

القسم العربي ما انفك يعمل على التواصل السلمي، وتشجيع التبادل الانساني والتجاري والاندماج الحضاري والتعايش المتناغم بين مختلف دولنا وشعوبنا، وتفاهم أصحاب الافكار والأديان والمشارب المختلفة على قواسم العيش المشترك في ظل السلام الاقتصادي والاجتماعي العالمي.
ان ازدهار القسم العربي يُرفق بمساهمات متنامية تحاكي مصالح الناس في التبادلات الثقافية والإعلامية بين المشارق والمغارب الصينية والعربية، لتكون الغلبة لشريان الصِّلات العالمية السلمية وتحالف البشر المسالمي…

أهدي لهذا القسم العربي للاذاعة الكريمة، مديرةً وكادراً وموظفين ومحررين ومذيعين ومقدمين وإداريين وتقنيين وغيرهم، أطيب تهانيَّ وأحرّها، متمنيةً له ولهم دوام النجاح ومضاعفته، وتقوية علاقاتنا بلقاءات مقبلة على تراب الصين والاردن، ولنتوّج صداقتنا بأطايب فواحة، وجميعهم أصدقاء أعزاء لنا في الانسانية والصداقة التاريخية وأعمال ومهنة الكتابة والإعلام وكل عامة وانتم جميعاً بألف خير وخير وسلام.

……………………………

نص مقالتي المنشورة في الكتاب:

“الذكرَى الأربَعون.. لَكن عَائلتي تَحتفي بالخَمسين!

مَارِينَا مَروُانْ مُوُسَىَ سُودَاحْ*

عضوة ناشطة في الفرع الاردني للإتحاد الدولي للصَحفيين والإعلاميين والكتّاب العَرب حُلفاء الصين، ومنتديات القسم العربي للإذاعة الصينية ولسان حالها مجلة “مرافئ الصداقة” في الاردن

>>> 

وُلدت ونشأتُ في عائلة أُمميةً وديمقراطية تَحترم الصين وتحبّها وتعشقها وتتحالف معها. عائلتي تقدّس الصداقة والتّحالف مع جمهورية الصين الشعبية دولةً وقيادةً وشعباً، إبتداءً من المرحوم المثقف الرفيع جدّي –  موسى سالم سوداح، وليس إنتهاءً بوالدي السياسي والأُممي مروان موسى سوداح، ووالدتي الكاتبة ورئيسة التحرير والمهندسة الروسية والمناضلة الى جانب والدي لتشد عضده في روسيا والاردن، ولتصلّب مَسيرته – يلينا ياروسلافوفنا نيدوغينا.

لقد حَمَلَ والدي، مروان، شعار الصين وأفكارها وتوجّهاتها الإنسانية في قلبه وعقله منذ نهاية ستينات القرن العشرين، وذلك من خلال علاقاته المباشرة مع وسائل الإعلام الصينية، وبخاصةِ مع القسم العربي لإذاعة الصين الدولية. وها هو ما يزال يَحمل هذا الهم بشغف يومياً، وساعة بعد أخرى وثانية إثر ثانية، ولهذا دَفَعَ وما يَزال يَدفع ضريبةً مَالية ومَادية ومَعنوية ومِهنية “غالية” جداً وفي كل مَجال ومَنحى، الى حَدِّ تقييد حرياته الإجتماعية واللوجستية، لكنه يرى في أن رِبحهُ أكثر من خسارته، لأنه ربح معنوي ودهري، يُبقي على صفحته المبدئية بيضاء ناصعة الى الأبد ولتذكره الأجيال كرائد أردني أول للعلاقات مع الصين، بينما صفحات الآخرين الذين فشلوا في تدميره وزحزحته عن طريقه ستبقى سوداءً كسواد جُهنّم أبدية.‘ وها هو في سبيل مبادئه، يُبقي على توجّهاته الشريفة مِثالاً للآخرين، ولكل أُولئك الذين لا يَخشون ما لم يَخشاه هو في حياته، وفي سبيل الحِفاظ على: “المبدأ مُقابل التحالف” مع جمهورية الصين الشعبية وحزبها الباني، الشيوعي الصيني الذي يقوده فخامة الرئيس الحكيم شي جين بينغ.

لقد إعتنق مروان رسالة الصين الدولية لأنها برأيه، تتطابق مع توجهات الامة العربية، وتُعالج هُمومها وعِللها على أفضل وجه، لكن الأهم برأيه الأُممي هو، أن هذه الرسالة الصينية تحمل هموم البشرية، وتدافع عنها بطريقتها الخاصّة، الناعمة والمُبَاشِرة والثابتة. ولهذا، فهي تصب في صالح المصالح العربية والإنسانية، وتعمل للتخفيف عن عُموم العرب في الصراع الأجنبي المَفروض عليهم، ومحاولة وقف نزاعاتهم وما يتعرضون إليه مِن عسف خارجي، وهيمنة استعمارية، وإهدار كرامة وإتباعٍ لمشيئة غيرهم.

