موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصين والشرق الأوسط: من طريق الحرير إلى الربيع العربي

0

china-arabs-book

موقع قناة الجزيرة ـ
محمد عليمات:

يعرض الكتاب العلاقات الصينية-شرق الأوسطية في مجالاتها السياسية والاقتصادية والتجارية والنفطية والثقافية، والأحداث الكبرى في تاريخ هذه العلاقة، ويُفرد فصولاً مخصصة للعلاقات الصينية الثنائية مع خمس دول شرق أوسطية: السعودية والإمارات والصين وإسرائيل والجزائر، ولكن الصين تنشئ أيضًا علاقات واسعة ومهمة مع معظم دول الشرق الأوسط، مثل: تركيا والسودان وعمان ومصر… ويناقش الكتاب أيضًا التوقعات والتأثيرات والتفاعلات المتصلة بالربيع العربي والعلاقات الصينية-شرق الأوسطية.

يعمل محمد عليمات مؤلف الكتاب أستاذًا للعلاقات الدولية في جامعة خليفة في أبو ظبي، وعمل من قبل بجامعة بتسبرغ، وهو متخصص في العلاقات الدولية من جامعة جنوب فلوريدا، ونشر أبحاثًا عدة في العلاقات الدولية والسياسات الأميركية شرق الأوسطية.

يتكون الكتاب من تسعة فصول وخاتمة: العلاقات بين الصين والشرق الأوسط: نظرة عامة، وخمسة أبعاد للعلاقات الصينية-شرق الأوسطية: الطاقة والتجارة ومبيعات السلاح، والعلاقات والتعاون السياسي والثقافي، والمشي على الحبال الرقيقة، والصين في تفاعلها مع الربيع العربي، والصين وإسرائيل والوجود اليهودي في الصين، والصين والمملكة العربية السعودية، والصين وإيران، والصين والإمارات العربية المتحدة، والصين والجزائر، وأخيرًا خاتمة واستنتاجات.

ويهدف الكتاب إلى سد النقص في الإنتاج الفكري المتصل بالعلاقات الصينية-شرق الأوسطية والمساهمة في تحفيز وتنشيط البحث في هذا المجال، فهذا الفراغ الكبير في الدراسات لا يعكس واقع وأهمية العلاقات الصينية-شرق الأوسطية، والكتاب مستمد من خبرة سابقة للمؤلف في تدريس الموضوع في جامعة ولاية ميسوري في الولايات المتحدة.

نظرة عامة على العلاقات الصينية-شرق الأوسطية

في فصل النظرة العامة يعرض المؤلف تاريخ وامتداد العلاقات الصينية-شرق الأوسطية على مدى قرون من الزمان من طريق الحرير إلى الربيع العربي، وقد أحدث الإسلام تغييرًا كبيرًا في طبيعة العلاقات الصينية-شرق الأوسطية، وبدأت منذ الوجود الإسلامي في الصين في العام 751م سلسلة من العلاقات السلمية والتعاونية، في الثقافة والتجارة والعلوم والأنظمة الإدارية والبريدية والصناعات، والزراعة والري، وحدث تمازج وتعايش إسلامي-صيني على مدى القرون، وإن شابه في بعض الفترات أحداث من العنف والنزاع.

تبدو العلاقات الصينية-شرق الأوسطية معقدة ومتداخلة ومتناقضة أيضًا؛ فالصين تقيم علاقات مع إسرائيل وتدعم الشعب الفلسطيني، وتقيم علاقات قوية مع إيران وفي الوقت نفسه علاقات قوية مع السعودية، وهذا يفتح المجال لعدد من السيناريوهات والاحتمالات لمسارات العلاقات وتوازناتها.

وتُعد الصين شريكًا رئيسًا ومؤثرًا في الأحداث الجارية اليوم في الشرق الأوسط، وشاركت على نحو رئيس في الأحداث التي جرت في مصر وتونس وسوريا وليبيا واليمن، وكانت أيضًا لاعبًا دوليًا رئيسًا مع الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا، وقد عارضت الصين إلى جانب روسيا مشروع مجلس الأمن لإدانة النظام السياسي السوري، وكان الموقف الروسي والصيني من سورية موضع استياء في الرأي العام العربي، ولأول مرة أُحرق العلم الصيني بدلاً من العلم الأميركي والإسرائيلي.

