موقع متخصص بالشؤون الصينية

الحُلمُ الِصيني.. فلسفة الصُمودِ وسِفرُ الخُلودِ

0

Yin_Yang

صحيفة الديار الأردنية ـ
مروان سوداح – قواندونغ*:
لكل بلد لون. وهذا اللون لا يتكرر ولا يستنسخه أحد. فالميزُ لواحدٍ، والتميّز هو صفة ملازمة للواحدية، والصين تتميز بكونها الأولى في البشرية في مناحٍ عديدة، منذ أُولى الأزمان، وبدايات التأريخ الإنساني، والشروع بالإختراعات والإكتشافات الأُولى أيضاً.  وفي عَين مدير الدائرة الإعلامية في المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، الأخ علي عبد الرضا العطواني، فإن الصين جاذبة ولافتة في كل شيء، بناسها وقِوامها الروحي والإنساني والمادي، وبتراكماتها الثقافية والحضارية، وعلاقاتها المؤنسنة حتى نهاية النهايات، وهي لا تخرج عن هذا الإطار ولا تحيد عن طبيعتها، ولا تبدِّل رسالتها، فقد كانت وما تزال تجمع الإنسانية في ذاتها والى جانبها تتعايش كل قيم الخير والصلاح والتواصل، وتحرص على مبادئ التراحم والتحابب بين البشر.
في رؤيتي ككاتب أتواصل مع الفكر الصيني وواقعه وفلسفة الدولة الصينية منذ 45 عاماً، أن هذه الصين كانت معروفة وشهيرة بين الأُمم القديمة، بحضارتها وثقافتها ومحوريتها على الصُعد كافة، ولا أدلَّ على حقيقة ذلك الوصية المُحمدية “أُطلبوا العلم ولو في الصين”. لهذا نرى كيف تمكّنت هذه الحضارة من التواصل الغير المنقطع مع العالم، واستمر إشعاعها عليه بأنوارٍ متجدِّدةٍ وفيضانات متكاثرة بإختراعاتها ونتاجاتها القِيمية القيّمة، وقد عرفت الدنيا الكثير عنها عن طريق “ممالك “هان” المتعاقبة تاريخياً، وعن طريق قادة “هان” الى عصرنا الحالي. فقد كانت هذه الأمة وتبقى، أمةُ عصبِ الحياةِ ونبعِ الجديدِ، وموئل العُلماء ومقصد الخُبراء، ومهبط الإنباءات الشافية. وفي الفلسفة العالمية، برزت الصين كأول مُنتج لها، خلافاً للعُرف السائد بأن اليونان كانت الأولى، وهي تهجّمُات على شاكِلة فبركات “فكرية” تهدف الى تكريس الفكر الاوروبي على اختلافه وخلافاته البينية كينبوعٍ للفكر العالمي، وكمُكوِّنٍ أساسي له، وعنصرِ مِدماكٍ يَقوم عليه العالم و “ليس على غيره!”، ولإقصاء آسيا و “الآسيوية” العامرة عن مراكز إشعاع أُخرى تُملي في العادة نمطية فكرية مِن شكل مُحدّد بسبب سيطرة أذرع توسعية عليها وتكريسها للتدخل بشؤون الغير، رغبة بتكريس الشمال، الاوروبي تحديداً، مُهيمناً على الجنوب الأرضي “الثالث!” وعلى القارات القديمة ودولها برُمَّتِها، ومنها بلاد الشام وسورية القديمة والحديثة، التي أثرت جميعها مسيرة البشرية وأغنتها، منذ أُولى خطوات الإنسان ودبيبه على هذه الأرض الشاسعة في آسيا وافريقيا. وفي العادات السلوكية الأُوروبية الغربية في “العالم الثالث”، وهو مصطلح انحطاطي واسترقاقي الأهداف تطلقه أُوروبا على الأمم العريقة القديمة في الجنوب الأرضي وعلى الشعوب في البَر الشرقي الآسيوي، إنكار مُزمن للفلسفة الصينية بخاصة، ولتاريخ الصين الإنساني بعامة، برغم اكتشافات المثقفين الغرب أوروبيين والأمريكيين للفلسفة الصينية ومكانتها العالمية عِبر الأزمان، حيث تكشّف تفوّق “الصينية” على “الغربية” بدرجات كثيرة وكبيرة أكدت الفشل الذريع للاعتقادات الغربية في الفكر والثقافة والحضارة والإنسانية.
لذا، فقد عادت الفلسفة الصينية لتستقر بإجتراحاتها القيمية في مصاف الفلسفات الانسانية، قديمها وحديثها. ففي الإجتراحات المتواصلة للفلسفة الصينية أنها تمكنت بلا مُنازع مِن الحفاظ على بلادها عزيزة وأبية وفي قِمة العطاء الإنساني، ولجَمت شرور التقدّم الإجتماعي والصناعي الفالتة التي تُميِّزُ الرأسمالية الغربية الجشعة وإمبرياليتها الميغا، ولعبت “الصينية” الدور الأول، بواقعية وحق، في تكامل المجتمع المحلي الخاص بها روحياً وخُلقياً والتأثير الحاسم على الثقافات الأُخرى عالمياً وجرّها الى ضرورة الاستئناس بالآخر. زد على ذلك تِلكُم التماسك الإجتماعي الشامل، والمقاومة السياسية السلمية والمؤنسنة بمُحدِّدات الإنسان العاقل تجاه الآخر العدواني والإستكباري والإستضعافي، فكراً وممارسةً، فاحتفظت الصين بشساعتها المعهودة عقلاً وإنساناً وجغرافيةً بسيادتها الفكرية على نفسها، وحَفِظت بقوة الإدراك كيانها المادي المُحدَّدِ المَعالمِ والمُتميِّز وذا الألوان الخاصة به، وهو كيان لم يتلّون بغيره، ولم يَغدر بأحدٍ، فحازَ على مَيزٍ أبدي يُسجل لأُمة “هان” العظيمة ودولتها الصينية بحروف من نور ونار في سِفر الخلود وفلسفة الصمود.
*رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء الصين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.