كان رد مروان وما يزال على مئات الاسئلة والاستفسارات التي وُجّهت وما تزال توجّه إليه بشأن مبادئه “الصينية”، أن إنسانية إنما الإنسان لا تكتمل سوى باعتناقه المبادئ وبأن يكون رجل مبدأ، حتى لا تجرأ الرياح على جرّه إلى كل الاتجاهات والبقاع، فيخسر نفسه ومجتمعه، ويَضمر عَقله وتنتهي مكانته. فالمبادئ والحِكمة والرشاد هي بالذات التي تميّز “الانسان” عن غيره، ولأن الوعي والإداك والحِكمة هي بالذات هو القِيم الأُولى التي تخلق قادة وشعوباً وتُمَكّن من التخفيف من الهُموم العربية، وتفتح أمام العرب الراشدين الباب رَحباً يُمكّنهم العثور على سبيل سياسي وفكري مَوثوق ومُجرّب على مِثال الصين.

منذ نعومة أظفاره عندما كان فتياً جداً، استمر مروان صامتاً يحمل حمله الثقيل دون تأوّه، ومِثاله كجمل محامل في حَلّهِ وترحَاله، وفي علاقاته وكتاباته، وفي مدرسته الاردنية وجامعاته الروسية، وفي الاحزاب والجبهات الفكرية والسياسية الروسية التي شارك في تأسيسها ومشاركته المواطنين الروسيين والعسكريين الروسيين بتسييرها والحِفاظ على نهجها وأهدافها، كما واصل سبيله في مواقع عَمله الإعلامي والصحفي، حيث هُدّد، قُمع وحُوصر، وحيث انتقموا منه بكل الصور والأشكال وبأحقر الأساليب وإلى حد محاولات تجويع عائلتنا. إن كثيرين من أصدقائنا يَستغربون ويَستهجنون قَمع والدي، بل وتعذيبه جسدياً وسجنه سابقاً، لا لسبب جُرمي قد يَعتقده الأغبياء، إنما لعقله الديمقراطي، ولدعواته الصادقة لتطبيق مجتمع المساوة وعدالة التوزيع للخيرات المادية والروحية، وللصداقة والتحالف مع شعب وقيادة جمهورية الصين الشعبية العظيمة وروسيّه – الأُم، السلافية العظيمة المتحالفة مع الصين، اليوم كما في الأمس.

 

في تاريِخنَا الشّخصي الأُردني – الصّيني

 

في خضم كتابتي هذه المقالة، بدأت احتفالات الاردن والصين بالذكرى الأربعين لإقامة العلاقات الدبلوماسية والرسمية الكاملة بينهما، وفي سياق الاحتفالات زارت الاردن معالي نائب رئيس مجلس الدولة لجمهورية الصين الشعبية السيدة (ليو يان دونغ) والوفد المرافق لها، وقد نظّمت لها سفارة جمهورية الصين الشعبية في الاردن لقاءً حافلاً في فندق (شيراتون) الفخم، صباح يوم الخميس الـ20  من نيسان/ أبريل 2017م، بمشاركة  وزير الصحة الدكتور محمود الشياب ووزيرة السياحة والاثار لينا عناب، وعدد كبير من الشخصيات الثقافية والإعلامية والاجتماعية الاردنية وعددٍ من المهتمين، بالإضافة الى السفير الصيني لدى الاردن، السيد بان ويفانغ، وأعضاء السفارة، وحضره والدي مروان سوداح الذي يترأس الإتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين.

وفي أجواء هذه المناسبة الكبيرة والمهمة واحتفاءً بها، كنت نشرت مقالةُ، تكرّم (الدكتور ألبيرت سيمونيان) بالتعليق عليها بكلمات مؤثرة، وذلك بعد نشرها في موقع “إنباء” الإخباري في بيروت لمديره العام الخبير السياسي الاستاذ محمود ريا، والمقال موسوم “الذكرَى الأربَعون.. لَكن عَائلتي تَحتفي بالخَمسين!”، وكان التعليق كالتالي:-

عزيزتي مارينا..
أنا أعرف أنك لا تعرفيني، وما أود أن أقوله لكِ، هو أنه لكِ كل الحق لتكوني فخورة بكل شي.. فخورة بالبابا والماما وجميع أفراد العائلة..  انجازات كبيرة لكل العائلة.. أنتم جميعاً أصدقاء للإنسانية وللشعوب الصديقه والمدافِعة عن حقوق وحريات الإنسان.

في الحقيقة، أنا أعرف كل شيء عن والدي مروان، وملمة بشكل كافٍ بتاريخه الشخصي منذ صِغره، ونشاطاته الضخمة في العالم، وأعرف أسماء عدد كبير من أصدقائه المُخلصين، كذلك أسماء اولئك الذين وقفوا بوجهه منتقمين أو بفصلهم له من أعماله المهنية بشكل متتالٍ لا ينم عن أية إنسانية أو مبادئ لديهم. ذلك أن الانتقام من والدي لم يكن لأسباب شخصية، فهو لم يقترف ذنباً بحقِ أحدٍ، بل كان الانتقام منه وما يزال حَصراً لما يحمله من فِكر وعقيدة سياسية برغم أنها في صالح الانسان والانسانية.