كانت إسرائيل أول دولة شرق أوسطية تعترف بالصين الشعبية عام 1950، ولكنها كانت آخر دولة تقيم معها الصين علاقات دبلوماسية في العام 1992، وتُبدي الصين اهتمامًا كبيرًا بالتعاون التكنولوجي المتقدم مع إسرائيل.

وتمثل الطاقة والاستثمارات مركز العلاقات الصينية-السعودية، وتربط الصين بإيران علاقات تاريخية وثقافية قديمة، كما أن النفط يمثل اليوم محورًا رئيسًا في هذه العلاقة، إضافة إلى العلاقات التجارية والتعاون العسكري، وتنشط الصين أيضًا في محاولة حل الأزمة الناشئة مع المجتمع الدولي بسبب البرنامج النووي الإيراني.

وتشكّل الإمارات محورًا رئيسًا لتدفق السلع والتجارة الصينية إلى الخليج والشرق الأوسط وإفريقيا، كما تساهم الشركات الصينية في المشروعات العقارية وأعمال البناء في الإمارات. وللصين علاقات مميزة مع الجزائر تعود إلى حرب الاستقلال الجزائرية، وتشارك الشركات الصينية اليوم في الجزائر في مشروعات بناء وإنشاء الطرق والجسور والسدود والمطارات والمباني والإسكان.. والمساجد أيضًا.

من طريق الحرير إلى الربيع العربي، إنها رحلة راسخة في قرون طويلة (ثلاثة آلاف سنة) من العلاقات المتينة والمعقدة والمتناقضة أحيانًا بين الصين والشرق الأوسط، ويمكن في هذا السياق تحديد عدد من الأحداث والمعالم الرئيسة: طريق الحرير، والمدّ الإسلامي، والمد الاستعماري الغربي، والحرب العالمية الثانية، والفترة الماوية في الصين، ثم مرحلة التقدم الصيني ومشاركتها في العولمة.

كان طريق الحرير شريانًا رئيسًا حيويًا يربط العالم القديم ببعضه، وقد بدأت الصين منذ القرن الثالث قبل الميلاد تدير شبكة من العلاقات التجارية من خلال ما سُمي “طريق الحرير” الممتد من الصين إلى القسطنطينية؛ حيث تميزت الصين بتصدير الحرير والذي كان موضع طلب النخب الحاكمة الغنية، وكذلك كانت تنقل كثيرًا من البضائع والمنتجات الأخرى، مثل: التوابل، والسجاد والخزف والعاج، وكانت الصين تستورد الخيل والإبل من الشرق الأوسط.

وبدأت العلاقات الإسلامية-الصينية في مرحلة مبكرة، ثم اتخذ بُعدًا دبلوماسيًا متبادَلاً في العام 651م، وفي عام 714م اجتاحت الجيوش الإسلامية آسيا الوسطى في حربها مع بقايا الإمبراطورية الفارسية، وبدأت المنطقة برمتها تدخل في إطار الأمة الإسلامية بالتحول إلى الإسلام أو بتحالفات سياسية وعلاقات تجارية وثقافية واسعة بدأت تتشكل على نطاق واسع.

وبدأت في العهد العباسي مرحلة من الاستيعاب والتبادل الحضاري والعلمي والثقافي، واقتبس العرب وطوروا صناعة الورق والريّ، وتعلم الصينيون علم الفلك والملاحة وبناء السفن، ونشطت حركة ترجمة التراث، وتعرض المسلمون في القرن التاسع إلى الاضطهاد والتهجير والقتل، فهاجرت أعداد كبيرة منهم إلى جنوب وجنوب شرق آسيا،.. ثم عادت حالة السلام والتعاون من جديد.

