موقع متخصص بالشؤون الصينية

الفلبين وتايوان.. ‏خلافات الحدود في بحر الصين الجنوبي

0

Philippines-USA

بوابة الاهرام المصرية:

بينما ينشغل العالم بمتابعة تطورات الوضع المتوتر في منطقة جنوب شرق آسيا بين الكوريتين‏,‏ ظهرت في الافق بوادر أزمة جديدة في المنطقة .

ولكن هذه المرة بين تايوان والفلبين وذلك بعد اطلاق قوات حرس السواحل الفلبيني النار علي مركب صيد تايواني مما اسفر عن وفاة صياد, ليكون الحادث بمثابة اشارة البدء لسلسلة من الاحتجاجات الرسمية والشعبية في تايوان بدأت بحرق الأعلام الفلبينية ثم اتخاذ إجراءات اقتصادية عقابية وأخيرا القيام ببعض التدريبات العسكرية قبالة السواحل الفلبينية اشتركت فيها فرقاطتان ومدمرة وبعض السفن التابعة لحرس السواحل في اجراء يهدف ــ كما جاء علي لسان مسئوليها ــ لاظهار التصميم علي الدفاع عن سيادة تايوان عن مياهها.
ورغم أن الفلبين دفعت بان الحادث الذي وقع أوائل الشهر الحالي لم يكن متعمدا, وأن القوات الفلبينية كانت في حالة دفاع عن النفس بعد أن شكت أن مركب الصيد التايواني يحاول اعتراض طريقها, الا أن تطورات الاحداث المتلاحقة سارت في طريق التصعيد الذي توج باجراء التدريبات العسكرية, وهو ما اثار مخاوف أطراف دولية عديدة في مقدمتها الولايات المتحدة من أن يتجه الموقف للأسوأ, فبادرت بالاعراب عن قلقها من التوترات بين الجارتين وعن أملها في أن يتجنب الطرفان اتخاذ اجراءات تصعيدية بينهما.
ويبدو أن هذه المخاوف لها ما يبررها, فالبلدان يتنازعان منذ سنوات علي المياه الاقليمية ولم يسبق لهما التفاوض من قبل حول هذا الملف, كما أن هذا الحادث ليس الأول فخلال السنوات الماضية قامت السلطات الفلبينية باعتقال عدد من الصيادين التايوانيين وصادرت قواربهم وأطلقت النار علي صياد آخر. ولعل ذلك هو السبب وراء الموقف الحازم الذي اتخذته تايبيه منذ اللحظة الاولي بعد أن طالبت جارتها باعتذار رسمي وأعطتها مهلة ثلاثة أيام لاعلان الخطوات التي ستتخذها حيال الحادث محذرة من اتخاذها اجراءات دبلوماسية واقتصادية اذا لم تستجب بشكل ايجابي, وهي المهلة التي انتظرت الفلبين انتهاءها ثم جاء اعتذارها علي لسان رئيس بعثتها في العاصمة التايوانية الذي أكد أن مانيلا وافقت علي تعويض عائلة الصياد وعلي بدء تحقيق مشترك في الحادث, وهو الاعتذار الذي قوبل بالرفض باعتبار أنه افتقر الي الجدية والسرعة المطلوبة وأنه لم يأت من مسئول رفيع بالدولة ولم يكن اعتذارا صادقا, لتزداد بعد ذلك قائمة المطالب التايوانية لتشمل معاقبة المسئولين عن الحادث والبدء في محادثات ثنائية لمناقشة الحدود البحرية وحقوق الصيد, ثم اتبعت ذلك بسلسة من الاجراءات العقابية بدأت باصدار تحذير لمواطنيها من السفر للفلبين, ثم تعليق عمليات التبادل التجاري والاكاديمي بين الجانبين واستدعاء ممثلها في مانيلا, والامتناع عن اصدار تأشيرات عمل جديدة للعمالة الفلبينية المقدر عددها حاليا بنحو88 ألف شخص معظمهم في قطاع الصناعة ووقف تلقي طلبات جديدة للتوظيف التي تصل معدلها الي ثلاثة آلاف طلب شهريا. ولم يقف الامر عند هذا الحد فيبدو أن حجم الغضب الواسع تسبب في تعرض بعض العاملين الفلبينيين لاعتداءات كما تردد امتناع اصحاب الأعمال التايوانيين عن تشغيل العمالة الفلبينية, وهو ما دفع المسئولين الفلبينيين لمطالبة مواطنيهم بالحذر ولمناشدة تايوان عدم اشراك العاملين الفلبينين علي أراضيهم في هذه المشكلة. ويبدو أن هذه الاجراءات دفعت الفلبين لتغيير لهجتها وطريقة تعاملها مع الازمة فخرج الرئيس بنينو أكينو ليعلن اعتذار بلاده عن الحادث ويرسل مبعوثا شخصيا لابلاغ عائلة الصياد ومواطني تايوان اسفه العميق واعتذاره.
وهنا يشير المراقبون إلي أن الحادث الأخير دفع بقضية العلاقات المتوترة بين الطرفين للسطح, فالفلبين من جانبها تشعر باستياء شديد بسبب صناعة الصيد الاكثر تقدما في تايوان والتي تتيح لها أفضل استفادة من الموارد البحرية بالقرب من سواحلها وبشكل لا تستطيع الفلبين مجاراته. أما الاجراءات التي اتخذتها تايوان فهي لا تعكس فقط الغضب من موت أحد مواطنيها وانما تعكس بشكل اوسع الغضب من رد الفعل الفلبيني ازاء تكرار اساءة معاملة صياديها في المياه المتنازع عليها. فالبلدان لم يناقشا من قبل تحديد الحدود البحرية رغم تداخل هذه الحدود بسبب القرب الجغرافي الشديد بينهما, وهو أمر ترجع أهم أسبابه الي أن الفلبين تتبع سياسة الصين الواحدة أي أنها تعترف بالصين فقط ولا تعترف بتايوان. وهو وضع يزيد الموقف تعقيدا خاصة وأن هذه المنطقة تعد مسرحا لخلافات دبلوماسية متصاعدة بين العديد من دولها الواقعة في منطقة بحر الصين الجنوبي, فالي جانب هذين البلدين تمتد الخلافات لتشمل الصين وسلطنة بروناي وماليزيا وفيتنام, وبخلاف كونها نقطة تلاقي ممرات بحرية مهمة فهناك احتمال أن تكون غنية بالنفط والغاز, ومن هنا يخشي المراقبون أن تتصاعد حدة الخلافات وتتسبب في نشوب صراع في تلك المنطقة المزدهرة اقتصاديا حيث يتوقع أن يزداد التنافس علي الموارد.
وايا كان الامر فان هذا الحادث وتداعياته ثم الاستجابة لدعوات التهدئة ربما يكون سببا في وضع حد لهذه الخلافات الحدودية البحرية ودافعا لوضع معايير جديدة للتعامل لمنع تكرار هذه الحوادث في المستقبل, فتايوان لا تطالب بالعدالة لاسرة هذا الصياد فقط ولكنها تطالب بحل دائم لهذه المشكلة. وهو هدف وعدت حكومة مانيلا بتنفيذه بعد تأكيدها أن التحقيق سيكون شاملا وسريعا وموضوعيا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.