وأعرف أيضاً، أن الدكتور ألبيرت – الذي يَعيش في استراليا التي هاجر اليها من الاردن قديماً – درس سوياً مع والدي مروان في الكلية البطريركية الوطنية بمنطقة المصدار في العاصمة عمّان حيث درست أنا أيضاً، وقد شاهد ألبيرت سنة بعد أخرى قفزات ونقلات والدي الشخصية في المجال السياسي – التنظيمي، ونشاطه في هذا المَنحى في المدرسة منذ نعومة أظفاره، حين كان يَكتب وينشر مقالاته في جريدة الحائط المدرسية. ولمس ألبيرت، مشكوراً، تشعّب علاقات أبي في الفضاء الدولي وحفظها وقيّمها حق تقييم، تماماً كما قيّمها عالياً في رسالته التي وجهها إلي على الفيسبوك، من خلال حساب والدي فيه.

ألبيرت عَلِمَ بتوجهات والدي الثابتة نحو روسيا والصين منذ صِغره، وها هو الدكتور ألبيرت والمهندس (فاروق أيوب خوري) يتعاطفان مع والدي في مسيرته منذ نحو الصف الرابع الابتدائي، ففاروق هو “الصديق اليومي لوالدي”، وكان بين الحين والآخر يُرافق أبي إلى الفعاليات الثقافية السوفييتية المُقامَة في الاردن، كما كان شأنها في المركز الثقافي السوفييتي بمنطقة الدوار الثالث، وفي أروقة جمعية الصداقة الأردنية السوفييتية بعمّان.

لقد كان الصديقان فاروق وألبيرت يَعرفان والدي عن قُرب، وغيرهما أيضاً، بسبب علاقاتهما اليومية به، إذ كانا يُشاهدان مُتابعة والدي المجلات الصينية الصادرة باللغة العربية، وهي إثنتان: “الصين المصورة” و “الصين اليوم”، إضافة الى دعوات والدي للطلاب لقراءة المجلات السوفييتية الناشرة بالعربية، والتي كانت توزّع آنذاك مجاناً، أو بشرائها وإطلاع  أصدقائه من الطلبة وكبار السن أيضاً عليها وذلك مباشرة مِن  مُوزّعَها الصديق المدعو جورج عكاوي الملقب بـِ  “ أبو إلياس –  مدير “مكتبة الرينبو” بجبل عمّان، الذي لا يزال على قيد الحياة، متمنيةً له حياة طويلة وحافلة بمسرات متواصلة.

الصديقان ألبيرت وفاروق يُدركان مراسلات والدي الدولية مع مجموعة دول “سيف” الاشتراكية السابقة، لكن بالأساس مع بكين وموسكو، اللتين كانتا عاصمتين لقطبين عالميين رئيسيين آنذاك، إذ أنهما تصالحتا وتحالفتا خلال فترة ذهبية عصيبة ودقيقة، أقاما وعزّزا خلالها دولتيهما ومعسكريهما، لكنهما وللأسف إبتعدا وتباعدا عن بعضهما البعض في فترة أخرى لاحقة، وها هما يعودان منذ سنوات الى سابق زمنهما الرفاقي وطريقهما الصحيح، دون أن يترك والدي أيّاً من هاتين العاصمتين في سرائهما وضرائهما، وفي صداقتهما وتحالفهما أو في خصومتهما، ودون أن يَستعدي إحدى العاصمتين على الأخرى، لأن “مروان” كان وما يزال يؤمن إيماناً راسخاً – لا يتزعزع إطلاقاً كما عهدناه – بأن المستقبل العالمي هو لهذين البلدين بشرط ان يكونا متصالحين ومتضامنين، ولنا معهما ومع صداقتهما لمستقبلنا كأُمة وببساطة كبشر، فنحن نعيش مع روسيا والصين في بيت آسيوي واحد، ولنا جميعاً مستقبل آسيوي واحد أحد.

عندما كتبتُ ونشرت مقالي في “إنباء”، كنت أود التأكيد ولفت الانتباه إلى أن عائلتي الصغيرة سبقت الحكومتين الكبيرتين والكريمتين والصديقتين الأردنية والصينية إلى علاقات إعلامية ثابتة ومتجانسة وصداقة متواصلة لا انفصال فيها ولا انفصام مع الصين، لكن مجموعات عديدة  في الأردن سبقت عائلتي الى صداقة وتحالف مع موسكو، بسبب أوضاعها السياسية والتنظيمية وكهولتهم العُمرية حين كان والدي صغير السن وتلميذاً في المدرسة، ومِن ثمَّ انضم بِفِعلِ هؤلاء الكهول وعوامل أُخرى – عندما كان طالباً – إلى صفوف الحزب الشيوعي الاردني – الكادر اللينيني، كما وتصادق مع والدي المرحوم فؤاد نصار وهو مؤسس وأمين عام الحزب الشيوعي الاردني الذي عاش في بيتنا وزوجته السيدة (ليلى)، سنوات عديدة، ليعمل في سبيل الاشتراكية الإنسانية التي يَعشقها، وليُقيم معارض الصور عن الأردن في موسكو وعمّان، وأخرى مُكرّسة لمناسبات روسية – دولية وتاريخية عديدة، ويُقرن ذلك بأنشطة صينية إعلامية شبه يومية، كلفتة شكر للصين المذهلة وحزبها القائد الرائد العظيم الذي يحترم والدي ويَحدب عليه منذ عشرات السنين، ولتعظيمه دوره ودور عائلتنا من خلال أوامر واضحة وصارمة وصريحة يُصدرها للمؤسسات الصينية المختلفة، إذ أن قيادة الحزب الشيوعي الصيني هي التي تقف وراء نجاح والدي في فعالياته الصينية وشهرته في الصين ووسائل إعلامها، ذلك أن هذا الحزب الصيني النابه هو الذي يُمثّل نبض الصين اليومي وصلابة الصين ونجاحها وسؤددها، ولأنه هو بالذات الذي يَجتذب بمبدئيته مَحبة العالم وثقة شعوبه به ويُصوّب المَسيرة الصينية دوماً.