وبدأت منذ القرن الخامس عشر القوة الأوروبية البحرية والإقليمية تصعد وتمتد في العالم الذي أُخضِع لمرحلة كولونيالية شملت الصين، وشهدت المرحلة بين عامي 1911–1949 مرحلة من الازدهار للمسلمين في الصين، وشارك المسلمون في الحكم والإدارة، ولكنهم تعرضوا للإبادة والاضطهاد في المرحلة الشيوعية الماوية.

وبعد الحرب العالمية الثانية صعد إلى القيادة العالمية الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وانقسم العالم بين هذين المعسكرين، وكان أول تفاعل بين الصين والشرق الأوسط في مؤتمر باندونغ عام 1955، ثم بنت الصين في مرحلة ماو إستراتيجية للتواصل والعلاقات مع العالم على أساس حماية مصالحها ودعم حركات التحرر ومواجهة الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي  في آن معًا أو الاستقلال عنهما، ولأجل ذلك فقد عارضت حلف بغداد وإن كان يبدو أنه تشكّل لمواجهة الاتحاد السوفيتي.

أيدت الصين التحرر العربي من الاستعمار، ودخلت في صداقة مع مصر والعراق وسوريا واليمن والجزائر، وكانت الصين تؤيد منذ البداية إقامة دولتين في فلسطين، وقدمت حركة عدم الانحياز منصة للصين لمنع الاعتراف بتايوان، وقدّمت الصين أسلحة خفيفة لمنظمة التحرير الفلسطينية، ولكن موقفها من الصراع العربي-الإسرائيلي ظل محايدًا ويرتكز على الدعوة إلى السلام وحلّ إقليمي للصراع، وبرغم أن الصراع العربي-الإسرائيلي ظل في مركز العلاقات العربية-الصينية فقد تمسكت الصين بحيادها والدعوة إلى حلّ سلمي، وبعد حرب 1967 اعتبرت الصين كلاً من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي مسؤولين عن إطالة أمد الصراع وتفويت الفرصة على الإسرائيليين والعرب لعقد تسوية سياسية.

وبعد الانسحاب الأميركي من فيتنام وجدت الولايات المتحدة ضرورة للتفاهم مع الصين، وبدأت الصين تصعد في السياسة العالمية، وأنشأ الوجود السوفيتي في أفغانستان حالة جديدة مؤثرة في الرأي العام العربي والإسلامي والعلاقة مع الغرب والاتحاد السوفيتي، وتطورت العلاقة إيجابيًا بين الصين والولايات المتحدة.

وكانت الصين أول دولة شيوعية اعترفت بالكويت عند إعلان استقلالها عام 1961، ووقفت إلى جانبها في النزاع مع العراق في ذلك العام، ونشأت علاقات دبلوماسية وتجارية بين الصين والكويت، وفي تطور النزاع العراقي-الكويتي بعد عام 1990 كانت الصين تتخذ موقف الامتناع عن التصويت في قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالكويت والعراق وقد اعتبرت الكويت ذلك أمرًا إيجابيًا.

وبدأت الصين بعد وفاة ماو تتبنى سياسة خارجية واقتصادية جديدة، ووسّعت علاقاتها وشراكتها مع المنطقة وبخاصة في مجال الطاقة، وبدأت دول المنطقة أيضًا تعترف بالصين، الأردن (1977)، الكويت (1978)، لبنان وعُمان (1983)، ثم البلدان الأخرى. وطورت الصين أيضًا علاقاتها مع إسرائيل وتركيا، وبعد عام 1990 تطورت العلاقات الصينية-السعودية لدرجة أن الدولتين أقامتا شراكة إستراتيجية، ورغم أن الصين أيدت الميليشيات اليسارية المعارضة للنظام السياسي في عُمان فقد تجاوزت الدولتان تلك المرحلة ودخلتا في مرحلة جديدة من التعاون.

