موقع متخصص بالشؤون الصينية

لماذا الأويغور الآن؟! (1-5) .. أصل الحكاية وتفاصيل تاريخ أسود مشبوه مدعوم غربيًا

0

موقع الصين بعيون عربية ـ
بقلم – محمود سعد دياب*:

مقدمة
لم يكن مستغربًا تلك الحملة الشعواء التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي ضد الصين مؤخرًا واتهامها باضطهاد المسلمين الأويغور، ولكن الغريب هو توقيت الحملة وحجمها، رغم أن الاتهامات لم تتضمن أي جديد، خلاف سابقتها على مدار السنوات السبع الماضية منذ إطلاق الصين مبادرة الحزام والطريق عام 2013، ولعل تلك المبادرة السبب الرئيسي وراء ذلك التصعيد نظرًا لأن طرق التجارة الصينية تبتلع منطقة أوروآسيا وإيران وحتى تركيا وتجعلها وحدة متماسكة في مواجهة النفوذ الغربي.

في هذا التحقيق الذي ننشره على حلقات متتابعة، نحاول الوقوف على أصل الحكاية بشكل حيادي ومن واقع الأمانة الصحفية، بعيدًا عن الدعايات السلفية المتشددة، ومحاولات الغرب استمالة تعاطف عموم المسلمين لتحقيق أهداف سياسية، ورصد الجانب المظلم لبعض المنتسبين إلى قومية الأويغور من خلال خبراء متخصصين، وأيضًا كيفية تتعامل الحكومة الصينية مع أصحاب الديانات بما فيهم المسلمين، فضلا عن تجربة شخصية عاشها كاتب هذه السطور في منطقة شينجيانج ذاتية الحكم شهر أيلول/ سبتمبر 2018، وتاريخ تلك المنطقة منذ قديم الزمان الذي يدحض دعايات تركيا بأنها كانت ملك أبناء القومية التي قالت إن أجدادهم الأتراك السلاجقة انحدروا منها منذ قديم الزمان إلى منطقة الشرق الأوسط لكي يؤسسوا الإمبراطورية العثمانية في هضبة الأناضول، وحكاية معسكرات التدريب التي تقول الميديا الغربية عنها أنها مراكز اعتقال.

أصل الحكاية .. تاريخ أسود ومشبوه

يقول الكاتب الجيوسياسي المصري عمرو عمار في كتابه “أحجار على رقعة الأوراسيا”، إن منطقة شينجيانج هي موطن (الحزب الإسلامي التركستاني) الأويغوري الإرهابي الانفصالي، التابع لتنظيم القاعدة، والممول من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وأن تلك الحركة الانفصالية تأسست من قبل (أبو تركي التركستاني)، قبل أن ينقل مقر الحركة إلى كابول عاصمة أفغانستان أواخر التسعينيات، تحت سيطرة حركة طالبان، وتنظيم القاعدة، وبإشراف مباشر من الوهابية السعودية، وأنه بعد مقتل التركستاني، على يد الجيش الباكستاني عام 2003، انتقلت رئاسة الحركة إلى الأويغوري (أنور يوسف توراني).

وأضاف أن توراني هاجر إلى أمريكا عام 1988، وأسس في واشنطن، منظمة حقوقية باسم (مركز الحرية الوطني في تركستان الشرقية)، وأنه يُعد أول أويغوري يطلق حركة استقلال تركستان الشرقية، من الولايات المتحدة، حينما أعلن من هناك حرب الاستقلال عن الصين، من أجل استرداد الأرض المحتلة، تلك المنظمة التي كانت تتلقى دعماً مباشراً من الرئيس بيل كلينتون، ومن بعده بوش الإبن، وأنه في العام 2004، نصب توراني نفسه رئيساً لحكومة تركستان الشرقية في المنفى، مقرها واشنطن دي سي، على غرار القائد الأعلى للبوذيين التبتيين وزعيم التيبت (دالاي لاما)، حينما أعلن نفسه رئيساً لـ (حكومة التبت في المنفى) من الهند، وعلى الرغم أن وزارة الخارجية الأمريكية أدرجت هذه الحركة على قوائم الإرهاب، إلا أنها تحظى بإمدادات سرية من الأسلحة الأمريكية!.

ويقول الكاتب الجيوسياسي إن الحركة مدعومة في المقام الأول من قبل تركيا تحت حكم آردوغان، منذ كان يشغل منصب رئيس بلدية اسطنبول، آنذاك كان قد ألقى خطابه الشهير عام 1995، قال فيه: «إن تركستان الشرقية (شينغيانغ الصينية) ليست فقط موطنًا للشعوب التركية ، ولكن أيضًا مهدًا لها. إنها التاريخ التركي، الحضارة والثقافة». كما كان الداهية (جرهام فولر) هو حلقة الوصل بين الحركة، وتركيا، منذ كان يعمل كمدير محطة وكالة الاستخبارات المركزية في أنقرة عام 1994.