أعترف بأنني لم أكن أحلم بأن يُسارع السيد الدكتور ألبيرت، العَالِم والخبير الكبير في (عِلم الاستشعار عن بُعد)، أو غيره من القرّاء ومعارف وأصدقاء ورفاق والدي الأجلاّء والمُحترمين، إلى نشر رسائل إلي ولعائلتي، يؤكدون فيها مشكورين احترامهم لنا ولتاريخنا وطبيعتنا المتصادقة مع الحق وشعوب الأرض، ومن هؤلاء، الآخرين، الأكارم أبقاهم المولى ذخراً وسنداً لصداقتنا معهمُ: القائد الشيشاني السيد أمين داسي وشقيقه السيد محمد داسي، والدكتور سمير حمدان – وهو الذي كان رئيساً على والدي في الخلية الحزبية بالاردن، وهم من الأردن/ والإخوة السادة عبد القادر خليل، وعبد الكريم خليل وقاسم عبدالقادر وثلاثتهم من الجزائر/ وعبد القادر حسن عبد القادر من مصر/ وسليم السراي من العراق وغيرهم. وأحب التنويه هنا إلى أن الأخ سليم كان أكد صداقته العميقة لنا، بحضوره المشكور خصيصاً من العراق الشقيق الى الاردن، ليُشارك في احتفال عقد أكليل شقيقتي وحفل زواجها، ولن ننسى ذلك ما حيينا، فهذه هي الصداقة الحق والتحالف الوفي والانسانية الكاملة.

لن أنسى لطف هؤلاء الاصدقاء الذين يواصلون الوفاء للذكريات الأحلى عن والدي، ولما تفضلوا به من صدق المشاعر والوصف والسرد والتقييم وليستمروا جماعةً مع والدي نحو الهدف الأسمى، ما يَدل على نقاء مَعدنهم وأصالتهم، مُتمنّية لهم ولعائلاتهم الكريمة دوام النجاح والسؤدد في كل مجال.

 

 بيتنا الصغير والصين الكبيرة العظيمة

منذ سنوات طويلة، زَيَّن بيتنا بكل ما أغدقت الصّين به علينا من أشكال الامتنان والتكريم، بحيث تحوّل البيت الى مَتحف صِيني، ولولا محدودية مساحته، لغدا مَتحفاً ولا أجمل، يَحكي قصة العلاقات الشعبية والإعلامية الاردنية – الصينية، ليتم فَتَحُ أبواب بيتنا – المتحف واسعةً أمام الزوّار الاردنيين والصينيين وأصدقاء الصّين، للاطّلاع على معروضاته.
إن احتفائنا بالذكرى الخمسين لعلاقاتنا مع الصين، ليست أقل من حكاية النجاح على مِثال عائلتي، فهو نجاح أصاب الدبلوماسية الشعبية والدبلوماسية الإعلامية بين المجتمعين الاردني والصيني، حيث نَحتفي بالذكرى وبرؤوس السنوات القمرية الصينية في نفس الأجواء التي اعتدنا عليها. إن هذا التاريخ لعظيم بالفعل.. تصورواً هذه العلاقات التي شجع جدي موسى والدي مروان على نسجها وتعميقها ووفّر له أجواء نجاحها.. إنها نقلات ولا أجمل، وقفزات مِلاح قدّمتها الدولة الصينية من خلال قسمها العربي هدية للعرب أجميعن. هذا القسم العربي كان وسيبقى سفيراً راشداً ومهمّاً جداً للصين في العالم العربي. فلم يكن من الممكن قبل عشرات السنين لأسباب سياسية وطبقية، أن يَكتشف أحداً من الطبقات العليا، أسرةً أردنية صغيرة و مَغمورة تمكّنت بقواها الذاتية البسيطة، أن تكون صديقة للصين.. مَن كان يُمكن أن يَكتشف أن “أُردنيين ما” ساروا جادّين ومُصمّمين على درب طويل نحو الصين، يُشابه الى حد بعيد درب “الألف مِيل”، الذي مشى فيه الزعيم ماوتسي تونغ وجيشه نحو تحقيق هدفهم بتحرير الصين من الغزاة الإقتلاعيين الأجانب.