وبالطبع فقد ساهم انهيار  الكتلة الشيوعية في تطوير العلاقات الصينية مع الولايات المتحدة ومع دول الشرق الأوسط وفي حضور الصين بقوة في المشهد العالمي السياسي والاقتصادي والثقافي أيضًا، وقد ساعدت هذه التحولات الصين في تحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة والاندماج في العولمة، وتحمست دول الشرق الأوسط أيضًا لإقامة علاقات اقتصادية وتجارية مع الصين بسبب التقدم الذي أحرزته في هذا المجال، ولأن الصين حيّدت أيديولوجيتها السياسية -وهي ليست دولة استعمارية وليس لديها أطماع في الهيمنة والتدخل في شؤون الدول- فقد ساعد ذلك على تطور وازدهار علاقاتها وأنشطتها الاقتصادية والتجارية العالمية، ومن أهمها الشرق الأوسط.

ظلت الصين تدعم عمليات السلام ونزع السلاح في العراق ولكنها لم تواجه الولايات المتحدة في سياساتها تجاه العراق، وقد صوتت الصين لصالح قرار مجلس الأمن 1441 في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2002، بتقديم إنذار لصدام حسين لفتح المنشآت النووية العراقية للتفتيش أو مخاطر رد الفعل العسكري الدولي.

في مرحلة الحرب على الإرهاب التي تطورت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عام 2001 تعاطفت الصين مع الولايات المتحدة في الهجمات التي تعرضت لها، وأرسل كل من رئيس الصين ووزير خارجيتها برقية تعزية إلى الشعب الأميركي، وأيدت الصين قرار مجلس الأمن  1368/2001، الذي أكد على أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول تمثل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين، والحق في الرد والقتال بكل الوسائل على التهديدات التي للسلام والأمن الدوليين، وأعرب عن أعمق التعاطف مع الولايات المتحدة، ودعا جميع الدول إلى العمل معًا لتقديم الجناة إلى العدالة والتنسيق للقضاء على الإرهاب.

ووظفت الصين هذه الأحداث لتواجه المعارضة الإسلامية في تركستان بدون معارضة الولايات المتحدة والمجتمع العالمي، ويعيش في الصين حوالي 25 مليون مسلم ينتمي معظمهم إلى إثنيات وثقافات غير صينية، ويواجهون وبخاصة مجموعة اليوغور انتهاكات سياسية وثقافية ودينية، وتواجه الصين أيضًا تحدي مساعي التبت لتقرير مصيرها.

أبعاد خمسة للعلاقات الصينية-شرق الأوسطية

يقدم المؤلف نموذجًا لفهم العلاقة الصينية-شرق الأوسطية في أبعاد خمسة للتعاون: الطاقة والتجارة وتجارة السلاح والثقافة والتعاون السياسي؛ فقد أصبحت الصين مستوردًا كبيرًا للنفط من الشرق الأوسط، ويُتوقع بحلول العام 2030 أن تشكّل واردات الصين النفطية من الشرق الأوسط 70 % من إجمالي احتياجاتها النفطية.

وتوسع الصين علاقاتها التجارية مع جميع دول المنطقة، وتوجد سلعها ومنتجاتها في كل مدينة وقرية في الشرق الأوسط، وتنمو التجارة بين الجانبين نموًا سريعًا، وتشكّل أسواق الشرق الأوسط ساحة متنامية للسلع الصينية قليلة الثمن، كما تنفّذ الشركات الصينية عددًا كبيرًا من المشروعات الكبيرة في البتروكيماويات والأسمنت والفوسفات، وأُنشئت أيضًا منظمات ومنتديات وشركات اقتصادية لتنظيم العلاقات التجارية والصناعية والتكنولوجية والسياحية بين الجانبين.

وتنتشر معاهد كونفوشيوس لنشر الثقافة واللغة الصينية في جميع دول المنطقة، وكذلك المطاعم والمأكولات الصينية، وتزيد أعمال النقل والأمن العسكري ومبيعات الأسلحة الصينية إلى السعودية وسوريا وإيران وتركيا والجزائر والعراق وليبيا واليمن، وتستورد الصين الأجهزة والتكنولوجيا العسكرية المتقدمة من إسرائيل.