مشاركة الأويغور في حرب سوريا

وقد تمكنت الحركة “وفقًا للكتاب” من ضرب جذورها في مدن اللاذقية، وحلب، وإدلب، أثناء الحرب السورية، بتخطيط من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، واستخبارات حلف الناتو، جنباً إلى جنب مع استخبارات تركيا والسعودية، وبمساعدة جيش النصرة، الذي نظم للحركة أول معسكر لها على الأراضي السورية تحت اسم جيش تركستان الإسلامي، وتم إطلاق موقع ناطق باللغة التركية، مقره في تركيا، من أجل تجنيد المجاهدين الأويغوريين للقتال في سوريا، وتعد عمليات هدم الكنائس في منطقة (جسر الشغور) بمحافظة إدلب السورية من أهم الأنشطة الأرهابية التي يتباهى بتنفيذها الحزب، وقد قتل زعيمه (أبو رضا التركستاني) على يد قوات الجيش السوري في أيار/ مايو 2015 .
وعلى هذا، فرع الحركة في سوريا، ذو القومية الأويغورية، وعقيدة أصولية، ووحدة تركية طورانية، هي جزء من الحزب الإسلامي التركستاني (الأم) في الصين كما ذكر الكتاب، كما أصبح جزءاً من جيش النُصرة فرع تنظيم القاعدة في سوريا، وجيش الفتح، ويتحالف مع حركة طالبان الباكستانية، وتنظيم القاعدة، وحركة أوزبكستان الإسلامية، ومقره منذ العام 2018 في مدينة إدلب، بعد رحيله عن اللاذقية وحلب.

طرق التجارة الرابطة بين شينجيانج والدول العربية

 

 

ويقول الكاتب عمرو عمار في كتابه إنه إذا تحركت هذه المجموعات الانفصالية الإرهابية، من مدينة إدلب السورية، إلى مدينة شينجيانج الصينية، وتحالفت مع الجماعات الجهادية المرابطة في وادي فرغانة بوسط آسيا، مدفوعة بآلة إعلامية غربية – عربية مأجورة، ربما تنجح واشنطن في زعزعة استقرار الصين، وقطع أواصل طريق الحرير على الجانب الشمالي الغربي له.

وهذا يعد من أهم العوامل التى تعكر من صفو العلاقات التركية – الصينية، وتدفع بكين إلى التحفظ على دمج أنقرة بطريق الحرير؛ على اعتبار أن تركيا لا تتحكم وتدير فرع حركة تركستان الشرقية، في إدلب فحسب، بل تدير وتشرف على الأنشطة الإرهابية لجميع التنظيمات المسلحة التي تم نقلها من جميع المدن السورية التي تم تحريرها من قبل الجيش العربي السوري، واحدة تلو الأخرى، منذ العام 2018.

براجماتية أردوغان

وبعيدا عن حديث الكاتب، تغير سير الأحداث قليلا بسبب براجماتية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي زار بكين قبل شهور وقال إن شينجيانج صينية الأصل ولا علاقة بتركيا بها وأنه لابد للمسلمين فيها أن يلتزموا بالقوانين التي وضعتها الحكومة، وأن الصين لا تعادي المسلمين، كل ذلك كان مخالفًا لما سبق وأن صرح به عدة مرات مهاجمًا الصين، وسبب التحول هو طريق الحرير الجديد الذي عبر بالبضائع الصينية من نفق البسفور أسفل المضيق الذي يحمل الإسم نفسه من آسيا إلى أوروبا في مدينة استانبول، ما يجعل تركيا نقطة محورية على أحد أهم طرق التجارة في العالم، ولعل ذلك يبرر عدم تعليقه على ما قاله اللاعب ذو الأصول التركية مسعود أوزيل مؤخرًا بخصوص الأويغور.

وتضمن كتاب “أحجار على رقعة الأوروآسيا” للكاتب الجيوسياسي عمرو عمار أيضًا تفاصيل أخرى، عن الحركات والمنظمات التابعة لقومية الأويغور المدعومة من أجهزة المخابرات الغربية تتقدمها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، التي تبنت الحركة الأويغورية الإرهابية الانفصالية (الحزب الإسلامي التركستاني) منذ تسعينيات القرن الماضي، ولأن هذه الحركة التابعة لتنظيم القاعدة تحتاج إلى دعم من منظمات دولية وأبواق ومنصات إعلامية وشركات دعاية للترويج لها على أنها حركة مسلحة معتدلة تقاوم اضطهاد الصين للإسلام.