لقد سار والدي مروان في طريق حرير أردني نحو الصين كان “ولا أصعب”، تخللته دروب كثيرة مُتعرّجة ووعرة، وجبال شاهقة ومنحدرات عميقة، ومحيطات كادت أمواجها تبتلعه وعواصفها “تُقعِدَهُ عن إبحاره”، ولا ننسى لجّة الناس ووصخبهم وسواد كثيرين منهم وحقدهم وسهامهم المسمومة. لكن مروان فتح لنفسه ولنا نحن عائلته، عالماً صينياً بعيداً عنّا جغرافياً، لكنه صار منذ عهد بعيد، مُلاصِقاً يومياً لنا، وهو على شكل طريق حرير عائلي، بعدما توقف طريق الحرير الصيني القديم عن سلوك المَسالك الاردنية، بخاصة في آيلا (العقبة)، و البترا، وربّة عمّون (عمّان)، و زيزيا (الجيزة)، وأرابيلا (إربد).

لم تتمتع عائلتي ولن تتمتع بأي تمثيل وزاري أو حكومي في الاردن، فقد كانت هكذا وستكون كذلك الى الأبد، لأسباب اجتماعية ومالية وطبقية وغيرها. إن هذه العائلة الصغيرة والمثقفة التي انتجت شعراءً ومثقفين وصحفيين ومناضلين من أجل تحرير فلسطين، لم تتمتع بأية أفضليات أو تسهيلات أو رعاية حكومية. لكنها وبرغم ذلك، اكتشفت ما لم يتمكن غيرها من اكتشافه أو التفكير به، إلا وهو معرفة الصين، وتقدّمت بمشاعر الصداقة معها، وتحالفت وإيّاها.. فقد عرف والدي وجدّي الصين قبل ان تعرفها الدولة الاردنية، وزرائها ونشطائها، دبلوماسييها وقادتها، فلم يكن في الاردن في عهدي جدّي ووالدي، أي طالبٍ خريج من جامعات صينية، ولا أي سائح أردني سابق سلك الى الصين، أو من الصين الى الاردن، ألا أن حضرنية عائلتي وثقافتها وإرثها الثقافي ومحبتها للصّعِاب، جعلها تعيش واقعا ًمتميزاً وساعياً وراء الجديد والأصعب، وهو خيارها وحقها الذي تمثل بدعم “إنتاج” واقع وطني اردني جديد، يصطف إلى جانب الصين ويتناغم معها، وستبقى العائلة كذلك على عهدها، “رَغَبَ مَن رَغِبَ”، وَ “رَفَضَ مَن رَفَضَ”، فلكلٍ طريقهُ وسبيلهُ وعقِيدتهِ!

 

إن إقامتنا العلاقات الإعلامية والعائلية والشخصية والثقافية مع الصين، كانت سابقة لتأسيسها بين الصين والاردن (في السابع من نيسان 1977م). فقبل إحتفالنا بالذكرى الأربعين للعلاقات الدبلوماسية الأردنية – الصينية، إحتفت عائلتي بالذكرى الخمسين لعلاقاتنا الأُسرية مع الصين الكبرى. وهنا أذكر أنه وبرغم صِغر سنّي، وصِغر أعمار شقيقاتي، إلا أن عدداً من سفراء ودبلوماسيي الصين لدى الاردن، كانوا يَدعوني سوياً مع أهلي إلى منازلهم، للإحتفاء بصورٍ رسمية واجتماعية راقية بمختلف المناسبات وبأشكالٍ لا تُنسى، أو لمجرد تناول “عشاءات” للإعراب عن شكرهم وتقديرهم ليس لوالدي مروان وجدي موسى فحسب، بل وليقولوا لنا، للعائلة برمتها، “شكراً خاصة” لجهودكم الإعلامية والتحالفية التي تستمر منذ عشرات السنين، برغم أنكم لستم صينيين ولستم رسميين ولا رأسماليين، إلا أن عملكم وجهودكم التحالفية، وفداءكم الباهض التكاليف لهذه الجهود، لم يَسبق له مًثيل في تاريخ الاردن والعرب..

إن الذكرى الأربعين للعلاقات الدبلوماسية مابين الاردن والصين قصيرة بسنواتها بالنسبة لـ”عمر” علاقات والدي مع الصين، والتي كانت بدأت قبل تاريخ (7 أبريل/نيسان 1977م) بسنوات كثيرة، حيث ركّز والدي علاقاته مع وسائل الإعلام الصينية، وكان يتقدم بنجاح في هذه العلاقات، وينتقل من وسيلة إعلامية صينية الى أُخرى، وربط علاقات قوية معها، برغم أنه كان تلميذاً في الابتدائية والإعدادية ثم الثانوية – في المدرسة، إلا أنه تمكّن من البروز في المجتمع كصديق صدوق وحقيقي للصين والعلاقات العربية – الصينية، قبل أن يَعرف الاردن وغالبية الاردنيين الصين، ليس على المستوى الإعلامي فقط، بل والدبلوماسي والثقافي الخ.