علاقات الصين الثنائية مع إسرائيل والسعودية وإيران والإمارات والجزائر

إسرائيل
يعود الوجود اليهودي في الصين إلى القرن السابع الميلادي، وظل اليهود على مدى التاريخ يعيشون في سلام مع الأغلبية الصينية، واستمر وجودهم حتى العصر الحاضر، وكانت إسرائيل أول دولة شرق أوسطية تعترف بالصين عام 1950 وظلت الصين تدعو إلى حل سلمي للصراع العربي-الإسرائيلي، وفي مرحلة الانفتاح طورت الصين علاقتها الثنائية بإسرائيل، في مجال التكنولوجيا المتقدمة في المجالات العسكرية والزراعية ونظم المياه والبحث والتطوير والطاقة النظيفة والعلاقات الثقافية، ويُقدّر حجم التجارة بين البلدين بـ 10 آلاف مليون دولار سنويًا.

السعودية
تطورت العلاقات السعودية-الصينية بسرعة على مدى العقود الثلاثة الماضية، وقد أبرمت في العام 1988 صفقة مهمة للسلاح كان لها أثر إيجابي دائم على الشراكة السعودية-الصينية في مجالات عدة في الطاقة والتجارة والتبادل الثقافي،.. وتوفر السعودية النفط للصين وبالمقابل توفر الصين السلع الاستهلاكية.

وتواجه العلاقة الصينية-السعودية مأزق العلاقة مع إيران وإسرائيل، وإن كان البلدان يؤيدان التسوية السلمية للصراع، كما أن السعودية محبطة من الموقف الصيني مما يجري في سوريا حيث استخدمت الصين حق النقض الفيتو في مجلس الأمن في 4 فبراير/شباط 2012 مما منع الجهود الدولية لإدانة الحكومة السورية، وانتقد الملك عبدالله بن عبد العزيز ملك السعودية الموقف الروسي والصيني، ولكن الصين تحاول عدم استعداء السعودية أو استفزازها، وتسعى للجمع بين تأييد النظام السوري الذي تعارض السعودية سياساته تجاه المدنيين وبين علاقات التعاون والشراكة مع السعودية.

إيران
العلاقة الصينية-الإيرانية ضاربة في أعماق التاريخ، ويقيم البلدان شراكة وتعاونًا في مجالات: السلاح والطاقة والتجارة والتعاون السياسي والعلاقات الثقافية، وقد ساعدت الصين إيران لمواجهة التقدم العراقي وتحقيق التكافؤ مع العراق، وترجيح الصراع في بعض الأحيان ضد العراق، وأقامت الشركات الصينية مجموعة من المشاريع الضخمة في إيران، طرق سريعة، وجسور وسدود ونظام المترو في طهران وتطوير القطاع النفطي في التدريب والتكنولوجيا، وساعدتها في مضاعفة إنتاج النفط، كما قدمت المنصات والمصافي وخطوط الأنابيب والتنقيب عن النفط والغاز والخبرة والتدريب، وساعدتها أيضًا في برنامجها النووي، وهناك أيضًا علاقات ثقافية حيث يوجد مركز كونفوشيوس في إيران والجناح الإيراني في معرض شنغهاي وفي مجال السينما.

الإمارات
بدأ كل من الصين والإمارات منذ ثلاثة عقود نهضة اقتصادية سريعة وواسعة، وأنشأ البلدان شراكة اقتصادية قوية منذ العام 1980 وتُقدّر التجارة الثنائية بين البلدين اليوم بـ 35 مليار دولار، وتتنامى الشراكة بسرعة كبيرة لدرجة أنه يُتوقع أن يصل حجم التجارة بحلول العام 2015 إلى مائة مليار دولار، والصين اليوم هي الشريك الرئيس للإمارات بعد الهند.

ويُعدّ سوق التنين الصيني في دبي أكبر مجمع تجاري خارج الصين، وتشمل العلاقات الثنائية بين البلدين التكنولوجيا والطاقة والغاز والسلع الاستهلاكية والخدمات وصناعة السيارات والمنسوجات، وقد خفضت الإمارات علاقاتها مع تايوان للحفاظ على علاقاتها مع الصين في أفضل حالة.