جحافل قوى ناعمة أخرى

وأضاف الكتاب أن على الجانب الأخر من شاطئ الإرهاب العالمي، سعت الولايات المتحدة الأمريكية على التوازي إلى تجميع جيوش من جحافل القوات الناعمة، من المدنيين الأويغور المنشقين عن الحكومة الصينية، بحيث تعمل كمنصات إعلامية وحقوقية، من أجل تهيئة المجتمع الدولي لطبيعة الظلم الواقع على الأويغور من النظام في الصين.

وأكد أن هذه المنابر تبدو وكأنها تعمل كبوق ناطق بأهداف ومصالح الأويغور، في شتى بقاع الأرض، ولكنها في حقيقة الأمر هي مجرد أداة خبيثة تنفذ أجندة جيوسياسية أمريكية، وأنه بالتأكيد حينما يتم توصيل الدائرة الكهربائية لهذه الجماعات الإرهابية الأويغورية التابعة لـ (الحزب الإسلامي التركستاني)، ستمنح بكين النسخة الخاصة بها من الحرب الداخلية أو ما يسمى بأحداث الربيع العربي، وأن حينها ستوفر هذه المنابر المغموسة في دولارات الاستخبارات المركزية، الغطاء الشرعي لهؤلاء الإرهابيين، والترويج لهم في المحافل الدولية على أنهم محاربين من أجل الديمقراطية.

مؤتمر الأويغور العالمي (WUC)

وذكر الكتاب أن الكيانات الأويغورية المدعومة غربيًا تتضمن مؤتمر الأويغور العالمي (WUC)، وهي منظمة دولية مقرها واشنطن دي سي، وتدعو إلى تنظيم وقفات احتجاجية وتظاهرات أمام سفارات الصين في جميع أنحاء العالم، وأن رئيسة هذه المنظمة هي (ربيعة قدير) التي تصف نفسها بـ (الغسالة التي تحولت إلى مليونيرة)، وأنها تترأس أيضًا (جمعية الأويغور الأمريكية)، ومقرها واشنطن دى سي، وهي منظمة حقوقية تتلقى التمويلات من الصندوق الوطنى للديمقراطية (نيــد)، مهندس وممول الثورات الملونة في العالم.

وأوضح أن مؤتمر الأويغور العالمي، هي منظمة وثيقة الصلة أيضًا بهيئة (نيد)، وتتلقى تمويلات سنوية، تقدر بقيمة (215 ألف دولار)، تحت غطاء مشاريع البحوث والدفاع عن حقوق الإنسان، وتقوم هيئة (نيد) بتنظيم أعمال شغب في مدينة تشينجيانج، مستترة خلف المنظمة الأويغورية، بين الحين والأخر، من أجل زعزعة استقرار الصين.

كما أبرز الكتاب الإعلان المنشور على الموقع الإلكتروني الرسمي للمنظمة، عن تنظيم مؤتمر لحقوق الإنسان تحت عنوان (تركستان الشرقية – 60 عاما تحت الحكم الصيني الشيوعي)، برعاية وتنظيم هيئة (نيد) في 18 مايو 2017، جنبًا إلى جنب مع منظمة غير حكومية أخرى تدعى منظمة الأمم والشعوب غير الممثلة.

منظمة الأمم والشعوب غير الممثلة (UNPO)

وتضمن الكتاب كيانات أخرى مثل منظمة الأمم والشعوب غير الممثلة (UNPO) ، والتي يتولى منصب الرئيس الفخري لها (إركين ألبتيكين)، أحد المنفيين الأويغور، والذي عمل على تأسيسها أثناء عمله في وكالة الإعلام الأمريكية، وكمدير لشعبة الأويغور في راديو أوروبا الحرة، جنبا إلى جنب مع تأسيس (مؤتمر الأويغور العالمي) و(الكونجرس الأويغوري العالمي) عام 1991، وهو صديق مقرب لزعيم التبت المنفي (دالاي لاما)، وفقا للموقع الإلكتروني الرسمي لمؤتمر الأويغور العالمي.

وأوضح أن منظمة الأمم والشعوب غير الممثلة (UNPO)، أنشئت عام 1991، إبان تحلل الاتحاد السوفيتي، وتدعو إلى عنوان نبيل، وهو (حق تقرير المصير) لـ 57 مجموعة سكانية مختلفة حول العالم؛ وفي حقيقة الأمر هي مجرد منظمة تحقق الأهداف الجيوسياسية الخاصة بالولايات المتحدة الأمريكية، بصفتها أذرع طولية تمتد طويلا لزعزعة استقرار الكتل الشيوعية من أوروبا الشرقية، وآسيا، إلى أمريكا اللاتينية، وشمال إفريقيا؛ أي مناطق الجغرافيا السياسية التي تحقق الهيمنة الأمريكية في الحقبة ما بعد السوفيتية على رقعة الأوراسيا.