لم يكن أنذاك، في التاريخ القديم للاردن من طُرق إتّصال سهلة مع الصين، إذ كان ذلك الامر قبل افتتاح السفارة الصينية في عمان، فقد كانت رسائل البريد الأرضي هي الوسيلة الوحيدة للتواصل. لكن إصرار والدي على النجاح بعلاقاته، جَعله يَتفوّق في طبيعة الربط مع الصين، وغدا إسمه مَعروفاً في أوساط عديدة فيها، بل أنه كان يَقرأ الكتب الصينية بالعربية، التي يرسلها له القسم العربي لإذاعة الصين الدوليةCRI، والمجلات والنشرات الصينية. فالقسم العربي للاذاعة الصينية كان الأنشط بين مختلف وسائل الإعلام الصينية، إذ كان القسم وقتها نشيطاً بإرسال الكتب والمطبوعات بالمجان لإصدقائه ومستمعيه ومنهم والدي، وكان عدد الأصدقاء المراسلين للصين في الدول العربية قليلاً جداً أنذاك ومُنعدما في الاردن، بسبب أن غالبية الدول العربية كانت تحت نفوذ أجنبي، أو لأن مشاغل الحياة اليومية كانت تُبعد الناس عن المراسلة والتمسك بها، والأمر مُشابه لذلك الآن أيضاً، فهذه وتلك تُنسيهم الصين والصينيين والتاريخ الصيني – العربي المضيء، الذي شمل العرب والصينيين من جميع المستويات والمراتب الاجتماعية والطبقية منذ بدء علاقات الجانبين ما قبل طريق الحرير البري الصيني الشهير.

كان والدي يَحتفي دوماً بذكرى العلاقات مع الصين في بيتنا، فلم يكن يأبه بالرسميات، إذ كان لديه وما يزال إحتفاءاته الخاصة، وذكرياته الحافلة مع الصين، ونحن وإيّاه نفخر بعلاقاته الصينية، لأنها إرث لنا أيضاً وتميّز لعائلتنا، ولأن لها معنىً خاص وعميق المُحتوى وذات شكل مُحبّب، وقد يَرغب كثيرون ليكونوا مثل والدي ويتمثّلوا بِمِثالِه، لكن يبدو أن بذل جهد كبير في هذا المجال، المُكلف مالياً وفكراً ونشاطاً، ليس بالأمر المرغوب إليهم.. فهؤلاء يُدركون أن الصداقة حَالةٌ جَادّة ومُكلفةٌ جداً، ليس في الحقل المالي فحسب، بل وفي مختلف الحقول الآخرى الكثيرة، حيث يَبذل الانسان نفسه أولاً من أجل القضية، كما بذل والدي وما يزال يَبذل جهده حتى اللحظة.. من أجل الشعب والأَمة وقضايا الوطن، بالتحالف الواضح مع دولة صديقة وقوية كالصين، وحين لا يَطالبها بشيء، إنما فقط بأحقّية التحالف والصداقة ومبادلة الصين له بمثلها كشخص أولاً، وثانياً كمؤسس ورئيس للإتحاد الدولي للصَحفيين والإعلاميين والكتّاب العَرب أصدقاء وحُلفاء الصين.. فالاتحاد نجح بتكريس مبادىء والدي التحالفية على صَعيد الصين والعرب شعبياً، وعلى مستوى القيادة الحزبية والحكومية للصين وإعلامها، وكما لم يَكن بِمِثالٍ مِثلهُ في نقلات التاريخ ومختلف البلدان، وها هو يستمر في طريقه الطويل وبطريقته المتميزة الحالية متسلحاً بصبرٍ نافذ وغريب، وأناةٍ وهدوء متواصل، ويترافق كل ذلك من جانبه بصَمتٍ وألمٍ، فهناك بعض العَداء من طرف الحاسدين، وأرباب السلطات العربية والغربية التي تَصدمه بعنفٍ، محاولين وقفهُ وشل حَركته الفردية والاتحادية الجماعية، رغبةً منهم بإجهاضها.

 

في رُقي السفير الإذاعي الصيني –CRI

 

