موقع متخصص بالشؤون الصينية

التوتر في شبه الجزيرة الكورية بين نهج كوري ديمقراطي لن يتبدل وعداء أمريكي لابد أن يتغير

0

NorthKoreaSouthKorea

وكالة أنباء الصين الجديدة ـ شينخوا ـ            
بقلم: شيماء خه:
مع بلوغ حدة التوترات أشدها في شبه الجزيرة الكورية، بدأت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية يوم الإثنين تدريباتهما العسكرية المشتركة السنوية، وعليه قطعت كوريا الديمقراطية خط الاتصال الساخن مع جارتها الجنوبية وأعربت عن استعدادها لخوض المعركة جيشا وشعبا، فيما تنبأت الأخيرة بأن الأولي ستجري مناورة عسكرية هذا الأسبوع الذي تتكهن وسائل الإعلام بأنه سيكون أسبوع المواجهة بين الكوريتين.

ويذهب المحللون الصينيون إلى أن هذه المواجهة لن تفضى إلى نشوب حرب شاملة في شبه الجزيرة الكورية، ولكن إقدام كوريا الديمقراطية على ما فعلته يهدف أساسا إلى ممارسة ضغوط عسكرية على كوريا الجنوبية لكي تدفع الولايات المتحدة إلى تغيير سياستها العدائية تجاه بيونغيانغ، وهو تغيير قد يتطلب من الولايات المتحدة تفكير عميق ودراسة طويلة.

— نشوب حرب شاملة بين الكوريتين أمر غير وارد

وكانت كوريا الديمقراطية قد تعهدت بإلغاء اتفاقية الهدنة الكورية بدءا من 11مارس وذلك في الوقت الذي قرر فيه مجلس الأمن الدولي فرض عقوبات على بيونغيانغ نتيجة التجربة النووية التي أجرتها تحت الأرض في الـ12من فبراير المنصرم.

وفي هذا الصدد، قال دو ون لونغ الباحث في أكاديمية العلوم العسكرية الصينية إن رد فعل كوريا الديمقراطية معتاد ويأتى على هذا النحو دائما، إذ أنها تعمل بمنطق “العين بالعين والسن بالسن” وتعتقد أن “لكل فعل رد فعل أكثر منه في المقدار ومضاد له في الاتجاه”، لافتا إلى أنه إذا أدخلت كوريا الديمقراطية وقف اتفاقية الهدنة حيز التنفيذ، فيمكنها حينئذ شن هجمات من جميع جهاتها، بما في ذلك خط عرض “38” الذي يفصل بين الكوريتين والمناطق البحرية المتنازع عليها.

ولم يستبعد السيد دو إندلاع مناوشات بين الكوريتين، قائلا إن نشوبها ليس في صالح الطرفين غير أنها لن تكون كبيرة الحجم ولن تدفع بالعلاقات بين شطري الجزيرة إلى طور حرب واسعة النطاق.

وأوضح دو أن كوريا الديمقراطية اتخذت موقفها المتشدد هذا بدافع الاضطرار في ضوء ما تواجهه من ضغوط عسكرية جراء التدريبات السالف ذكرها، قائلا إن بيونغيانغ تشعر باستياء شديد إزاء مثل هذه التدريبات المتكررة وتعتبرها استفزازا وتهديدا، لذا ترغب في اتخاذ رد عسكري.

وشاطره الرأي تشانغ ليان قوى، البروفسور بمعهد الدراسات الاستراتيجية بالمدرسة الحزبية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، قائلا إنه في ظل الظروف الحالية، يمكن أن تحكم كوريا الديمقراطية على نفسها بأنها باتت دولة قوية بعد نجاح تجربتها النووية الأخيرة، وبالتالي فإن ثمة احتمال قائم في مخاطرتها باتخاذها بعض التحركات، ما قد يفاقم من حدة الوضع في شمال شرق آسيا.

ومع ذلك يرى المحلل السياسي الصيني ليوي نينغ سي إن كوريا الديمقراطية لا تمتلك المقومات التي تمكنها من شن حرب شاملة، حتى ولو خاضها جميع أبناء شعبها وأفراد جيشها.

— قطع الاتصال ظاهريا ولفت الانظار باطنيا

ويعتقد المحللون أن الغرض الحقيقي لكوريا الديمقراطية من وراء إجراءاتها الأخيرة هو حمل الولايات المتحدة على تغيير سياستها العدائية تجاه بيونغيانغ، إذ أنها تقطع الاتصالات مع جارتها الجنوبية ظاهريا وتريد لفت انظار الولايات المتحدة باطنيا.