واستفادت الإمارات من شراكتها مع الصين في بناء قوة قادرة على الدفاع عن مصالحها وحدودها، كما أنشأت الشركات الصينية مشروعات ضخمة في الإمارات، مثل: نخيل دبي العالمية، والميناء، وفنادق ومنتجعات سياحية، وتهتم إدارة الميناء الدولي الإماراتية بالعمل والاستثمار في الموانئ الصينية.

السياسة الصينية والمشي على الحبال الرقيقة

تدير الصين علاقاتها مع الشرق الأوسط بمهارة معقدة وعلى نحو فيه من التوافيق والمغامرات والمخاطر الصعبة الكثير؛ فهي تبني شراكة إستراتيجية مع إسرائيل وفي الوقت نفسه أقامت شراكات كبرى مع الدول العربية، وتواصل دعمها التقليدي للشعب الفلسطيني، وفي علاقتها مع الولايات المتحدة فإنها تقدم بعض الدعم لسياستها الخارجية في المنطقة، وفي المقابل فإن الولايات المتحدة توفر الأمن والحماية للنقل النفطي إلى الصين، وتقيم الصين في الوقت نفسه علاقات قوية وواسعة مع إيران في التسليح والنفط، برغم المعارضة الأميركية والإسرائيلية للبرنامج النووي الإيراني، والتحفظ السعودي والخليجي على كثير من سياسات إيران الإقليمية، ولكن السياسة والمواقف الصينية تجاه ما يجري في سوريا كانت موضع استياء عربي واسع.

لقد أحدث الربيع العربي ارتباكًا كبيرًا في السياسة الصينية، وإن كانت تبدي موقفًا مؤيدًا للنظام السوري في مواجهة الثورة، ولكن الربيع العربي لم يتمخض بعد عن حالة نهائية مستقرة يمكن التنبؤ بها، كما أن الصين كانت قد أنشأت علاقات مستقرة مع الأنظمة السابقة التي أطاحت بها الثورات العربية مؤخرا، ويؤكد المؤلف أن المنطق التاريخي هو انتصار الشعوب في سعيها إلى الكرامة والعدالة والتنمية، وهذا سيضع الصين في مأزق في علاقاتها المستقبلية مع دول المنطقة ومجتمعاتها.

وتواجه الصين أيضًا تحديات قوية للحفاظ على مصالحها وسيادتها ووحدة أراضيها ومواجهة قضاياها الأساسية الثلاث: التبت وشينجيانغ وتايوان، فدول الشرق الأوسط تتناقض مصالحها وبعضها يخوض في صراع ضد البعض الآخر، كما أن شينجيانع ترتبط روحيًا ودينيًا مع المسلمين في الشرق الأوسط، وتُبدي دول ومنظمات شرق أوسطية قلقها تجاه الحريات الدينية في الصين والمعاملة الصينية للمسلمين الصينيين، وتحتاج الصين إلى دعم وتعاون دول الشرق الأوسط في بسط سيادتها على إقليم شينجيانغ ذي الأغلبية المسلمة، المرتبطة ثقافيًا وعرقيًا بآسيا الوسطى، ويسعى المسلمون في هذا الإقليم إلى استقطاب دعم وتأييد السعودية وتركيا وسائر دول الشرق الأوسط الإسلامية. وقدمت الصين إلى تركيا تكنولوجيا وأجهزة متقدمة في مجال الصواريخ الإستراتيجية والتجهيزات العسكرية وفي المقابل كانت الصين تريد من تركيا أن توقف دعمها للحركات الإسلامية الاستقلالية في تركستان الشرقية “شينجيانغ”، وقدمت تركيا أيضًا تسهيلات تجارية في أسواقها للصين.

وتشارك الصين السعودية في مشروعات كبيرة في الطاقة والبناء، وتسعى بالطبع إلى تحييد السعودية في الصراع الطائفي ضد مسلمي اليوغور، وتبدو الأمور متناقضة بالنسبة للصين التي تبني المسجد الكبير في الجزائر والذي يُعد ثالث أكبر مسجد بعد الحرمين في مكة والمدينة، وتخوض في الوقت نفسه صراعًا مع المسلمين في أراضيها، وتحرمهم من حرياتهم الدينية.