في أهمية إذاعة الصين الدولية، نطقها بالعربية الفصحى، وتعريف العرب على “صين اليوم” يومياً، وبلسان صيني صحيح وجاذب يتحدث لغة الضاد كالعرب العرب، ولكونها تعرض الى إهتمام الصين والصينيين الفائق بالامة العربية ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، والمُشتركات التي بقيت تجمع العرب والصينيين منذ ألوف السنين، بل منذ ما قبل شق طريق الحرير الصيني البري والبحري.
لماذا أحب إذاعة الصين الدولية وقسمها العربي؟ إنه سؤال بسيط لكنه مهم للغاية، وتتطلب الإجابة عليه كتابة صفحات كثيرة من الشرح واستحضار جُملة من الوقائع، لكن الأهم في محبتي للاذاعة هو أنني نشأت وترعرعت في عائلة أُردنية روسية مشتركة مُحبة جداً للصين، حارب أحد المنتمين إليها من جهة والدتي يلينا، وهو الجنرال الشهيد الكسندر رومانينكو في الحرب العالمية الثانية والحربين الصينية والكورية، وهي الى ذلك كله عائلة تدعو يومياُ وفي كل مناسبة للتحالف مع الصين، وترسيخ الصداقة معها في كل الحقول، وتدعو الاردنيين بخاصة والعرب بعامة، الى إدراك أهمية تعظيم الوشائج المشتركة الرابطة بين الشعبين الصيني والعربي، وتقدير بالغ لنشاط الطليعة العربية التي يمثلها الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين، الداعية الى روابط متميزة مع الصين ومن خلال الاذاعة نفسها، لكونها ناقل مناسب للثقافة والحضارة الصينيتين للعرب من خلال الأثير القوي ومواقعها الشبكية، وكلها تَصل بيسر لكل بيت ومواطن عربي مثقف ومتعلم، كما ولأنه مُرحّب بها في كل مؤسسة وحقل ومصنع يَضج بالعاملين العرب والمبدعين..
وبعيداً عن لغة الأرقام، فإن جوهر الاذاعة ورسالتها وأهدافها ظاهرة للعيان العربي والصيني. فمن المعروف أن البث العربي هو وسيلة مُثلى وفعّالة والأسهل لتعرف المستمعين العرب على الصين ويومياتها، حيث تصلهم حقائقها بدون عناء منهم، ويبذل كادر القسم العربي وعلى رأسه المديرة الجليلة تساي جينغ لي – سميرة، جهوداً ضخمة وموصولة لنشر صوت الإذاعة بصورة أشمل وأكثر شساعة في فضاء العرب، الذين يُقدّرون التطورات الايجابية التي أُضيفت الى برامجها العربية، وازدياد دورها المفصلي في تعزيز التفاهم بين شعب الصين وشعوب الاقطار العربية.
وعن العاملين بالإذاعة العزيزة، فقد عَلمتُ عن الكثير من النجاحات التي تقوم على أكتافهم فيها، وذلك من والدي الذي يترأس منتدى مستمعي الإذاعة ومُنتدى قرّاء مجلتها في الاردن، إذ يُكرّس طاقم القسم العربي جهوده الضخمة لخدمة المستمعين بإخلاص وجدٍ واجتهاد، ولاستنباط الجديد من الآليات والمواضيع الجاذبة، وبناء جسر صداقة حقيقي يربط بين الصين والعرب في كل الدول العربية.
وفي أصوات الصينيين الإذاعية ورسالتهم اليومية، أنها لا تشيخ ولا تبلى، بل هي تزدهر وتينع أزهارُها كل يوم ومع كل صديق جديد وحليف ينضم لركب السبيل الجديد الصيني – العربي، الذي يُعزّزه القائد الكبير الرئيس الصيني شي جين بينغ المحترم بحزامٍ وطريقٍ جديدين ومتميزين وحيويين على المدى المُقبل علينا جميعاً، وننتظر ترجمته على أرض الواقع بفارغ الصبر.

 

لكن، قد لا تكون المَشاغل العائلية مُيسِّرةً لمراسلة القسم العربي لإذاعة الصين الدولية والتبادل الدائم معه. فالحياة اليومية شاقة، لكن الوقت كافياً دوماً للاستماع إلى أثيره خلال مختلف الإنشغالات وفي شتى الأعمال، إذ يكفي تشغيل الراديو، لمعرفة كل شيئ عن الاذاعة، وللإحاطة بكل سياسة الصين وأخبارها ومعجزاتها واختراعاتها واكتشافاتها، كذلك هو الأمر بالنسبة للفضائية الصينية الناطقة بلغتين عربية وإنجليزية، ولمتابعة الفضائية الصينية الناطقة بالصينية أيضاً!

لقد أرتأيت أنه من الضروري تضمين مَقالتي هذه كلمات صادقة ونابعة من القلب عن الإذاعة الصينية، لفتحها سِفراً قـُدسيّاً للعلاقات بين عائلتي والصين، وكعرفان بالجميل لجهود نشطاء القسم العربي للإذاعة من صينيين وعرب، التي تتسم ومنذ ولادتها المدوّية بالولاء للثقافتين العربية والصينية والحضارة العالمية ونوازعها الانسانية، ولتخندقها في خندق الامم الصديقة للصين. لهذا، نالت إعجابنا الكبير وتقديرنا العميق منذ سنوات طويلة، “عايشنا خلالها صَوتها”، و “عايشتنا من خلال أثيرها” اليومي الذي يَشغل الفضاء.