وختم الكاتب حديثه في هذا الجانب قائلا: “على هذا، تمتلك الولايات المتحدة شبكة متعددة الأطراف من جحافل القوات الناعمة من الأويغور، ترتبط ببعضها البعض، عبر منظمات، وهيئات غير حكومية، تعمل منذ سنوات مضت على تهيئة المجتمع الدولي، بوجود ظلم، وتعدي على حقوق الانسان، يقع على الأويغور المسلمين في الصين، بدعم من شركات دعاية غربية تسوق وتروج للاضطهاد الديني، وكل ما عليهم انتظار ساعة الصفر الأمريكية”.

هجمات إرهابية

وبعيدًا عن الكتاب وما يحويه من تفاصيل مهمة، نفذت حركة تركستان الإسلامية الإرهابية الانفصالية، عدة عمليات إرهابية منذ نشأتها مطلع التسعينيات حتى الآن، أهمها واقعة الدهس التي نفذتها سيارة مسرعة في ميدان تيان آنمن بقلب العاصمة بكين عام 2013، وراح ضحيتها عشرات الأبرياء، وسلسلة تفجيرات وهجمات عنيفة في أوروموتشي عاصمة شينجيانج أعوام 2009 و2014 وبأماكن أخرى في الإقليم، وفي مناطق أخرى من الصين، أبرزها تفجير محطة قطار “كونمينج” فى منطقة “يونان” الصينية، وغيرها من العمليات الإرهابية التى أعلنت الحركة الإرهابية مسئوليتها عنها فى بيانات رسمية.

دور تركي مشبوه

من جانبها، قالت الدكتورة نادية حلمي، الخبيرة المصرية في الشؤون الصينية، إن تركيا تستقطب قطاعاً كبيراً من مسلمي الأويغور الصينية لتحقيق أغراضها حيث يتواجد قرابة 300 ألف أويغوري على الأراضي التركية منذ أن فتح أردوغان باب اللجوء أمامهم، وتقدم دعمًا لحركة تركستان الإرهابية الإنفصالية، حيث قامت بنقل بعضهم إلى سوريا، وسهلت مرورهم إلى تنظيمات إرهابية، كما نقلت بعضهم إلى دول مثل مصر، ولعل ذلك هو السبب فى طلب السلطات الصينية في السابق تسليم بعض عناصر من شباب الأويغور من المقيمين في القاهرة لفتح تحقيق معهم حول هذا الأمر.

وقالت إن نهجًا جديدًا للحركة بدأ باستهداف مصالح الصين في الخارج، لافتة إلى ما تم توثيقه مؤخراً بالصور والفيديوهات من تجنيد الآلاف من مقاتلى حركة شباب الأويغور المسلمين من مواطنى شينجيانج فى تنظيم داعش الإرهابي في سوريا، حيث أصدر الأخير فى نهاية شهر شباط/ فبراير2017، مقطع فيديو بعنوان “أولئك هم الصادقون”، حيث هدّد فيه أحد مسلمي الأويغور الصينَ بتنفيذ عمليات إرهابية غير مسبوقة، حيث قال: “أيها الصينيون الذين لا يفهمون لسان الناس، نحن جنود الخلافة، وسنأتي إليكم لنوضح لكم بلسان السلاح، ونسفك الدماء كالأنهار ثأراً للمسلمين”.

وتقول الباحثة المصرية إن ما أدهشها هو أنه قد ظهر بالإصدار في الفيديو (الموثق)، عدداً من أطفال الأويغور المسلمين الصينيين أثناء تدريبهم داخل “داعش” فى سوريا، فيما أبدت السلطات الصينية إثر ذلك قلقها الشديد، مشيرة إلى أنّ ما يقرب من خمسة آلاف من مسلمى الإيغور فى مقاطعة شينجيانج، قد إنضموا للتنظيم الإرهابي، في حين ذكرت مصادر سورية أنّ عدد المقاتلين الأويغور هناك وصل إلى ما يقرب من 15 ألف مقاتل في الوقت الحالي مع وجود تهديدات حقيقية لمصالح الصين والخوف من عودتهم لزعزعة استقرار البلاد، أو استهداف مصالح الصين فى الخارج وفق تهديدات حقيقية وصلت (فعلياً) لحكومة بكين من طرفهم موثقة عبر فيديوهات وصور.

في الحلقة المقبلة: ثورة تنموية وتوسيع صيني للنفوذ بمنطقة أوروآسيا

*صحافي مصري متخصص في العلاقات الدولية وشؤون آسيا في مؤسسة الأهرام

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.