ويمثل الربيع العربي تحديًا للعلاقات الصينية-شرق الأوسطية؛ ففي سعيهم للحرية والعدالة يعيد العرب تقييمهم لمصالحهم وعلاقاتهم على هذا الأساس، وقد يضع ذلك الصين في موقف النقد والاستياء العربي، كما أن الولايات المتحدة وأوروبا واليابان اكتسبت مزايا إضافية في الربيع بسبب موقفها المتضامن مع الحراك الشعبي العربي المطالِب بالإصلاح، ويمثل موقف الصين من حقوق الإنسان عقبة أمام قدرتها على الانتشار والقبول السياسي والثقافي ويؤثر ذلك بالطبع على مصالحها وفرصها الاقتصادية.

تفضل الصين بقاء الوضع الراهن ولا تؤيد التغيير في الشرق الأوسط فمصالحها قائمة على أساس هذا الوضع، كما أن الربيع العربي والديمقراطية الواعدة في الشرق الأوسط تفتح المجال واسعًا لدعم الحرية وحقوق الإنسان في الصين، وحق تقرير المصير لأقاليم وجماعات تعتقد أنها محتلة، مثل التبت، وشينجيانغ.

كما أن الصين تقدم السلاح لأنظمة قمعية مثل السودان وليبيا في عهد القذافي، وتبدو اليوم حليفة لهذه الأنظمة، ويرجح أن فرص التعاون في مرحلة ما بعد سقوط هذه الأنظمة السياسية سوف تتضاءل، وقد بدأت الشركات الصينية تواجه بالفعل صعوبات في ليبيا.

وفي الوقت نفسه فإن الصين تقيم علاقات راسخة وقوية وشبكية في الطاقة ومبيعات السلاح والتجارة والثقافة والعلاقات السياسية؛ فالصين هي أكبر مستورد للنفط من الشرق الأوسط بعد الولايات المتحدة، وهي الشريك التجاري الأول أو الثاني لدول الشرق الأوسط.

ويربط الصين بالشرق الأوسط تاريخ طويل من العلاقات ممتد في الثقافة والتراث والفنون والموسيقى إضافة إلى التجارة، وتواصل الصين تكريس علاقاتها الثقافية من خلال معهد كونفوشيوس الذي تنتشر فروعه ومراكزه في دول الشرق الأوسط، ويزداد أيضًا الإقبال على تعلم اللغة الصينية، كما تدرّس الجامعات الصينية لغات الشرق الأوسط: العربية والتركية والفارسية والعبرية، فهناك عشرة آلاف طالب صيني يدرسون العربية في الجامعات الصينية، وأصبح الشرق الأوسط وجهة سياحية للصينيين.

وتقيم الصين أيضًا علاقات سياسية نشطة مع دول الشرق الأوسط، وتقدم الدعم للشعب الفلسطيني، وتقيم علاقات قوية مع إسرائيل، وتشجع التسوية السياسية للصراع العربي-الإسرائيلي، وتشارك الصين أيضًا في قوات حفظ السلام في لبنان، وتسعى في حل الأزمة السياسية بين إيران والغرب، وفي ذلك فإن الصين أدارت علاقات سياسية ودبلوماسية متوازنة بين الخصوم في الشرق الأوسط.

.. ولكن يبقى الربيع العربي تحديًا كبيرًا للصين!

معلومات عن الكتاب
المؤلف: محمد عليمات. Muhamad S. Olimat
عنوان الكتاب باللغة الأصلية: China and the Middle East From Silk Road to Arab Spring
عرض: إبراهيم غرايبة – كاتب أردني
الناشر: Routledge
سنة النشر: 2013

ملاحظة من إدارة “موقع الصين بعيون عربية”: لا يعني نشر هذا النص تبنياً لأفكاره التي يخضع الكثير منها للنقد، وحتى للنقض.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.