لا أُخفي أبداً، أنني وعائلتي نرى في الصين دولة عالمية، ونلمس في القسم العربي لإذاعتها رسالة أممية مُنيرة ومُثِيرة. ومن هذه المنطلقات بالذات تعرض الإذاعة بكل حِرفية للبُعد الدولي للدولة الصينية وللدّور العالمي المُناط بها في كل المناحي. فهي تنحاز لكل القِيم الشريفة في الارض، وتنتصر للعدالة الاجتماعية ولكل مَن يرنو إليها، وتتميز أخبارها ومقالاتها المنشورة والمَبثوثة شبكياً بإنسانية شفافة والاهتمام بحقوق الانسان. لهذا، نراها تنسجم تماماً مع مرامي البشر في الصداقة والعلاقات المتساوية. فلم تخرج الاذاعة العربية في الصين عن الخط الرسمي والشعبي والانساني، بل ولا يمكنها الخروج عن ذلك أبداً، لأنها تجهد للحفاظ على مصداقيتها المبدئية، ولكونها تتسم بعلاقات على قدر ومستوى واحد ومثُمر مع الآخرين، بغض النظر عن عددهم ومواقعهم وأعمالهم وألوانهم وتوجهاتهم واختلافاتهم، وهي بذلك تضمن حقوق الانسان وإنسانيته في رسالتها المهنية.

في اهتماماتنا العائلي بالاذاعة، تلكم التواصل الذي تعمل هي عليه للإبقاء عليه مع مُحبيها ومُستمعيها وقرّاء مواقعها في الإنترنت، ومع أصدقاء الصين المتحدّثين بالعربية في بلدان العالم كافة. وبسبب أن أثير الإذاعة يُسمع في كل البلدان التي يَسكنها عرب، فهي تنشر رسائلهم وتوثّقها على صفحتها بالانترنت، وكذلك مقالاتهم، وتضعها في كرة زجاجية خاصة برسائل القراء لتحفظها في بهوها أبدياً وتفاخر بها، ولتكون مرجعاً عالمياً للصين لإكتشاف حلفائها ومحبيها. الى ذلك، يُجيب القسم العربي على أسئلة القراء على كثرتها وتنوعها، ويُرسل لهم تذكارات لتبقى تأريخاً في متحف صيني على المدى، يُذكّر بالعلاقات العربية – الصينية، التي كانت وستبقى وثيقة وعملية ولصيقة قواعِدُها، وذات مردود كبير، ونتطلع لتعميقها بمداميك صَلدة، مع تطبيق مُبدع لمبادرة الرئيس الصيني فخامة السيد شي جين بينغ، الموسومة “الحزام والطريق”، التي ستعمل على تآخي الدول والشعوب التي تقع على جانبي طريق الحرير المُجدّد: الجديد – القديم، وربطهم بعملية دولية واسعة للتبادلات الانسانية والثقافية والعلمية والأخلاقية الأرفع، تمكيناً للحضارة العالمية وصُنّاعِها الحاليين المُبدعين.. فشكراً للرئيس (شي) المُحترم والذكي لإعلانه عن المبادرة، ولرعايتها الدؤوبة لها، وللأخذ بها الى صروح عالمية.

في نهاية العام الماضي 2017م، إحتفل القسم العربي للإذاعة الصينية بذكرى الـ59 لتأسيسه وشروع الخدمة العربية برسالتها الدولية، والعام الـ75 لتأسيس الإذاعة نفسها، وهي مناسبة موحّدة في غاية الأهمية، تتحدث بفخر عن أحد العوامل الرئيسية التي رسّخت أركان العلاقات الصينية العربية، وعَرّفت بها على أوسع نطاق، وقرّبت ما بين العقول والعواطف العربية والصينية، فجعلت الأجواء في بلداننا مُتأخية، برغم حملات التشويه السوداء ذات الاهداف الباطنية، التي نالت من الجانبين العربي والصيني على حد سواء.

لكن القسم العربي كان دوماً بالمرصاد لعرض الحقائق، وبالحقائق فقط هزم المُنتفعين والانتهازيين والمتطرفين والمُتلصِّصين على علاقاتنا العربية – الصينية، التي يَنتظرها مُستقبل أَبهر، برعاية حكومة الصين الشعبية وقياداتها الحزبية العَليِمَة بمتطلبات الصداقة وأسباب ترسيخها، وتذليل العقبات التي تقف بمواجهتها، وبعرض القسم العربي إليها لمُستمعي الضاد.

وفي عِيدي تأسيس القسم العربي وإذاعة الصين الدوليةCRI، أُهدي أنا والى جانبي أسرتي الكبيرة، أطيب المُنى ومشاعر الإخلاص والمَحبّة، إذ كان للقسم والإذاعة نفسها، السّبق والريادة في إرساء علاقات عائلتي، جدّي ووالدي بالصين -، وأتمنى لهما إزدهاراً إعلامياً مُتصلاً عَبر السنين المقبلات، ولإدارتيهما عميق الشكر والامتنان الخاص لمحافظتهما على الوَهج الصّيني السّاطع المُندفع بلا كلل مِن قلب بكين إلى رياح وأصقاع العالم أجمع.

  • كاتبة وقيادية ناشطة في كادر الفرع الاردني للاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين، ومنتدى أصدقاء القسم العربي لإذاعة الصين الدوليةCRI بالاردن.
تعليق 1
  1. مروان سوداح يقول

    شكرا ابنتي الحبيبة مارينا لكونك توثقي وتؤرخي للعائلة.. فهذا كنز تاريخي..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.