موقع متخصص بالشؤون الصينية

الإنترنت في الصين… وقيود الرقابة!

0

Internet
صحيفة الاتحاد الاماراتية:
لسنوات طويلة غضت السلطات الصينية الطرف عن بعض الثغرات الأساسية في جهاز الرقابة الضخم الذي ينظم عملية تصفح الإنترنت ويراقبها مراقبة لصيقة، حيث سُمح لمن يريد الاستفادة من بعض المواقع الأجنبية المحظورة، مثل تويتر وفيسبوك، وكذلك مؤخراً موقع صحيفة «نيويورك تايمز»، بتحميل برامج كمبيوتر خاصة يمكنها الالتفاف على الجدار الصلب الذي أقامته السلطات حول تلك المواقع ودخولها دون عناء. لكن يبدو أن هذا التغاضي قد وصل إلى نهايته بعدما قررت سلطات الرقابة الصينية وضع حد له وتشديد الخناق على برامج الكمبيوتر الخاصة، فخلال الأسابيع الأخيرة ما عاد بإمكان متصفحي الإنترنت في الصين اللجوء إلى برامج خاصة لكسر الرقابة، وهو الأمر الذي أحبط مستخدمي الإنترنت في الصين ومعهم رجال الأعمال الذين يصارعون لدخول مواقف تهمهم قد لا تنطوي على أية خطورة مثل تلك التي توفر خدمات البريد الإلكتروني العادية، أو حتى مواقع أخرى لعرض الأفلام وغيرها. ويبدو أن الحملة الأخيرة للتضييق على مستخدمي العالم الافتراضي تندرج في إطار جهود أكبر تُبذل حالياً على مستوى الصين للجم استخدام الإنترنت بصفة عامة وإخضاعها لمراقبة السلطات، لاسيما بعد أن تحولت الشبكة العنكبوتية إلى ملاذ آمن لأكثر من 500 مليون متصفح صيني يتفادون من خلالها احتكار الحكومة لبث الأخبار والمعلومات. وفي هذا السياق حاولت الصحافة الرسمية في الصين، من خلال افتتاحيات الصحف الكبرى، تبرير الخطوة في اتجاه المزيد من الرقابة والدعوة إلى تشديد الخناق على الشبكة العنكبوتية، بالإشارة إلى أخطار عدم تنظيم الإنترنت وتركها نهباً للمعلومات المضللة والإشاعات المغرضة التي «تهدد الأمن والاستقرار»! وفي افتتاحيتها ليوم الخميس الماضي، اعتبرت صحيفة «بكين مورنينج بوست» أنه «من خلال الكتابة على الكمبيوتر، يستطيع المرء نشر ما يريد، حتى ولو كان فضائح غير مبررة، أو سخرية سلبية، بل يستطيع القيام بما يشاء دون رقيب أو حسيب، لذا يتعين على أية حكومة مسؤولة ألا تترك الإنترنت فضاءً مفتوحاً دون تنظيم لتتحول إلى وسيلة شعبية للانتقام من الآخرين وتصفية الحسابات مع الخصوم».

كما أنه في إطار مزيد من التضييق، اقترحت أكبر هيئة حاكمة في الصين، وهي اللجنة الدائمة بالمكتب السياسي للحزب الشيوعي، مشروع قانون يفرض على مستخدمي الإنترنت تسجيل بياناتهم قبل الاستفادة من الخدمات الإلكترونية، بدعوى محاربة الغش وحالات النصب.

وإذا ما أجيز القانون فإنه سيمثل ضربة قوية لمواقع المدونين المنتشرة على نطاق واسع في الصين، والتي تمنح فرصة جيدة للتعبير الحر بعيداً عن الرقابة الرسمية. فقد تكاثرت مؤخراً مواقع إلكترونية تقدم خدمات شبيهة بتويتر في الصين لما تتيحه من إمكانات التعبير الحر المنفلت من المراقبة الحكومية، وأصبحت تلك المواقع مراكز لتبادل الآراء حول القضايا العامة وتوجيه الانتقادات للمسؤولين والهيئات الحكومية دون إمكانية تعقب المتصفحين. ولعل الأهم من ذلك أن هذه المواقع التي تحفظ سرية المستخدم وتحمي هويته، تحولت مع مرور الوقت إلى وسيلة لفضح بعض التجاوزات وتسليط الضوء على فساد المسؤولين. وفي تفسيره لهذه الهجمة الحكومية على الشبكة العنكبوتية والمحاولات الدؤوبة للتحكم فيها يقول «مايكل أنتي»، أحد منتقدي الإجراءات الحكومية والناشط الإلكتروني من بكين، إن ما يحدث يعكس على نحو واضح توجس السلطات الرسمية في الصين من مجيء الرئيس الجديد «تشي جينبينج» وتأكيده على نيته في محاربة الفساد، الأمر الذي يقلق المسؤولين المتورطين في الفساد. ولعل هذا ما يفسر في رأيه ضغط المسؤولين المحليين على الجهات الحكومية للتضييق على الإنترنت وإخضاعها للرقابة الصارمة، قائلا: «المسؤولون يخشون كثيراً من قدوم الرئيس الجديد، لأنهم يخافون على امتيازاتهم ويعتقدون أن الرئيس سيفتح جبهة ضد الفساد قد تستهدفهم بالدرجة الأولى، لذا يريدون قطع الطريق على أي تهم أو ملفات فساد يتم تسليط الضوء عليها في الإنترنت». والأكثر من ذلك، يرى المراقبون أن السباق لمراقبة الإنترنت قد يطلق التنافس بين الجهات الحكومية المختلفة لتولي هذه العملية دون غيرها، فالتحكم في عمليات تسجيل البيانات للاستفادة من بعض الخدمات الإلكترونية، لن يكون بالمجان، بل ستُفرض رسومٌ على المستخدمين تستفيد منها الهيئات المختصة، وهو ما عبر عنه أحد المسؤولين قائلا إن الاستفادة من الخدمات التي توفرها بعض المواقع يجب أن يمر عبر جهات حكومية ترخص لها، وإلا فستكون العملية غير قانونية يعاقب عليها المشرع بنص القانون.

وحتى طُرق الالتفاف على الراقبة والمواقع الممنوعة من خلال برامج خاصة لكسر الحظر المفروض على المواقع، بات أمراً صعباً في ظل التكنولوجيا الحديثة التي تلجأ إليها الهيئات الحكومية. لكن يرى العديد من المراقبين أن الحملة الصينية الأخيرة على الإنترنت تأتي في سياق ما تنشره بعض المواقع العالمية، ومنها مواقع صينية تبث من الخارج، حول تجاوزات المسؤولين، وعن الثروات الشخصية لعائلاتهم، فضلا عما تداولته تلك المواقع مؤخراً من تجاذبات عرفها الحزب الشيوعي قبل الحسم في اختيار قيادته الجديدة. وعلى سبيل المثال تم حجب موقع وكالة «بلومبيرج» الإخبارية منذ 29 يونيو الماضي عندما نشرت تحقيقاً عن ثروة الرئيس «تشي»، وأعقبه الموقع بتحقيق آخر أكثر شمولية يتناول ثروة ونفوذ أكبر العائلات السياسية في الصين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.