موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصين تبتلع الصناعة الألمانية

0


بوابة الأهرام المصرية:
برلين ـ مازن حسان‏:‏
في ألمانيا هناك مخاوف متزايدة من ألا تتمكن أقوي دولة صناعية في أوروبا وصاحبة خامس أقوي اقتصاد في العالم من أن تحتفظ طويلا بمكانتها المتميزة هذه ـ ولهذه المخاوف ما يبررها فمعدل المواليد في ألمانيا هو الأقل بين الدول الصناعية، وتواجه البلاد خطر الشيخوخة المبكرة ونقص حاد في القوي العاملة المؤهلة في الوقت الذي لايزال فيه المجتمع الألماني يعاني من مناخ عام لايرحب بالأجانب ومن معوقات بيروقراطية تحول دون فتح باب الهجرة لألمانيا لتعويض التراجع السكاني ونقص القوي العاملة المدربة, فضلا عن تأثيرات أزمة الديون الأوروبية وتحمل الاقتصاد الألماني العبء الأكبر في إنقاذ دول اليورو المأزومة.
غير أن هناك اسبابا اخري تهدد الريادة الصناعية الألمانية تتعلق بالصعود الصاروخي لدول اخري مثل الصين والهند من المتوقع ان تزيح خلال السنوات العشر المقبلة ليس فقط المانيا وانما تتفوق علي جميع الدول الصناعية من حيث القوة اللقتصادية, كما توقعت مؤخرا دراسة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في اوروبا, تسببت في زيادة مخاوف الألمان. ووفقا للدراسة ستتراجع اهمية المانيا وحصتها في الاقتصاد العالمي لتهبط للمرتبة العاشرة لتسبقها دول مثل الصين والهند والبرازيل وإندونيسا كما ستزيح الصين بحلول عام2060 وربما قبل ذلك الولايات المتحدة من المرتبة الأولي كأقوي اقتصاد عالمي.
وتراقب المانيا بإنتباه شديد الأنشطة الاستثمارية الدؤوبة للصين في القارة الأوروبية, مستغلة وطأة ازمة الديون وتراجع اليورو أمام اليوان الصيني بنسبة20% خلال العامين الأخيرين لإبتلاع شركات اوروبية او شراء حصص فيها بعد تراجع قيمتها السوقية وهو تطور يوازيه تراجع مستمر في الاستثمارات الأوروبية والألمانية في الصين ويعد مؤشرا علي تغير موازين القوي الاقتصادية.
ومنذ أيام نشرت مؤسسة برايس واترهاوس كوبر العالمية للاستشارات والخدمات دراسة أكدت فيها ان اوروبا وخاصة ألمانيا اصبحت الوجهة الأولي المفضلة للاستثمارات الصينية. وتنتهج الصين سياسة مزدوجة فهناك علي سبيل المثال صندوق الاستثمار الصيني الحكومي الذي يملك اكثر من ثلاثة بلايين يورو ويتسوق في أوروبا المأزومة بهدوء بعيدا عن اي صخب أو ضجيج إعلامي, مشتريا حصصا موزعة بذكاء في مختلف القطاعات الصناعية والخدمية مثل حصة في الشركة التي تدير مطار هيثرو في لندن وحصة اخري تقدر بـ7% في شركة الأقمار الصناعية الأوروبية اويتلزات واكثر من8% في شركة المياه البريطانية تيمس واتر و اكثر من21% في شركة الطاقة البرتغالية إيه دي بي. وفي المقابل يركز رجال الأعمال والقطاع الخاص الصيني علي المانيا, بهدف رئيسي وهو الحصول علي التقنيات الألمانية الحديثة ذات السمعة العالمية. فعلي سبيل المثال اشتري عملاق البناء ساني الصينية90% من اسهم شركة مضخات الأسمنت الألمانية الأولي في العالم بوتسمايستر بقيمة325 مليون يورو, كما أشترت شركة صينية أخري أكثر من50% من حصة شركة شفينج الالمانية لصناعة الاسمنت وابتلعت لينجيون الصينية اشهر شركة عالمية في مجال صناعة اقفال السيارات وهي كيكرت الألمانية. هذا غير لينوفو الصينية التي ابتلعت ميديون الألمانية للكمبيوتر وأمثلة أخري كثيرة.
ويقول ينز بيتر اوتو مسئول الانشطة الصينية في مؤسسة واتر هاوس كوبر, أنه بعد أن ظل تركيز الصين طيلة مرحلة النمو الأولي موجها لافريقيا وامريكا اللاتينية تبدل الحال إذ يسيل لعاب الصينيون اليوم علي الشركات الأوروبية والألمانية خاصة الشركات المتوسطة التي تشكل عماد الإقتصاد الألماني والتي تتمتع بمستوي رفيع من القدرة علي التطور والإبداع والجودة المرتفعة والسمعة العالمية إذ يكفيها شعار صنع في المانيا الذي يساوي ذهبا. يضاف إلي ذلك موقع المانيا في قلب أوروبا وامكانات الحصول علي دعم من الحكومة الألمانية للاسثمارات في شرق المانيا والأهم منذ لك هو ضمان الحصول علي براءات الابتكارات الألمانية وحقوق الإنتاج. ويفضل المستثمرون الصينيون الشركات المسماة بالأبطال المستترين وهي شركات صغيرة تساهم في صناعة اشهر الماركات العالمية, مثل كيون لصناعة الرافعات وهي ثاني اشهر شركة عالمية بعد تويوتا وقد دفعت شاندونج هيفي ايندستري الصينية نحو800 مليون يورو ثمنا لها.
ولاتزال الصين تحتل المرتبة الـ27 من حيث الاستثمارات الأجنبية في المانيا والتي بلغت في العام الماضي11 مليار يورو وربما يخفف ذلك من مخاوف المسئولين ورجال الصناعة الالمانية من هيمنة صينية وشيكة علي الصناعات الألمانية المحورية. ولكن الكل يدرك هنا ان السنوات المقبلة ستشهد تواجدا صينيا مكثفا للصين في المانيا وهو تطور لا يستطيع احد منعه كما يؤكد اتحاد الصناعات الألماني فآليات السوق الحرة هي التي تحكم عمليات الشراء والبيع, كما أن ألمانيا تستفيد حتي الآن من الأستثمارات الصينية, فالمستثمرون الصينيون يبقون علي القيادات الألمانية للشركات ويضمنون بقاء العمالة الألمانية دون تسريح لسنوات وكثيرا ما تنقذ الاستثمارات الصينية شركات ألمانية من الإفلاس بسبب الأزمة الأوروبية, وبالتالي فإن المصلحة لاتزال مشتركة حتي الآن, وستبقي كذلك مادامت احتفظت المانيا بتفوقها في الابتكار والاختراع والتطوير, ولكن إلي متي هذا هو السؤال الذي يشغل المانيا حاليا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.