موقع متخصص بالشؤون الصينية

جائزة للشعب الصيني

0

صحيفة الديار الاردنية ـ
بقلم / سناء كليش*:

فوز الروائي الصيني “غوان مويه”، بجائزة نوبل للآداب للعام الحالي تعتبر بلا شك مكافأة واقعية على إنجازاته
التي إجترحها بقلمه السيّال، والتي كان تطرّق فيها وبموضوعية الى تاريخ بلاده وتمسّكه بمسقط رأسه في شرقي الصين الذي اختارة كوطن وحيد حيث ترعرع فيه وسكن فؤاده في سهوله ووديانه، وشدّد من عزيمته ليفيض بما فاض به وأعلى من شأنه.

منح الجائزة الى الروائي الصيني لم يَكن متوقعاً في الأوساط الأدبية والسياسية بالرغم من نبوغه وأحقيّته بها. فقد درجت لجنة الجائزة وخلال الفترة الماضية على تكريم شخصيات لا تستحق التكريم، منها معارضون وإرهابيون دوليون وإن لم يتم المطالبة بتسليمهم للعدالة لكونهم على رأس أعمالهم!، وبذلك كانت بعض ترشيحات للفوز “بنوبل” إنما تَرتبط بأسباب سياسية لا تقترب من قضايا الشعوب والأمم، بل ربما تبتعد عنها في أحايين ما بمسافات ضوئية!.

فوز “غوان مويه” بالجائزة حقّق للصين نصراً ثقافياً مؤزراً على خصومها الإقليميين، وخاصة على اليابان، إذ صادر هذا الكاتب الصيني وبسهولة الترشيحات كافة التي كانت تنصَب على الروائي الياباني هاروكي موراكامي، وفي الوقت نفسه الذي تشهد فيه العلاقات اليابانية الصينية توتراً شديداً بشأن مجموعة جُزر صينية أعلنت الحكومة اليابانية عن “شرائها!”.

والصين الشعبية هي الفضاء الواسع الذي تدور فيه أغلب أحداث روايات “غوان مويه” وقد تحولت الى خشبة مسرح في فؤاده. وقد نشأ الكاتب في غوامي بإقليم شاندونغ في شمال شرقي البلاد، وكان والده فلاحاً، لذا يمكن القول وبثقة بأن روايات “مويه” تتصل بقضايا شعبه وتعبّر عنها. فصِلتهُ بهذا الشعب لم تنقطع ولم تتوتر، وقد بقي على امتزاجه بالريف الصيني الذي يستمد منه على الدوام عنفوانه الأدبي والقلمي وإبداعاته الواقعية. ومن اللافت أن فوز الكاتب بالجائزة إنما كان في جزء منه إمتلاكه الشامل لناصية الكتابة الرفيعة، وتميّزها لديه بعلو مكانتها وفرّادتها الأدبية، الى حد أن القارئ يمكن أن يتنبأ بإسم الكاتب حال قراءته لنصف صفحة فقط من أعماله الروائية!. لذا تقول الاكاديمية السويدية التي رشّحت الكاتب للجائزة بأن “مويه” يَصف في إبداعاته عَالَماً قروياً في جزء من الصين، هو غريب عن معظم الأجزاء الأخرى، وهنا يتضح بأنه ليس مجرد مثقف مُنحدر من هناك، لكنه جزء من (هذا العَالم)، فقد وجد “نقطة انطلاق في الأدب الصيني وفي الفولكلور المَحكي.”.

يتصل الإبداع في في مؤلفات “مويه” بواقعه الحياتي عِبر عشرات السنين. فقد اختار وطنه مسرحاً للحوادث التي تناولها، وكان شعبه بطلها الأوحد، فكانت تعبيراته واقعية لا تـُدحض. وقليلون يعرفون بأن “مويه” أُجبر على ترك المدرسة الابتدائية ليرعى قطيع ماشية في الصين، وفي آحايين عديدة كان مُعدماً لدرجة اضطرته لتناول لحاء الشجر والأعشاب حتى يبقى على قيد الحياة، فكانت هذه المعاناة المُبكرة مصدراً للإلهام غير المنقطع لديه في أعماله التي عالجت قروح المجتمع، لذا فقد قال الكاتب ذات مرة “إن الوحدة والجوع كانا مفتاح الإبداع” في أعماله.

إبداع “مويه” واعتراف العّالم به يُدلل وبجلاء على ديمقراطية النظام الصيني وتميّزه، وانفتاحيته السياسية والادبية، في دولة تُعدُ نصف العالم، تُحضّر نفسها لشغلِ المكانة العالمية الأولى اقتصادياً وتكنولوجياً، وتعرض نمطها الإنساني المضمخ بصداقة الشعوب والأسانيد الريفية التي راكمها الإنسان عبر الألفيات الفارطة بشفافية للقاصي والداني.

السيرة الذاتية للأديب الصيني “مويه”:

ـ من مواليد عام 1955، ونشأ في مقاطعة شمالي شرق الصين لأبوين مزارعين. وبدأ الانخراط في دراسة الأدب وكتابته عام 1976، وفي عام 1981 نُشرت له أول قصة بمجلة أدبية.

ـ يشغل منصب نائب رئيس رابطة الكتّاب الصينيين.

ـ انضم إلى جيش التحرير الشعبي الصيني عقب انتهاء الثورة الثقافية.

ـ درس في معهد الجيش للفنون والآداب.

ـ التحق بجامعة بكين للمعلمين وحصل على درجة الماجستير في الأدب والفنون.
ـ من أقواله المأثورة: “أعتقد أن الكتّاب يكتبون بوازع من ضمائرهم .. يكتبون لقرائهم الحقيقيين .. لأرواحهم”. وقال أيضا “لا أحد يكتب من أجل الفوز بجوائز”.

* كاتبة وصحفية من تونس.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.