ويفسر جي شين لونغ، الصحفي والخبير في الشؤون الكورية، وجهة نظره قائلا إن كوريا الديمقراطية ضاقت ذراعا بما شهدته في العقدين الماضيين من تدهور في وضعها الدولي الذي تظن أنه نابع أساسا من السياسة العدائية الأمريكية والحصار الاقتصادي المفروض عليها من قبل أمريكا والغرب، ولهذا فإن لديها يقين راسخ بأنه ما لم تغير واشنطن سياستها هذه، فلن يتحسن وضعها الدولي.

وقال جي إن التصرفات الاستفزازية لكوريا الديمقراطية ترمي إلى “حلحلة” الوضع الراهن فلربما ينتهى الأمر بإجراء حوار مع الولايات المتحدة، موضحا أنها تريد في الوقت ذاته أن تنقل رسالتين: أولهما التعبير عن استيائها تجاه العداء الأمريكي لها و اظهار يقظتها وحذرها، وثانيهما التعبير عن استعدادها لخوض الحرب بعدما لم تجد مشاوراتها مع كوريا الجنوبية والولايات المتحدة نفعا.

وأوضح جي أن كوريا الديمقراطية تسير على دربين، أحدهما صلب والآخر لين. فقد وجهت من ناحية الدعوة إلى لاعب كرة السلة الأمريكي الشهير دنيس رودمان إلى زيارتها، وأعلنت من ناحية أخرى عزمها إلغاء اتفاقية الهدنة، مضيفا أن المواجهة هي “الطريق”، والحوار هو “بيت القصيد”.

وأشار دو إلى أن تحركات كوريا الديمقراطية الأخيرة تشكل ضغطا عسكريا هائلا على كوريا الجنوبية وتوضح استراتيجيتها في التعامل مع الوضع الحالي بشبه الجزيرة الكورية، قائلا إنه نظرا لكون هذه التحركات تأتى بعد فترة قصيرة من تولي رئيسة كوريا الجنوبية بارك غيون- هى مهام منصبها وفي وقت مازالت تتشكل فيه ملامح السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة، فإنها قد تدفع كوريا الجنوبية إلى إحداث تحول ما في سياستها تجاه جارتها الشمالية يكون من شأنه اشعال فتيل الخلافات بين سول وواشنطن، وهو بالضبط ما تريد أن تشهده بيونغيانغ.

— حيرة واشنطن بشأن تغيير سياستها العدائية تجاه كوريا الديمقراطية

وعلى الرغم من الرغبة الدفينة لدى كوريا الديمقراطية في إجراء حوار، إلا أن أسلوب التعبير عن ذلك لم تتفهمه الولايات المتحدة جيدا، والدليل على ذلك أن المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني صرح بعدما هددت كوريا الديمقراطية بإلغاء اتفاقية الهدنة بأن “كوريا الديمقراطية لن تنجز شيئا بالتهديدات أو الاستفزازات التي لن تؤدى سوى إلى زيادة عزلتها”.

ومن جانبه قال المحلل السياسي ليوي إنه يتعين على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي التفكير بعناية في كيفية منع كوريا الديمقراطية من مواصلة تجاربها النووية، إذ أنه مع تشديد العقوبات عليها، تعزز بيونغيانغ من قوة تجاربها المرة تلو الأخرى، ما قد يسفر عن نتائج غير متوقعة.

ولكن السيد جي أعرب عن اعتقاده بأن الولايات المتحدة تفكر في عدة نقاط في آن واحد. أولا، أن كوريا الديمقراطية ذات مغزي استراتيجي بالنسبة لها، فهى اشبه “بمسمار جحا” وصانع المشكلات دوما في منطقة شرق آسيا، ما يتيح للولايات المتحدة ذريعة لدخول المنطقة والتمركز فيها. ولكن خلال العقدين الماضيين، استغلت كوريا الديمقراطية القضية النووية كورقة ضغط على الولايات المتحدة لكي تنظر لها الأخيرة على أنها قوة لا يستهان بها وليست مجرد صانعة تبريرات لدخولها منطقة شرق آسيا. ومع استمرار تقدم كوريا الديمقراطية على طريقها النووي، تقع الولايات المتحدة الآن في حيرة بين أمرين إما أن تحل القضية النووية عبر المفاوضات لتتخلي بذلك عن مصلحتها الاستراتيجية الآنية والمستقبلية في المنطقة أو أن تترك هذه القضية تتصاعد إلى حد أبعد، ما يعتبر خيارا مؤلما للولايات المتحدة.

غير أن المحللين الصينيين اتفقوا في أن طريقة تعاطى الولايات المتحدة مع التوترات الحالية في شبه الجزيرة الكورية تتوقف تماما على حكمها على الوضع هناك، آملين في أن تعود الكوريتان والأطراف المعنية إلى طريق المحادثات السداسية، إذ أنها أفضل وسيلة لتحقيق السلام في شبه الجزيرة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.