موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصين في يوم النصر: قوة راسخة ورسالة سلام

0

موقع الصين بعيون عربية –

أسامة مختار*:

بمناسبة الذكرى المجيدة لانتصار الصين في الحرب العالمية الثانية، احتضنت ساحة تيانانمين التاريخية في العاصمة بكين استعراضاً عسكرياً مهيباً تحت قيادة الرئيس شي جين بينغ، بحضور نُخبة من قادة العالم وممثلي الدول. تجاوز هذا الحدث الوطني كونه مجرد عرض للقدرات الدفاعية، ليكون إعلاناً استراتيجياً عن رؤية الصين للسلام والتنمية المستدامة، وتأكيداً لدورها كراعٍ للأمن العالمي وليس مصدراً للتهديدات..

يمثل هذا الاحتفال تتويجاً لمسيرة كفاح طويلة خاضها الشعب الصيني ببسالة ضد قوى الغزو، ويعكس الإرث التاريخي للأمة في الدفاع عن سيادتها واستقلالها. كما يجسد الاستعراض التقدم التقني غير المسبوق والقدرات العسكرية المتطورة التي وصلت إليها الصين، حيث قدمت أحدث أنظمتها الدفاعية والردعية التي تظهر نضوج الصناعة العسكرية الوطنية وتفوقها التكنولوجي.

في هذه اللحظة التاريخية، تُعلِنُ الصين مجدداً عن التزامها الراسخ بمسار التنمية السلمية، وتؤكد للعالم أن قدراتها الدفاعية ليست سوى ضمانة للاستقرار الإقليمي والعالمي. إنَّ احتفال بيوم النصر يمثل جسراً يربط بين أمجاد الماضي وآمال المستقبل، ويشهد على عزم الصين الثابت لبناء عالم أكثر ازدهاراً وأماناً للبشرية جمعاء.

 

لقد جسّد هذا اليوم معاني الوفاء لتضحيات الأجيال، وكرًّسَ روح الوحدة الوطنية التي تجمع الشعب الصيني حول قيادته، كما عكس ثقة الأمة بنفسها وإصرارها على السير بخطى واثقة نحو المستقبل. إنَّ هذا الاحتفال لم يكن مناسبة وطنية فحسب، بل كان عيداً للذاكرة والهُوية، ورسالة فخر يَعتزُ بها كلُّ صيني يرى بلاده تسطر إنجازاتها بين الأمم. ولعل أكثر ما يلفت النظر هو الحكمة التي تتحلى بها القيادة الصينية، إذ استطاعت أن تمزج بين قوة الإرادة ورؤية التنمية، فتقود شعبها بثبات نحو موقع ريادي عالمي.

على مدى ستة عشر عاماً من إقامتي في الصين، رأيت هذا البلد ينهض بخطى ثابتة، ويبني مجده بالصبر والعمل والانضباط. وخلال متابعتي لذلك العرض، لم تدهشني الأسلحة المتطورة ولا الطائرات الحديثة فحسب بل أثّرَ فيَّ ذلك الإصرار الجماعي الذي يُميزُ الصين، والعزيمة التي تجعلها قادرة على تحويل التحديات إلى فرص. لقد كان المشهد أكبر من مجرد عرض عسكري؛ كان درساً في كيفية الجمع بين الوفاء للتاريخ والتطلع إلى المستقبل.

إنَّ الصين، وهي تُحيي ذكرى النصر، تُذكِّر العالم بأن التنمية الحقيقية لا تنفصل عن الأمن، وأن السلام لا يصان إلا بقوة قادرة على حمايته. هذا التوازن بين القوة الصلبة والدبلوماسية الناعمة هو ما يمنحها مكانتها المميزة في النظام الدولي، ويجعل من تجربتها مصدر إلهام للشعوب الساعية إلى النهوض..

وفي هذه المناسبة، لا يسعني إلا أن أتأمل كيف يمكن للدول النامية أن تستفيد من تجربة الصين. فقد أثبتت هذه الأمة أن طريق النهضة يبدأ بالاعتماد على الذات، ويتعزز بالاستثمار  في التعليم وبناء الإنسان، ويترسخ عبر التخطيط طويل المدى، وصولاً إلى شراكات دولية متوازنة تقوم على التعاون لا التبعية. إنَّ لدى شعوب العالم النامي من الطاقات والموارد ما يجعلها قادرة على أن تسلك درب النهوض متى ما امتلكت الرؤية الواضحة والإرادة الصلبة.

لقد أيقنتُ وأنا أتابع هذا اليوم العظيم أن سرَّ نهضة الصين يكمن في قيادة حكيمة تضع مصلحة الأمة فوق كلِّ اعتبار، وتمنح شعبها الثقة بأن المستقبل ملك لمن يصنعه بعمله وإصراره. لقد لمستُ ذلك في حياة الناس اليومية، في انضباطهم وأخلاقهم، وفي طموح شبابهم، وفي ثقتهم بقدرتهم على تحقيق أحلام وطنهم. ومع مرور الأعوام، غدت الصين بالنسبة لي أكثر من بلد مضيف؛ أصبحت وطناً ثانياً يسكن قلبي، أستمد منه الإلهام، وأرى فيه صورة المستقبل الذي أتمنى أن يلهم شعوبنا في العالمين العربي والأفريقي كي تسلك درب النهوض، وتكتب فصلاً جديداً من فصول الكرامة والازدهار.

أسامة مختار

خبير بمجموعة الصين للإعلام – بكين

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.