تعليق: اصلاح نظام التوزيع سيطلق ثمار التنمية
صحيفة الشعب الصينية:
تعد كيفية معالجة العلاقة بين النجاعة والعدالة، والعلاقة بين الثراء المبكر والثراء الجماعي احدى المسائل الهامة. ورغم انه لا وجود للتوازن المطلق في الحياة، لكن اذا كانت دولة ما تطمح إلى تحقيق نمو مستقر فعليها تأسيس هذا التوازن عبر مضاعفة جهود اصلاح توزيع المداخيل.
وقد طرح مجلس الدولة أثناء الأجتماع التنفيذي الذي عقد مؤخرا لوضع أعمال الربع الأخير من العام الحالي، تحديد مخطط شامل لإصلاح نظام توزيع المداخيل. وقد أثارت هذه الإشارة التي أصدرتها الحكومة الصينية اهتماما كبيرا من وسائل الإعلام الصينية والأجنبية.
وفي الحقيقية، هناك مستويين من الدلالات التي يتضمنها اهتمام الرأي العام الدولي بمشكلة إصلاح نظام التوزيع.
المستوى الأول، يتعلق بمعرفة نمط نمو الإقتصاد الصيني
ذكرت “صحيفة وولستريت” لدى تطرقها مؤخرا لموضوع توزيع الدخل في الصين، ان الإقتصاد الصيني حقق نموا بـ 7.4 % خلال الفترة الثالثة من العام الحالي مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، لكن مؤشرات الإنتاج الصناعي والصادرات والإستثمار ووضع التشغيل اتجهت نحو الأفضل، وقالت أن المشلكة تكمن في نوعية نمط النمو الإقتصادي الذي يجب أن تختاره الصين في ظل الوضع الحالي؟ هل عبر التركيز على نمو الإستهلاك، أو الإعتماد على الإستثمار والصادرات؟ واذا كانت هناك رغبة في انعاش الإستهلاك، فيجب رفع مستوى الدخل والقدرة الشرائية لأصحاب الدخل المتدني. وفي هذا الصدد، يعتقد كبير اقتصاديي صندوق النقد الدولي أوليفيي بلانشارو، أن الإقتصاد الصيني لكي يواصل النمو، يجب أن يقوم بإعادة توزيع للمداخيل. ومن هناك يمكننا أن نرى أن اصلاح نظام التوزيع قد أصبح على علاقة وثيقة مع استمرار نمو الإقتصاد الصيني.
وبالنظر من الطريق الذي سلكته الدول النامية، نرى أنه بعد أن يصل الإقتصاد إلى مستوى معين من النمو، يجب العمل على معالجة مشكلة الفوارق بين الأغنياء والفقراء. وقد فشلت بعض الدول النامية في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي في المحافظة على مؤشرات نمو جيدة بسبب عدم نجاحها في القيام بمعالجة جيدة لمشكلة الفجوة بين الأغنياء والفقراء. فكيف يمكن للصين أن تتجنب الوقوع في “مأزق الأجور المتوسطة”، وكيف يمكنها أن تشكل بنية توزيع تكون غالبيتها من أصحاب الأجور المتوسطة، وهي أيضا مشاكل مرتبطة بقدرة أوعدم قدرة الصين على أن تصبح دولة اقتصادية قوية.
المستوى الثاني، يتعلق بمعرفة طريق التنمية الإقتصادية في الصين
يقول ويليام أرثر لويس الإقتصادي الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد، ان تغير توزيع الدخل هو الشيء الذي يحتوي على أكثر معاني سياسية خلال مرحلة النمو، ومن الأسهل أن يثير مشاعر الحسد والإضطرابات والفوضى الإجتماعية. لذا فإن النجاح أو الفشل في تشكيل نظام توزيع عادل ومنصف، يتعلق مباشرة بإمكانية تطبيق أفكار التنمية اعتماداعلى ممارستها الذاتية. وفي الحقيقة، ان الرؤى السلبية لبعض الغربيين حول الإقتصاد الصيني نابعة أساسا من تشككهم في قيام الصين بتحقيق أهداف أصلاح نظام التوزيع. وبالنظر من هذه الزاوية، نرى أن اصلاح نظام توزيع الدخل يتعلق أيضا بحصول أو عدم حصول طريق التنمية الصينية على اعتراف واسع، وبإمكانيه زيادة جاذبيته بإستمرار.
ان تأسيس نظام توزيع أكثر إنصافا يعد طريقا لابد من عبوره بالنسبة للصين، هذه الدولة النامية الكبرى التي تسعى لتحقيق مجتمع رغيد الحياة. وبعد 30 سنة من الإصلاح والإنفتاح، حقق اصلاح نظام توزيع الدخل في الصين تقدما ملحوظا، حيث يشير استاذ العلوم السياسية بجامعة كولمبيا اندرو كارنيغي إلى أن احد الأسباب الكبرى التي جعلت الحزب الشيوعي يحصل على دعم شعبي، هو حصول تحسن في ظروف حياة غالبية الشعب. وفي نفس السياق نشر كل الخبير الأمريكي المشهور في التنمية الإقتصادية برناب باردان وجون رومور أستاذ العلوم الإقتصادية والسياسية بجامعة يال مقالا مشتركا بعنوان “الإشتراكية السوقية: مثال ذو حيوية “، رأى فيه الكاتبان أن مثل هذا النظام بإمكانه أن يركز أكثر على توزيع المداخيل، ويكون أكثر حساسية لحاجة المجتمع، مثل التعليم، والعلاج، وحماية البيئة، ويجعل المجتمع أكثر توازنا.
ان اصلاح نظام الدخل لا يعد موضوعا صينيا فقط، بل هو موضوع عالمي. لأن إصلاح نظام التوزيع، يعكس مشكلة كيفية احداث توازن بين العدالة والنجاعة، وتواجهه مختلف الدول أثناء تقدم مراحل التنمية. والآن، تترنح بعض الدول النامية على حافة “مأزق الأجور المتوسطة”، بسبب ضعف قدرة الحكومات على اتخاذ القرار والتنفيذ والتعبئة ، وحتى مع وجود طريقة لـ”تقسيم الكعكة”، يكون من الصعب القيام بالتنفيذ. ورغم إختلاف المشاكل التي تواجهها الدول النامية والدول المتقدمة، لكن بالنظر إلى طبيعة المشكلة، فإن الفجوة بين الفقراء والأغنياء تعد مشكلة مشتركة. وعلى سبيل المثال، مثل نمو مداخيل 1% من العائلات الأعلى دخلا في الولايات المتحدة 93% من نمو كافة المداخيل عام 2010. وما يمكن تأكيده هو أن إصلاح نظام التوزيع سيصبح مهمة لايمكن للرئيس الأمريكي القادم التهرب منها. لذا فإن معالجة العلاقة بين النجاعة والعدالة، والعلاقة بين الثراء المبكر والثراء الجماعي، تعد مسألة بالغة الأهمية. ورغم انه لاوجود للتوازن المطلق في الحياة، لكن اذا كانت دولة ما تطمح إلى تحقيق نمو مستقر فعليها تأسيس هذا التوازن عبر مضاعفة جهود اصلاح توزيع المداخيل.
لقد أظهرت الصين للعالم قدرتها على إشباع وإكساء 1.300 مليار شخص. ولاحقا، سيرى العالم بأن الصين لها القدرة والثقة، على تحقيق نظام توزيع للمداخيل أكثر عدلا وانصافا عبر الإصلاح، لتمكين الشعب من التمتع أكثر بثمار التنمية التي يجلبها نظام التوزيع العادل والمنصف.